الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / تعتعة الحذاء الطائر، والبصقة العالمية، ومسئولية الفرحة !!!

تعتعة الحذاء الطائر، والبصقة العالمية، ومسئولية الفرحة !!!

“نشرة” الإنسان والتطور

27-12-2008

السنة الثانية

العدد: 484

تعتعة

الحذاء الطائر، والبصقة العالمية، ومسئولية الفرحة !!!

لا أستطيع أن أخفى فرحة مشاركة بهذا الحذاء الطائر، فرحة خالطتها فورا غصة رافضة لهذه الفرحة، ثم لحق هذا وذاك تأمل حرج مؤلم. صدّق أو لا تصدق أننى لم أشاهد هذا المنظر على شاشات التليفزيون حتى الآن، ولعل عزوفى ذلك كان مقصودا من داخلى، حتى لا أجَرْجَرُ إلى مشاركة فى فرحة مشبوهة لست راضيا عنها، صحيح أننى طلبت  من البعض أن يرسل  لى اللقطة  إلكترونيا لأشاهدها متأنيا بطريقتى التى شاهدت بها أوباما راقصا مع المذيعة الأمريكية وهى تصحبه إلى كرسى فى لقاء تليفزيونى، وأننى  التقطت من تلك اللمحة  الراقصة لهذا النوبى الأمريكى الرشيق أكثر مما وصلنى من كل تصريحاته، وكان يمكن أن ألتقط من وجه بوش أكثر من تعبيرات فردتىْ  الحذاء وهما تتلاحقان باصقة عليه، هكذا سمحت لخيالى أن يصور المنظر، وسوف أكتفى بالتعليق الموجز على بعض لقطات من صحف اليوم الذى أكتب فيه هذه اليومية: الجمعة 19 الجارى،

الرصين الرزين فهمى هويدى بدأ مقاله اليوم (وهو تكملة لمقال أمس) هكذا: “أصعب ما قرأت فى التقارير الصحفية التى تابعت حدث قذف الرئيس بوش بالحذاء، أن جهات التحقيق شغلت بالبحث عن حالته النفسية والعقلية، ..إلخ . شاركته رفضه تماما، فكم  نبهت إلى الإهانات والجهل والغباء وسوء الاستعمال التى تُتًَناول بها ما يشاع من معلومات متعلقة بتخصصى، من أول حادث بنى مزار حتى مقتل  نادين وهبة.  بالله عليكم: أيهما أحق بفحص قواه العقلية؟ القاذف أم المقذوف؟ بل  إننى أرفض ابتداء تبرير القتل والإبادة، أو حتى الخروج عن العرف والتقاليد، بلصق أسماء أو سمات أمراض مرضاى عليها، فأنا  أحترم مرضاى وأعلم أنهم أرق وأنبل من قسوة هذا المقذوف المسخ البشع،  قاتل الملايين من الأبرياء فى ديارهم، وهو يزعم أنه  يعلمهم ألف باء الكرامة والحرية، هذا الشاب الغاضب تقمص كل ناس الأرض فى لحظة فارقة،  فاض به فأرسل بصقة فى صورة حذاء على هذا المتبلد الذى أضحك العالم بغبائه القاتل ثمانى سنوات ضحكاً أكثر إيلاماً من كل بكاء، ثم ها هو لا يخجل أن يعتذر – وهو يغادرنا–  بنفس الغباء،  وكأنه نادل يعتذر لزبون لسع لسانه بحساء ساخن،

ومع أننى فهمت غضب هويدى  القاسى، إلا أننى توقفت عند قوله: “..ولا أخفى شعورا بالقرف والرثاء إزاء الذين انتقدوا ما جرى …..”  ثم حدَّدَ ذلك: ” … فى العالمين العربى والإسلامى…إلخ”، الرثاء جائز، أما القرف يا أستاذ فهمى فهو غير جائز، ثم إن الفرحة لم تكن قاصرة على العالم العربى والإسلامى، أنا لم أميز –مثلا– فرحة إسلامية أو عربية فى الصورة المنشورة بالوفد اليوم عن: “..مظاهرة بالشموع أمام القنصلية الأمريكية فى لاهور..” الصورة تتصدرها فتاتان جميلتان، تحملان صورة الزيدى بيد، وشموع جميلة أيضا بالأخرى، توقفت عند مغزى الشموع، ووجهىْ وعيون الفتاتين الجميلتين، وتصورت أن هذا المنظر الرقيق هو ترجمة لموقف عالمى آمِل وراء الفرحة بمعنى هذا الحذاء الطائر، إنه تعبير عن الرفض الساخر لكل القتلة السفلة الأغبياء، جنبا إلى جنب مع التلويح بأمل واعد (الشموع) لإنارة الوعى البشرى كله من خلال هذه الرسائل، العالم كله يعلن احتقاره  لهذه السنوات الدموية التى قادها هذا الغبى المتبلد، لكنه يضىء الشموع تحملها هذه الوجوه الجميلة، تعبير وصلنى أبلغ ألف مرة من صورة “الوقفة بالأحذية للتضامن مع الصحفى العراقى أمام نقابة الصحفيين عندنا”.

أختم هذا التعليق المؤقت مضطرا، بذكرى صورتين حذائيتين دالتين: الأولى للرئيس خروشوف فى الستينات وهو يلوح بحذائه ثم يضعه أمامه فى اجتماع رسمى للأمم المتحدة، والثانية لعجوز مصرى جميل كان بجوارى حاجّا فى المزدلفة، حين خلع حذاءه بعد الانتهاء من قذف الجمرات، وراح يقذف إبليس، وهو يصيح غاضبا ” خذ يا بن الـ  …” (كلمة لا تكتب) – (طردت من مخيلتى قباقيب شجرة الدر، وحذاء أبو تحسين على تمثال صدام)

رجعت إلى فرحتى المكتومة بحادث الحذاء الرمز، باعتباره  البصقة الغاضبة العالمية، فتأكدت أنها  ليست “ابتكارا عراقيا” كما قال أسامة عكاشة فى “وفد”  هذا الصباح ، بل هى تعبير عن  احتقار عالمى (وليس فقط عربيا أو إسلاميا)، يعلن موقف الناس – كل الناس- من هذا المسخ الغبى القاتل، ثم فهمت رفضى فرحتى وفرحة الناس أنه خوفا من أن تكون هذه الفرحة هى تفريغ عاجز، لا أكثر.

لا أحد يستطيع أن يكتم فرحته بهذا الرمز، ولكن لا يصح أبدا  أن نفرح بفرحتنا  إذا لم تدفعنا  فورا  لنعمل ما يترجم هذه البصقة إلى فعل قادر على التغيير عندنا وعبر العالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *