نشرة “الإنسان والتطور”
الأحد: 25-5-2014
السنة السابعة
العدد: 2459
الأساس فى الطب النفسى
الافتراضات الأساسية
الفصل الرابع: اضطرابات الوظائف المعرفية (1)
الوظائف المعرفية ( 1 من ؟)
اللغة، والكلام، والذاكرة، والذكاء
مقدمة:
من عمق بذاته، يمكن القول أن كل الوظائف النفسية لها علاقة ما بالنشاط المعرفى بشكل أو بآخر.
هذا الفصل سوف يشمل الوظائف الأساسية فى العملية المعرفية التى لم يتناولها الفصل السابق، وهى اللغة والذكاء والذاكرة، وأهم وسيلة للتعبير عن أغلب ذلك وهى الكلام.
يقع التفكير ما بين اللغة والكلام، حيث أن اللغة هى تركيب غائر هو الأساس فى تنظيم كل من المخ والوجود بغض النظر عن ما هية اللغة الخاصة التى سوف تنطق كلاما (اللغة العربية – اللغة الإنجليزية، اللغة الإشارية إلخ).
والتفكير هو بمثابة العملية (البرامج و البرمجة ومؤلف الوثائق) التى تجعل من تشغيل هذا الكيان أداة هادفة لأغراض معينة، وهذا ما حاولنا الإحاطة بأبعاده فى الفصل السابق.
أما الكلام (ووسائل التعبير المكافئة: الكتابة والإشارة ..إلخ) فهو الأداة التى تُظهر نتائج كل من تشغيل الكيان الغائر المنظَّم والمنِّظم، وهو ما أُعدت له البرامج وكـتبت له الوثائق.
هذا النموذج هو ما يقابل فى نموذج الحاسوب كل من: العتاد (اللغة) والبرمجة وإعداد الوثائق (التفكير) ثم الكتابة وإخراج الوثيقة إلى حيز التداول (فى الكمبيوتر: الكتابة، وفى الكلام، وما يعادله).
ولا تجوز المبالغة فى قبول هذا التماثل ببساطة، فمن ناحية: إن المخ البشرى أكثر تعقيدا وتطوراً من كل تصور يحاول الإحاطة به، ومن ناحية أخرى فإن تطور أجيال الحاسوب جيلا بعد جيلا مع المزيد من وضع نظريات تفسر وتطور وظائفه، أكثر إحاطة وتركيزا يجعلنا نحذر من أى اختزال سهل أو مقابلة مباشرة.
وقبل أن أنتقل إلى هذه الوظائف التكاملية والممكنة وجدت أنه ينبغى أنبه إلى أن ترامى ملف الإدارك (ولم ينتهى بعد) قد أتاح الإحاطة بهذه الوظيفة الأشمل والأعمق مما ينبغى وضعه فى الاعتبار أثناء دراسة هذه الوظائف التخصصية المحددة، وعلى ذلك فإننى أنصح حاليا بأن نكمل دراستها فى حدودها دون ربطها بالإدراك الآن مكتفين بربطها بوظيفة التفكير تحديدا، هذا علما بأن علاقة الإدراك بالوجدان – كوسيلة معرفية أيضا- سوف نعرف لاحقا كيف أنها تكون أولى بالنظر.
أولا: اضطرابات اللغة
اضطراب اللغة الأسىس والمحور يوصف بتعبير “الحبسة” أو “الأفازيا”، Aphasia وكذا بعُسْر التعبير (ديسفازيا) Dysphasia وعموما فإن الحبسة تشير عادة إلى خلل عام، أما الديسفازيا فهى أكثر تحديدا وتخصيصا. و فما يلى بعض التفصيل:
1- الحُبْـسة (الأفازيا) الحسّية (حبسة فرنيك) Wernice’s aphasia: هنا يعجز المريض عن أن يفهم ما يصله من كلام، وذلك بالرغم من سلامة أعضاء الحس وكذا سلامة المسارات العصبية للأحاسيس المختصة، ومع ذلك فإن هذا لا يمنعه من الكلام بطلاقة (وربما يكون ذلك تعويضا، وحينئذ تسمى “الحبسة الطـَّلـِقـَة”، Fluent aphasia ومن المتوقع أن يكون كلامه – الطلق هذا- بلا معنى وغير مترابط، ولكن المريض لا يشعر بذلك وقد يزيد الرطان حتى تسمى ”الحبسة الرطانية” Jarhon’s aphasia (أنظر بعد).
