نشرت فى الوفد
10-11-2010
بمناسبة الكوته: “ودعوتُ أن تَحْذو المعارضة الأليفة حذوَهُن”
العدد ليس فى الليمون، ولكن فى عدد من تقدم حتى اليوم للترشيح لمجلس الشعب، صدرت الأهرام الغراء اليوم (السبت 6 الجارى) وعنوانها الرئيسى جدا هو “إعلان أسماء مرشحى الحزب الوطنى لمجلس الشعب غدا، أما العنوان الفرعى فهو: “3095 مستقلا ومعارضا قدموا أوراقهم خلال يومين”، ثم فى داخل الخبر ما يفيد أن “الحزب الوطنى، لم يسمّ مرشحيه بعد”، فإذا أضيف إلى هذا العدد الأول مرشحوا الوطنى وهم 508 (حسب الأهرام أيضا) أصبح العدد 3603
وصلتنى من مثل هذه العناوين، فرحة الحكومة جدا جدا بأنها نجحت أن تنتصر على موجة الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات، فهى لا تخفى أنها فى غاية الانبساط أن البرادعى وفرقته قد خابوا خيبة بليغة فى إغاظتها، أو تعريتها، وهذه الفرحة البالغة أثبتت لى أنها – الحكومة – صدقت نفسها إذْ نجحت أن تغطى عزلتها بكل هذا العدد من الليمون، أقصد من المرشحين. وربما زادت من فرحة الحكومة ما بادرت “المحظورة” به من إقدام شجاع على الترشيح “بدرى بدرى”، دون تردد ، وأنها بذلك كانت أول من كسر حلقة المقاطعة المحتملة. كنت قد تابعت قبل ذلك آراء بعض المسئولين جدا وأصواتهم، وهم يكتبون عن فشل المعارضة فى أن تعارض، وفشل الحركات العشوائية المشاكسة (“كنظام” المعارضة) فى أن تؤثر، وفشل أى حركة أن توجد مستقلة لدرجة التأثير إلا بعد الحصول على بركة الحكومة وموافقتها المعلنة أو الخفية.
هكذا بدا لى أن الحكومة قد أحكمت إلى مخططها المحسوب بالقلم والورقة للاستمرار المستقر، بغض النظر عن الانتخابات نفسها، التى ما عاد يهمها حجم الإقبال عليها، ولا طريقة التصويت، ولا أمانة فرز الأصوات، كل هذه أشياء مقدور عليها، لأول مرة أنتبه إلى العبقرية المصرية فى تعديل الديمقراطية لتصبح: أنه ليس المهم عدد الناخبين، وإنما المهم عدد المرشحين، لأن كل شىء بعد ذلك مرسوم بما فى ذلك النتائج والحمد لله!! ألم يعلن أحد المسئولين – قبل الهنا بسنة – أن المحظورة لن تحصل على ما حصلت عليه من مقاعد فى الانتخابات السابقة؟! ليس لأن جموع الشعب المصرى قد اكتشفت أنها لا تمثل كل الإسلام والمسلمين، فلم ينتخبوها، فهذا أمر ثانوى بالنسبة له، وإنما لأن الحكومة أصبحت واعية لحركاتها “المحظورة”، وأنها لم تفز بهذا العدد من المقاعد فى انتخابات المجلس السابق إلا بعد أن استغفلت الحكومة، وقالت لها بـُصِّـى العصفورة (الديمقراطية)، وما كادت الحكومة تبص للعصفورة حتى خطفت المحظورة هذه المقاعد خطفا فى الانتخابات السابقة، وبرغم هذا التصريح الواضح تصورت أن الحكومة يمكن أن تتراجع قليلا فتكافىء المحظورة مع أنها مازالت محظورة بعدد أكثر قليلا مما كانت تنوى عليه، من باب الاعتراف بالجميل.
أليس الأسهل لنا، والأوفر لوقتنا، أن نفرح لفرح الحكومة، ونفضها سيرة، بدلا من كل هذه المصاريف واللافتات، ولنردد مع بيرم التونسى فى سياق آخر قوله “العطفة من قبل النظام مفتوحة، والوزة من قبل الفرح مدبوحة”، فنقول “والنسبة من قبل التعب معروفة” فما الداعى بالله عليكم لكل هذا الذى يجرى (حتى داخل ما يسمى الحزب الوطنى)؟ هل يوجد مسئول واحد، يعتقد باحتمال واحد فى المليون أن المعارضة والمستقلين والمنشقين (والوحشين) سوف يحصلون على واحد وخمسين فى المائة من الأصوات تحت أى ظرف من الظروف؟
الحكومة فرحانة أن هناك انتخابات ، إذن فهناك ديمقراطية (حتى اسألوا السفيرة سكوبى)
الحكومة فرحانة لأن أغلب المعارضة سوف تدخل الانتخابات ، وهذا دليل على قبول الرأى الآخر !
الحكومة فرحانة جدا لأن المحظورة وافقت مبكرا، بالعند فى القوى غير المحظورة.
