الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / حوار مع مولانا النفّرى (81) من: “موقف قلوب العارفين” الحكمة الفعْل الشهادة الأمانة

حوار مع مولانا النفّرى (81) من: “موقف قلوب العارفين” الحكمة الفعْل الشهادة الأمانة

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 24-5-2014

السنة السابعة

العدد: 2458  

  حوار مع مولانا النفّرى (81)

من: “موقف قلوب العارفين”

الحكمة الفعْل الشهادة الأمانة

وقال مولانا النفرى فى موقف “قلوب العارفين”

وقال لى:

           إلتقط الحكمة من أفواه الغافلين عنها كما تلتقطها من أفواه العامدين لها،

           إنك ترانى وحدى فى حكمة الغافلين لا فى حكمة العامدين.

 فقلت لمولانا:

الحكمة!! ما الحكمة؟ ماذا تقصد بالحكمة يا مولانا؟ أعنى ما هى الحكمة التى يأمرك أو يرشدك أن تلتقطها، أن نأخذها ونراها، فنراه فيها عند الغافلين خاصة.

تعوَّدنا يا مولانا أن نردد قولا لا نتحمل مسئوليته يقول: “خذ الحكمة من أفواه المجانين” ومع احترامى للمجنون من حيث المبدأ والبداية فقد حذرتُ مرارا من تصور أن نرى الجنون حلا يمكن أن يكون حكيما، لكن كل الممكن هو أن تنطلق منه الحكمة دون أن يتحمل مسئوليتها فنأخذها نحن من فِيهِ، لنتحمل مسئوليتها، فتكون حكمة.

أنت هنا نبهتنى إلى المصدر الأبسط والأدق من أفواه “الغافلين” لا المجانين فتصلنى أقوى وأرسخ، الحكمة تنطلق عفوا من الغافل وليس بالضرورة، ولا أساسا: من المجنون، هى تنطلق منه وهو لا يقصد أن يكون حكيما بها أو بدونها.

أراها يا مولانا فى إيمان الأطفال والعجائز، وفى حكمة كل من لم يدّع الحكمة وربما لم يلفظ لفظها فى حياته، بعض العامدين يا مولانا يلوك الحكمة فلا تكون كذلك، مرة – بل مرات – حاورت صديقا،رحمه الله، حوارا طويلا عريضا بعنوان “الحكمة الملقاة على قارعة الطريق”، كان ذلك من أربعين سنة فإذا بى أكتشف أنها حكمة الغافلين.

حكمة الغافلين تصدر إلىّ فى أفعالهم “معا” لا فى أقوالهم ولا فى حكمتهم، حكمة العامدين تفقد زخمها حين يصدرها العامد متعمدا، قد تتناقلها الأفواه وتلوكها الألسن فى المناسبات تبريرا أو تفسيرا أو حتى إقرارا، فلا تعيننى إليه، بل ربما تحل محل سعيى وكدحى، نحوه.

رؤيته فى حكمة الغافلين لا تُعْلَن ولا تُسَمَّى كذلك، لكنها تُثْرِى، وتُغْنِى، وتهدى وتكشف، يَتَعمَّقُ التوحيد دون نعته بالحكمة، فهو أبسط وأصدق وأكمل.

بعض مهنتى يا مولانا تجرى مع الناس، عامة الناس، أمارسها يا مولانا – بفضل الله – وأنا أتلقى الحكمة من جمّاع جماعات يمكن أن توصف بالغفلة، فتصدِّر لى الحكمة إليه دون قصد.

الغفلة يا مولانا نعمة تصْدِر الحكمة، دون أن تعنى ذلك، حين تكون غفلة عن ما يحول بيننا وبيننا، بيننا وبينه، فننجو من شبهة دبيب النملة.

  الموقف الذى نحن بصدده اسمه “قلوب العارفين”، قلوب الغافلين بلا أقفال، أما قلوب العامدين فأقفالها تحتاج إلى شفرة خاصة حتى تفتح، أو ربما تفتح للأسف فى عكس الاتجاه، فتخرج منها الحكمة مشوبة بما ينفى عنها الحكمة.

وفى نفس الموقف يقول مولانا:

وقال لى:  

          أكتب حكمة الجاهل كما تكتب حكمة العالم.

فأقول يا مولانا: الحمد لله أنه لم يدعُنا إلى أن ننكر حكمة العالِم، فحكمة العالم حتى لو لم يكن عامدا لها، فهى ملكنا بغض النظر عن مسئوليته عنها، نحن نكتبها عنه لا لنحفظها وإنما لنتعهدها، نكتبها لا بالحبر والقلم وإنما بالإقرار والفعل.

كنت أدهش فرحا يا مولانا من كثرة اقتران “الكتاب” “بالحكمة”، فهو يعلمهم “الكتاب” و”الحكمة” معا غالبا، أو كثيرا، وهو ينزّل “الكتاب” مع “الحكمة”، كما أنه “يؤتى الحكمة” لمن يحمل أمانة الكتاب،

والكتاب غير الكتابة، لكنه يحتاج أن يظهر لنا عبر الكتابة.

حكمة الجاهل يا مولانا قد تكون أكثر تعرية وهى تتجاوز جهله فهى لا تخرج من فيض جهله، بل هى تخرج بفضل جهله، حيث لا حذق ولا قصد، لا عائق.

فى الممارسة التى أشرت لها حالا نكتب حكمتنا بحروف الوعى المشتمل، نكتبها ونحن نحافظ على غفلتنا معا، بيقظة القرب المسئول، حين نكتبها هكذا تجرى بنا إليه دون عمد أو علم رصين.

إلم يقل لك أيضا فى نفس الموقف:

وقال لى:

         أنا مجرى الحكمة فمن أشاء أشهده أننى أجريت فذلك حكيمها، ومن أشاء لا أشهده فذلك جاهلها فاكتب أنت يا من شهدها.

يا مولانا: حين تجرى مسارات وعينا إليه معا نكاد نتعرف على مجرى الحكمة، فإذ بنا بفضله نصبح أهلا للشهادة، يشهد أنه المجرى وأنه الذى يجُرى وعينا معا إليه، حكيم الحكمة هو من أكرمه بهذه الشهادة جزاءً وفاقا لما أطلق وما كتب وما سمح حتى صدرت الحكمة منه فهو حكيمها، وهو شاهدها، فإذا كتبها لم يكتبها وإنما فَعْلَنَها فصارت فِعْلاً، أما من حُرِم هذه الشهادة وتأخر حتى كاد يغيب فى جهله قليلا أو كثيرا فهو ما زال مصدِّراً للحكمة وإن لم يشهدها، ألم يقل لك يا مولانا قبل قليل “اكتب حكمة الجاهل”، فعلى كل جاهل ألا يتنكر لجهله، وأيضا ألا يحبس حكمته حتى يعلم، بل يواصل سماحه وكدحه حتى يؤتيه صاحب الفضل، فيشهده مجراها إليها.

يا لكل هذا الفيض من الحكمة من كل مصدر!!

ويا لثقل حمل الأمانة!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *