نشرة “الإنسان والتطور”
الأحد: 21-4-2019
السنة الثانية عشرة
العدد: 4250
مقتطف من كتاب:
“دراسة فى علم السيكوباثولوجى” (1)
(شرح: سر اللعبة)
الفصل الثالث: الحيل النفسية .. وضرورة العمى النفسى مرحليا
……………..
……………..
(40) صورة الأم البشعة Bad Mother Figure
فى الفكر التحليلى (التحليل النفسى) يستقبل الطفل أمه فى صورتين إحداهما (وربما أهمهما بالنسبة لأثرها وتناولها فيما بعد) هى الصورة الحسنة وهى صورة “أحب الناس لى أمى ومن بالروح تفدينى… الخ”، أى صورة الأم الحانية المرضعة المضحية، أما الصورة الثانية فهى صورة لاشعورية.. وهى تظهر فى القصص الشعبى بشكل متواتر فيما تسمى “أمنا الغولة”، ولابد من الوقوف طويلا أمام إصرار الأدب الشعبى على صفة “الأم” للغولة رغم بشاعتها وتشويهها والتهامها وخطورتها (ونكرر هنا الملحوظة التى سبق الاشارة إليها فى كيفية أن الأدب الشعبى خاصة لابد أن يعتبر مصدرا أساسيا لفهم اللاشعور الفردى والجمعى) وتأتى البشاعة والتهديد من مصدرين:
الأول: الشعور بأن الأم هى مصدر التهديد بالترك، وإذ هى المصدر الأساسى أو الأوحد حسب تصور الطفل- للحياة (اللبن والحماية) فإن تهديدها بالترك يعنى قتل الطفل لامحالة (2)
الثانى: التهديد بإعادة الاحتواء (الالتهام) ويتوقف هذا على مدى نضج الأم وقدرتها على السماح لوليدها بالانفصال عنها نفسيا، والطفل يشعر برغبة الأم فى استعادته فى رحمها- بالاحتواء- ويقاوم ذلك، رغم أنه يحن فى أعماقه إليه، إذا، فصدمة الميلاد هى صدمة للطفل والأم على حد سواء، وقد يترتب على هذه الصدمة عند الأم مايسمى ذهان النفاس Peurpeural Psychosis حيث يكون انفصال الطفل الجسدى عن جسدها بمثابة تهديد لاختلال التوازن سرعان ماتلجأ إلى استعادته بمحاولة التهامه، الأمر الذى يستقبله الطفل كتهديد مباشر يبرر استعمال هذا اللفظ “أمنا الغولة” فى القصص الشعبى.
وتستمر عملية النمو ومحاولة الانفصال من جانب، والأمل فى الاستعادة من جانب آخر، وإذا سار النمو فى مساره الطبيعى فإن الانفصال يتم بالرغم من الأم (الغولة)
فى الأدب الشعبى إعلان لهذا الانفصال بهرب الأطفال من الغولة بعد تسمينهم بالاكل الكافى فتهيم أمنا الغولة على وجهها صارخة “سمنتكم ولا كلنكم”
والتحايل على التعامل مع هذه الصورة البشعة يظهر فى الأدب الشعبى فى صور مختلفة، حيث تحسن “ست الحسن والجمال” إرضاء أمنا الغولة بالتحايل والتغطية، فى حين تبدو المصارحة الفجة موردا للتهلكة
تحكى هذه الحدوته كيف أن البنت الساذجة ذهبت تجمع حشائش فى الغابة فالتقت بأمنا الغولة، فقال لها “اقعدى فلينى” فجلست تمشطها ممتعضة محتجة، فأمرتها أن تاكل قملها، فظلت تقول “قملك وحش يامه الغولة” وبانتهاء هذه المهمة عاقبتها الغولة بأن أمرت البير (اللاشعور) أن يأتى لها بكل ما هو شئ مخيف “يابير هات لها تعابين كثير يا بير هات لها خنافس كتير، يا بير هات لها عقارب كتير .. الخ” فلما ذهبت ست الحسن والجمال إلى جمع الأعشاب وعلمت ما جرى للبنت الأخرى، أخذت معها خفنة من السمسم وأخفته، فلما طلبت منها الغولة تمشيطها أخذت تمتدح شعرها المسترسل، وتقصع القمل وتأكل السمسم وتقول “قملك حلو يامه الغولة” حتى رضيت عنها فأمرت البير بمكافأتها “يا بير هات لها غوايش كثير، يا بير هات لها حلقان كتير، يا بير هات لها عقود كتير … الخ
ودلالة هذه القصة هى التأكيد على ضرورة التحايل على المحتوى البشع الخارجى سواء ظل خارجيا أم أدخل بالاحتواء حتى يمكن التصالح معهما مؤقتا لحين النمو بدرجة كافية (ثم إعادة المواجهة والاستيعاب فى حينهما).
ومن أهم الحيل التى تغطى صورة أمنا الغولة البشعة حيلة تسمى:
حيلة تكوين رد الفعل Reaction Formation
(ما أحلى طعم السمسم)
وهذه الحيلة تعنى أننا نرى ونفعل عكس مايكمن داخل نفوسنا إذا كان هذا الذى يكمن فى الداخل مهدد أو بشع أو شائه، فنرى المساوئ حسنات، ونحس بالكراهية وكأنها حب مفرط، وكل هذا يحمينا من مواجهة العدوان والتعرض لمخاطر الالتهام أو الرفض.
[1] – المقتطف من كتاب “دراسة فى علم السيكوباثولوجى” (شرح: سر اللعبة) الفصل الثالث: الحيل النفسية .. وضرورة العمى النفسى مرحليا (1979)، (والطبعة الثانية تحت الطبع حاليا 2019) منشورات جمعية الطب النفسى التطورى، والكتاب موجود فى الطبعة الورقية فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى للتدريب والبحوث: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا حاليا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط www.rakhawy.net
[2]- راجع أيضا مشاعر التهديد بالترك مع شرح سيكوباثولوجية الاكتئاب الفصل الخامس.