الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ نواصل قراءة نفس الصفحة صفحة (106)

قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ نواصل قراءة نفس الصفحة صفحة (106)

نشرة “الإنسان والتطور”

الخميس: 13 – 12 – 2012

السنة السادسة

 العدد:  1931

mahfouz 2

نواصل قراءة نفس الصفحة:

ص 106 من الكراسة الأولى

أعو13-12-2010   p.106  1ذ‏ ‏بالله‏ ‏من‏ ‏الشيطان‏ ‏الرجيم

بسم‏ ‏الله‏ ‏الرحمن‏ ‏الرحيم

ودار‏ ‏ندامى‏ ‏عطلوها‏ ‏وادلجوا

أَثْنى على الخمرِ بآلائها

وكانت‏ ‏في‏ ‏حياتك‏ لى عظات

كل‏ ‏بيت(فاكره؟)[1] ‏أو‏ ‏نصف‏ ‏بيت

(ك.غ)[2]

لنذكر الكتب التى شغلتنا عند القراءة

قصص ‏بوليسية 

ماجدولين

وسيرانو دي برجراك

(ك.غ)هارفى

ريدر هاجرد

هول‏ ‏كين 

الأيام‏ ‏لطه‏

 

13-12-2010   p.106  2

والديوان‏ ‏للعقاد

ورفرفت‏ ‏أعلام‏ ‏سلامة‏ ‏موسى

اما‏ ‏الترتيب‏ ‏فقد‏ ‏مضى‏ ‏وانقضى

اما‏ ‏عند‏ ‏الترتيب

القرآن

الملاحم‏ ‏الشعبية

الف‏ ‏ليلة‏ ‏وليلة

مختارات‏ ‏الشعر‏ ‏العربى

ما‏ ‏ترجم‏ ‏من‏ ‏الاغريق‏ ‏والانجليزي

الشعر (ك.غ) وغيرهما‏ ‏من‏ ‏الادب‏ ‏الغربى

ثم‏ ‏تجيىء‏ ‏القراءة‏ ‏في‏ ‏اللغات‏ ‏الاجنبية

وقد‏ ‏قرأت‏ ‏ما قرأت‏ ‏بوجد‏اني ‏ولم‏ ‏ادرسه

نجيب‏ ‏محفوظ

 

قبل القراءة:

طلبت الأسبوع الماضى من الأصدقاء بعض الطلبات فيما أُغلق علىّ ولم يصلنى أى تعليق أو تصحيح، وقد أعدت نشر الصفحة بعد التكبير ربما تساعد أكثر من يحاول معنا، وكنت قد أجلت قراءة باقى الصفحة لكثرة ما جاء بها من أسماء كتب ومؤلفين احترت بأيها أبدأ ، وإلى أى مدى استطرد.

القراءة:

كنت فى الأسبوع الماضى قد ناقشت هذا التصريح الرائع الذى اختتم به الأستاذ تدريب اليوم وكيف أنه قرأ أغلب ما ذكر بوجدانه، وإذا بهذا التصريح يفتح لى فتحا مبينا فى دراستى لظاهرة الإدراك وكيفية حضورها وتوظيفها على مستويات وعى متعدده، وقد أتاحت لى هذه الملاحظة تحديدا أدق لبعض الخطوط العريضة لهذه العلاقة بين الإدراك والوجدان، وكيف أن ثم احتمال لتداخلهما من منطلق معالجة (اعتمال) المعلومات، على مستوى أعمق من الفكر الظاهر، وكيف أن هذين اللفظين (الإدراك & الوجدان) بمضمونهما وتاريخهما فى اللغة العربية لا يوجد لهما ما يقابلهما على حد علمى بالانجليزية أو الفرنسية، وسوف أعود إلى ذلك – مع مزيد من التفاصيل فى ملف الإدراك فى النشرات،

المهم نستبعد أولاً ما جاء فى نشرات سابقة، وهو “دار ندامى عطلوها وأدلجوا“، وأيضا “وكانت فى حياتك لى عظات”(1)  

وسوف ألتزم بالترتيب الذى ورد فى الصفحة.

أولاً: أَثْني على الخمرِ بآلائها:

هذا هو الشطر الأول من شعر لأبى نواس يقول فيه:

أَثْني على الخمرِ بآلائها،        وسَمِّها أحسَنَ أسمائها

لا تجعلِ الماءَ لها قاهرًا،          ولا تُسَلِّطْها على مائها

إلى أن قال:

دارَتْ، فأحيتْ، غيرَ مَذمومة ٍ           نُفوسَ حَسراها وأنْضائها

والخمرُ قد يَشرَبُها مَعْشَرٌ               لَيسوا، إذا عُدّوا، بأكفائِهَا

أعترف بصراحة أننى نادرا ما يجذبنى شعر الخمريات اللهم إلا من الحسن بن هانىء (أبى نواس) حين يقوم بإحياء الخمر كائنا بشريا مجسدا يقول، ويحاور، ويقرر، ويستقل عن شاربه، أو يصاحبه، وأتعجب من مساحة الحرية التى أتاحت للشعراء العرب فى هذا الزمان الباكر قول هذا الشعر دون أن يكَفّروا أو يُهَدَّدوا أو ويُنذروا مثلما يخشى الفنانون والمبدعون هذه الأيام، بل إننى أذكر أنه كان مقررا علينا فى شهادة الثقافة العامة (ما يقابل ثانية ثانوى) سنة 1949 فى مدرسة مصر الجديدة الثانوية شعرا لأبى نواس أيضا تذكرته الآن بمجرد أن قرأت أول البيت، “دارت فأحيت….الخ”، – وأنا أكتب من الذاكرة فى هذه الفقرة، فعذرا – وكانت القصيدة تبدأ ببيت مشهور يكاد يكون أساس علاج المرض بجرعة ضئيلة من مسبباته (أو منه فيه) وهو ما يسمى “هيموثرابى”  “وداونى بالتى كانت هى الداءً”، تبدأ القصيدة هكذا:

دَعْ عَنْكَ لَوْمي فإنّ اللّوْمَ إغْرَاءُ             ودَاوني بالّتي كانَتْ هيَ الدّاءُ

صَفراءُ لا تَنْزلُ الأحزانُ سَاحَتها            لَوْ مَسّها ضُرّ مَسّتْهُ سَرّاءُ

…………….

……………

إلى أن قال:                                   

فلَوْ مَزَجْتَ بها نُوراً لَمَازَجَها                حتى تَوَلدَ أنْوارٌ وأَضواءُ

دارتْ على فِتْيَة ٍ دانًَ الزمانُ لهمْ،           فَما يُصيبُهُمُ إلاّ بِما شاؤوا

وأذكر أننى ناقشت “عبد المعز أفندى” فى البيت الأخير وما به من احتمال إنكار للقضاء والقدر، وربما للمشيئة الأعلى، وإذا به يفرح بى ولا ينهرنى، كما أذكر أنه لم يدافع عنه ولم يدفعه، وإنما ربت على كتفى (ودرجى كان فى أول الفصل) قائلا: “إنه الشعر”،

 ولم أفهم ما يقصد إلا بعد عشرات السنين.

نفس الروح وصلتنى من هذه الأبيات الآن وقد أصبح الشراب هو الشخصية الرائدة التى تختار شاربها، وترفض من لا يليق بمجلسها، وأسفت أننى لم تتح لى فرصة مناقشة الاستاذ فى كل ذلك، وأعرف أنه كان سيثرينى برأيه ونقده وسماحه كما حاول أن يطمئنى أن الإبداع لا يحول بينه وبين أن ينطلق أى قهر(2)

ثانياً: أترك الآن – ولو مرحليا – ما لم أستطع أن أقرأ مما كتب الأستاذ فى السطر بعد التالى إلى ما يلى:

 “كل بيت أو نصف بيت…؟” مع التجاوز على ما لم أستطع قراءته

فبدا لى وكأنه يرد علىّ وأنا أسأله من أين له بهذا الشعر الذى كنت أتصور أنه مهجور تماما، وكيف احتفظ به فى ذاكرته هذه السنين حتى حضر هكذا؟ مع أنه لا يستشهد بالشعر إلا نادرا، بل إنه كان يعقب على استشهادى بالشعر أو بالأمثال العامية أحيانا تعقيبا طيبا، وها هو يرد علىّ أن كل بيت أو نصف بيت ..، ثم يتوقف ليدعنى أتصور أنه اعتاد أن يلتقط ما يدهشه، أو يجذبه أو يروق له دون أن يبادر بالاستشهاد به أثناء الحديث فيما بيننا إلا نادرا، ثم ها هو يطفو على سطح وعيه أثناء التدريبات، وغالبا حين يأتى وقت الدراسة الشاملة – إن كان فى العمر بقية – سوف أخصص فصلا أو فصولا للشعر الذى أتى فى هذه التدريبات مجتمعه، شائعهُ وغريبهُ، حديثهُ وقديمة.

ثم إنه راح يرد فى السطر التالى على سؤال آخر لم أسأله، فأتصور أنه كان يجرى حديثا مع نفسه وهو يقوم بدور السائل والمجيب معا يقول فى السطر التالى:

“لنذكر الكتب التى شغلتنا عند القراءة

وأتوقف عن التمادى فى القراءة وأكاد أتراجع بمجرد أن أجد على رأس القائمة “قصص بوليسية” فلعها ليست “شَغَلتنا” وإنما “شَدَّتُنا” ، المهم أننى لم أتعجب أن تشده أو تشغله القصص البوليسية أعلى القائمة وأذكر أننا تحدثنا فى ذلك أحيانا وكنت أفرح بصدق بساطته وهو يحكى عن إعجابه بقصص آجاثا كريستى مثلا (ليس بوجه خاص) فأتذكر الآن الحبكة البوليسية التى امتلأت بها رواياته بالذات دون أن أركز بوجه خاص على “اللص والكلاب”، ولكن يخطر على بالى “الطريق” أيضا حتى “ملحمة الحرافيش” مرورا “بابن فطومة” و”ليالى ألف ليلة” وغيرها، لكنه لا يدعنى أسرح بفكرى أكثر، حين انتقل فجأة فى السطر التالى إلى “ماجدولين“.

أنا لم أقرأ ماجدولين (تحت ظلال الزيزفون)، لا فى لغتها الأصلية ولا فى ترجمة المنفلوطى لها، وأعتقد أن الأستاذ برغم بعد أسلوبه تماما عن أسلوب المنفلوطى، كان معجبا به بشكل أو بآخر، عرفت ذلك وأنا أتابع المرحوم أ.د.محمد راضى، وهو يقرأ عليه اسبوعا بعد أسبوع، كل يوم جمعة فى بيتى، فى حضور أصحابنا، وحضورى أحيانا، فصول رواية يكتبها هى أقرب إلى السيرة الذاتية، والمرحوم د.راضى كان أستاذاً لأمراض القلب فى جامعة الأزهر، وكان متعدد المواهب يجيد الفرنسية والانجليزية وهو أيضا ملحن مبدع، وعازف عود ماهر، فضلا عن تميزه أستاذا عالما رائدا فى أمراض القلب بجامعة الأزهر، أما علاقته باللغة العربية فكادت تصل إلى حد العشق وأكاد أقول التقديس، وقد كتب فيها كتابا من أهم ما يمكن لم ينشر إلا بعد وفاته(غالبا)، ومازالت أذكر نشوته وهو يستشهد بمعلقة امرؤ القيس وما فى رنين ألفاظها من موسيقى، وأذكر مثلا طريقته فى نطق “سُـلّى وتنسُـلِى” حتى أكاد أسمع صوت جيب ثيابهما.

وإن تك قد ساءتك منى خطيئة    فَسُلِّى ثيابى عن ثيابك تَنْسُلِ

 أقول كنت أتعجب من لغته الرصينة الجميلة التى يكتب بها روايته، أقول أتعجب منها ولا أعجب بها، أما الأستاذ فكنت لا أشك فى أنه يتابعه باهتمام وسماح، وحين كان يصلنى ذلك وبرغم علمى بأنه يستمع لأغلب من يقرأ عليه انتاجه بنفس الطيبة، إلا أننى كنت أرصد اعجابه ليس فقط بلغة المرحوم د. راضى ورصانتها، وإنما برومانسية ما كان يصلنى منها أحيانا وأرفضه أيضا، ولا أنكر أننى برغم ندرة مشاركتى لأصدقاء الجمعة وهم فى بيتى لم أكن أحتمل أن أكمل الاستماع للدكتور راضى وهو يقرأ ما كتب بصوته الجهورى الجميل، ربما لسبب عدم انتظامى فى الحضور وانقطاع سلسلة المتابعة، وربما لأن اللغة كانت أكثر دسامة من أن أهضمها، ولم أتردد أن أسأل الأستاذ وأنا أعلق مرة أو أكثر عن ما يعجبه ونحن فى الألفية الثالثة فى هذه اللغة المتحفية مهما كان جمالها، فكان يدافع عنها بصدق طيب لا أشك فى جديته، وأظن أننى ذات مرة أو أكثر أبديت ملاحظتى للمرحوم أ.د.راضى شخصيا بطريقة غير لائقة وإن لم تخنى ذاكرتى فقد لفت نظرى إلى قسوة الملاحظة الصديق د. زكى سالم بأدب شديد، المهم منذ شهرين كنت فى استراحة لى فى العين السخنة فعثرت على كتاب “النظرات” لمصطفى لطفى المنفلوطى فى حجرة نومى ولم أعرف من الذى أتى به إلى هناك، لعله أحد أحفادى، فقلت أقرأ فيه ماتيسر، فإذا بى أمام معمار من الجمال والرقة والعذوبة من حيث الشكل، وأيضا أمام وعى ناقد يقظ، فخجلت من نفسى

إذن، فأنا كنت أصف أسلوب هذا الرجل الجميل بما ليس فيه، باعتبار أنه أسلوبٌ ما عاد يليق للكتابة المعاصرة، ثم إنى رحت أبحث عن ماجدولين حتى حصلت على نسخة منها لم أكمل قراءتها، لكننى أرجو أن أفعل وأنا استطرد فى التعليق على هذه الصفحة التى قد تستغرق عدة نشرات.

أقرأ هذه الرواية الآن: وأنا أعتذر لثلاثة: شيخى، والمرحوم د. محمد راضى، والمنفلوطى معا.

وإلى الأسبوع القادم.

[1] – ودار‏ ‏ندامي‏ ‏عطلوها‏ ‏وادلجوا: ورد هذا النص فى صفحة التدريب رقم (10) نشرة: 4-2-2010

وكانت‏ ‏في‏ ‏حياتك‏ لى عظات:  ورد هذا النص فى صفحة التدريب  رقم (53) نشرة 12-1-2012

[2] – وهذا ما سينشر فى صحيفة التحرير بعد غد (السبت 15/12)، ثم هنا فى نشرة الأربعاء القادم (الأربعاء 19/12) لمن شاء أن يعرف نص الحوار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *