نشرة “الإنسان والتطور”
الخميس: 24-9- 2015
السنة التاسعة
العدد: 2946
ص 206 من الكراسة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
نجيب محفوظ
أم كلثوم نجيب محفوظ
فاطمة نجيب محفوظ
هذه الطرق تؤدى إلى الهدى
وهذا الهدى يؤدى إلى الطريق
وغزا الجزيرة حتى جاءنى بنأ
ياليت الشباب يعود يوما فاخبره
أيها القوم المخبون فى الأرض المجدون
فكما أنتم كنا وكما نحن تكونون
إيزيس وفينوس وديانا
نجيب محفوظ
4/9/1995
مقدمة:
حركية “وعى” نجيب محفوظ
(حالة كونه مبدعاً)
هل فى الإمكان أن تتعرف على كيف يتحرك وعى نجيب محفوظ قبل وبعد أن تنبهر بناتجه الإبداعى؟
هذا هو السؤال الذى لاحت لى إجابته وأنا أتداعى على ما جاء فى هذه الصفحة واعتبرته “عيدية” منه إلىّ بمناسبة العيد.
اليوم عيد الأضحى المبارك، فكل عام وانت بخير يا شيخنا الغالى، ومصر بخير، والناس بخير، ذلك الخير الذى كنتَ تُعلِّمُنَا إياه وترجوه لنا ولهم ولك، ذلك الخير الذى ما زلتَ تغمرنى به أيضا من خلال هذه التداعيات التى أصبحت مدرسة جديدة انتقل فى فصولها عاما بعد عام وأنا فى هذه السن، نفس السن التى التقيتك وأنت فيها (83) وكلما خطر لى هذا الخاطر حمدت الله على تلك الفرصة التى أتاحت لى كل هذه التلمذة والإنارة والاستلهام.
وصلتنى صفحة اليوم كما قلت الأسبوع الماضى وأنا استشعر ثمة عودة للتداعى إلى النمط الذى بدأت به التدريبات، إلا أن النقلات أصبحت أكثر حسما وصدْما للإفاقة، كما أن المساحات فيها صارت أوسع، مساحات الزمن ومساحات المكان معا، ولعل ذلك يتفق مع تزامن بداية كتابتك لأحلام فترة النقاهة كما رجحتُ منذ بضع نشرات (نشرة 13-11-2014 “صفحة التدريب رقم (176) من الكراسة الأولى”) و(نشرة 19-3 -2015 “صفحة التدريب رقم (193) من الكراسة الأولى”) وهذا لا يعنى بالضرورة أن هناك ربط بين هذا وذاك.
المهم ونظرا لعودة الحديث عن أحلام فترة النقاهة بمناسبة قرب نشر الجزء الثانى منها، والذى فصَّلت ظروفه لك الاسبوع الماضى، نعود للتأكيد على أن هذه الأحلام القديمة والجديدة لا تتحفنا بنوع نادر رائع من إبداعاته فحسب، وإنما يمكن أن تكون فتحا منهجيا يضىء عمق عملية الإبداع الأصيل بشكل عام، شكل لم تتح لباحث من قبل أن يسبر غوره من خلال مثل هذه الفُرَص معاً.
إن دراسات الإبداع تركز على المتاح من ناتج الإبداع وإنجازات المبدع وأحيانا على علاقة ذلك بالمبدع نفسه (شخصيته أو نفسيته أو موقفه ..الخ) وكل ذلك لا يفيدنا كثيرا فى الإلمام بعملية الإبداع ذاتها، لأنها عادة أبعد عن التناول حتى على المبدع، حتى شهادات المبدعين )بما فيهم محفوظ(، والتى استشهدت بها فى أطروحتى “الإيقاع الحيوى ونبض الإبداع”(1) هى نوع من الاستبصار، بل و”الاستبصار الراجع”(2)، وأنا لى تحفظ كم حدْثتك يا شيخنا عنه وأنا أشرح لك تواضع هذا المنهج فى رصد العمليات الإدراكية والوجدانية الأعمق والأكثر تكثيفا (وإبداعا)، لكنه – برغم ذلك – منهج مفيد على أى حال، فهو يتيح لنا قدرا مناسبا من “الممكن والمتاح”، ربما كما يتيح لنا الحلم المحكى فرصة للنظر فيما وراءه، فنتجاوز الشائع من تفسيراته، ونستعمل الحلم الظاهر للوصول إلى ما هو أعمق من إشارات واسهم وتوجّهات وتركيبات.
النقلات فى هذه الصفحة دعتنى أرجع إلى النقلات فى أحلام فترة النقاهة ثم إلى النقلات فى شعر الشعراء الأحدث، وأيضا – بينى وبينك – إلى النقلات فى تناثر الجنون، أنت تعلم يا شيخنا أننى أواصل البحث هذه الايام فى هذه المنطقة بين الحلم والشعر والنقد والجنون (نشرة 20/9/2015 “الوعى البينشخصى: ونقد النص البشرى: فى الأدب والشعر والجنون)، وفى حدود علمى لم توجد فرصة عبر التاريخ للإطلاع على الوعى الإبداعى لمبدع مثلك، وها أنت تتيح لنا الفرصة لذلك إذ تفتح لنا أكثر من قناة إلى محيط وعيك الخلاّق بهذه الصورة غير المسبوقة فى حدود علمى.
أنت يا سيدى رفضت أن تكتب سيرتك الذاتية بتواضع لا مثيل له، إلا أن وعيك الأعمق لم يبخل علينا – ولا على البشرية بإذن الله – أن يكشف عن هذه المساحات التى تبدو متناثرة من تداعيات طلاقتك العفوية والتى وصلتنى أكثر فأكثر – ربما بمناسية العيد كعيدية – وهى تكمل بعضها بعضا،
وإليك بعض عناوين بعض ما وصلنى من قنوات قد تسمح بالتعرف على الوعى الإنسانى المبدع النادر ممثلا فى شخصك: دعنى أذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر:
أولاً: اصداء السيرة الذاتية، ولم تكن هى البداية تماما، فهى ليست – كما اخترتَ عنوانها: سيرة ذاتية – لكنها كانت أصداء فعلا، توحى بمصدر غير مرئى، وكم سعدت وأنت تسميها أصداء (وقد ناقشت ذلك فى نقدى إياها ذلك)(3).
ثانياً: ما وصلنى من علاقة أعمالك بالأسطورة عامة (والأسطورة الذاتية أيضا)(4) (وهذا بعض ما سوف نناقشه الأسبوع القادم فى قراءة نهاية هذه الصفحة، وبصفة مبدئية فقد وصلتنى هذه الإبداعات على أنها بمثابة تنيشط لوعى المبدع يسمح له بإعادة تخليق الوعى الجمعى بالطول.
ثالثا: قراءة نقدية لأحلام فترة النقاهة من منطلق الوعى البينشخصى (أنظر الفصل الثالث فى كتابى: “طبيعة الحلم والإبداع”(5).
رابعاً: ما أنجزتُ حتى الآن من تداعيات على تداعيات ما تيسر من تدريبات (ولا أدرى هل يمتد بى العمر والجهد حتى أنهيها، أم يشاء ربى غير ذلك حيث لم أتم حتى الأن إلا 209 صفحة من 1050 صفحة، ثم تأتى بعد ذلك القراءة الشاملة).
خامساً: قراءة انتقائية لبعض أعمالك التقليدية التى استشعر فيها إضافة (1) إما إلى السيرة الذاتية أو (2) إلى طبيعة العملية الإبداعية:
الأولى: مثل “المرايا”، و”حكايات حارتنا” و”أمام العرش”..الخ
والثانية مثل: “ليالى الف ليلة” أو “رأيت فيما يرى النائم” أو “رحلة ابن فطومة” و”العائش فى الحقيقة”…الخ
عودة إلى متن الصفحة:
بعد ذكر اسمه واسمىْ كريميته كَتَبَ:
هذه الطرق تؤدى إلى الهدى
وهذا الهدى يؤدى إلى الطريق
فيصلنى هذا القول، وهو يعلم أننى غارق هذه الأيام فى الحوار مع مولانا النفرى استلهاما من مواقفه، يصلنى مكملا لتداعياتى لصفحات سابقة من هذه التدريبات، ألهمتنى تداعيات متنوعة أثبتها فى موقعها كلما ذكر الهدى(6).
لكنك هنا أوصلت لى جديدا وأنت تشير “بالطريق” إلى الدائرة المفتوحة، ولا أعتقد أنك تشير إلى الطرق المعروفة فى الصوفية الشائعة، إنما إلى الطريق إلى الله ببساطة وجلاء تام، فيتفق ذلك مع كل ما وصلنى وعلقت عليه فى حوارى مع النفرى وعبرت عنه “بالنهاية المفتوحة”، وهو ما أكدت من خلاله أن كل وصول إلى هدف ما هو ألا بداية جديدة، وأن كل حجاب هو فتح، وأن كل طريق هو دعوة لمواصلة الكدح بلا نهاية (أنظر النشرات الأخيرة للنفرى من موقف الليل: نشرة 19-9-2015، ونشرة: 12-9-2015 ونشرة 19-9-2015).
