نشرة “الإنسان والتطور”
4-6-2012
السنة الخامسة
العدد: 1739
تعتعة التحرير
عوْد على بْدء: سؤال ووصية
(كتبت هذا المقال قبل التحركات فى التحرير، وصممت ألا أغيره)
بعد توقف دام أكثر من سنة كاملة عدت أكتب عن هذه الطليعة النابضه من الجيل الواعد، وكنت قد بادرت بالكتابة لهم سلسلة بعنوان “أسئلة ووصايا للشبان والصبايا” من تاريخ: 16-2-2011، إلى أن توقفت فى 7-3-2011، فيا ترى أين يقفون الآن بعد كل هذا الذى حدث؟
كما أن كل مرشح رئاسى، مهما تواضعت توقعات نجاحه كان ينتظر النتيجة بعد أن بذل كل ما يستطيع وما لا يستطيع فى توضيح موقفه، وإعلان برنامجه، واستجلاب أو استدانة مصاريفه، فإنه وصلنى أنه كان ثمة استفتاء آخر يجرى لمعرفة من هو الفائز من الشعب المصرى؟
تقديرى شخصيا أن الشعب المصرى، بصفة عامة، من شارك منه ومن امتنع، قد نجح بدرجة “جيد جدا”، بأقل قدر من التجاوز أو الغش، وأنه قد أظهر ما يمكن اعتباره أجمل ما فيه، ليصحح به ما بدا أنه أسوأ ما فيه، وأنه شعب جدير بالاحترام وبأن يأخذ الفرصةَ تلو الفرصة، ليواصل، ويصحح نفسه ويكمل المشوار، مشوار الإبداع، والحضارة، بعد انتفاضة الغضب وتحطيم الأصنام، وهى الانتفاضة الواعدة بثورة حقيقية باقية لهذا الشعب إذا ما اتيحت له الفرصة للامتداد الانسانى فى الوعى الكونى الجديد، للإسهام فى حل مشكلة الإنسان المعاصر عبر العالم، خاصة بعد أن تجمعت قوى المال المفترس القذر وهى تحيك لنا (ولكل الناس) طريق الانقراض لصالح قلة منهم، (النظام العولمى الجديد: الدولة المالية الموحدة) علما بأن هذه القلة سوف تكون أول من ينقرض انتحارا .
أين يقف الشباب الآن؟
برغم أن أحسن ما نحن فيه ترجع فضل بدايته إلى هؤلاء الشباب المصرى الشجاع الذى استطاع، بغض النظر عن كل ما دار ويدور حول محرك خفى، أن يكسر حاجز الخوف، وأن يعطى لناسنا، هذه الفرصة لكى يظهروا حقيقة هذا الشعب التى كادت تختفى فى الشهور الأخيرة تحت فقاعات عفن أبشع ما تراكم فيه، فإن حصيلة كل هذا كادت تختفى مؤخرا، وحين جاء وقت قطف الثمار على أرض أكثر ثباتا لمدة أطول، لم تتح الفرصة لهؤلاء الشباب أن يكونوا فى المقدمة، ولا فى حجرة التشغيل، صحيح أن أحدا لم يحرمهم صراحة من الفرصة، لكن هم أنفسهم، بشكل ما، وجدوا أنهم أبعد عن إيقاع هذا الحراك، وأن الوعى العام حتى الآن لم يتجهز بعد لاستلام عجلة القيادة منهم، وحمل شعلة مشروعهم الواعد، ليحيله – حتى لو كانت بدايته بفعل فاعل- ، إلى ما كانوا يأملونه، وهو ما ضحوا بالغالى والرخيص من أجله. وقفت مجموعة من هؤلاء الشباب موقف الانتظار الساخر، حين قررت أن تمتنع عن المشاركة فى انتخابات الرئاسة أصلا، وبرغم أننى لا أتتبع خفة ظلهم خاصة على الفيس بوك، فإن ما كان يصلنى من تعليقاتهم ورسومهم عن طريق الأصدقاء كان يبهرنى من قدرة هذا الشعب المصرى على الإبداع الساخر لدرجة جلد الذات، نعم الإبداع، وليس مجرد الفكاهة، وأكتفى – كمثال- أن أثبت التعليق التالى لأضحك منه ثم أرفضه (كما فعلت سنة 67)، يقول هذا التعليق على حد ما تسمح به ذاكرتى “… طيب !!! هوّا مبارك كان بيزوّر الانتخابات ليه؟ ما هو شعب زى الفل أهه”، شكرا يا إبنى، ، هو زى الفل رغما عن إبداعك الجميل، مع احترامى لغيظك المشروع، وسوف أوريك حالا.
أفاق هؤلاء الشباب بعد إعلان النتائج شبه النهائيه على حقيقة مرّة، لكنها ليست نهاية الدنيا، ولا نهاية مشروع الثورة، أفاقوا ليجدوا أنفسهم أمام عدة احتمالات يحضرنى منها:
(1) فئة كادت تستسلم لاستكمال مسيرة الانسحاب لعجزهم عن التفضيل بين اثنين من المرشحين للإعادة أحلاهما مر: واحد متهم بأنه ضدهم صراحة، وبالتالى سيسحبنا ويسحبهم معنا إلى وراء الوراء، والثانى متهم بأنه ركب موجتهم ومارس استغلالهم سرا وعلانية، يحاول تنفيذ أغراض أبعد ما تكون عن مشروعهم، ولكن بمنهج خريطة الطريق (خطوة خطوة).
(2) كثرة من هؤلاء الشباب، (أتوقع أن تزيد بقوة متسارعة للأسف) راح يسن أسنانه وهو يرغى ويزبد فى السر أو فى العلن، ويستعد لجولات ميدان تحريرية أخرى، ليغير من لا يعجبه بأسلوب انتهى عمره الافتراضى، دون حساب لخراب أو مضاعفات، ودون أن يفكر فى تغيير أسلوب التعامل مع ما لا يريد، ومن لا يريد.
(3) فئة أخرى أكثر تفاؤلا صنعت من أحد المرشحين الطيبين المتحمسين زعيما لهم برز من حلم عبد الناصر لعله يرشده إلى أحسن اختيار من بين أسوأ العروض، وسرت شائعات، لم أصدقها، أن هذا الزعيم يحدد لهم اختيار اسوأ الشرّين.
(4) فئه غير هؤلاء راحت تجمع أوراق العام والنصف، وتفخر بما فعلت وتتعلم مما أخطأت، وتنتبه إلى أن لكل اسلوب عمره الافتراضى، وأن ثمة وسيلة لاحت فى الأفق غير التظاهر ووقف الحال، تسمح بالتغيير المشروع، فى الوقت المناسب.
(5) ندرة منهم انتبهت إلى ضرورة امتداد وعيهم إلى دائرة أوسع من الوطن، صحيح أنها لابد أن تبدأ بالوطن لكنها لا تنتهى عند حدوده، فأخذوا يكتشفون الأيدى الخفية الخطيرة القوية المفترسة القادرة على التدبير، للرد عليها، ومقاومتها، وإجهاض محاولاتها الجاهزة لاستلام المكاسب لصالحها ضد الانسانية جمعاء، فراحوا يبحثون عن الشركاء الشرفاء عبر العالم لندخل معا المعركة الكبرى الممتدة لإنقاذ البشرية كلها.
وبعد
بما أن سلسلة المقالات الباكرة كانت بعنوان: “أسئلة ووصايا للشبان والصبايا”، وهذا المقال ليس إلا تذكرة ببعض ذلك، فإنى أنهى هذه المرة بسؤال ووصية:
السؤال هو: ماذا نستطيع معا أن نفعل واحدا واحدً لنحترم آليات التغيير القانونية ألف باء الديمقراطية؟ حتى لا نخرب البلد أو نركز على الماضى؟
أما الوصية فهى: لا تخاصموا أصوات الشعب التى خذلتكم، ولكن تعرفوا عليهم لتعرفوا أنفسكم فتعرفون ناسكم الأشمل فى كل مكان، لننتقل معا من مرحلة الانتفاضة، فتحطيم الأصنام، فالثأر، فالأمل، فالإحباط، إلى مرحلة الوعى الفائق، والعمل المبدع، والوقت الممتلئ، والهم الممتد، ثم نمتد من ثورة الوطن إلى إنقاذ الجنس البشرى عبر العالم.