نشرة “الإنسان والتطور”
الثلاثاء: 23-4-2013
السنة السادسة
العدد: 2062
الثلاثاء الحرّ:
“حزب الكنبة” و”كراسى” المعارضة “الموسيقية”
…. تقدم هذا الحديث ليحتل مساحة النشرة اليوم، برغم أننى لا أعرف أين سوف ينشر أو فى صحيفة، نسيت! لا أظن أنها “إضافة إلكترونية”!، فأذنت له لعله يشفى غليل من كتب لى من الأصدقاء يحتج على توقفى عن الكتابة السياسية، وكأننى أنا الذى توقفت.
نص الحديث:
1- ما تحليلكم “من وجه نظر الطب النفسى” للمشهد السياسى لغالبية الشعب المصرى والذى يطلق عليهم “حزب الكنبة”؟
د. يحيى:
من الذى قال إن غالبية الشعب المصرى تنتمى إلى “حزب الكنبة”، أنا أرفض هذا التصنيف، فليس كل من عزف أو توقف عن الذهاب إلى الميادين والهتاف فى الشوارع هو جالس على كنبته فى بيته متفرجا على الأحداث، الشعب المصرى مازال يزرع الحقول، ويدير ما تبقى دائراً من مصانع، ويقف فى طوابير البوتاجاز والسولار وينام على الحصيرة جائعا لانه ليس عنده كنبة، كيف يصل الأمر إلى أن نسمى أغلبية الشعب المصرى حزب كنبة، لمجرد أنهم يحبون بلدهم بطريقة أخرى.
إن أغلبية الشعب المصرى ترفض هذا النص الجارى المكرر (السكريبيت) الذى يمارس طلب التغيير من خلال تكرار النص الذى بدأ به مشروع الثورة، لأنه أخذ يتكرر ويتكرر مثل الذى يدور حول نفسه وهو يتصور أنه يتقدم للأمام، تصورى معى جنينا لا ينمو بعد مضى عامين ونصف عام من الحمل، وهو لم يتخط الشهر الأول، إنه ينقلب إلى مسخ مشوه يهدد بالاجهاض، ليس لأن أمه لم تبارح الكنبة، ولكن لأننا لم نحترم قوانين النمو واحتياجات الجنين حتى يكتمل الحمل ويولد المولود كامل الخلقة، جاهزا لاستمرار النمو.
2- ما نمط الشخصية المصرية التى تسيطر على المشهد السياسى والى اى فصيل تنتمى؟
د. يحيى:
لا يوجد نمط واحد للشخصية المصرية عموما، وقد زاد التنوع خصوصا هذه الأيام بعد التعرى والتشرذم، كما أنه لا يوجد فصيل واحد يمكن أن يضُم العدد الأكبر بحيث تنتمى إليه الأغلبية التى تسمح أن نتكلم عن شخصية مصرية واحدة تسيطر على المشهد السياسى، ثم إن التنوع هو طبيعة الحياة، فكيف تحدد الشخصية المصرية الواحدة التى …الخ، قد تحدد الشخص أو الفريق الذى يقود أو يحاول أن يقود المسيرة، أما الشخصية المصرية فهذا تعميم لا يجوز.
مشروع الدولة لم تتبين معالمه، ويبدو أن الذين تصدوا لتخطيطه وإرساء قواعده لا يعرفون شيئا عن هذه القواعد، فراحوا يتخبطون بشكل أفقد الناس الثقة فى تكوين شكل صلب لدولة لها معالم قادرة على إرساء قواعد، مؤسسات فاعلة، ولا على قيادة تنظيمات تجمعات شعبية قادرة، وحتى المؤسسات الرائعة القائمة التى استطاعت أن تحافظ على ما أمكن من جلالها وتماسكها مثل مؤسسة القضاء تلاحقت عليها الضربات والإهانات من الشارع، ومن أكبر الرؤوس فى الدولة فى نفس الوقت، كما أن المؤسسة الأمنية (الداخلية = البوليس) التى تحاول استرداد هيبتها وسلطاتها مازالت القوى الفوقية ترسل لها توجيهات متضاربة، فى نفس الوقت الذى ما عادت فيه جموع الناس تثق فى قدرتها، حتى تستعيد احترامها بما يسمح بالاحتماء بها.
3- كيف تفسرون ” نفسيا ” توجهات القوى الثورية ؟
د. يحيى:
تعبير “القوى الثورية” لم يعد له معالم مثلما كان الحال فى بداية مشروع الثورة، حتى أصبحت صفة “ثورى” تبدو صفة بلا حدود ولا مضمون ثابت، اللهم إلا إذا كان المقصود بالثورى ذلك المبادِر بالنزول إلى الشوارع أو المشاركة الصارخة فى “الفيس بوك” أو مواصلة التركيز على طلب التغيير بأسرع مما يحتمل اختبار وقياس خطوات المحاولة، إن صفة “ناشط” أيضا كادت تصبح مهنة مستقلة لها كادر غامض حتى يصعب تحديد مضمونها حاليا، كما أصبح ارتفاع الصوت، وضجيج الصراخ مع تقديم مستندات اشتراكات سابقة هو السند الذى يمثل ما هو قوى ثورية من عكسها، إن المفروض أن يكون الشعب المصرى كله قوى ثورية بعد مضى سنتين ونصف إذا انتبه إلى ما يحيى الاقتصاد ويحقق الأمن ويطلق الابداع، وكل من يحول دون ذلك لا ينبغى أن يطلق عليه قوى ثورية حتى لو كان له تاريخ ثورى ميادينى مجيد، المسألة تجاوزت الوقوف نيابة عن الشعب صائحين “الشعب يريد…” لأن ما يريده الشعب الآن هو أن يكون هناك شعب تدير شؤونه دولة ترسى قواعد الاقتصاد وتحترم المؤسسات وتستقل عن التبعية للقوى الخارجية الخبيثة التى تلعب فى الظلام وحتى فى وضح النهار، سواء تحت شعار الدين أو كجزء من تخطيط العولمة المفترسة.
إذا لم تفعل ما يسمى القوى الثورية ذلك، ولم تتحمل مسئولية الثورة حتى نجاحها، فأوْلى بهم أن ينظروا فى طبيعة حركتهم، وأن يراجعوا على أى مقاعد هم جالسون فربما اكتشفوا أنهم يمارسون لعبة الكراسى الموسيقية دون أن ينتبهوا إلى أنها موسيقى جنائزية، وهم يتهمون المعزّين الحزانى الذين يفكرون فى مستقبل البلد أنهم “حزب الكنبة”.
4- كيف تقيّمون توجهات قوى المعارضة ؟
د. يحيى:
أيضا كلمة “المعارضة” تحتاج إلى إعادة تعريف فأصلها يعنى “ضد الحكومة” والضد لا يعنى مجرد العكس، المسألة ليست مَنْ ضد الوالى ومَنْ معه، وإنما ينبغى أن نفهم المعارضة بمعنى القوة البديلة الجاهزة المستعدة لتحمل المسئولية، إن كلمة “غير ” غير كلمة “ضد” أى أن المعارض هو هذا الذى عنده مشروع مختلف عن مشروع الحكومة مشروع بديل قابل للتطبيق، وهو الذى استطاع أن يقنع فريقا من الشعب بهذا المشروع وأن يدعم موقفه بمؤيدين جاهزين لتحويل الرأى العام تمهيدا للتغيير الدستورى الممكن، هذه هى المعارضة فى دولة لها معالم وشعب عليه مسؤولية، أما أن يطلق لفظ المعارضة على كل من يستخدم السب والقذف، أو الهدم والنقد غير البناء، أو السخرية والإهانة، فهذا خطأ جسيم، ومع اعترافى بأحقية كل مثل ذلك تعبيرا عن الرأى، إلا أننى أقيس أى صوت وأى نقد بمدى توظيفه لخدمة الهدف الأبقى، وهو تغيير الوعى العام أملا فى تغيير الحاكم لتحل المعارضة محل الذى تصدّر لحمل المسؤولية أولا، وهذا ما يسمى “تداول السلطة” وإلا فسوف يستمر المنظر “محلك سر” ويتمادى الخراب الذى ينشأ عن فشل الحكومة بقدر ما ينشأ عن عجز المعارضة.
5- كيف ترون جماعة الإخوان المسلمين الآن ؟
د. يحيى:
هذه الجماعة بهذه الصورة الجديدة بعد أن تربعت على مقاعد الحكم تمثل وجودا جديدا فى تاريخ الشعب المصرى، وهى قطعا غير الجماعة التى ألفها حسن البنا وغير الجماعة التى حلها النقراشى، وغير الجماعة التى أيدت عبد الناصر ثم أطاح بها حين استخونها فتوارت تحت الأرض واعتبروها “مزعومة”.
ثم إنها ظلت كامنة على مستوى السياسة، ظاهرة وفاعلة على مستوى كل التجمعات الممكنة فى النقابات والنشاطات الأهلية، وقد حصلت هذه الجماعة على تعاطف موضوعى حين غاب كثير من قادتها فى السجون، كما أنها استطاعت أن تواصل الاتصالات بالخارج مع ممارسة بعض التدين الخاص، ثم أتيحت لها الفرصة فى الاشتراك المتأخر فى ثورة الشباب فالشعب، فانقضت على كل من ثورة الشباب، وبقايا رموز ومؤسسات الدولة القائمة فى نفس الوقت، ونجحت فى أن تلّوح لعامة الناس بحل سحرى فى الدنيا والآخرة، فاندفع الناس من فرط ما عاشوه من قهر وظلم وتهميش، ومن فرط ما حملوه من أمل وطيبة وتدين: إلى تأييدهم، فنجحت الجماعة – برغم بعض التجاوزات – أن تتولى أمورهم وتمثلهم، فأخذت فرصة حقيقية، لكنهم لم يحسنوا التصرف فيها، ولا بها: لقلة الخبرة وضيق الأفق، وانغلاق التدين وقصر النظر، وبرغم ذلك فمازالت الفرصة أمامهم لتحقيق بعض النجاح مع أننى غير واثق فى قدرتهم على ذلك حتى الآن.
6- ما الصفات الغالبة الآن على قرارات السيد رئيس الجمهورية ؟
د. يحيى:
استطيع أن أقسم قرارات السيد الرئيس على الوجه التالى:
أولاً: قرارات انفعالية غير مدروسة
ثانياً: قرارات “رد فعل” أكثر منها تلقائية
ثالثاً: قرارات رشوة مالية لفئة تلو الأخرى دون رصيد يمولها
رابعاً: قرارات احترازية وقائية تحمى الكرسى من الاهتزاز
خامساً: قرارات غير قابلة للتطبيق أصلا
سادساً: قرارات متحيزة لفصيله وهى التى تسمى قرارات “الأخونة”
سابعا: قرارات جارحه مخرِّبة تصيب مؤسسات صلبة ما كان لرئيس دولة أن يمسها مثل البيان الدستورى إياه أو السماح بمحاصرة المحكمة الدستورية (قرار سرى) أو السخرية من القضاء بالتلميح بالتوصية بمنح مكافآت لمن حكم عليهم بالبراءة…الخ
ثامناً: قرارات لإلغاء أى من القرارات السابقة.
7- إلى اى نوع من الأنماط الشخصية تنتمى شخصية السيد رئيس الجمهورية؟
د. يحيى:
أنا لا أحلل شخصية الرؤساء عن بعد، إلا بمقدار ما يفيدنى فى اختيار من يتولى الرئاسة عندما اضطر للتصويت، هذا الرئيس الحالى من وجهة نظرى كمواطن يحمل رقما قوميا وليس كطبيب نفسى هو: شخص مصرى عادى، طيب غالبا، قليل الخبرة لا يتعلم بالسرعة الكافية سهل الاستهواء لا يحتمل الاختلاف إلا بالكلام والشعارات.
8- استقراء للمستقبل القريب ، كيف تدار الفترة المقبلة ، وما هو موقف الاطراف المختلفة” حزب الكنبة ، قوى المعارضة ، القوى الثورية ، النظام الحاكم؟
د. يحيى:
حزب الكنبة: لا يوجد أصلا شىء بهذا الاسم إلا فى عقول أشباه الثوار
قوى المعارضة: أمامها سنين حتى يتشكل منها البديل المعارض صاحب المشروع الاقتصادى الإعمارى، الابداعى، الحضارى، المستقل القادر على التحدى القابل للتطبيق.
القوى الثورية: لابد من إعادة النظر فى تعريف “الثورية” للانتقال إلى مرحلة تشكيل القوى الخلاقة المسؤولة، وهى القادرة على صنع ثورة بناءة تنقذ مشروع الثورة الآيل للسقوط، مشروع يقوم به من يسمون الثوريون، ومن هم ضدهم على حد سواء.
النظام الحاكم : إلى زوال طال الوقت أم قصر إما بالصناديق أو بحكم المحاكم العظيمة.