نشرة “الإنسان والتطور”
الأثنين: 18-8-2014
السنة السابعة
العدد: 2544
الأساس فى الطب النفسى
الافتراضات الأساسية
الفصل الخامس:
ملف الوجدان واضطرابات العواطف (14)
جدول “مندليف” داخلنا، والحلقة المفقودة
مقدمة:
هذه وقفة أخرى ضرورية، بها جرعة شخصية أرجو أن تتحملوها لأن لها ظروف خاصة:
ذلك أننى منذ أسبوعين وبعد عامين تقريبا من الانقطاع عن السفر نهاية الأسبوع الذى كنت قد اعتدته لعشرات السنين، عدت إلى ممارسته بالتدريج، وإذا بى أجد فسحة من الوقت لا أجدها فى القاهرة أبدا، لكن هذه الفسحة بدلا من أن تتيح لى أن أنجز ما أعجز عن إنجازه عادة وسط “مولد” واجبات والتزامات القاهرة، رمتنى وسط كم هائل من المعلومات بفضل هذا المحيط الهائل من المعرفة الذى أحاط بى من كل جانب وموقع، وكنت كما أشرت أمس قد بدأت بكتاب THE EVOLUTION OF THE EMOTION-PROCESSING MIND الذى عرضت محتوياته أمس دون أى تعليق أو مناقشة، وحين وجدت نفسى وحدى، قلت أستزيد من مراجع أخرى عن علاقة العواطف بالتطور، وبالذات عن داروين وفرويد وهما اللذان تناولهما هذا الكتاب الجيد الذى يحاول أن يقيم وُلافا لفكرهما يدعم أحدهم الآخر دون إذن من أى منهما، وقد خفت – من حيث المبدا وبمجرد البدء فى القراءة – أن يبالغ فى هذه المحاولة، أو أن يعجز عن تشكيل الولاف الحقيقى، فتنتهى المسألة بتلقيق تعسفى، وإذا بى أجد نفسى أمام كم هائل من المعلومات تحتاج منى أسابيع لتغطيتها حتى أستطيع أن أقوم بمهمة النقد الموضوعى التى لا حت لى، شاهدت عددا من الفيديوهات، وقرأت عددا من الموجزات حتى فات الوقت وأنا لم أستقر على قرار.
قلت أتجنب كل هذا الآن، وأنا فى الأجازة، وأبدا بالدفاع عن إيمان داروين الذى وصلنى، والتحذير- مع السماح – من إلحاد فرويد، كما شاع عنه ومنه، وفى نفس الوقت آخذ لنفسى خط دفاع ضد الجاهزين للحكم على شخصى وفكرى ودينى من فرط حماسى وانتمائى للفكر التطورى، من المتدينين السطحيين، والمحتكرين، والطيبين حسنى النية، والخائفين بلا مبرر، وإذا بى أمام كم هائل آخر من السب والتكفير لداروين والتطور معا، كم من الهجوم على أى مفكر متدين أو مؤمن، خاصة من المسلمين ممن لم يجدوا تعارضا بين الأصول الثابتة لدينهم وبين فكرة التطور بل وبعض تفاصيلها، وإذا بهذه الفتاوى والمعارضات البالغة الكثرة تقصيهم ليس فقط عن محاولة فهم التطور من بُعد إسلامى إلهى كادح، وإنما تقصيهم أصلا عن الحق فى التفكير، مع أننى كنت أنوى، من باب الحيطة، أن أبدأ بمثل هذا الرأى، بل برأى أكثر اقتحاما، فأعترف أن فكرى التطورى، منذ وضعت أسس فروضى لنظريتى “النظرية الإيقاعية التطورية” Evolutionary Rhythmiv Theory قد هدانى إلى طريق ربى أكثر وأطيل، بما اتفق مع ممارستى العملية، وخصوصا فى العلاج الجمعى، فقد اهتديت إلى يقين بنوعية الحياة التى تصلح للبشر حتى يكملوا طريقهم التطورى الأرقى من خلال استيعاب خالق كل هذه الحيوات والأحياء وخالق برامج مسيرتها إلى ما صارت إليه، بصراحة ملكنى خوف ليس قليلا، وخاصة وأنا أتابع فى “شعن” مثل هذا الفكر الذى لا أريد أن أصفه…، لكن وصلنى من بعضه أنه يتصور أنه فى محاولته التميز بما يميزنا إنما يستهدى بمعان للنصوص من تفسيرها، ولا يستلهمها من أصولها ذاتها، وأغلب هؤلاء المتحمسين يتصورون انهم بذلك يتميزون بثقافة مختلفة وفكر خاص ينبغ من دينهم ولغتهم، وهو ما يحتاج إلى وقفة وحوار طويلين.
ولكننى أقر وأعترف أننى وجدت وأنا منغمر من كل ناحية بهذا الهجوم، وجدت فيديو للراحل د. مصطفى محمود يدافع فيه عن فكرة التطور (وليس بالضرورة نظرية داروين)، ويكاد يقرص أذن هؤلاء المكفرون المتحمسون (والمتشنجون) أيضا، فشكرته بينى وبين نفسى، وتذكرت اعتراضاتى عليه وعلى فكرة التفسير العلمى للقرآن، حتى داعبته ذات مرة قائلا: إن الله سبحانه وتعالى سوف يغفر لنا، وسوف يدخلنا الجنة بالرغم مما نقول ونفتى، وليس بسببه، فضحك عاليا وعلق قائلا: “يا شيخ يحيى خلينا ناخد بإيد الشباب”، كلامك صعب عليهم، ترحمت عليه، ودعوت له، واستغفرت.
طيب بالله عليكم أين الوقت بعد كل هذه الجولة الذى يمكن أن أكتب فيه نشرة الغد، وقد أنهيت نشرة أمس قائلا:
“من هنا لنشرة الغد، يحلها حلال
الحمد لله….”
وهاكم الحل قد جاء بمزيد من التنقل، وزخم من التوجهات، وعدد من التحديات بلا حصر
قلت أهرب بمزيد من الحديث الشخصى، حيث خطر لى أن أستشهد بجدول “مندليف” تأكيدا للفرض الذى ورد فى نشرة الأحد: 3-8-2014 ، بعنوان “تشارلز داروين “جاب الديب، من بؤرة وعى إيمانه المعرفى”، فأعرض لعلاقتى الشخصية بجدول “مندليف” قبل أن أشرح علاقة هذا الجدول بما حضرنى تفسيرا لمنهج داروين، وكانت كالتالى:
فى سنة 1950 كنت طالبا فى إعدادى طب، وكنا ندرس هذه السنة فى كلية العلوم وليس فى كلية الطب ، وأظن أن المحاضر كان هو أ.د. النادى وهو يحاضرنا فى الطبيعة، وأخذ يشرح لنا جدول مندليف، وكيف أن هذا الجدول يُعزى بشكل عام إلى الكيميائى الروسى ديمترى مندليف, حيث قام فى أواخر القرن الثامن عشر، بترتيب العناصر بالاعتماد على السلوك (الدورى) للخصائص الكيميائية للعناصر، وأنه رتب العناصر المعروفة أنذاك حسب وزنها الجزيئى (أو شىء من هذا القبيل) ، وأنه ترك أماكن شاغرة لعناصر لم تـُكتشف بعد، لكنها لا بد تحمل صفات ووزن وخصائص يجعلها حين تكتشف تجد مكانها الذى ينتظرها شاغرا فى هذا الجدول حتى تكتشف، وقد فرحتُ آنذاك بهذه الفكرة لست أدرى لماذا، لكن أعتقد أنه أعجبنى أن عالما يفترض عنصرا غير موجود، ويقدر موقعه ووزنه، ويترك مكانا شاغرا له، انتظارا ليقين بظهوره، أعجبنى ذلك ولا أذكر اننى عبرت عنه لأستاذنا أنذاك أم أننى احتفظت به لنفسى حتى الآن.
حين خطر لى وأنا أقرأ اهتمام دارين بعواطف الحيوانات ، واستلهامه بعض أحداسه من العامة وحراس حدائق الحيوانات، والأطفال، وتصورت أنه رأى نظريته التطورية الرائعة داخل نفسه (دون أن يدرك ذلك) جنبا إلى جنب مع ملاحظاته ومشاهداته فى رحلته، خطر لى أن الحلقات المفقودة فى سلسلة التطور، والتى مازالوا يبحثون عنها حتى الآن، هى فى داخلنا أكثر مما هى فى خارجنا، كما شطحتُ أكثر وتصورت أن المرضى الذين يتعرون أمامانا إذا أحسنا المواجدة (1) معهم، وقد تنشك مهم – نشازا- كثير من مستويات الوعى عبر رحلتهم التطورية (التى هى استعادة مرتجعة لرحلتهم النمائية حسب عكس اتجاه القانون الحيوى لإرنست هيكل) تصورتُ أن هذا قد يحرك فينا ما يقابل ما يسمح لنا بالعثور على حلقات مفقودة فى تاريخ تطورهم وتطورنا، وأن هذا قد يعيننا من خلال مفهوم الوعى البينشخص النيوروبيولوجى (2)، على أن نعينهم ، خطر لى كل ذلك وأنا أحمد الله على الجهل وبركته، وأدعو لمرضاى ونفسى بالستر والخير والسعى إلى وجهه، رغم أنف كل مفسر وصى على الوعى والإبداع، فى العلم المرسسى، ,أو الدين المعجمى.
قبل أن أنهى هذه النشرة وجدت أنه ربما يكون من الأفضل أن أقدم موجزا مستعارا من ويكيبيديا عن جدول مندليف ، ثم أعيد صياغة ما يمكن وصفه بالمنهج الذاتى الموضوعى الذى فسر لى اكتشاف داروين أكثر، والذى ربما يفسر لى اكتشاف إرنست هيكل لنظرة الاستعادة، والذى قد يعيننى حين أقدم نطريتى
أولا: كلمة عن جدول مندليف
هو الجدول الدورى للعناصر الكيميائية (والذى يعرف أيضا بـاسم: الجدول الدورى) وهو يعزى بشكل عام إلى الكيميائى الروسى ديمترى مندليف، حيث قام فى عام 1869 بترتيب العناصر بالاعتماد على السلوك (الدوري) للخصائص الكيميائية للعناصر، ثم قام هنرى موزلى عام 1911 بإعادة ترتيب العناصر بحسب العدد الذرى،
أى عدد البروتونات الموجودة بكل عنصر. ومع مرور الوقت تم تعديل مخطط الجدول مرات عديدة، حيث أضيفت عناصر جديدة مكتشفة، كما أضيفت نماذج نظرية طورت لتفسير سلوك العناصر الكيميائية، وقد أصبح هذا الجدول الدورى فى عصرنا هذا معتمداً فى جميع المناحى الأكاديمية الكيميائية، موفراً إطاراً مفيداً جداً لتصنيف وتنظيم ومقارنة جميع الأشكال المختلفة للخصائص الكيميائية، وللجدول الدورى تطبيقات متعددة وواسعة فى الكيمياءوالفيزياء وعلم الأحياء والهندسة خاصة الهندسة الكيميائية.
ثانيا: إعادة صياغة فروض حدس الإبداع بين الداخل والخارج
1) إن المبدع يشف الحاجز بين داخله وخارجه بشكل غامض لكنه قوى وموضوعى
2) إنه بحسب أبجدية تخصصه، وثراء معارفه، ومرونة قدرته ، يكتشف ما يكتشف، ويعيد تشكيله نتيجة لهذا التناغم المتبادل، سواء اكتشف نظرية رياضية، أو سسلسلة تاريخية، أو معادلة كموية، أو صورة تشكيلية أو حتى هديا إيمانيا
3) إنه مهما اكتشف، فإن النطريات الأقرب إلى الحقيقة تظل ناقصة حتما
4) إنه مع تواصل إبداعه، وحوارات النقد مع الوعى التاريخى، والوعى النقدى، والوعى الجمعى، والوعى المطلق، يمكن أن يعثر، وباستمرار، على ما أسميه الحلقة (أو الحلقات) المفقودة، وهى التى تكون كامنة فى أسرار التشكيل وزواياه ، أو فى مواقع النقص فى جداول الرياضة والطبيعة، مما يعطى للجهل المعرفى والغيب حقهما فى الإضافة والإنارة والإبداع..
وإلى الأحد القادم
[1] – Empathy
[2] – Inter-Personal Neuro Biology IPNB