الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قراءة فى كراسات التدريب – نجيب محفوظ : الصفحة 34 الكراسة الأولى

قراءة فى كراسات التدريب – نجيب محفوظ : الصفحة 34 الكراسة الأولى

نشرة “الإنسان والتطور”

25-8-2011

السنة الرابعة

العدد: 1455

Mafouz & Yehia (1)

المقدمة:

مازلنا نحاول، المنهج يتخلق بنفسه، أولا بأولا،

 خذ مثلا فى هذا اليوم: وقد أحضر لنا وعى محفوظ التلقائى (التدريبات) المتنبى وهو يغمرنا، ليلحقه مباشرة بأم كلثوم وهى تطمئننا بتجديد الأمل فينا!!

 ثم لاحظ كيف كتب “أنستينى” بخط يده بوضوح بدلا من “أنستينا” أصل الأغنية

 ثم كيف تمت قراءة ذلك

 ثم ظهور اسمه وسط المتن وليس فقط فى أوله أو عند التوقيع،

 وكأننا نتدرج – بالمنهج – لنقرأ شكل التدريب وتنسيقه وما يبدو أنه أخطاؤه الكتابية ونبحث عن الدلالة فى كل ذلك كما نستلهم دلالة الألفاظ.

قدمت موجزا لهذه النشرة لتنشر فى صحيفة التحرير التى عدت أكتب فيها التعتعة أسبوعيا بديلا عن الدستور، وإذا بهم يعجزون أو يعتذرون عن نشر صورة خط يده علما بأن مجلة نصف الدنيا كانت تصر على نشر أحلامه بخط يده تأكيدا لحضوره واحتراما.

أسفت لذلك وكدت أعتذر عن مواصلة الكتابة لديهم لكنى آجلت هذه الخطوة حتى أختبر مدى صدق محاولتهم للتغلب على الصعوبة المزعومة.

ص 34 من الكراسة الأولى

 25-8-2011بسم الله الرحمن الرحيم

نجيب‏ ‏محفوظ

عيد‏ بأيه‏ ‏حال‏ ‏عدت‏ ‏يا‏ ‏عيد

يا‏ ‏ليلة‏ ‏العيد‏ أ‏نستينى

وجددت‏ ‏الأمل‏ ‏فينا

نجيب‏ ‏محفوظ

نجيب‏ ‏محفوظ

كل‏ ‏عام‏ ‏وأنتم‏ ‏بخير

نجيب‏ ‏محفوظ

 2/3/1995

 

القراءة:

نبدأ القراءة بالمتنبى، وقد سبق أن اشرت إلى إعجاب شيخنا بهذا الشاعر الفحل، وعدم مسايرتى له فى هذا الإعجاب برغم احتفائى بشعره وتحفظى على علاقته بسيف الدولة، وأظن أنى حكيت هنا (أو فى شرف صحبته) عن نقاشنا حول ذلك، وعن موقفى من كتاب طه حسين “المتنبى”،  ثم كيف رد عليه أستاذى محمود محمد شاكر بكتاب كامل بنفس العنوان”.

 البيت الذى بدا به الأستاذ معايدته لنا هو من “دالية” المتنبى، وهى توصف بأنها من أروع هجائيات الشعر العربى ، وبدايتها :

                عيدٌ بأيةِ حالٍ عدت يا عيد’ ……. بما مضى أم لأمرٍ فيك تجديد’

وقد اخترت من القصيدة ما خطر لى أنه يناسب ما أريد توصيله  بشكل أو بآخر، فخذ عندك :

أنظر كيف يصور المتنبى أنه: حين يشتد الأسى يصبح لا مبالاة أو بلادة.

أصخرةٌ أنا ؟ ما لى لا تحركنى …….. هذى المدام ولا هذى الأغاريد’

أو حين يتقزز الموت من نتن جثة فاسدٍ تفوح رائحته حتى بعد موته.

ما يقبِض الموت’ نفساً من نفوسِهِمو…….. إلا و فى يَدِهِ مِن نتنها عود’

أو حين يصبح السيد عبداً والعبد سيداً.

صار الخَصِيّ’ إمامَ الآبقينَ بها …….. فالحـر مستعبدٌ و العبد’ معبود’ (15)

نامتْ نواظير’ مِصرٍ عن ثعالبِها …… فقد بَشِمْنَ و ما تفنى العناقيد’ (16)

(بَشِمْ من الطعام أكثر منه حتى اتخم)

ولم أكن قد قرأت هذه القصيدة قبلا، وهى قصيدة قبحها صارخ شديد الجمال، لما فيها من عنصرية بشعة ضد السود، وكأن السواد فى حد ذاته سبة وعار، وحتى معايرته كافور بأنه خصى وهو لا ذنب له فى ذلك بل هو ذنب من فعل به ذلك، رفضتُها وشعرت بأن هذه القسوة هى الوجه الآخر لتدلههه الذليل فى حب سيف الدولة، وكلا الموقفين مرفوض عندى مهما بلغ شعره من قوة وفحولة.

وقد عثرت على من يجيب المتنبى عن مستهل القصيدة وهو يتساءل:

عيدٌ بأيةِ حالٍ عدت يا عيد’ …………… بما مضى أم لأمرٍ فيك تجديد’

وإن كنت لم أعثر على اسمه، وهو يقول للمتنبى واصفا حالنا وما صرنا إليه الآن.

يا شاعر السيف والقرطاس إن بنا  …….  أضعاف مابـك آلام وتنكيـد

دعني أجيبك ما للعيد تسألــه   …….  بأي حال أتى هل فيه تجديــد

بكل ما ألحقت أيدي الدمار بنا   …….  بكل فاجـعة قـتل وتشريــد

لم تبق مهلكة الا سقت وطنـي   …….  كأس الهوان وأغتيل الصناديد

شعب يباد وأرض تستباح ومن   …….  خلف الشتيتين أفاق وعربيـد

أعارنا جبنه العبري ثم مضـى   …….  يدكنا غضب يدعى عناقيـد

وما زال حكامنا يواصلون التدريب على أسلحة الشجب والتنديد بمهارة لا تبارى !!

لست أعرف لماذا يقلـّـبنا العيد هكذا؟  فتقفز آلامنا إلى السطح بكل أشواكها وقسوتها، مع أن المناسبة هى فرحة وتعاطف وتهانٍ ودعوات؟

قصيدتى الوحيدة فى العيد هى من أكثر القصائد إيلاما لى كلما أعدت قراءتها، وبرغم من أننى – بعيدا عن الشعر- أفرح بالعيد لما يعد به من تجديد آمال، وما يصاحبه من صلة رحم، ناهيك عن العيديات صغارا، وعن فرحتنا بلبس الجديد، وهو ما افتقدته فى شعرى، فهذه القصيدة تقول عكس كل ذلك:

-1-‏

مارتَّبَ ‏مهدى ‏قبلَ‏ ‏النومْ‏،‏

بعد‏ ‏النومْ‏.‏

ما‏ ‏مرّت‏ ‏‏كفٌّ  ‏حانيةُ‏ -‏غافلةٌ- ‏فوق‏ ‏الخصله‏ْ.‏

ما‏ ‏أعطانى ‏اللُّعبهّ‏.‏

‏……‏

فحملتُ‏ ‏الآلهْ‏،‏

حدباءَ ‏بغير‏ ‏علامهْ‏.‏

‏-2-‏

ما‏ ‏حاكت‏ ‏لى ‏جلباباً‏ ‏ذا‏ ‏صوتٍ ‏هامسْ.‏

لم‏ ‏يمسسه‏ ‏الماءُ‏ ‏الهاتكُ‏ ‏للأعراضْ‏. ‏

لم‏ ‏يتهدّل‏ ‏خيطـُـــه‏.‏

لم‏ ‏تتكسَّر‏ ‏أنفاسُــه‏.‏

‏-3-‏

‏ ‏صدّقتُ‏ ‏بأن‏ ‏الماحدثَ‏ ‏طوال‏ ‏العامْ‏،‏

يأتينى ‏الآن‏. ‏

لم‏ ‏يأتِ ‏سوى ‏الطيف‏ ‏الغامضْ‏.‏

‏-4-‏

أجرِى ‏بين‏ ‏الأطفال‏ِِ ‏وأرتقبُ‏ “‏العادهْ‏،‏

ذات‏ ‏بريق‏ ‏وحضورٍ‏ ‏وروائح‏ ‏وكلامْ.‏

يقطر‏ ‏ثدىُ ‏العمِّ ‏رحيقَ ‏الرُّضَّعْ‏.‏

أتلفع‏ ‏بُالورقةِ ‏تُدْفئنى،‏

تتمايلْ‏.‏

تتأرجحُ‏ ‏مثل‏ ‏الأيام‏ .‏

تتفتَّح‏ ‏أكمام‏ ‏الحبِّ ‏الآخرْ‏،‏

فأخاف‏ ‏النوم‏ ‏وصبحا‏ ‏يترَقَّبـُنـىِ.‏

‏-5-‏

أقف‏ ‏بذيل‏ ‏الصَّفِّ ‏وأفركُ ‏كفـِّى،‏

أيديهم‏ ‏فرحَه‏.‏

تبحثُ‏ ‏عن‏ ‏ظِلَّ‏ ‏البسمهْ،‏

وذراعى ‏مبتورهْ. ‏

تختبئ‏ ‏بثنيات‏ ‏الوعد‏ ‏الميّت‏.‏

أنزعُها‏..‏تنَزَعنُى. ‏

أهربُ‏ ‏من‏ ‏كومة‏ ‏ناسٍ ‏مختلطهْ.‏

أخرج‏ ‏من‏ ‏باب‏ ‏الدرب‏ ‏الآخرْ‏ ‏

‏-6-‏

‏ ‏دربى ‏بكرٌ‏ ‏فوق‏ ‏حصاهُ  ‏تسيل‏ ‏دماءُ‏ ‏القدِم‏ ‏العارِى. ‏

يتبعنى ‏الناسُ ‏الـمِثلى،‏

ليسوا‏ ‏مثلى.‏

من‏ ‏مثلى ‏لا‏ ‏يسلكُ‏ ‏إلا‏ ‏دربه‏،‏

يحفره‏ ‏بأنين‏ ‏الوحدهُ،‏

يزرع‏ ‏فيه‏ ‏الخطواتُ‏ ‏الأولىَ:‏

‏-‏دوماً ‏أولىَ‏- ‏

يَرْويهــَا ‏بنزِيفِ ‏الرّؤيْهْ.‏

تتفتح‏ ‏أكمامُ ‏العيد‏ ‏بلا‏ ‏موعدْ‏.‏

ذات‏ ‏بريقٍ ‏وحضورٍ ‏وروائح‏ ‏وكلامُ.‏

 

‏21/7/1982 ‏أول‏ ‏شوال‏ 1402‏

تكملة القراءة:

يلحقنا محفوظ بعد كل هذا الغم بحبيبتنا وحبيبته أم كلثوم تجدد فينا الأمل “يا ليلة العيد أنستينا وجددت الأمل فينا” إلا أننا نلاحظ أنه كتب “أنستينى” ولم يكتب أنستينا كأصل الأغنية، وبرغم أن شيخى لايأتنس إلا بالناس، إلا بنا، إلا بخلق الله، إلا أننى فرحت أنه استعمل صيغة المفرد هنا “أنستينى” خصوصا بعد بيت المتنبى، مجددا الأمل والأنس لنفسه، فيجدنا حوله فيزداد أنسه،

ثم لاحظت كيف أنه كتب “نجيب محفوظ” على غير العادة وسط الكلام بغير مناسبة ظاهرة، لا هى فى البدء كالعادة، ولا فى مكان التوقيع،  ثم ختم يحيينا بتحية العيد ودعائه: و “كل عام وانتم بخير”،

وهنا رجحت صحة قراءتى هذه: أنه ائتنس بنفسه فوجدنا فرحين بذلك ونحن حوله نحيط به كما أحاطنا باسمه، فحيانا وعيّد علينا ودعا لنا

“كلْ عام وأنتم بخير”

وأنت بالصحة والسلامة يا شيخنا الحبيب

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *