الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / العلاج الجمعى والفلسفة (2 من 3): (مدخل محدود من كتاب مقدمة فى العلاج الجمعى 1978)

العلاج الجمعى والفلسفة (2 من 3): (مدخل محدود من كتاب مقدمة فى العلاج الجمعى 1978)

نشرة “الإنسان والتطور”

25-5-2011

السنة الرابعة

العدد: 1363

العلاج الجمعى والفلسفة (2 من 3)

(مدخل محدود من كتاب مقدمة فى العلاج الجمعى 1978)

أنتهت نشرة أمس بسؤالين:

1) أين العلاج النفسى الجارى أو غيره من كل هذا؟ . . .

2) ألا يشوه هذا التنظير الفلسفى مسيرة العلاج النفسى ويخرجه عن هدفه، أو يفرض عليه ما ليس له؟

وفيما يلى الرد الذى كتبته سنة 1976 دون تغيير تقريبا وهو مرتبط بالبحث الذى كان هذا الكتيب بمثابة مقدمة له، وكان البحث على مجموعة من المؤهلين (ولا أقول المثقفين)، وفى عيادة خاصة، وإن كان الرد الكامل على هذين السؤالين وغيرهما لم يصلنى كاملا تقريبا إلا من مجموعات قصر العينى خلال 37 سنة وسيأتى بعض ذلك فى الكتاب الحالى.

لكن نبدأ بالرد القديم:

1- إٍن هذه المشاكل الكيانية والصيرورية موجوده عند الشخص العادى وهى ليست مشكلة خاصة بالمختصين فى الفلسفة أبداً(1).

2- إن المرض النفسى – وهذا النوع بالذات الذى تمثله هذه المجموعة – فى تقديرى هو مواجهة عنيفة غير محسوبة (لدرجة الإخلال)، مع هذه المشاكل الحية التى يعيشها الأمى أو المتعلم على حد سواء.(2)

3- إن وعى المعالج بها ومعايشتها هو ممارسة الفلسفة، أى الحياة، ولكن الوقوف عند عقلنتها – هو الخطر الحقيقى على مسيرة العلاج ..

4- إن وعى المعالج بها، وتحديد موقفه منها، هو السبيل لإثارة وعى مقابل من جهة المرضى يساعد فى تحديد موقف مسئول تجاه ما فرضته التغيرات البيولوجية المتعلقة بالنمو واستثارة الوعى.

5- أن المتتبع لما جاء فى الجلسات بتمعن هادئ يجد أن مسيرة العلاج النابعة من المشاكل المطروحة وكذلك قواعد العلاج التى استنتجها الباحث تتصل اتصالا مباشراً بمشاكل الفلسفة الحية، التى إذا كنا قد نجحنا فى الهرب منها فيما يسمى العلم، فإٍِن هؤلاء المرضى جاؤوا يذكرونا بها من واقع مأساة وجودهم، وليس أمامنا إلا أن نواجه مسئوليتنا تجاهها … أو أن ندمغهم وننفيهم هرباً مما يمكن أن يثيروه مماهو داخلنا فعلاًحتى لا يهددونا بالرؤية أو يدفعونا إلى المحاولة.

6- إن الأعراض التى جاءت بالمريض إلى العلاج كانت تزول أو تهدد بالزوال على الأقل بمجرد إرجاعها إلى أصلها وهو “مشكلة الوجود أو فلسفته”.

7- إن المشاكل التى أثيرت طوال الجلسات المعروضة، والقواعد التى اتبعت لم تتعمد ترجيح فلسفة بذاتها أو تلزم المعالج أو أحد المترددين على رأى محدد بقدر ما أثارت أغلب وجهات النظر الفلسفية المعروفة فى بساطة دون أن نرجعها إلى اصلها الفلسفى بلغة مغتربة بحال من الأحوال. وذلك خوفاًً من العقلنة (أو بلغة هذه الفقرة: خوفا من إحلال التفلسف مكان الفلسفة) وأورد هنا بعض الأمثلة التى تؤيد هذه الفقرة،

(1) يلاحظ المتتبع للمناقشات ما يشبه مبدأ “التتهكم والتوليد” الذى اتبعه سقراط للوصول إلى الحقائق، وقد ظهرهذا جلياً فى رفض الإجابة على الأسئلة أحياناً، وقلبها جملا إخبارية أحياناً، وأيضا فى طرح أسئلة مقابلة أحياناً أخرى.

(2) يبدو جلياً أن العلاج كان يهدف إِلى تأكيد افتراض أن لكل مشكلة جانبين يكادان يتساويان فى القوة وأن على الفرد أن يفحصهما من خلال العلاج ليرجح أحدهما فى مرحلة ما، وأن الدفاع عن كل منهما بنفس القوة كان يتم من خلال المناقشات، والانشطار، والسيكودراما، ويقترب ذلك مما جاء فى محاورة بارمنيدس حيث يقول أفلاطون “إن لكل مشكلة جانبين ويمكن الدفاع عن أيهما بمثل القوة التى ندافع بها عن الآخر”.

(3) يظهر مبدأ رفض الثرثرة والجدل العقلى (الدردشة)(3) الذى تقرر فى كل جلسة تقريباً ما يقابل النقد الموجع للسفسطائيين عندما ذهب فكرهم إلى درجة أن أصبحت غاية التفكير هى الانتصارعلى الآخر وليس الوصول للحقيقة . .

