نشرة “الإنسان والتطور”
الأثنين: 28-5-2018
السنة الحادية عشرة
العدد: 3922
عودة إلى:
جذور إرهاصات الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (من الإبداع الخاص)
وقفة ضرورية (3)
اعتذار واقتراح
أتقدم بالاعتذار الشديد للأصدقاء المتابعين لهذه النشرة بعد أن قررت أن أتوقف مؤقتا عن مواصلة هذه التجربة التى استمرت لهذه الأسابيع، وآمل فى نفس الوقت أن تكون قد أدت الغرض منها، ولو مرحلياً، من حيث أنها وبرغم محدودية ما قدمت (ثلاث فصول) من عمل واحد، من رواية “الواقعة” إلا أن الهدف، وإن لم يتضح ابتداء قد تحقق ليظهر لنا منابع أخرى لهذا الفكر الإيقاعحيوى التطورى تتجاوز النقل من الكتب، والنسخ من ثقافات أخرى والسجن داخل كتيبات ودلائل التشخيص المستوردة أغلبها، تحت وصاية شركات الأدوية ورأسمالها المشبوه.
نحن أحوج ما نكون إلى التعلم من مرضانا، واستلهام ثقافتنا ، وإطلاق إبداعنا ، والتكلم بلغتها، ثم الاستزدادة بما يناسبنا من انجازات الآخرين الموضوعية بكل لسان ومن كل معمل ومصدر.
اليوم سوف أعرض بديلا مؤقتا عن مواصلة نشر فصول هذه الرواية (بل الثلاثية، بل أعمالى الإبداعية الأخرى) لنفس الغرض، وليكن الإبداع قائما بذاته، والفروض والرؤى والأطروحات النفسية المهنية الفنية معروضة بشكل مستقل، ثم يتم الربط بينهما أو لا يتم حسب مقتضى الحال.
وإليكم ما خطر لى فى انتظار رأيكم.
أولاً: سوف أنشر مقتطفات محددة وقصيرة من النص المطروح مناقشته، وهى المقتطفات التى تتعلق بكشف أغوار النفس البشرية خاصة ما يسمى النفسمراضية (مع التذكرة بما يقابلها فى حالة السواء) وكذلك ما يتعلق بالعلاقات البشرية وهو ما أسميته فى عمل مستقل باسم: “فقه العلاقات البشرية”.
ثانياً: سوف أحاول أركز على الربط بين هذا المقتطف وبين التطبيق العملى فى ممارسة الطبنفسى والعلاج بما يفيد القارىء (والمتدرب الأصغر خاصة وكذلك المريض)
ثالثاً: سوف أشير برابط كل مرة إلى موضع المقتطف وأيضا إلى موقع الرواية كاملة لمن أراد أن يقرأ الفصل كله أو الرواية كلها .
رابعاً : سوف أحاول أن أنشر التعليقات التى تصلنى أولاً بأول سواء نشرت هذه التعليقات والردود فى بريد الجمعة أم في نفس الأيام المخصصة للربط بين الإبداع والتطبيق العملى.
