نشرة “الإنسان والتطور”
الأربعاء: 3-4-2013
السنة السادسة
العدد: 2042
تعتعة التحرير
“مصر”، من ينقذها: فكأنما أحيا الناس جميعاً !!
فى مقابلة تليفزيونية منذ سنوات على الهواء جمعتنى مع فضيلة العالم الجليل والمفتى الأمين الشيخ نصر فريد، وقلت ما وصلنى من الآية الكريمة…. “مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً”. قلت كيف وصلنى معنى الجزء الأخير من الآية، بعد سنين من الحيرة أمام التساؤل: كيف يحيى بشرٌ نفساً وهو بكل هذا الضعف والغرور؟ قلت رأيى، لكن فضيلته صحَّحَنى: أن معنى “أحياها” أنه امتنع عن قتلها، وحين عدت إلى مكتبتى وجدت المزيد، وأن “الإحياء” هو رفع القتل ظلما عن شخص مظلوم، فأتذكر الآن قضاتنا العظام وهم يحكمون بالبراءة على من حكم عليهم الشارع بالإعدام دون محاكمة، فكأنهم أحيوا الناس جميعا مع كل حكم بالبراءة، وأقبل هذا الرأى، لكنه لا ينسخ ما وصلنى أوّلا من الآية الكريمة.
وصلنى بسهولة معنى كيف أن قتل نفس واحدة ليس إزهاق روح فرد، وإنما هو إعدام الحياة كلها، “فَكَأَنَّمَا قتل النَّاسَ جَمِيعاً”، ولم أقف عنده طويلا، فالمعنى واضح وهو ضد كل ما يشيعه أعداء الاسلام حين جعلوه مرادفاً للإرهاب، فى حين أنهم هم الذين يحترفون القتل بالجملة، والقتل عن بعد، والقتل الاستباقى، والقتل بالشبهة، والقتل للسيطرة، والاستغلال والترهيب والإذلال: هم أصحاب المال الكاسح والسلاح الأعمى حكام أمريكا وشركاؤها الاستراتيجيون (مثل اسرائيل وتركيا!!! اسم الله!! الصلح الأخير!!!!) لكننى رحت أقف أمام الجزء الأخير من الآية فرحا بالحياة وبتوصية ربنا وتفويضى بإحياء النفوس جميعا إذا أنا أحييت نفسا واحدة.
قيل وكيف كان ذلك؟
أثناء تدريبى لأحد تلاميذى الأطباء لعلاج أحد المرضى الفصاميين المزمنيين الذى وصل إلى مرحلة سلبيه مطلقة، لا يتألم ولا يفرح ولا يتغير ولا ينطق لمدة سنوات، ومع ذلك رحت أوصى مساعدى هذا أن يبذل كل ما عنده وكأنه سيشفى هذا المريض حالا بفضل هذا الجهد، وفضل الله، مهما طال الزمن، ويتململ مساعدى ولسان حاله يقول: أنت لم تستطع أنت ومن هو أقدم منى مساعدته حتى وصفته لنا أنه استسلم “للموت” حيًّا، فكيف تدعونى أنا المبتدئ أن أشفيه، فأرد عليه أن هذا الجهد الذى لابد أن يبذله بغض النظر عن النتائج، إن لم يثمر فى هذا المريض بالذات فسوف يترك فيه معالجاً شيئا رائعا قويا إذ يوثق علاقته بالحياة نفسها، بما يسمح له أن يهزم الموت حيًّا، إن لم يكن بداخل المريض فبداخله هو معالجا، ومن ثـَمَّ بداخل المرضى وكل الأحياء، وهنا أشرقت الآية الكريمة فى وعيى، “وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً”.
أعود إلى حالنا اليوم : زادت الحكاية وفاضت، وكثر الكلام وضاقت حلقاتها ولم تفرج، وكنت أظنها سوف تفرج، كثرت الأسئلة السخيفة بلا ملل: ماذا حدث للمصريين؟ ماذا حدث للثورة؟ كيف تغير المصريون؟ لماذا كل هذا العنف؟ وتحل التفسيرات “النفسية” للأسف محل التفسيرات الاقتصادية والكيانية والتطورية والسيادية والسياحية والتآمرية والإبداعية والإيمانية، لكنى أشعر أن الأسئلة تطرح للفرجة والتفسير وليس للتوعية والتغيير، وأشعر أن من يطرح السؤال لا يطرحه على نفسه أولا، وكأنه ينسى أنه مسؤول أمام الله عن كل سؤال بغض النظر عن الجواب!!