كمثال.
ثم يأتى سطر احتار فيه برغم وضوح الكتابة فأثبته كما هو، هذا السطر يقول:
وغزا الجزيرة حتى جاءنى بنا
احترت يا سيدى فى الكلمتين الأخيرتين حين تأكدت من وضوح الخط، فعزفت عن افتعال أى تقريب أو تغيير، لكن ذلك لم يمنعنى من التعسف فى التفسير، مع أنى رفضت أن أقرب أى لفظ منهما إلى ما لاح لى، وأيضا رفضت أن تكون “الجزيرة” هى التى ذكرت فى الأسبوع الماضى، وقرأتها على أنها قناة الجزيرة، لأن ما وصلنى هنا أنها “الجزيرة التى خلقها الله” كجزء من الطبيعة والفطرة.
السطر يقول:
وغزا الجزيرة حتى جاءنى بنا
أما تعسف قراءتى فيقول: “إن علاقة شيخنا بالطبيعة تجمعه بشخوصه” (مستويات وعيه) فينطلق الإبداع مجتمعا منها جميعا معا فى جدل خلاق.
أنا آسف
ثم يختم شيخنا الصفحة بذكر أسماء ثلاثة (إيزيس وفينوس وديانا)، مما يحتاج إلى كلام كثير عن علاقة إبداعه بالأسطورة وعن علاقته هو بالأسطورة.
أما ما ورد ذكره من قبل – غير ذلك – فنثبته بالهامش كالعادة(7).
[1] – يحيى الرخاوى: “الإيقاع الحيوى ونبض الإبداع” مجلة فصول- المجلد الخامس- العدد الثانى- 1985. ثم فى كتابى: “تجليات الوجود وحركية الإبداع” المجلس الأعلى للثقافة 2007
[2] – Retrospective Introspection
[3] – يحيى الرخاوى ” أصداء الأصداء” تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) المجلس الأعلى للثقافة 2006
[4] – يحيى الرخاوى: دورية نجيب محفوظ “الأسطورة الذاتية: بين سعى كويلهو، وكدْح محفوظ” العدد الثانى: ديسمبر 2009 – المجلس الأعلى للثقافة
[5] – يحيى الرخاوى “طبيعة الحلم والإبداع – دراسة نقدية فى: “أحلام فترة النقاهة” نجيب محفوظ، دار الشروق 2011
[6] – وسبق أن ورد ذكر كلمة “الهدى” بتشكيلات مختلفة مثل:
* “الهدى” لمن اهتدى:(نشرة 28-1-2010 العدد 881 صفحة التدريب 8)، (نشرة 28-1-2010 صفحة التدريب 9)
* “الهدى” من الله”: (صفحة التدريب (14) نشرة 18-2-2010 – صفحة التدريب (23)- وصفحة التدريب 56)
* “الهدى” من عند الله”: (صفحة التدريب ( 8) نشرة 28-1-2010 ، صفحة التدريب (30) نشرة 28 -7- 2011)
* “الله “يهدى” من يشاء”: (نشرة 28-1-2010 صفحة التدريب 9)، وأيضا (نشرة11-2-2010، صفحة التدريب 12) ، وأيضا: (نشرة 8-9-2011، صفحة التدريب 36)
* “الهدى” هدى الله” (نشرة 6-10-2011 صفحة 38)
[7] – أيها القوم المخبون فى الأرض المجدون، فكما أنتم كنا وكما نحن تكونون
ورد هذا النص فى صفحة التدريب (ص 20) بتاريخ: 18- 3 – 2010، وصفحة التدريب (75) بتاريخ13-10-2011 ، وصفحة التدريب (ص 107) بتاريخ: 7-2 – 2013، وصفحة التدريب رقم (128) نشرة: 10-10-2013 وصفحة التدريب رقم (146) نشرة: 20-3-2014 وصفحة التدريب رقم (185) نشرة: 15-1-2015 وصفحة التدريب رقم (204) نشرة: 10-9-2015.
– الا ليت الشباب يعود يوما
ورد هذا النص فى صفحة التدريب أرقام (2)، نشرة 31 -12-2009 ، وصفحة التدريب رقم (4)، نشرة 7-1-2010، وأيضا فى صفحة التدريب رقم (42)، نشرة 3-11-2011، وأيضا فى صفحة التدريب رقم (57)، نشرة 263-1-2012.