الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الطبنفسى الإيقاعحيوى (17) Biorhythmic Psychiatry النظرية التطورية‏ ‏الإيقاعية (12) علاقة الإيقاعحيوى بحالات الوجود الخمس (1)

الطبنفسى الإيقاعحيوى (17) Biorhythmic Psychiatry النظرية التطورية‏ ‏الإيقاعية (12) علاقة الإيقاعحيوى بحالات الوجود الخمس (1)

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت : 12-3-2016

السنة التاسعة

 العدد: 3116 

 الطبنفسى الإيقاعحيوى (17)

Biorhythmic Psychiatry

النظرية التطورية‏ ‏الإيقاعية (12)

علاقة الإيقاعحيوى بحالات الوجود الخمس (1)

“‏سقراط‏: ‏لقد‏ ‏كنت‏ ‏أدرك‏ ‏أيها‏ ‏الصديق‏ ‏أنك‏ ‏لن‏ ‏تقنع‏ ‏برأى ‏الآخرين‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏المسألة‏.‏

جلوكون‏: ‏ذلك‏ ‏لأنه‏ ‏لا‏ ‏يليق‏ ‏بمن‏ ‏قضى ‏حياته‏ ‏مثلك‏ ‏وهو‏ ‏يفكر‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏المسائل‏، ‏أن‏ ‏يكتفى ‏بعرض‏ ‏آراء‏ ‏الآخرين‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏يعرض‏ ‏آراءه‏ ‏هو‏.‏

سقراط‏: ‏ولكن‏ ‏أتظن‏ ‏أنه‏ ‏يليق‏ ‏بالمرء‏ ‏أن‏ ‏يتحدث‏ ‏عما‏ ‏لا‏ ‏يعلمه‏ ‏وكأنه‏ ‏يعلمه؟

جلوكون‏: ‏كلا‏، ‏لا يصح‏ ‏أن‏ ‏يتحدث‏ ‏وكأنه‏ ‏يعلمه‏، ‏ولكنه‏ ‏يستطيع‏ ‏أن‏ ‏يقول‏ ‏ما يعرفه‏ ‏على ‏سبيل‏ ‏عرض‏ ‏رأيه‏ ‏الخاص‏”‏

‏أفلاطون‏- ‏محاورة‏ ‏الجمهورية

(هذه العبارة تصدرت عن تطوير مستويات الصحة النفسية بربطها بالإيقاعحيوى)

مقدمة

أنهيت نشرة الإثنين الماضى (اخر المنشور عن الطبنفسى الإيقعحيوى) بما يلى :

“…سوف نرجع إلى …هذه الحالات (حالات الوجود الخمس) سواء على مستوى النبض اليومى، أو على مستوى أصغر فأصغر ..إلخ”

فكان لزاما أن أبدأ اليوم بالتذكرة بما أعنى بحالات الوجود الخمس، – مع الاعتذار للتكرار الضرورى-  لأسمح لنفسى بعد ذلك بربطها بالإيقاعحيوى، ولكن قبل ذلك دعونى أقتطف جملة شدتنى وأنا أعدّ نفسى لمهمة اليوم، جاءت هذه الجملة أيضا فى مقدمتى لكتاب “الأساس” الذى توقف مرغما ، مع أنه الأصل وما كتاب الطبنفسى الإيقاعحيوى إلا فصل منه !! جاء ما يلى :

“…..بمراجعة كل ما كتبت فى مجال الطب النفسى وغيره، أكاد اصل إلى عقيدة أننى لم أكتب إلا جملة واحدة مهما تنوعت الأشكال، وسوف أحاول أن أثبتها بالتقريب، بكل صعوبة، ومخاطرة أيضا، فأستطيع أن أضعها كالتالى:

“…إن الإنسان كائن (يحاول أن) يكمل مسار تطور الحياة – بفضل الله – وهو على قمة ما أنجزتْ من مراحل، وذلك من خلال احتوائه كل تاريخها نابضة باستمرار الإيقاع الحيوى الدائم على كل مستويات وجوده ، فى تناغم مع كون نابض حيوى أيضا، إلى مستقبل نعرف سهمه، ولا ندرك تحديدا تفاصيل منتهاه، ومن ثم فإن ما يسمى الصحة النفسية إنما تتحقق بسلامة وانطلاق هذه المسيرة بقوانينها البيولوجية أساسا،  ويكون المرض النفسى هو إعاقتها، أو قلبها، أو تشويهها.