(4) نجد هنا أيضا فى الهجوم على الموقف الُحكمى لأحد الأفراد ما يؤيد، ولو بدرجة طفيفة موقف الشاك بيرون حين يؤكد أنه: لا مجال للحكم على شئ، بل لعل وراء موقف بعض البيرونيين المتطرفين الذى وصل إلى رفض الكلام نهائياً مادام الحكم لا قيمة له .. لعل هذا الموقف الغريب فيه إيحاء ضمنى للتواصل دون كلام الأمر الذى أثير فى المجموعة وناقشة الباحث بوضوح.

(5) كان فى التأكيد على الحرية والاختيار والمسئولية ما يؤكد المبدأ الأساسى فى الفلسفة والوجودية وهو أن الوجود يخلق نفسه باستمرار، وأن الانسان هو حريته.

(6) إن محاولة الانتقال من الحب الفردى والعلاقة التكافلية المعطِّلة إِلى حب الآخرين دون تمييز ما يشير إٍلى موقف أفلاطون من الحب، ذلك الموقف الذى أسئ فهمه أشد الإساءة. بزعم أنه “عذرى” أو “مثالى”.. الخ

(7) نلاحظ أنه فى مبدأ “أنا – أنت”، سعى المجموعة فى إصرار إلى كسر التحوصل حول الذات بما يؤيد أن الوجود الفردى لابد له أن يتناسق مع الوجود العام، الأمر الذى ناقشه هيدجر تحت مفهوم “التواصل” و”ياسبرز” تحت مفهوم“الأنت”.

(8) إن فى التأكيد على ضرورة خوض تجربة حية كأساس للشفاء أى للنمو والتغير ما يقابل رأى جابرييل مارسيل فى ضرورة العودة إلى تلك الخبرة الأولى..

(9) نشاهد كذلك فى الجلسات تكرار محاولة، البداية الجديدة من تجربة حية” بما يؤيد الرأى الوجودى المقابل سواء كانت تجربة مغامرة إظهار الضعف والاعتماد (ما قد يقابل هشاشة النفس عند ياسبرر(4) أو تجربة سقوط الدفاعات القديمة قبل ظهور البديل أى الاقتراب من المأزق (ما يقابل الغثيان (5)عند سارتر

(10) نرى فى إعلان الحاجات اللذية للكيان الطفلى أو أحيانا الوالدى – بلغة إريك بيرن – أو هما معا إذا حدث تلوث ظاهر أو  خفى.. ما يشبه اتجاه المدرسة الأبيقورية فى تقديس مبدأ اللذة.؟

(11) ثم يمكن أن نستشعر ظهور مبدأ البراجماتية فى كل آن، وذلك بالاصرار على إرجاع كل مسار العلاج إلى الواقع العملى، ومثال ذلك حين تُرفض البصيرة العقلانية، ويصر المعالج والمجموعة على الوصول إلى البصيرة الحقيقة التى تستقر فى القلب ويصدقها العمل…، وفى كل ذلك ما يؤكد المبدأ البراجماتى من أن الفكر غائى بطبيعته، وأن المعرفة لا ينبغى أن تكون إلا أداة فى خدمة العمل.؟

(12) فى محاولة تصعيد الإدراك لدى أفراد المجموعة من استقبال الآخرين والأشياء باعتبارهم “موضوعات ذاتية” إلى استقبالهم باعتبارهم “كيانات موضوعية”، ما يلقى بنا دون هوادة فى خضم نظرية المعرفة بأمواجها المتلاطمة بين المثالية والواقعية وقد استعمل الباحث هذه التغيرات ببساطة لأنه استقاها من مصدر من مصادر التحليل النفسى، ولكن وراءها ما وراءها من إثارة مشاكل معرفية جسيمة، إلا أن استقبال المرضى لهذا التحول كان سلساً دون تنظير، مما يدل على أن “التجريب الفلسفى” ممكن بالصورة التى صورتُها فى أول هذه الفقرة، بل هو قد أكد لى فعلا أن تطور الإدراك من الذاتية إلى الموضوعية لا يتم فقط بالطريقة التى اقترحها “كانْت” فى مثاليته النقدية (التى لم أقهمها إِلا من خلال نظرية تنظيم (فعلنة لاعتمال المعلومات) ولكنها أقرب ما تكون – أيضاً – إلى تصاعد مراتب الوعى عند هيجل فى ممارسة تجريبية عملية..، وقد كان هذا يتم تحت ناظرىّ فى انبهار مذهل (الإنسان فى أصول وجوده وحركة صيرورته!!).

(13) وأخيراً: إن فى ما يجرى فى هذه المجموعة ما يؤكد، بل ويحقق فكرة الديالكتيك كأساس لمسيرة التطور كما نادى هيرقليطس إٍلى هيجل فماركس.؟ وقد ذكر الباحث إٍشارات متتالية إلى ما أسماه مرحلة الولاف Synthesis.

وبعـد

نقف هنا لنتساءل (مايو 2011):

وهل كل هذه النظريات وغيرها تساهم بنفس القدرة فى الربط بين هذا العلاج وبين الفلسفة، ولكن دعونا الآن نكمل أولا.

سوف نخصص نشرة الثلاثاء القادم لشرح بعض ابعاد حركية النمو من خلال خبرة هذا العلاج خاصة على خلفية تننظير المؤلف كما وردت فى ذلك الكتاب 1976، وعلاقتها “بالجدل” وهو يقع فى بؤرة فلسفة هيجل ونظريتنا فى النمو والتطور والعلاج، وبخاصة العلاج الجمعى.

****

[1] – تغيرت الصيغة فقط من الاستفهام إلى التقرير.

[2] – الكلمات والجمل التى أصبحت بالبنط الأسود هى تشكيل لاحق فى لون البنط فقط.

[3] –  No Gossip Principle

[4] – La Fragilite de Létre

[5] – La nausea

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *