جريدة التحرير
21-04-2012
تعتعة التحرير
تغيير لافتة: أمن الدولة
مرة أخرى أعود، وأنا أدعى الخجل، لأقوم بإعادة نشر بعض قصصى القديمة التى كتبتها قبل ما جرى، لأثبت أننا كنا نحاول، وأن إرهاصات الإبداع يمكن أن تكون ساهمت فى الإعداد بشكل أو بآخر لما جرى: قصة اليوم، نشرت بالدستور بتاريخ: 10 – 1 – 2007، وهى تتناول موقف صبى وأسرته مما كان سائدا قبل انفجار الشباب، وما حملونا إياه من مسئولية، وهى تحتوى على بعض معالم ما كان يصل للأطفال فى المدارس، عن الدين والسياسة، وموقف الكبار السلبى، ورعب الجميع من أمن الدولة.
نبدأ بإعادة نشر النص القديم ثم نرى ما جرى فى التحديث المكمّل استعدادا للثورة القادمة:
(1)
جلس الرجل مسترخيا أمام التلفزيون وهو يتابعه، لكنه لا يتابعه، سِيّان. كان فى انتظار شقيق زوجته الذى لن يأتى، كان فى انتظارٍ حقيقى مع أنه على يقين أن الزائر ليس عنده وقت، ومع ذلك فهو لا يكف عن الوعد بالزيارة، مباحث أمن الدولة!!، من ذا الذى يحفظ أمن الدولة إذا انتبه رجالها لصلة الرحم؟ هو لا يحبه ولايكرهه، هو ينتظره فقط: لا هو يتوقف عن الانتظار، ولا الآخر يأتى.
زوجته – شقيقة الزائر المنتَظَر- على العكس من ذلك، واثقة دائما أنه سيأتى، وأن هذه المرة هى غير كل مرة، هو شقيقها وهى تعرفه، وهو لم يُخلف وعده “أبدا”!!، سألها الرجل بغيظ غير مكتوم: “أبدا !!!؟؟؟”، أعادت دون تردد “أبدا”. لم يسمعها الرجل وهى تضيف لنفسها: “من أنت حتى تعرف ظروفه؟”.
(2)
جرس الباب يدق، يا خبر!! هذا هو، فعلها أخيرا وأتى، هرولت الأم نحو الباب وهى واثقة، وقد أعدت وجه الشماتة فى زوجها، فسرعان ما ستعود وهى متأبطة ذراع أخيها الحبيب. ليس هو !!! أخذت الأم تعنف ابنها على التأخير، وأن عليه أن يتذكر أنه فى الابتدائية، وأن هذا العام ليس مثل كل عام، اعتذر الولد بتمتمات غير مفسرة، وانصرفت هى إلى المطبخ، فى حين توجه الولد إلى الردهة حيث يجلس والده مصلوبا أمام التليفزيون، لا هو يعلى صوته أو يخفضه، ولا هو يغير المحطة، قال الولد: “هل أنت تشاهد التليفزيون يا أبى؟، قال الوالد وهو لا ينظر إليه: “كما ترى؟” مضى الولد: “هل عندك مانع أن أغيّر المحطة؟” قال الرجل”لا أعرف”، ثم قام دون توقع وترك الردهة إلى الشرفة دون أن يسأل ابنه عن أى محطة يريدها، فهو يعلم الجواب: إما ماتش كرة، أو أغنية شائطة من أشلاء الأفخاذ والنهود المتطايرة على أنغام حارقة، اكتشف الرجل أنه ليس عنده مانع، ولا بديل، فوجئ أن الولد أطفأ التليفزيون وتبعه إلى الشرفة ليسأله بجدية على غير توقع: “أبى؟ ما هى حكاية الإخوان المسلمين هذه؟” لم ينزعج الوالد- ربما نسى الانزعاج – فأجاب ببرود: “وأنا مالى؟”، قال الولد “مالك كيف؟ أليسوا هم الذين سيحكمون البلد؟ ” قال الوالد “من قال لك هذا؟ ثم أردف : “وفيها ماذا!!!؟”، قال الولد: “”وماذا سيتغير حين يحكمون البلد؟”، قال الرجل “وأنا إيش عرفنى؟”، قال الولد “إذن من الذى يعرف؟ قال الرجل فورا: “”خالك”، قال الولد “وهل خالى يمكن أن يضمن لى أن أدخل الجنة إذا أنا انضممت إليهم؟” قال الرجل لنفسه :” بل سيدخلك هو جهنم دون تردد”، ثم التفت إلى الولد وهو يخشى أن يكون قد سمعه، ويبدو أنه سمعه، لكن الرجل تناسى ذلك قائلا : “إسأله يا أخى، ألله!!!!!”. قال الولد “ولكننى لا أراه أبدا”، قال الرجل: “هو قادم اليوم يا حبيبى”، قال الولد: “صحيح؟؟”،
قال الرجل وهو ينظر إلى المطبخ: “إسأل أمك”.
(3)
ذهب الولد إلى أمه فى المطبخ وسألها: “هل صحيح أن خالى سيحضر اليوم؟ قالت له “مائة فى المائة”، قال: “لماذا؟” قالت: “ليراك أنت وإخوتك، ويرانى”، ثم أردفت: “لماذا تسأل؟ هل اشتقتَ إليه يا حبيبى”؟، قال الولد “أبدا”، ثم أردف بسرعة “طبعا، اشتقتُ جدا”، لماذا تقولون دائما أنه سيحضر، وهو لا يحضر أبدا”، قالت الأم “لأنه مشغول بأمن الدولة”، قال “يعنى ماذا؟” قالت الأم فى انزعاج: “ماذا جرى لك اليوم” يا حبيبى؟ لماذا هذه الأسئلة كلها؟ ” قال: “أبدا، فقط أردت أن أعرف منه ما لا يعرفه أبى””،قالت الأم وقد اطمأنت: “عندك حق، فخالك غير أبيك هو يعرف كل شىء”، قال لها: “وهل يعرف من الذى سيدخل الجنة، ومن الذى سيدخل النار؟”، انزعجت المرأة ونهرته: “ما هذا الذى تقول؟ الله سبحانه هو الأعلم، ومع ذلك فخالك يعرف كل شىء”، قال لها:”كل شىء؟ كل شىء؟”، قالت : “كل شىء”.
(4)
ساد صمت طويل نسبيا حتى تركت الأم ما كان بيدها يشغلها بالمطبخ والتفتت إلى الولد فوجدته لم يبرح مكانه وقد امتقع وجهه، تقدمت إليه وسألته: “ماذا بك يا حبيبى؟” لم يرد، فعادت إلى ما كانت فيه. هو الذى تقدم إليها هذه المرة، وقد ازداد وجهه امتقاعا، قال فجأة: “أمى، أنا خائف”. فزعت المرأة والتفتت إليه ووضعت يدها على جبهته وسألته بانزعاج: “ماذا؟ فيه ماذا”؟،
أفاق الولد بسرعة، ولبس وجها وضع عليه ابتسامة هروبية لم تلحظ أمه زيفها، وقال:
– “أبدا …. كنت أمزح”.
(انتهى النص الأصلى)
………
تحديث مكمِّل فى 13 إبريل 2012
قال الولد لأبيه : كيف تركتموهم يحكمون البلد هكذا؟ قال أبوه: من هم، ومالى أنا؟ قال الولد أنت ذهبت وانتخبتَهم، قال أبوه: من قال لك أننى انتخبتهم، وهل كانت المسألة تختلف لو لم أنتخبهم، أنا فعلتها تحصيل حاصل، قال الولد: لست فاهما: لكننى أذكر أنك قلت لى يومها: “”وماذا سيتغير حين يحكمون البلد؟”، قال الوالد: يوم ماذا يا ولد!!؟؟ قال يوم زارنا خالى من سنين، قال الوالد : لا أذكر، ثم إنه جاءك كلامى إن كنتُ قلته، “هل تغير شىء”؟ قال الولد: إذن لماذا عرَّضتنى لكل هذا الأمل فى التحرير وغير التحرير؟ قال الوالد: أنت الذى ذهبت وكنت فى غاية السعادة، قال الولد: لست نادما، لكنك مسئول، قال الوالد: مسئول عن ماذا؟ قال الولد: عن كل شىء، ما كان وما سيكون، قال: حاضر إن كان هذا يرضيك، لكن إعمل معروفا لا تقل شيئا لخالك، أخشى أن يصدقك، قال الشاب: هل ما زلت تخاف منه يا والدى، قال الوالد: يعنى، طبعا! ضرورى، لا..! ، أبدا، فعلا.