الحكومة فرحانة لأن أمريكا فرحانة بنجاحها فى تسويق ديمقراطيتها فى مصر المحروسة دون إراقة دماء، الأمر الذى اضطرت إليه-أمريكا- وهى فى “غاية الألم والعولمة” فى العراق ، أما فى مصر البلد الطيب فإن حكامه الطيبين قد أعفوها من سفك الدماء، وقاموا بثورة بيضاء على البرادعى، والغزالى حرب، والغوغاء المهمشين.
الحكومة فرحانة لأن وسائل الإعلام الأجنبية يمكنها أن تلتقط ما شاء لها من صور لمجلس الشعب الجديد، وسوف تلاحظ بياض أسنان كل الأعضاء دليلا على الانبساط دون أن يقول أحدهم “معيييييز” (مقابل cheese بالإنجليزية)، وسوف تتزين الصورة ، ليس فقط بعدد من الوجوه المعارضة، ولكن بعدد من الحسناوات الثائرات الطيبات النجيبات،
لكننى، بعد كل هذا، ضبطت نفسى أشارك فى فرحة الحكومة على الوجه الآتى:
أنا أثق فى المرأة وقدراتها عبر التاريخ، والآن أكثر، وقد كتبت مرارا أنبه أن التقدم القادم، سواء على المستوى القومى، أو عبر العالم، على مسار التطور لصالح النوع البشرى كله لن يتم ويضطرد إلا بمشاركة المرأة فى تسيير مسيرة الإنسان، بل وقيادتها غالبا، المرأة هى الاصل، ومن خلال خبرتى: هى أقدر إحساسا بخطر ما آل إليه حال البشر، وبالتالى فهى أكثر استعدادا للتطور من الرجل الذى أعاقته غطرسته، وأغماه غروره، وأصمّه غباؤه الإنقراضى، عن استيعاب حركة التطور الإنسانى الخلاق، هذه ليست مجاملة لا للمرأة، ولا للحكومة لأن كل هذه الخواطر عاودتنى برغم تحفظى على فكرة تخصيص “كوتة” للمرأة المصرية، فى مجلس يثبت أكثر فأكثر أنه لا لزوم له أصلا إلا للاستعمال من الظاهر واجهة مفرغة مما ورائها حتى وإن كان يخرج من ورائها بين الحين والحين بعض صفارات إنذار قد تفيد الوقاية أحيانا. الحقوق بما فى ذلك حقوق المرأة تُؤخذ ولا تُمنح بكوتة أو بقرار، دعوت مرارا ألا تحاول المرأة اللحاق بالرجل فقد أخطأ الطريق إلى الإنسان المتكامل، وعلى المرأة أن تبدا بأنوثتها الأغنى إنسانية منه، لتحقق بها إنسانيتها لها وله، للبشر كافة.
برغم كل ذلك فلا مانع من هذه التصبيرة: “الكوتة”، حضرت فى وعيى الآن صورة مظاهرة النساء فى ثورة 1919، وما كتبه حافظ إبراهيم فى وصفها بخفة ظل شديدة، قال :
خرج الغواني يحتججن ورحت أرقب جمعهن
فإذا بهن تخذن من سود الثياب شعارهن
فطلعن مثل كواكب يسطعن في وسط الدّجن
وفي عام 1960، كتب محمد مهدي الجواهرى، بمناسبة حفل اليوم العالمي للمرأة، وقد اختار نفس الوزن والقافية..
حييتهن بعيدهنّ: من بيضهّن وسودهنْ
وحمدت شِعرى أن يروح قلائدا لعقودهنْ.
…………………..
فأكملت بدورى بمناسبة الكوته:
فليهنأ الحزب الذى كسب المعارك باسمهنْ
مع أنه لمّا يكن فى حاجة لجهودهنْ
لا فرق بين المجلسين: بهنَّ، أو من غيرهنْ
ومع أن فكرة الكوته هى إعلان لفشلنا الحضارى والتطورى، إلا أنها بدت لى مكملة لتمثيلية الديمقراطية الجارية، فخطر لى أن نفس الفكرة (الكوته) قد تكون الحل المناسب لإشراك العدد المناسب من المعارضة فى “العرض الفكاهى المستمر” على الوجه التالى:
ما دامت الحكومة تحب الديمقراطية جدا هكذا، لكنها لا تقدر على تنفيذها بأصولها، وهى فى نفس الوقت تريد واجهة تستر بها نفسها بشكل أو بآخر، أليس من الممكن أن تخصص “كوته” للمعارضة حسب آخر مواصفات الديمقراطية الموصى عليها، فأكملت قصيدتى قائلا:
فحمدت ربى أنهن أخذن بعض حقوقهن
ودعوت أن تحذو المعارضة الأليفة حذوَهن
فلتخصص الحكومة النسبة التى تراها لائقة للعرض الديمقراطى، فإن حال القانون دون ذلك، فلتعدل الدستور.
فيها ماذا؟
بسيطة!!