نشرة “الإنسان والتطور”
24-8-2011
السنة الرابعة
العدد: 1454
كتاب جديد (قديم)
عندما يتعرى الإنسان (10 من 12)
“دروس للناس: فى الطب النفسى”
أكبـادنا
قال الحكيم:
دخلا على… هما هما، الأب، والأم، كانت الأيام قد طحنتهما طحنا، لم أكد أتذكرهما، سنوات مضت منذ انقطع ابنهما عنى منذ عاد إلى الحياة شاعراً محارباً، ترقص المعانى فى أفعاله قبل أن ينطق بالكلمات، يصنع المستقبل ولا ينتظر التعليمات، هما هما… ماذا فعلت بهما الأيام؟
قال الأب:
- لعلك تذكرنا
- طبعا
- ما كنا لنجئ لولا.. لولا.. لولا زوجتى، والشديد القوى
- لا عليك، فأغلب حالاتى يحوّلها إلى “الشديد القوى”، لا أحد سواه
- تمزح حضرتك؟
- ليس تماما، .. لم أركما من زمان
- زوجتى ليست على ما يرام
- لا بأس عليها
- وأنا كذلك
- ما الذى حدث؟
- أنت تعرف الذى حدث.. أفسدتَ كل شىء وعليك إصلاحه
- أنا تحت أمرِكم
- بعد ماذا؟ لا نعرف كيف نعيش، التليفزيون والإذاعة والصحافة وأنت… كل ذلك من علامات الساعة، تلوحون للناس بالأمل ونجنى نحن الشقاء، كانت حياتنا مثل الساعة، لا تؤخر ولا تقدم، تِكْ .. نصحو..، تِكْ.. ننام، تِكْ.. نأكل، تِكْ.. نقرأ، تك.. نقبض، تِكْ.. نصرف…إلى آخره إلى آخره
- وما آخره؟
- كل ما يتصوره عقلك… ماذا تريد أن تقول؟
- تِكْ.. نموت
- وماذا فى ذلك.. تِكْ نموت!.. تِكْ نموت، هذه هى آخرتها
- ولكن لا بد أن نعيش حتى نموت
- هذا هو الكلام الفارغ الذى أفسد عقول الشباب، والأدهى والأمرّ أنه كاد يفسد عقولنا نحن أيضاً
- يبعد الله الشر عنكم، وعن عقولكم.
- وكيف يبعد الله عنا الشر وهو بيننا يرعى؟ كيف يبعد الله الشر والأولاد ”يفكرون”؟ كيف… وهم يتعلمون أشياء غير ما تعلمنا؟ كيف.. وهم يرون أخاهم قد فقد عقله؟.. بفضلكم.
- بفضلنا؟
- أنتم الذين ترفعون الغطاء عن الأعين ثم… ثم… هذه هى النتيجة، الولد جن وتركنا، وضاع مستقبله.
- ربما ولد من جديد.. وانطلق يبنى.
- ماذا؟ ضاع مستقبله والحمد لله. ربما كان الآن أستاذاً بالجامعة على أقل تقدير، كنت أهيئة للوزارة، كان نابغة ليس كمثله أحد، منك لله.
- ولكنه الآن يعيش، يكتب ويعمل ويحب الناس.
- يحب الناس؟ من أين أصرف هذه العملة؟.. ونحن؟ منك لله.. ضاع الولد، كاتب مجهول.. يمكث فى القاهرة يوما وفى الجبهة عشرة، يعرض نفسه للهلاك دون إذن منى(!) لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم… إنا لله وإنا إليه راجعون.
قالت الأم:
- أكثر الله خيرك… لا تتضايق من زوجى فقد خاب أمله فى الجميع، أنا لا أنسى جميلك ما حييت، كاد الولد يضيع ولم تتخلّ عنه أبدا، صحيح أنه لم يحقق ما كنا نرجو، ولكن صحته بالدنيا.
- بل هى الدنيا… لا عليك، هل أستطيع مساعدتكما؟
- تستطيع.
- أنا تحت أمركما.
- زوجى مضطرب تماما، لا ينام ولا يصحو، دائم السخط والقلق، لا يستقر فى مكان، ولا نكاد نمكث فى زيارة خمس دقائق حتى يقوم كالمفزوع، وأحيانا يجرجرنى وراءه فى الشوارع بالساعات حتى بدأ الناس يتقولون عليه، وهو لا يأكل بانتظام، والأدهى والأمر أنه لم يعد يصلى، وصل سخطه ويأسه إلى أبعد الحدود.
- وأنت؟
- دعنى فى حالى، لم يأت الدور على بعد، أنا أقوم على خدمته وأسمع المصحف المرتل بقية الليل والنهار.. ضاع كل شئ… لا ولد ولا زوج ولا مستقبل، ننتظر الموت فى كل لحظة. ولكنه أصبح أغلى من كل ما انتظرناه، لم ننتظر شيئا وتحقق، حتى الموت، نمارس الوحدة والانتظار بلا رؤية.. ولا صبر.. ولا غد،… كل أمانينا ذهبت هباء.. فلماذا لا تتحقق آخر أمنية لنا – الموت..!! بينى وبينك أنا أؤمن أن هذا هو الحل الأوحد، ولكنه أمنية عزيزة… مثل كل الأمانى العزيزة… حين نريدها لا تحدث أبداً.
– لماذا كل هذه القتامة.. لقد أديتم واجبكم على أحسن وجه عرفتموه.. ربيتم أولادكم على قدر ما استطتعم.. وهم يكملون طريقهم وحدهم.
قال الأب:
- وحدهم؟… آه… هذا هو بيت القصيد.. وحدهم.. كيف يكملون الطريق وحدهم، وأنا الذى بدأت الطريق؟.. أنا الذى وضعت بذرتهم داخل أمهم، وهى حملتهم وهنا على وهن، وأنا الذى صرفت وربيت وعلمت، ثم يكملون الطريق وحدهم، إذن ماذا كنا نصنع؟ ضحينا بكل شىء، بأنفسنا، بحياتنا، لم نعش لحظة إلا لهم، لم نعش لأنفسنا إطلاقا، وفى النهاية يكملونه وحدهم… وماذا أصنع أنا بدونهم؟ ألعب الطاولة أو الورق على رصيف قهوة مهجورة؟ أنا لا أتقن شيئاً من هذا، أذهب للسباحة على الشواطئ بين العرايا والفاجرات؟ أحج؟ حججنا خمس مرات حتى منعوا الحج المكرر، ماذا نصنع نحن؟ لم يكن فى حياتنا غيرهم.. وأصبحنا فى سن لا تسمح لنا بالإنجاب. هل نتبنى أحد الأطفال فى آخر العمر نربيه بالطريقة التى تنصحونا بها..ثم نخبركم بالنتيجة؟. آه من كل هذا آه! لماذا لا تقوم القيامة؟
قالت الأم:
- أنت لا تعلم ماذا صنعنا لهم… ربما أفادك أن تعلم:
(1)
– بارك الله فيهم سوف أجعلهم أحسن الناس… أحسن الناس.
- يبقيك الله لى ولهم.
- ليس مثلهم أحد فى الدنيا.
- يبعد الله عنهم الضيق.
- سأقطع من لحمى لأربيهم.
- كل شئ بهم ولهم.
– ليس لنا وجود بغيرهم.
- إلا إبننا الصغير.. جوهرة ليس لها مثيل.
- كلهم أحسن من بعض.
- ربنا يحميهم.. هم أحسن الجميع.
- أحسن من كل الناس.
(2)
- الولد حرارته 39.
- يا نهار إسود.
- الطبيب قال انفلونزا بسيطة.
- أملى وحياتى.. ماذا أصنع بدونه.. روحى.. قلبى.. عقلى.. مستقبلى..
- المسألة بسيطة.
- ابنى حبيبى.. نحضر طبيبا آخر.. لا بد أن تهبط الحرارة الآن
- الطبيب نزل لتوه.
- أنا مالى.. هذا ابنى وليس ابنه.
- ننتظر حتى الغد.
- أولادى.. ليس لى فى الدنيا سواهم.. ماذا أنا بدونهم؟
(3)
– خط الولد مثل سلاسل الذهب.
- إبنى..!
- شهادتهم تفرح القلب الحزين.
- أملى.
- ربنا يبعد عنهم العين.
- ليس كمثلهم أحد
- هم كالكتاب الجيد ذو الورق المصقول
- تفتح الواحد منهم فيكرّ العلوم “كالمكنة”
- ماشاء الله
- عماتهم وأخوالهم يحقدون عليهم
- دائمو المقارنة بينهم وبين أولادهم
- ربنا يكفيهم الشر
- لن نزورهم بعد اليوم
- الحسد يأكل قلوبهم.. ألا يكفيهم أنهم أغنى مالا
- أولادنا هم ثروتنا.. ليس لنا شئ سواهم
****
وأنت - يا سيدى- تعلم بقية القصة، ربما سمعتها من ابننا الذى زارك فى الأول، أو من أمثالنا، أو من أمثاله، ولكن لابد أن تعرف وجهة نظرنا، عليك أن تسمعها قبل أن تحكم علينا
- ولكنى لا أحكم عليكم، أنا أعذركم، كان الله فى العون، لو كان فى حياتكم شئ آخر لما تدهور الحال هكذا.
- لا شىء آخر، ولا شىء أوّل، أنت تتحدث براحتك بعد خراب مالطة
- لا تتعجلوا.. ربما هى لم تخرب تماما، وإلا ما حضرتم
- ياليتنا لم نحضر.. ولكن ما العمل؟.. أصبحتم مقررين علينا مثل صفحة الوفيات فى الصحف.. متى تقرأ أسماؤنا فيها، ياليت!!
- ولكن كل ما حدث كان جزءً من محاولتكم
- تعزية لا معنى لها
- أنا معكم.. ولكن..
- كله من هذه ”اللكن” إما أنك معنا أو علينا
- الحياة لم ترحمكم.. لو أنكم أطمأنتم، لو أنكم شعرتم بالناس كأفراد منكم، لو أنكم أمنتم، لما انكفأتم على أولادكم هكذا، ولما حدث ما حدث، فالذى حدث لم يكن باختياركم تماما بل نتيجة ظروفكم
- يبدوا أنك لن تفهمنا أبداً.. إن الذى حدث قد حدث بالرغم مما عملناه لا بسببه، لقد أحببناهم أكثر من أنفسنا، بل إننا لم تكن لنا حياة أصلا إلا بهم
****
هذه هى بقية الحكاية
(4)
- ألم يئن الأوان؟
- بماذا يا بنى ؟
- أكمل نصف دينى
- دينك كامل والحمد لله.. أنت أول من تؤدى الفروض
- أتزوّج
- مازالتَ صغيرا
- عندى سبعة وعشرون عاما وأخشى أن أقع فيما يقع فيه الشباب
- لا تكبر نفسك
- أنا موظف منذ خمس سنوات
- ثم ماذا؟
- ليس عندى مليم
- ماذا؟
- مرتبى أعطيه لكم أول الشهر، وحالتكم المالية مستورة والحمد لله
- ولكنك تصرف أكثر منه
- أعلم ذلك
- إذا ماذا؟
– ماذا لو احتفظت بمرتبى ورفعت نصيبى فى ممصاريف المنزل؟
- هل قالوا لك اننا فتحنا فندقا
-هذا أوفر لكم
- ومن قال لك أننا نريد أن نوفر
- أريد أن أشعر بكيانى، مازلت آخذ مصروفا بعد خمس سنوات من التوظف!
- مرتبك لا يكفيك ملابس فقط
- أنا حر.. أنا على استعداد أن أجوع
- مجنون.. والله العظيم.. يغوى الفقر
………..
كنا نحبهم أكثر مما يحبون أنفسهم، نقبض منهم خمسة ونعطيهم عشرة… ولا فائدة
- أنا مصمم وانتهى الأمر
- سوف تلحق بك لعنتى
- لا أستطيع أن أستمر هكذا
- فسدت أفكارك من أصحاب السوء
- هى زميلتى فى العمل
- ضحكت على عقلك.. أنت لا تعرف شيئا
- أنا أعرف كل شىء عنها
- أهلها من السوقة
- ونحن؟
- ……
- أنت تستاهل بنت الملوك
- هذا كلام قديم والناس تقاربوا من بعضهم البعض بوسائل أخرى
- هل تعتبر أنك بحفظك عدة كتب فى الكيمياء والأحياء والزراعة.. أو بوظيفتك فى مركز الأبحاث قد عرفت الحياة؟
- أنت الذى حرّمت علينا قراءة الكتب
- كنت أخاف على عقلك من الفساد
- ثم تعيرنى بضعف ثقافتى
- البيت كان مليئا بكتب الدين والفقه، تقرأ فيها كما تشاء
- أنا أعرف الله خير المعرفة
- معرفته تكفى عما سواه
- ولكنها لا تمنع من القراءة
- كنت تريد أن تقرأ فى الحب والكلام الفارغ
- خلاياى تنبض بالجنس منذ خمس عشرة سنة ولا أعرف له مخرجا
-… صفاقة
- أريد أن أجد متنفسا مشروعا… أمارس فيه إنسانيتى
- تمارس ماذا؟… هل الجنس هو إنسانيتك
– هو جزء من إنسانيتى، أريد أن أستقل.. أشعر بكيانى
- طفل يلعب بالألفاظ
- عندى سبعة وعشرون عاما
****
وذهب إلى كندا… ولم يعد ، يقال أنه يتقدم تقدما علميا ملحوظا.. وأنا؟ أنا مالى.. يكتب لى كل عدة شهور، تزوج من أجنبية.. وأولاده لا يعرفوننا… منكم لله.. أفسدتم عقولهم
يرسل صورهم أحيانا.. صورهم تفرح.. ولكن أى فرح وبيننا بحور ومحيطات، ذهب الفرح إلى غير رجعة، ولن يعود.
