الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأساس فى الطب النفسى الافتراضات الأساسية: الفصل السادس: ملف اضطرابات الوعى (13) متاهة الوعى (9) فى رحاب الوعى (5) دعه ينبض، دعه يؤمن!!

الأساس فى الطب النفسى الافتراضات الأساسية: الفصل السادس: ملف اضطرابات الوعى (13) متاهة الوعى (9) فى رحاب الوعى (5) دعه ينبض، دعه يؤمن!!

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 14-6-2015   

السنة الثامنة

العدد: 2844

الأساس فى الطب النفسى 

الافتراضات الأساسيةالفصل السادس:

ملف اضطرابات الوعى (13)

متاهة الوعى (9)

فى رحاب الوعى (5)

دعه ينبض، دعه يؤمن!!

من هو الذى ندعه ينبض؟ ندعه يؤمن؟

هو المخ البشرى العظيم،

هو كل الأمخاخ

هو كل مستويات الوعى

بما فيها العقل الوجدانى الاعتمالى

عبر الإدراك الاشمل

وبعد

برغم كل ما سوف يرد من نقد يبدو فى صلب السياسة أو الاقتصاد، فإن علىّ أن أنبه أنها ليست وقفة سياسية، ولا هى خطبة منبرية، وليس عندى بديل جاهز لما تعرضه هذه النشرة من مشاكل وتحديات، إلا فى حدود ما أنشر (مما أعرف) مما وصلنى من خلال مهنتى واجتهادى، وفى حدود عمرى طبعا، عبر محاولاتى أن أترك ماتيسر مما وصلنى ويصلنى من خبرتى الممتدة، واضطلاعى المتواضع المستمر، لأصحابه، مما وصلنى وأنا فى محاولة التعرف على: “ربى كما خلقتنى، ربى كما خلقتنى” من خلال كل ما لاح لى واعدا بذلك.

لعل هذا هو بعض ما يفسر تركيزى على محاولة التعرف على الفطرة البشرية من خلال مهنتى، وناسى، فى حدود ثقافتى التى قد تتضفر مع ثقافات لم تتشوه عبر العالم، وبلغتى التى تسمح لى لتوصيل الرسالة أدق وأحكم.

هذه المقدمة ضرورية لكى أقدم موضوع نشرة اليوم، وهى تمهيد لخبرة إكلينيكية محدودة، أحاول أن أبين من خلالها كيف أن المخ البشرى، كما خلقه الله، هو متشكل بطريقة تسمح له أن يعمل كما خلقه الله، وأن كل ما علينا، فى الصحة والمرض، ان نعرف كيف ذلك لنسهم فى تدعيم مهمته بكل ما أوتينا من علم ومعرفة وخبرة وإيمان.

نحن نستورد القيم والمبادئ والشعارات والنظم السياسية بل والأخلاق، وأحيانا الأديان المعدّلة، والأديان المزيفة، والديانات الترويحية “بعض الوقت”، والديانات سابقة التجهيز، نستوردها من ناس هم أنفسهم راحوا يراجعونها بدرجة مناسبة من الأمانة، وأحيانا بدرجات متفاوتة من المناورة، ما علينا، خلّنا فيما نحن فيه: الإدراك فالانتباه فالتركيز ودور المخ البشرى العظيم فى كلٍّ

………..

أصل ما جاء بالعنوان

من القيم المستوردة (أو الشعارات) خفيفة الظل، خفيّة الدلالة، خطيرة الأثر، قيمة عرفتها بالفرنسية أولا تقول: Laissez faire, laissez passer ومعناها “دعه يفعل، دعه يمر”، وهى المُترجمة حاليا إلى الاسم الحركى “سياسة السوق”

ندع من يفعل؟ وندع من يمر؟ ليفعل ماذ؟  ويمر إلى أين؟

وكأن الفعل معروف بطبيعته، وكأن المُخَاطب معروفة هويته،

مرة أخرى: من هو الذى ندعه يفعل، وندعه يمر؟ يفعل ماذا؟ ويمر إلى أين؟ الإجابات الظاهرة يمكن أن تتردد فى خطب عصماء، ومواثيق مكتوبة، ومعاهدات ممهورة، وقروض جاهزة، وفوائد مركبة،

أما حين عرض لى من واقع ثقافتنا وخبرتنا هذا الشعار البديل “دعه ينبض- دعه يؤمن”، فكان علىّ أن أبادر بتحديد من أعنى، وهو “المخ البشرى العظيم”.

حين نقول فى خبرتنا “دع المخ ينبض كما خلقه الله، فنحن نعنى أن ندعه يعيد بناء نفسه برحمة الله، وأن يمارس كل مستويات الوعى فيه، وأن نحترم كيف أنه يعرف الطريق ويرسم الحدود، وأنه إن أتاح كل ذلك دون وصاية اغترابية من خارجه، فإنه سوف يتعرف على خالقه دون وصاية أو قهر.

الأرجح أن شعار “دعه يفعل دعه يمر” أصبحت له نسخة معدلة بفضل العولمة، حين  أصبح موجها تحديدا (واستبعادا)  إلى كل “من  ألقى الشبـَكَ وهو خبيث” (شبك اصطياد الزبائن والأسواق والحكّام الطواعية والمواد الخام)، هؤلاء جميعا هم أصحاب السوق من  تجارالحروب والمخدرات والقروض، وهم  لم ينتبهوا إلى أن الله سبحانه أهلك الذين من قبلهم: “وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ..”!! وفى المقابل  نحن أيضا لم ننتبه إلى ما فى ذلك من عبر وتحذير، لأننا لم نشحذ إدراكنا لنكون ممن جاؤوا فى الآية التالية مباشرة “إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ(1) أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ

مرة أخرى هى ليست مقالة سياسية ولكنها استهلال لتحديد مصدر الشعار البديل الذى قفز إلىّ  وأنا أحاول أن يكون “لى قلب” وأن ألقى السمع لما يصلنى من مرضاى وناسى، وأنا أمارس الشهادة لا الوسطية!!

الشعار المقترح (عنوان النشرة) نابع من ثقافتنا وقد تدعم مؤخرا من واقع عطاء العلم الحديث فالاحدث (خاصة الميكانيكا والرياضة والطبيعة، وكذا العلم المعرفى خصوصا العلم المعرفى العصبى)، جاءنى هذا المبدأ (فأنا لا أحب لفظ الشعار)  ليلخص موقفنا العلاجى، الذى تدعم  بعد أن نبهنا العلم الأحدث إلى كفاءة المخ البشرى (كما ذكرت مرارا وأشرت إلى عديد من الكتب تحت عنوان “المخ يعيد بناء نفسه”، The Brain Re-builds Itself).

“جعلت أناجى ربى ممارسا: أن يا ربنا: ما دمتَ قد خلقت لنا هذا المخ العظيم وأكرمتنا كبشر بكل قدراته تلك، أليس من واجبنا أن تكون مهمتنا الأولى هى أن نعرف كيف يعيد هذا المخ بناء  نفسه، فتكون مهمتنا الأساسية هى أن ندعه يمارس ما خلق له كما خلقته يا ربنا، فإذا تعثر أو توقف، فعلينا أن نساعده، ونسنده(2) حتى يعود يواصل بناء نفسه؟!

 فيحضرنى الشعار الذى عنونت به هذه النشرة:  “دعه ينبضóدعه يؤمن” ولسان حاله يقول: “ربى كما خلقتنى”،.

حين أسميت العلاج الذى نمارسه فى ثقافتنا، من خلال احترامنا لبرامج التطور التى خلقها خالق كل شىء، وأيضا من خلال احترامنا لهذا المخ البشرى القادر على الاختيار وعلى إعادة بناء نفسه، حين أسميته علاج “المواجهة – المواكبة – المسئولية” لم تكن بعد قد وصلتنى كل هذه الإنجازات العلمية الأحدث، ولا كانت الموجة الثالثة من العلاج المعرفى قد ظهرت، وبالتالى لم يكن معروفا آنذاك ما عرف لاحقا باسم: “علاج القبول والالتزام”Acceptance Commitment Therapy ACT   وهو علاج قريب مما نمارس تحت اسم “المواجهة- المواكبة- المسئولية” (أنظر نشرة 24/2/2008)، أقول حين أطلقت عليه هذا الاسم لم يكن قد خطر لى ما خطر لى الآن فى عنوان هذه النشرة، وقد يكون مناسبا أن أركز على كلمة “المواكبة” التى كنت أعني بها أننا حين كنا نقوم بالعمل العلاجى، أو الجرى مع مرضانا، كنت أنبه زملائى وزميلاتى الأصغر، وأنا افعل مثلما يفعلون، أننا لا نأمر المريض بفعل كذا، وإنما نمارس ما يمارسه وبجواره، وكنت أستعمل تعبير “كتفاً لكتـِفْ”، وأعنى به أننا نمضى بجواره، لا نقف على رأسه نلقى الأوامر والتعليمات، هذه المواكبة تحتاج من المعالج أن يحافظ بدوره على عمل مخه وهو ينبض مواكبا نبضه، وهما، (ثم وهم فى العلاج الجمعى وعلاج الوسط) يبنون الوعى البينشخصى، فالوعى الجمعى، وهذا وذاك أيضا هى كيانات نابضة طول الوقت.

حضرنى كل ذلك وأنا أحاول أن أواصل نشرة اليوم.

دعونا الآن نشير إلى بعض ما جاء فى مئات الصفحات وعشرات النشرات وخاصة فيما يتعلق بعمل المخ، وطبيعة الإدراك، وحدود التفكير المنطقى الخطى، وما جاء بملف الوجدان مع التركيز على دور الوجدان فى المعرفة، والمخ الوجدانى الاعتمالى، نشير فقط إلى بعض العناوين لمن شاء أن يرجع إليها، مع الاعتذار لمن لا يتابعنا لشدة الإيجاز:

منطلقات أساسية

  • المخ البشرى يعيد بناء نفسه من خلال الإيقاع الحيوى باستمرار.
  • معرفة الطبيعة البشرية هى الخطوة الأولى لمواكبتها إلى ما خلقها الله.
  • العلم المؤسسى ليس هو المصدر الوحيد، ولا الأقدر على معرفة الطبيعة البشرية.
  • الطب النفسى (والعلاج عامة) هو (أو ينبغى أن يكون) محاولة مواكبة الطبيعة البشرية لتصحيح مسارها، (بعد التأكد من انحرافه) ودعم ذلك بكل ما تيسر من معارف وتقنيات وخبرات.
  • التدخل العلاجى ينبغى أن يكون للمشاركة فى مسيرة هذه الطبيعة، لا الوصاية عليها بقيم ومداخلات من خارجها.
  • علاج أى خلل أو إعاقة فى هذه العمليات، بعدتحديد الخلل هو مواكبة المخ (والطبيعة) فى عملية تصحيح المسار، بكل المتاح من علم، وكيمياء، وخبرة، وإعاد تشغيل،  ومعلومات.
  • هذا النوع الرائع من الأحياء المسمى: “الإنسان” هو نتاج فضل الله على مسيرة الحياة التى أوصلتنا أن ننتمى إلى هذا النوع المكرم من ربنا، بالوعى، وحمل الأمانة، ليواصل السعى إلى ما يمكنه وما لا يمكنه (الغيب) فيستمر ينمو وهو يعمق إيمانه بمعرفته الشمولية والتزامه بنفع الناس ودفع الحياة.
  • الإعاقة المعاصرة الحالية هى نتيجة الاغتراب عن الأصل وغلبة الطاغوت الممثل مؤخرا فى القوى العمياء إلا عن مصالح فئاتها الضيقة المفترسة، ومن ذلك:

ý   التوحيد المصنوع زيفا حول ما يسمى العولمة

ý   أوراق حقوق الإنسان المكتوبة

ý   المؤسسة العلمية الوصية (باهظة التكاليف)

ý   الأيدولوجيات المحلية والمستوردة

ý   حرية التعبير الكلامية الإعلامية والإعلانية

ý   الثوابت التراثية الجامدة والمجمدة

ý   العلم المؤسسى والعلاج التسكينى

ý   سياسة السوق (دعه يعمل- دعه يمر)

وبعد

تمهيدا لعرض ما وعدت به الأسبوع الماضى عن كيفية تناول عرض شائع هو “العجز عن التركيز” أكتفى اليوم بالتذكرة بالمبادئ التى ستتناول ذلك:

1) المخ يعمل باستمرار، ليل نهار، فى نبض تصحيحى.

2)  الإدراك هو الوسيلة المعرفية الأشمل القادرة على الإحاطة بغيرها.

3) التفكير مهم جدا، لكنه ليس بديلا عن الإدراك أو المعرفة الوجدانية، ولا هو الأصل

4) الانتباه الشعورى جدا ليس ضروريا لسلامة عملية التحصيل طول الوقت.

5) التركيز، (تحديد الانتباه فى بؤرة بذاتها لمهمة بعينها) ليس العلامة الأقدر على قياس كفاءة الإدراك أو الانتباه.

6) الذاكرة ليست مجرد استخراج مخزون من مركز تشريحى معين، وإنما هى تنشيط وعى بمعلومات فى الداخل والخارج، معلومات لازمة عادة لمواصلة النشاط المعرفى والوجدانى.

7) الله يُدرَك بالإدراك ولا يثبت بالمنطق الخطى والبرهان اللفظى.

8) الإيمان أقرب إلى التركيب البشرى الطبيعى النابض، ووصاية الأيديولوجيات البشرية عليه تخنق نبضه وتعوّق مسيرته.

9) استبدال “دعه ينبض..دعه يؤمن” بمقولة “دعه يفعل، دعه يمر” هى نابعة من ثقافتنا لكنها ليست قاصرة عليها طبعا، فهى ملك كل واحد ألقى السمع وهو شهيد.

………….

وغدا نأمل أن نقدم جوابا محدودا عن سؤال يقول: وكيف كان ذلك.

[1] تذكر أيضا ما ورد عن العقل الوجدانى الاعتمالى (أفلم يسيروا فى الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها)

[2] – مثل السنّيده كما فى المغّنى أو التمثيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *