نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 1-11-2014
السنة الثامنة
العدد: 2619
حوار مع مولانا النفّرى (104)
من موقف المحضر والحرف
وقال مولانا النفرى
قال لى: ما العمل، قلت الإخلاص،
قال لى: ما الحقيقة، قلت ما تعرفت به،
قال لى: ما الإخلاص، قلت لوجهك،
قال لى: ما التعرف، قلت ما تلقيه من قلوب أوليائك.
فقلت لمولانا:
مازلنا نكمل فقرة الأسبوع الماضى وأنه هو الذى يسألك وأنت تجيب، وهذا يخفف عنى مسئولية الحوار.
كما عودتنا يا مولانا كنت أحسب أن السطر الثالث أولى أن يأتى بعد السطر الأول، ولكننى أثبتّ النص بترتيب تسلسل ما وصلك.
تعودنا يا مولانا أن نتكلم عن ضرورة وثواب “الاخلاص فى العمل”، لكننا لم نعتد أن يكون العمل نفسه هو الاخلاص، لكن يبدو أن الاخلاص نفسه هو عمل قائم بذاته، وصلنى عن الاخلاص شىء آخر: أنه أقرب إلى ما هو اتقان فى ذاته، والاتقان هو مزيج من الجدية والعبادة، والأمانة والالتزام حيث يرانا ربنا فى كل جزء من ثانية.
ليكن الاخلاص هكذا نفسه هو عمل، فيحضرنى هؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات حتى لا يكونوا فى خُسْر (سورة العصر) أو حتى يخرجوا من أسفل سافلين إلى أحسن تقويم وقد خلقوا (سورة التين) وفى كلا الحالين كانوا مخلصين فانتبهوا إلى هذا الاستثناء ليعملوا بإخلاصْ، أو لعل التعبير الأقرب لما أجبتَ به هو: ليخلصوا فإذا هم عاملون، فإذا كان هذا هو الإخلاص فهو لا يكون كذلك إلا لوجهه.
ثم أرجع إلى السطر السابق وأنت تجيب أن الحقيقة هى ما تعرفت به وأقرأها مرة بتسكين التاء “تعرَّفتْ” ومرة بضم التاء “تعرَّفتُ”، وفى الحالة الأولى (بتسكين التاء)، أفهم أن الحقيقة هى هى أدوات معرفتها، هى الطريق إليها لأنها فى ذاتها ليست فى المتناول، وفى المرة الثانية (بضم التاء) أقرأها وانت يا مولانى ترشدنا إلى أن التعرف عليه هو الطريق إليه.
لكنك لا تتركنا يا مولانا نفهم التعرف بالمعرفة، فتبين أن هذه المعرفة التى هى الطريق إلى الحقيقة ليست كيانا قائما بقدر ما هى فضل يلقيه إلينا فنتلقاه بالمعرفة القلبية حين تحتد البصيرة لتتقدم معرفة القلوب كل معارف الحواس الأخرى، والعقول الأخرى.