نشرة “الإنسان والتطور”
24-10-2010
السنة الرابعة
العدد: 1150
مقدمة:
آسف لما سيرد فى هذه النشرة من تكرار محدود نشر فى تعتعة السبت الماضى 16-10-2010 حيث أن نشرة السبت هذه كانت خاصة بالموقع فقط ولم تنشر فى أيه صحيفة، وحين قررت عرض وجهه نظرى للناس عامة، وليس فقط لأصدقاء الموقع حدث هذا التكرار الاضطرارى لبعض الأجزاء علما بأن التناول هنا أعمّ وأشمل.
تعتعة الوفد
“دستور يا الدستور”
إن ما حدث هذه الأيام ويجرى النقاش حوله عن: “ماذا جرى للدستور وفى الدستور”، هو مسألة أكبر بكثير من تفاصيل مناقشة ظروف أو مغزى إقالة رئيس تحرير، أوموت صحيفة، أوتورط سياسى كبير وديمقراطى محترم فى خطإ انفعالى سرعان ما صححه وهو يعترف به بشجاعة نبيلة، إن ما حدث هو بمثابة إعلان، أو لعله تذكرة بضرورة التوقف طويلا أمام ما يجرى ليس فى مصر فحسب، وإنما عبر العالم، للتعرف عن الآليات الفاعلة فى إدارة وتوجيه مسار الناس ومستقبلهم.
هذا الحدث استدعى أسئلة تلح علىّ (ربما علينا) برغم أنها قديمة، وأن إجاباتها بديهية، تقول:
لماذا تصدر هذه الصحف (وتنشأ تلك القنوات الفضائية)؟ ما الهدف؟ وما العائد على أصحابها وعلى الناس؟ ثم ما هو التأثير الحقيقى: الآن ومستقبلا، للكلمة المكتوبة، (والمسموعة والمرئية)، أولا: على تشكيل رأى الناس، ثم على تشكيل وعى الناس، أعنى: على إدارة أمور الناس فى واقعها القريب، ثم على مستقبل جموع الناس فى تطورها الممتد؟ وما هو دور الشركات المالية والرأسمالية (وثمَّ فرق قد أعود لتوضيحه يوما) فى تسويق ودعم هذا النشاط المسمى الإعلامى
ولكن لنقصر ملاحظاتنا المحدودة على بعض جوانب الموضوع الحالى:
توقف الدستور، آسف، هناك شىء ما زال يصدر فى أوراق ممتلئة “بكلام كثير”، و”إعلانات”، “كلام كثير”، بعضه بالقصور الذاتى، وبعضه أكل عيش، وبعضه حسن نية، وخلاص، وهو عمل قد يجيزه القانون، لكنه يظل غير مشروع بالقياس الأخلاقى العام، أن يحمل أحد أو مؤسسة اسما له تاريخ، وهو يختلف عن تاريخه.
أنا أكتب فى الدستور – بدعوة كريمة- منذ إصداره الأول سنة 1995 حتى عام 1998 ثم عدت أكتب فيه فى الإصدار الثانى منذ سنة 2005، وأزعم أننى تعرفت عليه من خلال ذلك، وغير ذلك، بما يكفى أن اقول إن الذى يصدر هذه الأيام ، ليس هو الدستور الذى أعرفه ويعرفه الناس. أنا لا أريد أن أعطى لصحيفة دورا أكبر من حجمها، فكل ما يكتب عندنا، وربما حولنا، مهما بلغت درجة التحريض فيه، والنقد، بل والاقتراحات البناءة أحيانا، يصب فى محيط من اللامبالاة الرسمية، أو الحزبوطنيّة. الدنيا لم تنهد حين توقف الدستور، ولن تنهد حين تتوقف القنوات الفضائية الدينية وشبه الطبية التى حظروها هذه الأيام، بل وكل القنوات!! إذْ يبدو أننا وصلنا إلى حال يجعل كل الكلام المكتوب والمسموع والمشاهد – تقريبا- من المعارضة والمؤايدة معا، بلا قيمة حقيقية ما دامت لا توجد آلية سياسية على أرض الواقع تسمح للكلمة أن تكون لها فاعلية تؤثر فى محتوى صناديق انتخاب بحدّية ومسئولية، وهى تهدد فعلا بتداول السلطة ، إن لم يتوفر مثل هذا الاحتمال حقيقة وفعلا على أرض الواقع، فكل الكلمات على الورق، وعلى الهواء، لن تبرح مكانها من الورق، أو فى الهواء، مع أنهم يستعملونها من الظاهر أملا فى القيام بدور الديكور لمن يطالبون برفع راية الديمقراطية سابقة التجهيز لإرضاء الأوصياء الأمريكيين وغيرهم، ديمقراطية “كذا وكذا” أيضا!! حسب المواصفات اللائقة بأمثالنا، أقول: إن الدنيا لن تنهد، والمسائل لن تفرق، فى المدى القريب على الأقل، إذا توقف الدستور أو الأهرام، أو صوت الأمة، أو أخبار اليوم، وبرغم معرفتى ذلك يقينا، فقد ظللت أكتب طوال هذه السنوات، على أمل أن تتجمع نبضات الوعى العام، لتكون جاهزة يوما ما لتغيير نحن نستأهله والله العظيم ثلاثا، كان واضحا عندى من البداية أن ثمَّ فرق بين كتابة التحريض، وكتابة تحريك الوعى، لذلك أسميت العمود الذى رضيت أن أكتبه أسبوعيا فى الدستور، ومن البداية “تعتعة”، وقد شرحت ما أعنيه بالكلمة، ونشرت ذلك مع بداية التعتعات قائلا :
