نشرة “الإنسان والتطور”
الخميس: 20-9-2012
السنة السادسة
العدد: 1847
ص 95 من الكراسة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
نجيب محفوظ
أم كلثوم نجيب محفوظ
فاطمة نجيب محفوظ
——-
اللهم احفظنا
لا آله الا الله
الصبر طيب
مناله شديدة
نجيب محفوظ
6/5/1995
القراءة:
أحيل القارىء مثلما اعتدنا مؤخرا إلى ما سبق التداعى منه أو استلهامه مما جاء سابقا وهو:
– اللهم احفظنا
فى صفحة التدريب (31)، نشرة : 4-8-2011،
– الصبر طيب
فى صفحة التدريب (37)، نشرة 15-9-2011،
وفى صفحة التدريب (92) نشرة : 6-9-2012
أما الجديد فهو
– لا اله الا الله: مستقلة، صحيح أنها وردت فى صفحة التدريب (21) نشرة : 18-3-2010، ختم بها تدريب ذلك اليوم. بإقرار أن: “العمر بيد الله ولكل أجل كتاب” وأنه “لا اله إلا الله، وأن محمدا رسول الله”، ويبدو أننى كنت اكتفيت آنذاك، فكتبت خاتمة تقول: “وهل .. يمكن أن تكون هذه الخاتمة إلا هكذا، بعد أن تنزل عليه كل هذا “الكوثر” (سورة الكوثر)، تسلّما للأمانة، وحملا للرسالة التى أعطاها له الله، الذى بيده العمر، لتوصيل ما فاض به ربنا علينا من كوثر لوصله إلى اصحابه، حتى يحل الأجل المكتوب فى كتابنا، فيتعمق التوحيد، ونقتدى برسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وكيف فعل بما أعطِىَ من “كوثر”، وكما فعل شيخنا وهو يصلى طول الوقت، حتى يحين أجله، وينتهى عمره الذى لا ينتهى، وهو خاشعٌ، مبدعٌ، قريبٌ، راضٌ، كما حدث.
وبعد
هذا ما كان، أما اليوم فيقدم لنا شيخى “لا إله إلا الله” قائمة بذاتها، فيحضرنى المعنى الذى شغلنى طول عمرى عن نبض هذا “التوحيد” الذى يصلنى من هذه الصيغة بالذات، وعن الفرق بين هذه الضيغة وبين أن تقول: “الله واحد فقط”، وأول ما انتبهت إلى جمال ومغزى هذه الصيغة جاءنى وأنا أقرأ رسالة الخلود (جاويد نامه) لمحمد إقبال، وهو يحترم إلحاد نيشته، بل ويشير – حسب ما وصلنى – إلى أنه (نيتشه) لم ينجح أن يلحد تماما برغم تصميمه على تسخير عقله لذلك، وأنه نطق الشهادة ناقصة فقال : “لا إله ..” ثم لم يكمل “إلا الله”.
ثم إننى انتبهت إليها مرة ثانية وأنا أكتب عن ترتيب أنواع الأفكار، أو وأنا أدرس هذا الموضوع، كنت أشرح لطبتى معنى غياب الفكرة المحورية Central Idea عند الفصامى المتفسخ، وتلك الفكرة الأساسية التى تتبعها وتخدمها سائر الأفكار المتعلقة بها والمحيطة حولها، وأن قوة الفكرة المحورية هى التى تخدم تماسك عملية التفكير لتحقيق غايته عند الأسوياء، لذلك تسمى أحيانا “الفكرة الغائية Goal Idea”، وكنت أضيف أن هناك تصعيد جاذب من فكرة محورية أصغر إلى فكرة محورية أكبر تجعل هذه الفكرة الأولى فكرة تابعة لها، ثم فكرة محورية أكبر فأكبر وهكذا، وكنت أصر على التذكرة بأنها ليست فكرة بمعنى خاطرة عقلية أو مفهوم له تعريف، وإنما هو محور “وجودٍ ضام” يقوم بجذب وسَلْسَلة الأفكار إليه، ثم خطر لى أن الفكرة المحورية الأساسية فى الإسلام خاصة هى ببساطة أنه “لا إله إلا الله” وأن كل ما عدا ذلك إنما يخذم هذه الفكرة المحورية، وأنه لا يتم الإيمان وينتفى الشرك إلا إذا ارتبطت كل الأفكار من أول إزالة الأذى عن الطريق حتى الكدح إلى وجه الله، ببعضها البعض تصعيداً نحو الانتماء إلى فكرة محورية واحدة هى أنه “لا إله إلا الله”.
حين عشت أكثر فأكثر أنه “لا إله إلا الله” راحت تحضرنى أشكال الشرك بكل ما يملأ الدنيا الحديثة بالاغتراب “أم لهم إله غير الله سبحان الله عما يشركون” فأجد أن الآلهه الحديثة أصبحت بلا حصر، ويرتبط ذلك بالتنبيه الذى وصلنى من معنى الحديث الشريف أن الشرك “أخفى على النفس من دبيب النملة”، فأرعب من عبادة الذات، ومن الحب الثنائى، ومن اللذة المنفصلة ومن تكاثر المال، ومن الجوائز، ومن الشهرة، ومن الاسم، ومن المديح، ومن رضا الناس، أرعب من كل هذا، ومن أى من هذا، وأخاف أن يتسحب إلىّ ولا أنتبه إليه لأنه أخفى من دبيب النملة، وأتذكر الاستاذ وهو يحكى كيف أنه بين الحين والحين كان يعود لمكتبته، ويكون قد جمع ما كُتِبَ عنه محليا وعالميا من تقريظ أو مديح أو تقدير وهات يا تمزيق (أو بتعبيره : شَرْمَطْ شَرْمَطْ شَرْمَطْ)، فأفهم مؤخرا أنه برغم طيبة تلقيه لكل كلمة طيبة صادقة تقال فيه أو فى أعماله إلا أنه لا يستمد وجوده من مثل هذا، حتى جائزه نوبل نفسها أعتقد أنها لم تضف إليه إلا حمدا لتاريخه وتقديرا متواضعا لموضوعية مانحيها مع خجل إنسانى أنه نالها دون توفيق الحكليم ..الخ .
برغم تحفظى فى الاستشهاد بالقرآن الكريم والحديث الشريف خشية الخلط بين العلم والدين، اسمح لنفسى اليوم استثناءً أن أختم هذه التداعيات هكذا:
– “أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً ” الفرقان: الآية (43)
– “أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ” الجاثية الآية (23)
– “قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ” الأنعام: الآية162
– “قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا ….” التوبة الآية 24
الحديث:
“… قال النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: يا أبا بكر، الشِّرك فيكم أخفى من دبيب النمل.
فقال أبو بكر: وهل الشرك إلا من جعل مع الله إلها آخر ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، للشِّرك أخفى من دبيب النمل، ألا أدلك على شيء إذا قـُـلتـه ذهب عنك قليله وكثيره ؟
قال: قل: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم ، وأستغفرك لما لا أعلم”.
وبعد (مرة اخرى):
أعتقد حسب ما وصلنى من هذا الرجل من إبداعه ومن صحبتى له أن هذه الفكرة المحورية أنه “لا إله إلا الله” هى التى حفظت عليه إبداعه، وباركت حريته، وعمقت طيبته، وأغنته عن كل ما عداها، دون أن يتخلى عن كل الوسائل إليها بطريق مباشر وغير مباشر.
فمتى نتعلم منه إسلامنا وأدياننا وإيماننا وإبداعنا.
ملحوظة:
فى السطر الأخير من صفحة التدريب توجد كلمة لم أستطع قراءتها هل هى “حالة شديدة” أم “حبالة شديدة” واستبعدت الاحتمالين، وهذا أفضل، وإن كان قد خطر لى أن تكون خطأ فى الكتابه، فقربتها إلى ما أتصور، لكننى عدلت، وفضلت أن أعتذر عن التعليق.