الولد مات بالنسبة لى.. ولا قوة إلا بالله.. أحيانا أفخر به فى المجالس وقلبى يتقطع من الداخل، أفخر بما لا أملك.. كله منكم
والبنت أيضا.. لم يعد لها فى حياتنا أثر، قد تزورنا أحيانا.. وياليتها لا تفعل، لا أملك من أمرها حلا ولا ربطا منذ تزوجت.. هل تريد أن تعرف أكثر؟
(5)
- زميلى يريد مقابلتك
- لماذا يا بنتى ؟
- لا أعرف
- ألم تسأليه؟
- خجلت
- إذن … الأمر كما أظن
- أنت سيد العارفين
- أنا آخر من يعلم
- أنا لم أفعل شيئا
- لم نتمتع بخيرك
- أنا ابنتكم دائما
- خسارة تربيتى فيك
- أنا رهن إشارتك
- لعن الله يوم أن تركتك تكملين تعليمك
- ماذا…؟
- كنت تبقين بالمنزل تخدمين إخوتك أفضل
- غير معقول فى هذا الزمن
- كل شىء معقول أصبح غير معقول فى هذا الزمن
- الأمر أمرك
- لم يعد لى أمر ولا نهى، تطبخون الطبخة والأمر أمرى، حدثينى عنه
- هو أقدم منى بخمس سنوات.. على وشك أن يأخذ الدرجة الثالثة
- هكذا؟
- نعم
- أفكر.. على شرط
- أى شرط؟
- ألا تحبينه
- ألا ماذا؟
- ألا تحبينه.. لو أحببته فسيمسح بك الأرض، هكذا الرجال وأنا أعرفهم.. سيلعب بك الكرة.. ولن نأخذ منه حقاً ولا باطلا
****
كنا نعرف مصلحتهم أكثر من أنفسهم، كنا نخاف على مستقبلهم أن يضيع، وعلى أفكارهم أن تُشوه، وحتى على عواطفهم أن يساء استعمالها، وحين تأكدتُُ أنها لا تحبه وافقت على الزواج، ولكنها للأسف أحبته بعد الزواج، أكل عقلها ونسيتـْـنا..
كانت العلاقة طيبة فى الأول.. ولكنها لم تسمع النصح أبدا، كان لا بد أن تأخذ معهما خادمة من طرفنا نحن حتى لا تخرج أسرارنا لأهله. ولم تسمع
كانت أمها تدير لها شئون منزلها.. ثم لا يعجبها خدمتنا لها
كنت أنظـِّـم لهم ميزانيتهم بمالى من خدمة طويلة فى الحياة، يقبلون الفكرة على الورق، ويفعلون ما شاؤوا بعد ذلك
لم أعد شيئا بالنسبة لها.
لماذا أنجبتُها إذا؟..