وتوجد تصنيفات أكثر للحسبة نذكر منها ما يلى:
(أ) العمى السمعى الخاص للألفاظ: (تحت القشرى Subcontical): حيث يسمع المريض ما يصله من ألفاظ، لكنه لا يفهمها، ويحسب أنه لم يسمعها جيدا، فيصيخ السمع، فلا يعرف إلا أنها ألفاظا، وفى نفس الوقت يستطيع أن يتكلم، ويقرأ ويكتب لأن هذا العجز قاصر على موضعه فى الدماغ، وفيما ما يقابل وظيفته. هى إذن عجز عن الإدراك الحسى السمعى (= عَـمـَـه. أجنوزيا)
(ب) العمى البصرى الخاص للألفاظ (اللاقرائية تحت القشرة) Subcortical usual aphasia
يرى المريض ما أمامه من ألفاظ، لكنه لا يفهمها، ويحاول غير مصدق لأنه يرى الأشياء الأخرى ويتعرف عليها، وعادة يتكلم أيضا بطلاقة ويملى،وقد يكتب، لكنه لا يفهم ما أمامه من ألفاظ، خاصة المطبوعة، وقد يصحب ذلك فقد البصر فى نصف المجال الأيمن للعينين. هى إذن نوع من اللاقرائية.
2- الحبُـْسة (الأفازيا) الحركية (أفازيا بروكاBraca’s aphasia ): هنا يكون المريض قادرا على فهم ما يصله ولكنه عاجز عن التعبير عن استجابته له تلقائيا، والخلل هنا فى الذراع (الاتجاه) المُطْلِقْ efferent لا المتلقى. ويلاحظ أن المريض فى هذه الحالة يـبذل جهدا حقيقيا فى محاولة التغلب على صعوبته ولكن بلا طائل. وهذا الموقف الرافض للإعاقة يكاد يكون عكس ما نلاحظه فى حالات اللاترابط الفصامى (أو الانشقاقى) حيث يلاحظ فيهما أن المريض يستسلم للإعاقة، بل إنه أحيانا ما يبدو للفاحص الإكلينيكى الحاذق وكأن المريض يرحب بها، أو يساهم فى إحداثها (ويظهر ذلك بطريقة أوضح فى حالات الرطان الانشقاقى Dissociative Jargon ). وقد تكون قاصرة على منطقة “بروكا” (الكلام فقط)، كما قد تكون مشتركة مع مناطق أخرى.
3- الحبسة (الأفازيا) الأسمائية: Nominal aphasia وهى حبسة قاصرة على العجز عن تسمية الأشياء بأسمائها رغم وضوح معرفة المريض بها أو بوظيفتها، وتحدث مثل هذه الحبسة فى حالات الاضطرابات العضوية، نادرا مع الاضطرابات الوجدانية الشديدة، ولكن فى الحالة الأخيرة قد يكون العجز عن نطق الأسماء انتقائيا بمعنى أن المريض ينسى الأسماء التى لا يريد تذكرها
4- الحبسة الرطانية: Jargon aphasia: وهى التى تظهر فى شكل اضطراب يفسد ترتيب الألفاظ فى نظامها المفهومى الهادف والمألوف. وهى ذات سبب عضوى أيضا فى العادة، ومن الناحية الإكلينيكية فإن هذا النوع يشبه شبها شديدا ما يسمى باللاترابط عند الفصامى وخاصة حين يصل اللاترابط إلى الدرجة المسماة “سلطة كلام”، ويمكن تمييز هذا من ذاك بالعثور على السبب العضوى فى حالة الحبسة العضوية، وكذلك بالانتباه إلى موقف المريض من الإعاقة كما ذكرنا فى الفقرة السابقة.
(أنظر أيضا Neologismنشرة الأحد: 9-3-2014 أعراض الاضطراب الجوهرى للتفكير)
وكثيرا ما نجد أكثر من نوع من أنواع الحبسات معا، وهنا يجدر أن يسمى هذا الجُمّاع “الحبسة الكلية”.
وبعد
هذا ما ورد فى المسودة الأولى لهذا الكتاب وكنت أهم بالاستغناء عنه باعتبار أغلب ما جاء فيه ينتمى إلى أعراض الأمراض العصبية (تشريحية) أكثر، إلا أننى فضلت إثباتها لما يلى:
أولا: كنموذج للممارس والدراس يظهر ضرورة الانتباه إلى سلامة جهاز التعبير (الأداء الحركى اللفظى) قبل الإسراع بتصنيفة نفسيا خالصا.
ثانياً: للتأكيد على الانتباه لاستبعاد أى سبب عضوى متفرد أو متداخل مع الأعراض النفسية خصوصا ما تشترك فيه آليات عصبية بشكل مباشر.
وغدًا ننتقل إلى أعراض اضطرابات الكلام.