رحت أتقمص كل المشاركين وغير المشاركين فيما يجرى هذه الأيام، حكاما ومسئولين، ثم ناساً ومطحونين، وحين فشلت فى الشعور بمشاعر الحكام والسادة انتقلت إلى عامة الناس: يا تُرى كيف يفكر أى منهم – منا– كل مساء قبيل الدخول فى النوم، وكيف يجيب على تساؤلات قد تخطر بباله عن ماذا كان يفعل فى هذا اليوم بالذات، ثم عن توقعاته لأثر ذلك على المدى القصير فالطويل فالأطول، ومدى إسهام ذلك فى إحياء وطنه وبنى وطنه ومن ثَمَّ الناس جميعا؟ وهل يا ترى يعلم أى منا أن الله سبحانه سوف يسأله حين نأتيه فردا فردا عن ذلك؟ بل، إنه سبحانه يسأله وإيانا حالا! نحن لا نُحاسب أمامه تعالى جماعة بصفتنا الحزبية، ولا الفئوية الدينية، وإنما فردا فردا، وهو يسألنا هنا وهناك عن ماذا فعلت لوطنك فالناس فى تلك الثوانى التى قضيتها هذا اليوم ثانية بثانية. أرجوكم لا تظنوا بى الظنون لأننى طبيب نفسى، فالمشكلة ليست مشكلة الرئيس محمد مرسى، أو هيئة الانقاذ، ولا هى مشكلة مكتب الارشاد أو محطه الـ CBC، أو أزمة السولار ولا هى حتى مشكله مصر وحدها، إن مصر ليست إلا حلقه ضمن مؤامرة عالمية ضد الحياة برمتها تقودها قوى المال بإدارة أمريكا ولصالح إسرائيل وما تمثله من إهلاك، وقتل الحياة والأحياء، وكل واحد منا مسؤول عن كل ذلك دون استثناء.
هل تريدون أدلة محددة؟ خذ عندك: (1) “فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه” (2) “بَلْ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ” (3) “وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً” (4) “وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا..” (5) “وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى” (6) “بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ”.
إذن فإنقاذ مصر هو إحياء لك شخصيا، هو إنقاذ للحياة، هو إحياء أنفس الناس جميعا، فهو “فرض عين” على كل واحد منا دون استثناء، إذا قام به البعض لم يسقط عن الباقين،
معنى هذا الكلام ليس خاصا بالمسلمين فقد وصلنى مثله من فيلسوف شاعر إنسان يحمل الأمانة اسمه “باركر بالمر” برغم أنه أمريكى!! فأمريكا “فيها وفيها” وفضل الله يلهم الجميع، يقول “بالمر:
“إنك لن تعلم أبدا مدى تأثير ما قد تفعله أو تقوله أو تفكر فيه اليوم على حياة الملايين غدا”.
وبعد
عزيزى القارئ، فلتعلم – فقّهك الله– أن ربك سوف يسألك عن مصر وعن الناس، كل الناس، ولن تأخذ معك توصيات مكتب الإرشاد، ولا تصريحات الرئيس مرسى، ولا وعود البنك الدولى، ولا بيان هيئة الانقاذ، وأنت واقف أمام العدل الجبار العليم بلا محام ولا صور موبايل ولا رسائل ميل أو فيس بوك، كما سوف يتبرأ منك من أفتو لك بغير ما كان ينبغى أن تفعله، ولن تجد فرصة لتتبرأ منهم كما تبرأوا منك، واعلم أن ردك سوف يكون فى إطار تكليفك “فرض عين” بالحفاظ على حياة مصر، فحياة الناس جميعا.
هل عند الاخوان ومهاجميهم خبر بذلك؟