ثم جاء فيما  يتعلق بالصحة النفسية وأنا أتحدث عن علاقتها وحركيتها، وعذرا للتكرار، ما يلى:

–      إن الإنسان وهو على قمة الهرم  التطورى للحياة، يحـوى تاريخه كله حتى الآن، وهو يعيد “بسطـَه” Unfolding  فى دورات غير مغلقة، فهو يكـرر باستمرار مراحل نموه من الفيروس (أو  ربما: من اللاحياة) إلى ما يسمى الهوموسابيانز، (الإنسان العاقل)، على أن هذه الإعادة، (والاستعادة) لا تنتهى فى كل دورة نمو (دورة تطور ذاتى) إلى نفس النقطة، وإنما تحقق نقلة نوعية – مهما  ضَؤٌلَتْ– تعلن تواصل النمو، يحدث ذلك بشكل مكبر أثناء ما يسمى “أزمات النمو” المتلاحقة (وأشهرها “ثمان عصور للإنسان:” إريك إريكسون)(1)، لكنه يحدث أيضا فى وحدات زمنية أقل فأقل (حتى تصل إلى التناهى فى الصغر)، وهو يحدث طول الوقت، وتقوم علاقات النمو الفردى بعد ذلك بتدعيم مراحل التطور مرحلة فمرحلة، وقد تم من خلال ذلك استيعاب مدرسة “العلاقة بالموضوع”(2) .

ثم رحت أمارس نقد فرضِ الباكر (1972) عن مستويات الصحة النفسية على الوجه التالى:

 الخطوط العامة لنقد تلك المرحلة

وصل للبعض أن هذه المستويات الثلاث (الدفاعى، والبصيرى، والإبداعى) تمثل مراحل يمر بها كل فرد المرحلة تلو الأخرى، ربما بما يقابل مراحل النمو الثمانى عند إريك إريكسون، وهو ما لم أقصده أصلا، ولم يرد فى الفرض تحديدا أى من ذلك، وإنما قصدت التأكيد على أن النمو يتم فى أزمات أطلقت عليها “مفترقية”، نسبة إلى مفترق الطرق، وأن نتاج كل أزمة هو إما الارتقاء بإعادة التشكيل (الإبداع) إلى مستوى أكثر نضجا وأقدر تكاملا، وإما الإجهاض والانحراف إلى ما يقابل كل أزمة من مرض نفسى وإما الردّة “كما كنت” وتوقف النمو.

كما أنه قد تبين لى لاحقا أثناء مراحل العلاج الجمعى بوجه خاص أن المريض، و(المعالج) يمكن أن ينتقل  من مستوى إلى مستوى فى وحدة زمنية صغيرة، أثناء الجلسة الواحدة (ساعة ونصف) بل فى وحدات زمنية أصغر من ذلك سوف نعود إليها (3) وبالتالى، لزم التأكيد الآن على أن ما أسميته “أزمة النمو المفترقيه” هى التى تعلن النقلة من مستوى من الصحة النفسية إلى مستوى أعلى ، وهى ليست بالضرورة أزمة بين مرحلة نمو عمرية وأخرى تالية (كما هو الحال فى أزمات نمو إريك إريكسون) وإنما هى أزمة متجددة، واردة فى أى وقت وبأشكال مختلفة، صحيح أن ثمة أزمات طبيعية ممتده على مسار النمو يتصف بها النمو الطبيعى، مثل أزمة المراهقة، وأزمة منتصف العمر، وأزمة الشيخوخة، وأزمة الموت، لكن هذه الأزمات الطبيعية لا تشير أصلا إلى احتمال أن ترجح فى أيها كفة طريقة معينة من التوازن على الأخرى، وكل من هذه الأزمات قد تقترب أكثر أو أقل من مستوى من مستويات التوازن

12-3-2016_1

شكل مكرر : يبين مسار آليات التوازن ذهابا وإيابا وبالتالى مستويات الصحة النفسية المتصاعدة، المتبادلة)

 كل هذا راح يعلى من قيمة التوازن المرحلى على الأقل باعتباره المحك اللازم لوصف ما هو “صحة نفسية” وأنه إذا استقر التوازن على أى مستوى لفترة كافية، اعتبر الشخص فى صحة نفسية مهما بلغ الاستمرار والاستقرار، ولم أؤكد بصفة جازمة مثلا أنه إذا استمر إلى نهاية العمر فى المستوى الدفاعى عاش الشخص فى حالة اغتراب متجمد، لأنه استقر حتى توقف النمو، أما إذا استنفدت هذه الآليات أغراضها بعد فترة مناسبة فإن أزمة نمو تلوح فى الأفق، يدخلها الشخص تمهيدا لنقلة إلى مستوى أعلى من التوازن، وهو لا يستغنى تماما عن هذه الميكانزمات الدفاعية المميزة للمستوى الأول، وإنما يستعمل منها ما تيسر ولزم، بالإضافة إلى غلبة الآليات الأرقى (الأكثر وعياً) لتحقيق التوازن، بدءً بالبصيرة النسبية.

