نشرت فى الوفد
25-5-2011
لم يبق إلا أن يدخلوا امتحان السلطة
ما حدث قد حدث، وهو جيد جدا، حتى لو انتهى إلى كارثة، فعلينا أن نستمر حتى نجعل من نفس الكارثة ما هو جيد جدا. لم يعد التفاؤل اختيارا، ليس فى مقدور أى واحد يحب هذا البلد، أو مدين له بأى دين مهما صغر، إلا أن يتفاءل، ذلك النوع من التفاؤل الذى يلزم صاحبه أن يساهم فى تحقيقه، بدءًا من الآن، الذى لا يتألم مع مثل هذا التفاؤل لا يعرف مسئولية التفاؤل.
لم نعد نحتاج إلى تحليل ما جرى، كفى تحليلا وتفسيرات نفسية وتاريخية وأخلاقية وفكاهيه، بل لا ينبغى أن يشغل عامة الناس الجادين محاسبة الذين أجرموا فى حقنا، مهما بلغ جرمهم إلا بمقدار ما نتعلم منه كيف نحول دون ذلك فى مستقبل الأيام، أما الردع الخاص، فهو قد أصبح حالا مهمة القضاء 100%، نعم الأمر الأن فى يد القضاء حقيقة وفعلا، ولا يوجد مبرر موضوعى أو وطنى أو أخلاقى يسمح لنا بالتشكيك فى هذه المؤسسة التى تبشر ببدء استعادة عافية المؤسسات الصالحة اللازمة لتشكيل دولة لها معالم وقدرات، وحتى لو شككنا فى موضوعية بعض أحكام القضاء التى تختلف معها عواطفنا أو آمالنا، فهناك درجات أعلى فأعلى للتظلم واستئناف الأحكام
أصبح الواقع الآن، بوعوده الثورية، وإنذاراته الكارثية هو أقوى التحديات.
لم يعد خافيا على أحدد هوية الذين سوف يحكمونا فى الفترة القادمة، سواء جاءت الانتخابات البرلمانية قبل الرئاسية أو العكس فالأمور قد استبانت بشكل شديد الوضوح، ليس معنى هذا أن تكف القوى المنافسة عن بذل قصارى جهدها طول الوقت فى محاولة حفظ توازنٍ ما، قد يكون مثل هذا التوازن بداية لما يسمى الديمقراطية القادرة على أن تقلب الكارثة إلى تجربة قادرة على أن تنمو وتنضج وتتطور حتى تصبح جديرة بأن تكون “ثورة”. كما وعدت فى البداية.
الذين سوف يحكمونا – أيا كانوا- سواء كانوا من هم فى ذهنى، أم كانوا منافسوهم ممن لا أعرف، لا بد أنهم يعرفون ما ينتظرهم من مهام ، وما وصلنا إليه من صعوبات، وما يحيط بنا من مخاطر فى الداخل والخارج، ولو استطعنا – من موقف التفاؤل المؤلم أيضا – أن نحترم الانطباعات الأوليه التى تصل إلى كل ذى منطق سليم، حتى مع افتراض، أى تآمر مسبق أو تحريف مقصود، فعلينا أن نمضى نحن فى طريقنا ما دمنا نتغنى بكل هذه الديمقراطيه التى يبدو أنها –رغم تحفظاتى الشخصية- هى المعين الآن،
علينا ابتداءً، أن نبدأ بتقدير تضحيات من يتصدون للمسئولية مشكورين هذه الأيام ونحن ندعو الله لهم بنور البصيره، لأنه وقد وصل الحال إلى ما وصل إليه الآن لو أنهم أدركوا ما ينتظرهم من أعباء، فلا شك أنهم يستأهلون كل عرفان مبدئى .
آن الأوان أن نتجاوز مرحلة طرح الاسئلة المعادة منذ أكثر من مائة يوم،
آن الأوان أن نكف عن مواصلة البحث عن تفسير لتصرفات السابقين ما دام الأمر قد اصبحت فى حكم الماضى، اللهم إلا بقدر ما نحاول أن نعرف آلياتها لنحول دون تكرارها،
آن الأوان أن نتحمل معا، مهما بدت شقة الاختلاف أو الخلاف، ما صرنا إليه باعتباره مشروع جيد جدا نحن نستحقه بكل جدارة، مشروع ثورة فتنمية فإبداع فحضاره (تأكيدا للتفاؤل السالف الذكر)
آن الأوان أن نستعد للجولة القادمة، أو حتى للثورة القادمة بكل وسيلة بدءا من هذه اللحظة (ولهذا حديث آخر)
على المتفائل المتألم المسئول أن يتمنى ويفترض النجاح لمن سوف يتولى الأمر، كل ما علينا هو أن نصر ومن الآن على إرساء نظام لا يضطرنا إلى خلع هذا المسئول القادم وتثبيته إلا فى ساحة القضاء، أو ساحة الانتخابات، حتى لا نضطر إلى الإسراع بفوضى قادمة لا يمكن التأكد هل ستكون خلاقة أم عكس ذلك، التاريخ يعلمنا أن الثورات ليست نزهة يومية لأى بلد تبنى نفسها، وتريد أن يعيش أبناؤها تحت سقف دورلة تنتج، وتتقدم، وتحمى ناَسها تضيف إنجازاتها.
البداية الآن هى من واقع جديد جديد جديد، وعلينا أن نضع كل الاحتمالات بطريقة أخرى غير ما كدنا نمارسها فى المائة يوم الماضية، علينا أن نعد أنفسنا للتكيف مع المسئولون القادمين بإذن الله، ونحن نقدر جهدهم ونفترض تمام انتمائهم ونتوقع أصالة إبداعهم، فإن وفـِّقُوا بالسلامة وتعافى الاقتصاد، وازدهر الإبداع، وانتشرت الحرية، وعادت القيم الأصيلة، وتواصل الكدح الإيمانى فالخير سوف يعم الجميع، أما إذا فشلوا فى تحقيق مطالب الناس، وتوفير أمنهم، واحترام إنسانيتهم، والحفاظ على كرامتهم، فلنستعد لإتقان استعمال آلية إيقافهم باكرا حتى لا يتمادون فى فشلهم.
قليل من الخيال قد يساعد على فهم الموقف أفضل
علمنى شيخى نجيب محفوظ أن الديمقراطية –بكل عيوبها– هى القادرة على تصحيح أخطاء الديمقراطية، وبصراحة لم أتقن الدرس بعد، نحن نتصور أن هناك من ينتهز الفرصة الآن ليركب الموجة لصالحه أو صالح فئته أو لصالح جماعته أو لصالح حزبه دون الناس، أو حتى على حساب الناس، نتصور أن منهم من يستغل عواطف الناس البدائية وغير البدائية، ومنهم من يدغدغ آمالهم فى الدنيا وأيضا فى الآخرة، وأن من المحتمل ألا تكون كل جهوده خالصة لوجه الله أو الوطن، وأنه يستغل طول حرماننا، وجوع أطفالنا داخلنا وخارجنا، ليركب المحمل ويقود الركب إلى صالحه، أو صالح فريقه دون سائر الناس، ليكن، فليدخلوا امتحان السلطة، وعلينا أن نتحمل مسئولية استمرار بقائهم ما استطاعوا البقاء، كل ما يمكن أن يؤمننا هو أن نرسى، الآن ضمانات آليات التغيير المتحضرة، فلا نتوقف عند الفرحة باحتمال تكرار تغيير كان ضروريا فى ظروف استثنائية، إن فشلهم – لا قدر الله– لابد أن يفيقنا – إن كنا نستأهل– من الخدعة، وساعتها قد نكون قد استوعبنا الدرس، وتعلمنا أنه لا أحد – خصوصا فى العصر الحاضر – يختار (وينتخب) بعقله الموضوعى جدا، نحن نختار بوعينا، وعواطفنا، وغرائزنا، وبعض ظاهر عقولنا وكل هذا ليس دائما فى بؤرة شعورنا، لكن الممارسة والزمن يقربنا بالتدريج إلى مزيد من الموضوعية.
من يهمه أمر هذا البلد، ويريد أن يساهم طول الوقت بما يستطيع عليه أن يحترم الواقع الحالى ويبدأ منه، ويساهم فى إنجاحه سواء انتمى إلى من يلى السلطة أم لا. نحن لا نحتاج أن نضيع الوقت ونواصل المناقشات النظريه ونحن نحكم على بعضنا البعض بالكلام قبل خوض التجربة، إن من يتصدى لتولى السلطة، وينجح حتى فى الضحك علينا، فليتفضل، وليدفع الجميع ثمن الضحك عليه، حتى لو كان قد قاوم ذلك ما أمكنه ذلك، وليستعد للجولة القادمة وهو أكثر يقظه وتوقيا من أن يخدع مرة ثانية، ولنخرج من التجربة وقد تعلمنا كيف نلزمه بدفع ثمن فشله بأن نخلعه، ثم نتحمل معه مرغمين بعض نتائج فشله، نخلعه بالقضاء أو بالانتخابات ما دمنا قد أرسينا القواعد الجديدة.
لكى يتواصل نمو شعب صبر كل هذا الصبر، ودفع كل هذا الثمن، علينا أن نتعلم من الفشل مثلما نتعلم من النجاح كل ذلك يتطلب منا أن نجتهد غاية ما فى وسعنا أن نحدد مقاييس النجاح والفشل، ليست فقط بعدد الملايين فى ميدان التحرير بل بعائد مظاهرات ميدان التحرير، وليس بعدد المدارس فى محافظة كذا، بل بعدد التلاميذ وساعات الدرس الحقيقية داخل الفصول،
وكل هذا يحتاج إلى تفصيل لاحق نبين فيه ابعاد المقاييس الزائفة قصيرة الأجل لأداء المسئولين، فى مقابل المقاييس الموضوعية والحضارية التى يمكن أن نقيس بها أداء المسئولين القادمين ومن بعدهم ومن بعدهم (ربنا يسهل) أولا بأول.
وربنا – أيضا ودائما– يولى من يصلح.