نشرة “الإنسان والتطور”
الخميس: 4-2-2016
السنة التاسعة
العدد: 3079
ص 223 من الكراسة الأولى
القراءة:
تداعيات هذه الصفحة ليست مألوفة لى فى صفحات التديبات، فأنت يا شيخى الفاضل نادراً ما تتخذ موقع الناصح هكذا مباشرة، ولا موقف الحكيم الذى يلقى الحكمة فى ألفاظ تصل أو لا تصل، لذلك استقبلتُ هذه الصفحة ليست باعتبارها نصحا، ولا هى وصلتنى على أنها حِكَمُ تٌقَال وتُتَناقل من ضمن ما يسمى مكارم الأخلاق للحث على التجلد والتحمل باستصغار الزائل.
حاولت أن استحضر حضورك يا شيخنا وأنا أقرأ كل سطر بشكل مختلف، ولكن يا ترى هل كنت توجه الخطاب لنا أم لنفسك تدعوها لمزيد من الصبر ورفض كل ما يحول دون الفرح بالهواء والضحك، ما أجمل دعوتك أن نملأ وجودنا بالهواء والفرح، الهواء إذا اقترن بالفرح وصلتنى حالة: انشراح الصدر “رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِي وَيَسِّرْ لِى أَمْرِى”، هذا هو انفتاح للحياة فى الحياة، ومن لا يعرف ذلك فليحاول أن يكتم نَفَسَهُ بضع ثوان أو دقيقة، ربما يصله تعبير “ملء الوجود بالهوء!!” أما ملء وجودنا بالفرح فهذا فرح آخر بعد تعبير “املأ وجودك بالهواء” هو فرح أساسِىُّ جوهرىّ نابض، فقد نُهـِينَا أن نفرح بما أوتِينَـا، لكن مولانا النفرى عرفنا “أن الله لا يحب إلا الفرحان” نشرة 4/10/2014 ، هذا فرح آخر، والضحك الذى يصاحب مثل هذا الفرح هو أقرب إلى ضحكتك الشهيرة التى عايشتُها وهى تُعْدى مَنْ حولك (الصورة!).
هذا الفرح هو ترحيب للحياة من أجل الحياة.
بدأتُ اليوم بآخر الصفحة لتفسر لى ما جاء فى بدايتها، ذلك أن بدايتها جاءت تقول: لا تهتم بشىء فلا شىء يستحق الاهتمام، وأنا أعلم عنك مما عاينت وعرفت أنك تهتم بكل شىء بكل أجزاء الثوانى وكل نبضات القلوب من حولك حتى آخر الدنيا، فكيف أقرأ ذلك خاصة وقد ألحقتها الجملة التالية بما يؤكدها أنه لا شىء يستحق الاهتمام، نعم: أنه لا شىء مما اعتدنا أن نهتم به يقارن، بالهواء والفرح الذى يمكن أن يملأ الوجود.
على نفس القياس أقرأ “لا تكثرت لشىء فلاشىء يستحق الاكتراث”، وأكاد أقرأها لا تكترث لشىء – مما اعتدت أن تكترث له – فلعل هذا هو ما لا يستحق الاكتراث، وعلى نفس القياس أقرأ “لا تحزن لشىء” مما اعتدت أن تحزن عليه – فلاشىء من ذلك يستحق الحزن.
أنا لا أُقًوِّلُكَ يا شيخى ما لم تقله، فسرعان ما لـَحـِقْتـَنـَا بقولك: “افرح وارض بكل شىء، واضحك وافرح لكل شىء”، قابلتُ “أى شىء” فى الأول الذى لا يستحق الاهتمام أو الاكتراث “بكل شىء” فى هذه الدعوة اللاحقة، فوصلتنى لوحة قصيدة شعر جميلة تربط هذا الفرح والرضا والضحك والهواء، بكل شىء لكل شىء (لاحظ الفرق فى استعمال حروف الجر) فيتخلـَّق وجود آخر يستحق كل شىءّّ
وجود يجعل الحزن بداية لا نهاية حين يتلاشى الحزن أمام نسائم ريح الحياة وهو يتدفق فيك – فينا- فى أى شىء، فنتنفس الوجود مع الهواء ليشكل فرحة حقيقة أخرى.