وتتكرر المسألة بالنسبة للمستوى الأعلى: المستوى البصيرى، مستعملا آليات آخرى ليست برامج عامية تماما فهو يحقق التوازن بالمواجهة وقبول الداخل (والخارج) بدرجة تحّمل وقدرة تجاوز، بما يمكن معه الاستغناء عن الإفراط فى استعمال ميكانزمات الدفاع دون التخلى عنها تماماً، هذه الرؤية (البصيرة) تبدو صحيحة ومفيدة بقدر ما هى مؤلمة وحافزة، ويتحقق بها التوازن دون التخلى عن قدر من الميكانزمات كما قلت، وأيضا دون الإلتزام بإعادة التشكيل (وهو ما يجرى فى المستوى التالى: الإبداعى) نتيجة هذه الرؤية التى تساهم فى دفع يقظة الوعى وحفز الألم ويسمى هذا المستوى الأوسط “البصيرى” للصحة النفسية.

12-3-2016_2

 (شكل 2: يبين إحدى النقلات المحتملة من المستوى البصيرى إلى المستوى الإبداعى والدالة على حفز البصيرة ودفع ألم الرؤية)

 فإذا استمر الوضع واستقر عند غلبة هذا المستوى حتى تحقق التوزان بغلبة البصيرة الواعية مهما بلغ الألم، فإن الشخص يتمتع بدرجة أرقى وأعمق من الصحة النفسية، ويقل الأمر كذلك، أو يتذبذب حتى تعجز هذه البصيرة عن مواصلة قدرتها على التوازن، فإما أن تتراجع قدراتها أو يزيد الألم لدرجة تهدد بالتعجيز وليس بالدفع، وإما أن تلوح أزمة نمو جديدة، لنقلة جديدة، تحتوى البصيرة، لتصبح وعيا أعلى، وتستغل دفع الألم لإطلاق برنامج التوازن الأرقى وهو إعادة التشكيل بآليات الإبداع الخلاقه.

ثم ذكرت كيف أن الإبداع هو مجموعة برامج بشرية موجودة عند كل الناس، وليس صفة خاصة بفريق من المبدعين فحسب، وهى برامج لا تقتصر على حفز الانتاج الإبداعى، وإنما تشير إلى البرامج التطورية الموجودة منذ البداية مثلها مثل البرامج الدفاعية (الميكانزمات) والبصيرية، وهذه البرامج الإبداعية هى القادرة على تحقيق التوازن فى هذه المرحلة الأرقى من النمو وذلك بإعادة التشكيل بديلا عن الإفراط فى استعمال ميكانزمات الدفاع (المستوى الأول)، وأيضا لتتجاوز احتمال التوقف عند آليات الرؤية التى قد تقف عند ضرورة الصبر وتحمل الألم (المستوى الثانى)، وهذه الآليات تتخلص أيضا من قدر من آليات الدفاع، (وليس كلها)، كما تستغنى عن قدر من حدة الرؤية للرؤية، والصبر على الألم الحقيقى، لتحل محلها حركية إعادة تشكيل ما أتاحته الرؤية، وماانكشف بتراجع ميكانزمات الإبداع، وهنا، فى هذا المستوى، يتحقق التوازن بغلبة آليات الإبداع مع قدر مناسب من الرؤية الدافعة وميكانزمات الدفاع المخففة، ويسمى هذا المستوى: المستوى الإبداعى.

إلى هنا، انتهى تلخيص الفروض الباكرة عن “مستويات الصحة النفسية على مسار التطور الفردى”.

فأين الإيقاعحيوى فى كل ذلك؟

المتابع لنشرات الصحة النفسية يعرف كيف تمت إعادة قراءة هذه الفروض نقدا وتطويرا حتى تُواكِب ما جد من الخبرة والفروض المكملة وخاصة فيما يتعلق بالتطور والإيقاعحيوى، وهذا ما سوف نبدأ فى عرضه اعتبارا من نشرة باكر.


12-3-2016_3

(شكل 5: يبين كيف يمكن الانتقال من المستوى الدفاعى إلى الإبداعى مباشرةً  “إبداع الذات”)

(مثلا: أزمة المراهقة)

[1] -Eric Erickson : 8 ages of man

[2]– Object Relations theory: Melanie Klien, Fairbairn & H Guntrip

[3] – وقد عدت إليها قبلاً فى ملف الأحلام خاصة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *