نشرة “الإنسان والتطور”
الأحد: 29-4-2018
السنة الحادية عشرة
العدد: 3893
من كتاب (هل العلاج النفسى “مـَكـْلـَمـَة”) (1)
(فقه العلاقات البشرية) (2)
(عبر ديوان “أغوار النفس”)
الجزء الأول:
اللوحة السادسة: ” قبر رخـام”
استهلال:
حين كتبت حكاية “الشعلة والحريق” كنا فى أعقاب “نكسة 1967” وكانت الصدمة عنيفة هزت أغلب القيم الراسخة الحقيقية والزائفة، وكان الصديق بطل حكاية “الشعلة والحريق” (الأسبوع الماضى) يمثل من تنقل بين الفكر الدينى المنغلق صبيا، ثم الفكر اليسارى المتجمد شابا، ثم الفكر القومى الاشتراكى المتحمس يافعا، واكتشفَ اهتزاز هذه الأيديولوجيات الواحدة تلو الأخرى عند التطبيق فكفر بها جميعها، وحدثت الكسرة التى عرضنا بعض معالمها فى مقتطف الأسبوع الماضى.
بعد ذلك بعشر سنوات 1978 جاءنى صديق آخر تذكرت من خلال اغترابه (وليس إفاقته) ما جاء فى مأزق صديقنا رجل: “الشعلة والحريق” وكان عسكه تماما، فأثارنى اغترابه وجعلنى أفكر كيف يمكن أن يسهم العلاج فى احتمال إفاقته لو هيأ له فرصة إعادة النظر فى ظروف أفضل، وكأن الدور جاء علىّ لأعرّى له ما تصلب فيه حتى اختنق فمرض وهو مسجون فى مبادئ لم تسعفه، وقد جاءنى متمسكا بها برغم أثارها عليه، وكأنه يطلب ضمنا احتمال المراجعة فالتغيير.
لعل هذا هو ما جعل صورة هذه المواجهة تخرج منى شعرا عاميا فى ديوان “أغوار النفس” وأنا أقرأ عيون الناس وهى عكس صورة وحكاية “الشعلة والحريق” كما ذكرت.
القصيدة طويلة وبالعامية وفيها جرعة سياسية كبيرة أشعر أنها موضـِّحة لحكاية “الشعلة الحريق” برغم أنها عكسها وقد احترت فى نشرها لطولها لكنى غامرت حتى لو احتلت عددا من النشرات خاصة إذا غامرنا بنشر ما استلهمته منها “شرحا على المتن” فى نشرات لاحقة.
المقدمة وباعث القصيدة (2)
من أصعب ما يواجه الطبيب النفسى أن يعالج “أصحاب المبادئ الثابتة”، ليس مهما أن تكون المبادئ سليمة، أو صحيحة، أو أصح، ولكن الصعوبة تأتى من أنها ثابتة،
حين كتبت مسودة هذه القصيدة فى صورتها الأولى سنة 1974 ، لم تكن نتائج تفكك الاتحاد السوفيتى قد ظهرت تماما بعد، ولم يكن فوكوياما قد أعلن – بخيبة مؤقتة – موت التاريخ، كان ما يشغلنى آنذاك هو “موت الإنسان” من حيث إنه حركة ووعى وتاريخ، وكان ما بلغنى من الممارسة الخاطئة للفكر الاشتراكى المتشنج (وليس من حركية هذا الفكر البسيطة والبديهية والواقعية والممكنة) ذلك أن المفروض أن الفكرة الاشتراكية الصحيحة فى عمق أصالتها، هى ضد فكرة الأيديولوجيا أصلا، شعرت أن حركية هذا الفكر خمدت عند من زعم امتلاك حق احتكار تطبيق العدل، فما بالك بحال من صدقهم فتبعهم مقلدين بعمـًى أو بادعاء.
سوف أبدأ بالفقرة الثانية التى تعلن حرجى من تعرية فكر احترمه، منبها أننى لا أنقده فى ذاته بقدر ما أعلن ما وصلنى حين انتبهت من خلال هذا الصديق (المريض) وربما من مثل صاحب حكاية “الشعلة الحريق” (الأسبوع الماضى) وهو أن حركية الصحة هى فى القدرة على النقد النشط باستمرار، وأن غير ذلك هو ما جاء فى القصيدة.
(1)
………………..
………………..
(2)
كان بِوِدّى إِنى ما أَجرّحشى حدْ.
كان بودّى ما شوْفشى إن الحارة سدْ.
كان بودّى أَصَدّق انّ العْدلْ ُُمُمكنْْ.
قَاُلوا: “جرّب”، قُلت:”يمكنْ”.
(3)
شاف صاحبنا شوفْ يورّيه إيه رسالته”
ربّنا نوّر بصيرْتُـهْ، قام مِرَاجِعْ كـُل سيرته،
إتـْوجَعْ، لكنُّـهْ كمِّل، يحكى كلّ اللى حصل
(4)
التعلب، فات فاتْ،
وفْ راســُهْ، أيْـدُولُوجِـيَّـاتْ.
والثورة: شوية كلمَاتْ،
وانا وانتَ: لابْسين شعارات،
بنغـَنـِّى، ونقول حكاياتْ:
(5)
”فى الواقعْْ: إن الواقعْْْ، واقعْْ جداً،”
والبنى آدم يادوبْ: مـادّةْْ ْوْتَاِريخْْ،
والتاريخ عَرْكَةْ اللِّى فاز فيها بيْركَبْ
يطلع المـنْـبَـرْ ويخطُبْ:
إلعيال الشغالين هُمَّا اللِّى فيُهمْ،
باسُمُهمْْ نـِـْلَعْن أبو اللِّى خلّفوهـُمْ
”باسْمُهُمْْ كل الحاجات تِبْقى أليسْطَا
والنـِّسـَا تلبس باطِيسْـطَا
والرجال يتحجّـُبوا، عامِلْ وأُسْطَىَ”.
(6)
يعنى كل الناس، عُمُومْ الشعب يَعْنِى :
لمْْ لابد إنه بيتغذّى لِحَدّ ما بَطْنُه تِشْبَـْع.
وامّا يِشْبَعْ يِبْقى لازِمْ إنُّه يسْمَعْ.
وان لَقَى سمْعُه ياعينىِ مِشْ تمامْْ، يِبْقَى يرْكَعْ.
بَسّ يلزَقْ ودْنه عَالأْرضِ كـِيـوَيِّسْ،
وانْ سِمْعِ حاجَةْ تِزَيَّقْ، تبقى جَزْمة حَضْرِةْ الأخ اللِّى
عـيّنْ نَفُسُهْ رَيّسْ،
لاجْلِ ما يْعَوَّضْ لنَاِ حرمَانْ زمَانْ.
إمّالِ ايِهْ ؟!!
واللِّى يشبْع مِنكُو أكل وشُـوفْ،ركوعْ، سمَعَانْ كلامْ،
يِقَدْر يـِنَامْ:
مُطْمَئِنْ،
أو ساعات يقدر يِفِـنْ.
واللى ما يسمعشى يبقى مُخّهُ فوِّتْ،
أو غرابْ على عِشُّه زَنْ.
(7)
والحاجات دى حلوه خالصْ
بس إوعـَكْ تِسْتَـمَنّـى إنك تقيسْهـَا،
أَصْلَهَا خْصُوصِى، ومحـْطوطَةْ فى كيسْها.
وانت بس تنـفــِّذ الحتّة اللِّى بَـظـِّـتْ (يعنى بانتْ).
إنت حُـرّ فْْ كل حاجة، إلآ إنك تبقى حر.
(لأْْ، دى مش زَلِّـــةْ قَلْم، ولا هِيّةْ هفوةْ،
مش ضرورى تـِتـْفَهمْ، لكن مفيَدةْ،
زى تفكيكةْ ”داريدا”) (3).
يعنى كل الناس يا حبة عينى ممكن تبقى حُرَّةْ.
حرة كما وُلدوا وأكْتَرْ،
يعنى بـَـلـْـبـُـوصْ حر خالص، بس ما ينطقشى كلمة،
….. يِتخدش بيها حياءْ حامى البلاد من كل غُمّـةْ،
ما هـُو مَـوْلانَا رأى الرأى اللىِّ ينفعْ،
الحكومة تقول، يقومْ الكلّ يسمعْ.
واللى عايز أمر تانى، ينتبه للأوّلانى .
مش حا تفرقْ.
قول يا باسطْْ.
والوثائق فى المعانى، والمعانى فى المباني.
(برضه تفكيكة داريدا، ….تبقى هاصِـطْ)
(8)
الدنيا دى طول عمرها تدّى اللى يـَغـْلـِبْ:
سيفْ ومطوةْ
واللى مغلوب يـنـضرب فوق القفا فى كل خطوةْ
أصل باينْ إن “داروين” كان ناويلْهَا:
إن أصحاب العروشْ، ويَّا أصحاب الفضيلةْ،
يعملولنا جنس تانى. جنس أحْسَنْ.
إسمُهُُ: “إنسانٌٌٌ مُحَسَّنْ،
واللى يفضل منّا إحنا؟
مش مهمْ.