وبعد
أكتفى اليوم بنشر كيف نشأت فكره رواية “الواقعة” والتى تطورت إلى ثلاثية المشى على الصراط وهى التى بدأنا بها ثم أقدم موجز للفصول الثلاثة الأولى التى نشرت مجزأة ثم مجتمعة، حتى إذا وصلنى ما يشجع على مواصلة عرض باقى الفصول من هذا المنطلق الجديد تـُكن فى الاستجابة:
أولاً: موجز الأجزاء الثلاثة: “الواقعة”، “مدرسة العراة”، “ملحمة الرحيل والعوْد”
(الجزء الأول: الواقعة)
هى رواية يمكن أن تدرج تحت مسمى “تيار الوعى” وقد ظهرت ملامحها فى مجلة الصحة التى كانت تصدرها وزارة الصحة فى سلسلة بعنوان “مذكرات مريض نفسى” ثم جمعتها وأعدت صياغتها:
وهى حكاية مواطن مصرى طيب من أواسط الوسط، أصيب فجأة بإفاقة مرعبة دوة أى تمهيد، فكانت بداية إعادة النظر فى ذاته ومن حوله والدنيا والناس، ثم احتفظ بخبرته خشية سوء تأويل من حوله، وراح يرصد ما حدث داخل نفسه دون أن يبوح به كما هو، ثم راح يتردد على الأطباء والمعالجين والتحليليين والعارفيين ويصفهم وينقدهم ثم لا يكمل، واضطربت حياته في عمله ثم حياته الخاصة مع زوجته أكثر، وتطورت علاقته مع جاره المنطوى القارىء الساخط، إلى علاقة النطاح والترصد أكثر من علاقة الجيرة والمودة، ثم ماتت أمه فحركت عنده ذكريات نحو أصله وعلاقته بأبيه، وأخيرا فإنه أفاق تماما بعد مشاركة بالصدفة لحركة الطلبة فى السبعينيات فى ميدان التحرير، إلا أنه لم يحتمل أثار صدمة هزيمة يونيو لتنتهى الرواية وهو يلقى بنفسه إلى أحضان النيل.
أما الجزء الثانى (مدرسة العراة)
فهو يحكى خبرة أحد عشر مريضا كانوا يترددون معا على طبيب عارف يمارس العلاج الجمعى وكان من بينهم عبد السلام المشد، بطل الواقعة، ثم زوجته، وجاءه غريب، وذلك بعد أن أُنّـقـِذَ فى آخر لحظة، وانتشل من حضن النيل ويحكى كل من هذه الشخصيات خبرته فى هذا العلاج الجمعى وما يحيط به من تفاعلات وانفعالات واشتباكات وأحداث، وأيضا يحكى كل منهم رأيه فى هذا النوع من العلاج والمعالج ناقدا مشخـِّصاً رافضا متغيرا بشكل أو بآخر.
أما الجزء الثالث (ملحمة الرحيل والعود)
فقد كتبته بعد ربع قرن من كتابة الجزأين الأول والثانى وفصوله معنونه “بالأمكنة” لا بالأشخاص كما فى الجزء الثانى، وهو يحكى بعض ما آل إليه حال بعض شخوص الجزء الثانى وأيضا بعض ملامح الجيل التالى لهؤلاء من أبناء أو بنات بعض شخوص الجزء الثانى وهو يكشف عن رحلة الوجود البشرى فى مسيرة الشخص العادى فى علاقته بنفسه والمحيط فالكون إلى المطلق.
ثانياً : موجز الفصول الثلاثة التى نشرت:
الفصل الأول : في البدء كان الكلمة:
عبد السلام المشد المواطن المصرى الطيب وهو موظف بالمدينة “متزوج ويعول”. فجأة وبدون أى مقدمات أو علامات منذره وجد نفسه فى خبرة يقال عنها “مرضا” وذلك حين فوجىء وهو واقف فى صف دفع ايصال كهرباء متأخر، فوجىء بلا مفاجأة: أن موظفة الشباك تسأله: “الاسم يا سيد”، وإذا به وكأنه يتعرف لأول مرة على أن له اسم، وأن هذا الاسم ليس جاهزاً طول الوقت، وأنه غالبا يدل على من يتسمى به: الذى هو المدعو “عبد السلام المشد نفسه”، وإذا به يعيد النظر فى “مـَـنْ” هو و”لماذا هو” و”إلى أين”، يعيد النظر فجأة وبحدة وتشتت، هكذا ينطلق داخله فى التجوال داخل داخله، وحوله، وخارجه بطريقة، لم يـَـعـْـتـَـدها، ثم يواصل التداعى وهو يصف المفاجأت المتتالية والتداخلات العشوائية بين بعضه وبعضه وبينه وبين من حوله، بما يتضمن من مراجعه ونقد، وربكة، وتساؤل، ونقلات.
الفصل الثانى:”إمّا أنْ تعودَ… أو: نقتلكْ” (رواية الواقعة)
يبحث عبد السلام عن علاج لحالته فيبدأ باستشارة طبيب العائلة مع أنه لا يعترف بأنه مريض، ولكنه يستجيب لإلحاح زوجته التي لاحظت اختلاف حالته من خلال تغير مزاجه ثم الرعشة المتقطعة التى تصيبه وهو يذهب إلى هذا الطبيب مع زوجته استجابة لإلحاحها، ويروح يقرأ داخل الطبيب بحدسه النشط، ويكاد يشخصه، ثم يواصل تداعياته حول هواجسه وما يعتريه من كوابيس وتداخل الحلم بالواقع، كما يصف ما طرأ على مشاعره تجاه عمله وزملائه وزميلاته، وهو يرعب من أى طارق يقترب من كشف هذا الذى يجرى داخله، ويتحدث عن الطفل غير الشرعى الذى يكمن فى داخله، ويعوث لعبا وارباكا فى نومه وأحيانا فى صحوه، كل ذلك وهو لا يكف عن السعى بحثا عن “عبد السلام المشد” الذى كان فلا يجده، ولا يجده بديلا عنه، وهو يعيش فى كوكبه الجديد الخاص بلا اسم ، ولا ماضى ولا حاضر إلا ما يتخلق له من تجاربه العجيبة الجديدة، وهو يتعرف على جاره “غريب” من منطلق آخر، فيحترم عزلته وهو يرفض حلوله وأفكاره ويكتشف خواء حياته الماضية واغتراب المجتمع ويواصل خبرته فى وحدةٍ ورعب معا، وهو يرفض أى اقتراب وفى نفس الوقت يعلن جوعه لأن يـُرى وأن يـَنتمى مع وقف التنفيذ.
الفصل الثالث “يمامتان”:
يواصل عبد السلام رحلته السرية مع ذاته وهو يمارس عمله بصعوبة بالغة وهو يعيد التعرف على زملائه من جديد وكأنهم ليسوا هم، ويضبط مشاعره نحو زميلته التى يسمح له خياله أن يجرى معها حوارا ينتهى بوعد بلقاء، وهو لا يكتشف أن كل ذلك من صنع الخيال إلا من خلال إفاقة من سؤاله بواب المكتب الذى يبلغه أن زميلته فى إجازة وضع، وهو يتأكد هنا بعد الحادث أن ما أصابه لهذه الدرجة لابد أن يكون نوعا من الجنون وذلك بعد تساؤله عن “ما هذا الذى يحدث، “خيال” أم “أوهام”، أم “جنون”، ثم يصل إلى أن ينكر كل ذلك ويصر أنه “لا مرض ولا جنون ولا يحزنون ولكنها “الجنة فى كوكبه الخاص” ويلتقى بزميلته بعد عودتها من إجازة الوضع، وهى تبدى نحوه اهتماما طيبا فى لقاء اقترحته، ويتم اللقاء فى جو من الود والاحترام لحالته وتذكـّره زميلته بزوجته بكل طيبه وأمومة، وينتهى الفصل بمحاولته الهرب من كل هذا المحيط، بكل ما يعنّ له وسائل الهرب.
وبعد
اعتباراً من الأسبوع القادم خطر لى أن أغير الأسلوب جذريا على الوجه التالى:
سوف أكتفى غالبا بنشر مقتطفات محدودة من الفصول التالية وهى المقتطفات التى لها علاقة بالتدريب والتطبيب النفسى وبالطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى خاصة، مع إشارة محددة إلى العلاقة الطبية والنقدية والتدريبية، ما أمكن ذلك ثم ننتظر تعقيبات ممن يهمه الأمر، وكأنى بذلك أخص هذه الصفحات للممارسيين لطب النفسى والعلاج النفسى، بقصد أرجو ألا يفسد الإبداع.
ولعل الأمر يكون بذلك أسهل وأكثر تحديدا للهدف والوسيلة.