نشرة الإنسان والتطور
الخميس: 1-6-2023
السنة السادسة عشر
العدد: 5752
تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ)[1]
وهكذا نواصل نشر “الأصداء” مع “أصداء الأصداء”
بقلم: “يحيى الرخاوى” واحدة واحدة (128)
الفصل الثالث
“إبن حظ”: طفل تائه (يا أولاد الحلال)
فى ثوب كهل يعبد ربه
الأصداء عودة إلى النص:
128- عبير من بعيد:
قال الشيخ عبد ربه التائه
ساقتنى قدماى إلى القبر المهجور الذى رحل جميع من كانوا يعنون بتذكره، وجدته آيلا للسقوط، وعليه طابع العدم. وصدر نداء خفى من الذاكرة، فأقبـل نحوى جمع من النساء والرجال كما عهـدهم الزمان الأول. وردد أحدهم ما قاله لى مرارا “لا أغير ريقى قبل أن أسمع أغنية الصباح فى الإذاعة”.
أصداء الأصداء
حين قدم لنا محفوظ الشيخ عبد ربه التائه، قال يصف كلامه (فقرة 120) “وإن استعصى على العقل أحيانا”، وقد استعصى كلامه فى هذه الفقرة علىّ، فلم يعد عندى إلا أن أطرح تساؤلات محددة تقول:
هل يمكن أن تكون هناك علاقة بين هذا القبر المهجور الذى رحل جميع من كانوا يعنون بتذكره، وبين موجة الإلحاد المرحلية التى سادت حين التهى الناس بإنجازاتهم الحاضرة، وملك الغرور الكائن البشرى حتى استغنى، ثم دفن كل ما عداه، ثم راح ينسى أو ينسى نفسه حتى ساكنى القبر؟
هل يذكرنا ذلك بإلحاح نجيب محفوظ على إحياء الجبلاوى الذى قتله عرفة صدفة، ثم راح ينذر بقية حياته لإحيائه، وهذه الفقرة هى نذير بأن عرفة انصرف عن محاولته، ولم ينجح ؟
هل يمكن أن يكون ترديد أحدهم لهذا القول البسيط “لا أغير ريقى حتى أسمع أغنية الصباح فى الإذاعة”، ترديدها فى هذا المقام بالذات، هو تنبيه إلى أن هروبنا من الأسئلة الصعبة، وعدم عنايتنا بتذكر القبر، أو صاحبه، (بفرض أنه مات، أو اننا أنكرناه حتى حسبناه مات) هو تنبيه ضمنى إلى أن أبسط الأشياء هى الجديرة بأن تصل بنا إلى أعمق الوجود؟
شئ أشبه بإيمان العجائز، لا تسليما، ولكن يقينا بسيطا لا يحتاج ليقين آخر يثبته هو الرد على كل ذلك.
هل يمكن أن يكون بعض ذلك كذلك؟
ربما،
دون حسم !!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] – يحيى الرخاوى “أصداء الأصداء” تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (الطبعة الأولى 2006 – المجلس الأعلى للثقافة)، و(الطبعة الثانية 2018 – منشورات جمعية الطب النفسى التطورى) والكتاب متاح فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف www.rakhawy.net