إحنا برضه لسّة من جنس البشرْ،… القدْيم.
يعنى “حيوانٌ بـِيِنْـطَـقْْ”،
مش كفاية؟!!!
ليه بقى عايز يقلِّبْ، ولاّ يفهمْ؟
هوّا إيهْ؟ هىَّ سايبةْ؟
يعنى إيه الكل يفهم ؟!!
مشْ ضرورِى،
يِكفـِى إنه يقرا “ميثاق” السعادَْهْ،
واللى صعـْب عليه حايلقى شَرْحُهُُ فِى خُطَبِ القيادةْ.
واللى لسّة برضه مش فاهمْ يـُحاكـَـــمْ .
وانْ ثَبَتْْ إنه برئْ. يتــْـَرَزْع نوطِ “العَبَطْ”
وانْ ثَبتْْ إنه بِيِفْهَمْ، يبقى من أَهْل اللَّبَطْ.
“يعنى إيـــه؟”
زى واحد ناسى ساعتُه.
يعنىِ نِـفسُهْ فِـى حاجاتٍ، مِشْ بِتَاْعتُه.
“زى إيه؟”
(9)
زى واحد جه فى مخه-لا مؤاخدة -يعيش كويّـــــسْْ.
”برضه عيب”
هوّا يعنى ناقْصُهْْ حَاجَةْ؟
قال يا أُمّى، والنبى تدعى لنا إحنـَا والرئيسْ،
ربنا يبارك فى مجهودنا يكتّــر فى الفلوسْ.
بس لو نعرف معاهم قدّ إيه،
واحنا لينا كامْ فى إيهْ!
(10)
”آدى أَخْرِةْْ فَهْـمَـك اللِّى مالُوشْْ مُنَاسْبَةْْ.
طبْ خُــدوهْْ، وضّــبوهْ،
واحكُموا بالعدْل يعنى: إعْدلوهْ
تـُهمتـُهْ ترويج “شفافـيِّه” مُعاصْرةْ
هذا ملعوبُ الخَواجةْ،
وان رمِينَا الكومِى بدْرى، تبقَى بَصرةْ.
“الكلاْم دا مِشْ بتاعْنَا،
دَشْ ماْ لهُوْش أى معنى”
تُهمتُهْ التانية “البجاحة”
واحنا فى عِـزّ الصراحةْ،
واللى عايز غير ما يُنشـرْ،
هوّه حرّّ انه “يفكـَّـرْ”،
فى اللى عايزُهْْ
أو يشوفُهْ جوّا حـِلمـهْ،
وان حكاهْْْ يحكيه لأمُّــهْْ،
وانْ أخد بالُـه وقاُلْه مُـوَطِّى حِسُّهْ،
مستحيل حدّ يِمسُّهْ
(11)
قالـــَّها يا مّهْ أنا شفت الليلادِى:
“إنى ماشى فى المعادِى.
شفت نفسى باخترعْ نظريَّةْ موضَـهْ،
زى ساكنْ فى المقابرْ يبنى قصر ألف أُودهْْ:
“والعواطف أصبحت مـِلْك الحكومَهْ،
والحكومة حلوهْ خالص.
عبّـت الحب الأمومى، والحنانْ،
جوّا أكياس المطالْبةَ بالسَّلاَمْ،
والطوابير اللى كانت طولـْهـَا كيلو،
اختفت ما عادتشى نافعة.
”أصلنا شطـَّـبـْنا بيع وبلاش مِلاَوْعة “
واللِّى طَالُهْ من رضا الريّس نصيبْْ:
فازْ، وقّــلعْ.
واللى لسّه ما جاشِـى دوره: بات مولـَّع.
قام سعادة البيه قايـلْ لُـهْ: “تعالى بكُرَه”
[درس مشْ عايز مِذاكرهْ”]
وْرُحت صاحِى.
*****
وغدًا قد ننشر شرحا على المتن أو أعدل ذلك حتى لا أشوّه الشعر.
لست متأكدا.
[1] – يحيى الرخاوى: كتاب (“هل العلاج النفسى “مـَكـْلـَمـَة” سبعة لوحات) (الطبعة الأولى 2018) والكتاب متاح فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم.
[2] – هذه المقدمة من الكتاب المنشور وليست مقدمة لهذه النشرة.
[3] – التفكيكية هي مصطلح معروف، وإن كان قد أسئ فهمه إساءة بالغة، ربما بسبب عدم تقديمه في صورته التاريخية التي تعتبر فلسفية أولا ونقدية أوأدبية ثانيا، هذه الفلسفة التي قدمها جاك دريدا في ثلاثة كتب أصدرها عام 1967