نشرة “الإنسان والتطور”
29-12-2011
السنة الخامسة
العدد: 1581
ص 51 من الكراسة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
نجيب محفوظ
نجيب محفوظ عبد العزيز
أم كلثوم نجيب محفوظ
فاطمة نجيب محفوظ
أراك عصي الدمع شيمتك الصبر
ياما أمر الفراق
اللى حبك يا هناه
القلب يعشق كل جميل
نجيب محفوظ
21/3/1995
مقدمة:
لم أستطع أن أغيّر المنهج برغم ما خطر لى الأسبوع الماضى، فاستمرت قراءتى للتدريبات بنفس المنهج الذى اتبعته حتى الآن، رضخت للقصور الذاتى وأجّلت النقلة إلى أن تزيد مقاومتى للمنهج الحالى مرة أخرى، و”طولة العمر تبلغ الأمل”:
القراءة:
ها هى قراءتى لصفحة 51 بنفس الطريقة التى قرأت بها الخمسين صفحة السابقة.
لم أنتبه كم مرة حتى الآن كتب شيخى اسم والده هكذا: “عبد العزيز” “نجيب محفوظ عبد العزيز” وقد أعود إلى ذلك فى القراءة الشاملة، لعلى أجد رابطا ما.
ثم لاحظت اليوم كيف تعود كريمتيه لتزينان كتابته بعد اسمه من جديد، وأنا لست متأكدا إن كان حضور اسم كريمته أم كلثوم هو الذى يستجلب إلى وعيه كوكب الشرق، أم العكس.
تدريب اليوم ملئ كله بأغانى أم كلثوم دون منازع
سبق أن تركت تداعياتى تنساب براحتها استلهاما من حضور قصيدة أبى فراس الحمدانى “أراك عصى الدمع”، وعلى من شاء أن يرجع إليها أن يتبع هذا الرابط نشرة:7-1-2010 صفحة التدريب رقم (3) ، نشرة:4-2-2010 صفحة التدريب رقم(11) أغنيات اليوم الثلاث المتبقيات التى امتلأ بها وعيه فظهرت فى التدريب: اثنتان من تلحين زكريا احمد، والثالثة لرياض السنباطى،
يبدأ الاستاذ بأغنية “يا ما أمر الفراق” كلمات أحمد رامى، ويبدو أن الأستاذ لم يرتح إلى التوقف عند مرارة الفراق، فأسرع وألحق بها أغنية “اللى حبك يا هناه“، وهى أول أغنية لحنها زكريا أحمد لأم كلثوم سنة1931 (كان الاستاذ عمره عشرون عاما)، وهى أعمق وأجمل من النعيب على مرارة الفراق، إذ تحكى عن لوعة الحب فى البعد مثل الحب فى القرب، وأن الهَنَا يحل حتى فى الشقاء بالبعد.. “اللى حبك يا هناه فى نعيمه أو شقاه” وأن المحب فى البعد: “يسبح خياله فى اللى قلتيه واللى قاله“، إلى أن تنتهى بمقطع جميل يقول بـ “نعمة الهجر؟؟ التمنى، يا نعيمه فى شقاه”، هذه المعانى يرتفع بها احمد رامى إلى آفاق أكثر ثراء من مجرد “مرارة الفراق” “شكوى وانين واشتياق.. قبل الوداع والرحيل”، مع أن الأغنيتين من تأليف وتلحين زكريا أحمد.
لا أذكر كم مرة جاء ذكر زكريا أحمد فى حديثى مع الاستاذ لكنها مرات كثيرة، حتى تصورت أنه أقرب ملحنى أم كلثوم إلى قلبه، لست متأكدا.
أقتطفت هنا بعض ما سبق أن اوردته فى كل من كتابى الذى تم نشره فى الموقع “فى شرف صحبة نجيب محفوظ” وهو فى انتظار الظهور فى الطبعة الورقية، ولكنى أبدأ بما سبق وروده فى “قراءة فى هذه التدريبات”.
أولا: التدريبات
نشرة 16-6-2011، صفحة التدريب رقم (25) من كراسة التدريب الأولى، تاريخ الكتابة: 21 فبراير 1995
…. واختم القراءة بتذكرة بجمال وقوة وحضور زكريا أحمد فى وعى الأستاذ، فتذكره، وهو يغنى: يا صلاة الزين على الأمرا، يا صلاة الزين
كما أذكر أننى أشرت إلى علاقة شيخنا بزكريا أحمد، وتشبيهه لألحانه وأغانيه “بالتقلية” المصرية.
ثانيا: مقتطف من: فى شرف صحبة نجيب محفوظ
نشرة : 1/4/2010 ، صفحة التدريب رقم (22) ، الخميس: 19/1/1995
ويذكر الأستاذ الشيخ زكريا أحمد، وأنه كان مصابا بالسكر حتى ظهرت له دمامل فى كل جسمه، وأنه كان يذهب ليعوده فى الفجالة، فيفتح الشيخ زكريا الصوان فى حجرة نومه ويريهم ما تفضل عليه أهل المزاج بالهدايا المناسبة تقديرا لفنه….”
ثالثا: (من نفس العمل)
نشرة 8/4/2010، الجمعة: 20/1/1995
سألت الأستاذ - لأتأكد مما وصلنى أمس – عن الحى الذى كان يزور فيه زكريا أحمد فأجاب إنه الفجالة، وأضاف إن زكريا أحمد كان من ألطف الشخصيات وأكثرها حضورا وأظرفها لباقة فى الحديث، وأنه كانت له حكاية يحكيها عن فتوة أجـروه لتأديب مجموعتين فى وقت متلاحق، فكان الفتوة يريد أن ينجز المهمة الأولى بسرعة ليلحق بالمهمة الثانية، فراح يتحرش بالمجموعة الأولى ليستثير ما يبرر التأديب، ولما تأخروا فى التجاوب الغاضب، صاح فيهم: من فيكم اسمه محمد؟، فأجابوا بمنتهى الهدوء والحرص ”محمد مين”؟، فاعتبر ذلك كافيا وطاح فيهم وهو يصيح: محمد مين يا ولاد الـــ… هات خد طاخ طيخ، ويضحك الأستاذ واسعا وهو يشير بيديه وهو يتذكر كيف كان زكريا أحمد يحكى، وهو يصور الفتوة وهو “يتلكك” على أية كلمة يفوه بها أى أحد، حتى ينتهى من المهمة الأولى ليلحق بالثانية فى الوقت المناسب.
رابعا: (نفسه)
نشرة 22/4/2010، الثلاثاء: 24/1/1995
لست أدرى ما الذى جاء بذكر بيرم التونسي، قال الأستاذ إنه قابله، مرة عند الشيخ زكريا أحمد، وكان ساكتا مكفهرا صامتا تقريبا،
مواصلة القراءة:
… ربما مثل هذا التداعى فى وعى تحتىّ هو الذى جاء بالأغنية الأخيرة من تأليف بيرم التونسى، وقد جاءت فى هذا الجو الرائق لتشع حبا من نوع آخر ويحضرنى تجلى الثلاثة مجتمعا: بيرم وأم كلثوم وشيخنا الجليل، تجىء هذه الأغنية بالعامية الجميلة فتكاد تنافس قصائد الحب الإلهى بالفصحى، تلك التى تتفوق على قصائد العشق والغرام، وهى أغنية تعلو بحبنا البشرى، توجها إلى الله سبحانه تعالى لمن يعرف الطريق إليه، هذا الحب الالهى الجميل الخالص هو حب حقيقى وليس حبا مغتربا أو مجذوبا أو ولامؤاخذة “ميتافيزيقيا”!!
تبدأ هذه الأغنية بالعامية المصرية الجميلة فتصل أسرع وأعمق:
“القلب يعشق كل جميل“
فتسحبك برقة زائطة، وخشوع راقص، حتى تجد نفسك فى رحاب تجليات الحوار الرائع: حين تنتهى الأغنية كما يلى:
“دعانى لبّيته…لحد باب بيته
ولما تجلاّلي…بالدمع ناجيته
تشدو بها أم كلثوم
ويرقصها رياض السنباطى
ويحضرها لنا شيخى مشاركا، فيدعوننا الثلاثة إلى رحابه تعالى بجمال خاشع.
وبعد
شكرا يا شيخنا، تغمرنا بولائمك المعرفية، ثم لا نكتفى بها فتهدينا كل هذا الحس الفرحان والجمال النابض، والدموع الطاهرة، إلى أجمل ما فى البشر نحو بعضهم، ونحو خالقهم
ونحن أحوج ما نكون إلى كل هذا هذه الأيام.
جداً.