التعتعة هى: الكتابة بقصد التحريك لا البلاغ، وقد استعرت لفظ “التعتعة” هذا من الحسن بن هانئ، (أبو نواس) وهو يقول (مازحا أو جادا):
وما الغرمُ إلا أن ترانىَ صاحيا وما الغنمُ إلا أن تتعتنى الخمرُ
وقياسا أقول:
وما الغرمُ إلا أن ترانى ساكنا وما الغنمُ إلا أن يتعتعنى الرأىُ
ثم اضفت شارحا (ما زلنا سنة 1995):
“…. (إن) آفة ناسنا الألعن هى الجمود المغلف بالكسل، التى يقابلها على الجانب الآخر الاندفاع المتسارع بالاستسهال، و”التعتعة” هى تحريك محسوب بين هذا وذاك. وفرق بين كتابة وكتابة، فكتابة الخبر المعلومة هى نوع من الإخبار والبلاغ، أما كتابة الرأى ووجهة النظر، فهى دعوة للحوار والمراجعة، والتعتعة هى من النوع الثانى: ولمزيد من الإيضاح: هى دعوة للقراءة الثانية قبل التسليم بظاهر القول، وهى حفز للنظر فى الجانب الآخر من المعنى الظاهر، لعله أهمّ، وأدل، وهى رفض للمسارعة بـ “التعظيم سلام” لكل حروف مطبوعة، وهى تحذير من هز الرأس بالموافقة حتى قبل أن تكتمل الجملة أو يتضح المراد، وهى إغراء بإعادة النظر فى الشائع المتفق عليه، حتى لو كان بديهيا، أو مقدساً.
وقد بدأت كتابتى هذا العمود بنقد لاذع للدستور نفسه، وقد نشر بحروفه بتاريخ5/3/1997 بعنوان “دستور يا الدستور” قلت فيه :
“…. فى بلدنا كانت كلمة دستور “بفتح الدال” تعنى: ”ولا مؤاخذة”، أو: ”بالإذن”، وكان الرد عليها ”دستورك معك”، ولم أحاول أن أسأل أبى ماذا يعنى هذا كله، وما علاقة ذلك بدستور 1923 أو حتى دستور 1930، ناهيك عن الدساتير اللاحقة حسب المقاس، ثم إنى أثبت فى هذه التعتعة بعد ذلك نقدا لاذعا لبعض ما نشر مما يتعلق مما لا يخص حالنا الآن، كذلك قلت: “…. حين صدرت صحيفة “الدستور” … رحت كالعادة أقف حذرا أمام العدد تلو الآخر حتى أتعرف عليها وأطمئن إلى مصادر تمويلها”… الخ.
من خلال خبرتى المحدودة بحكاية التمويل عموما، ومن خلال معايشتى تمويل شركات الأدوية للمؤتمرات، والمجلات العلمية، لتوظيفها لغسيل مخ الأطباء أولا بأول، بعلم زائف أو ملتبس، لصالح المال، خشيت على الدستور من الإعلانات، وفى نفس الوقت خشيت عليه من التوقف إن لم يعرف كيف تموله الإعلانات، وقد عرضت مخاوفى آنذاك على إبراهيم، فأجابنى مطمئنا: أن القارئ هو الممول الأول، ولعه الأخير، وفرحت، ولكن لم يزل خوفى، حتى ثبت مما حدث مؤخرا، أن المعادلة أصعب من أن تحلها قروش القارئ أو حماس العاملين أوحسن نوياهم.
فى الإصدار الثانى منذ 2005عدت إلى عادتى القديمة ، وكتبت رأيى فى بعض ما يكتبه رئيس التحرير سبا فى الشعب المصرى شخصيا، وأنا أعتبر نفسى – دون انتخابات ولا يحزنون- نائبا معينا من قبل ربنا للدفاع عن هذا الشعب الجميل، مهما رددوا ” ماذا حدث للمصريين ” “ماذا حدث للمصريين”، ناسيين أنهم منهم وبهم، المهم كتبت فى الإصدار التالى وأنا اراجع سبِّى لناسنا فى شعر كتبته شابا فى الرابعة عشر من عمرى سنة 1949 ، كتبت فى الدستور بتاريخ 25-1-2006 “…. من هم هؤلاء (ناسى) الذين كنت أصفهم بأنهم لم يصلوا إلى مرتبة القرود فى التقليد، وأنهم : بقايا بشر”، (مسوخ قرودٍ، بقايا بشرْ) يا ترى كنت أعنى ناسنا جميعا (الشعب)، كما يفعل أبو يحيى رئيس التحريرالآن حين ينزل على الشعب المصرى سلخا بلا رحمة، حتى أتصور أنه يعنينى شخصيا..إلخ”ـ ونشر كل ذلك رئيس التحرير دون تردد.
هذا هو الدستور الذى كنت أكتب فيه، ولله الأمر من قبل ومن بعد، ولنا، فالحكاية لم تنته.
.دعونى أختم كلمتى وأنا أخجل من كثرة تكرار اقتطافى هذا النص من شعرى بالعامية قائلا :
“كل القلم ما اتقصف يطلع له سن جديدْ،
ويش تعمل الكلمة يابـَا والقدر مواعيدْ،
خطف القلمْ مالعدمْ أوراق وِملاا ها،
وانْ عاجبنى وجبْ، ولاّ أتنـِّى بعيدْ”