هل كنت أعلـِّـمـها، وأسمنها، وأكبرها، حتى يأتى صاحب النصيب يلهفها منى جاهزة على السكين…؟
ماتت هى الأخرى.. تزورنا كلما تذكرت من باب الشفقة وأنا لا أقبل الشفقة.. ياليتها لا تعود تزورنا
****
وبقية الأولاد.. مثل سائر الأولاد
****
الوحيد الذى يشعر بنا.. وأشعر أنه يشعرنا بنا هو الصغير الذى تعرفه أنت، ذلك الصغير الذى جاءك من سنين يبحث عن معانى الألفاظ، نحن لا نناقشة فى شىء، ولكنه لا ينسانا أبدا.. يعطينا شيئا عميقا غريبا من الاهتمام والحنان.. ولكنى للأسف لا أشعر أنه يخصنا بهذا الشعور، إذن ما الفائدة؟ أحس أنه يعطى نفس الشئ لآخرين وآخرين، إذن ماذا اختص به أبويه، أحس أنه مجرد إنسان.. يحبنا مثلما يحب الناس.. وهو لا يكف عن حب الناس.. فماذا نحن فى حياته
- أنتم ناس
- نحن والداه..؟ مجرد ناس؟ نحن ربيناه بعرق جبيننا.. نحن حرمنا أنفسنا من كل شىء فى سبيلهم.. ثم يحبنا مثل كل الناس؟ ماذا فعل له الناس
- حبه للناس أنقذه من الضياع.. من الجنون
- تعنى… وحبنا له أورده الجنون
- أنا لا أعنى شيئا.. ولكنكم معذورون.. تربيتم بلا ناس بلا أمان لم يعطكم أحد حتى تعطوا، كنتم ملكا لهم وأردتم أن يكونوا ملكا لكم، عملتم كل ماعرفتم، أردتم أن يكون أولادكم أحسن الناس وهذا طبيعى، ولكنه هو، أراد أن يكون الناس أحسن
- أحسن منا؟
- لا..، أحسن مما هم عليه الآن
- ولكن طول عمرنا نعطف على المساكين
- الشفقة جميلة.. والزكاة واجبة، ولكن الناس تحتاج للحب.. للناس، أن يعملوا.. أن يحبوا، ثم يعملون فى أمان فتنطلق عواطفهم ويصبح البشر بشرا بحق
- ماذ تقول؟
– آسف أعنى أن الحياة تصبح أرحب إذا شملت كل الناس
- يا سلام! تريد أن تهدم الأسرة.. ويعيش الناس فى شيوع
- أنا لا أريد شيئا.. إن الأسرة هى الوحدة الإنسانية الأولى فيها تترعرع العواطف الكريمة، فيها يجد الإنسان نفسه مع آخر، على أن يكون آخر، فيها ينضج الأطفال فى أمان، الإنسان حيوان طفولته طويلة، وهو يحتاج إلى أب وأم وبيت ملئ بالحنان، لينطلق فيما بعد، أما إذا كانت الأسرة هى غاية فى حد ذاتها، إذا أصحبت بديلا عن العالم، إذا انتهت اهتماماتها عند عتبة الشقة، أصبحت مقبرة للإنسان ونكسة لتطوره
قال الأب:
- لا أفهم!
قالت الأم:
- ولا أنا!
– قلت لهم:
- لقد عملتم ما عليكم، وأولادكم بخير، سيحققون أمانيكم ولكن بطريقة أخرى،
ربما يزرع ابنكم الذى فى كندا البحر،
ربما تكتشف ابنتكم الطبيبة علاجا للسرطان،
ربما يجد ابنكم الأصغر – صديقى- لغة جديدة نفهم بها الانسان فهما أفضل،
سوف يكملون الطريق كلٌّ بطريقته..
وكله بفضلكم
أنتم الذين أنجبتموهم فى هذه الدنيا.. وصاحبتموهم على الطريق حتى تفرقت الطرق، وإذا كنتم لم تفهموا.. فإنهم قد فهموا.. لن ينسوا فضلكم.. وسيربون أولادهم أفضل.. إذا أكملوا الطريق الصحيح.
قالت الأم:
- ماعلينا، أولادهم سيعلمونهم معنى الأبناء، وربما انتقموا لنا منهم
- على كل حال، إذا فشلوا هم أيضا فى إطلاق سراحهم بدورهم دفعوا الثمن
- ولكن الآن… حالة زوجى يا دكتور.. هل نسيت لماذا جئنا إليك؟
قلت:
– يأخذ هذا الدواء ويعود إلى الصلاة، ولا ينسى أن الله يحب المؤمنين الصابرين، وأنه يسمح لنا بالرضا عنه، إذ يرضى عنا
قالت:
- أنت تقول هذا!!
قلت:
- نعم .
****