الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / عودة إلى ملف الإدمان: الحق فى الألم: ضد الرفاهية

عودة إلى ملف الإدمان: الحق فى الألم: ضد الرفاهية

“نشرة” الإنسان والتطور

11-11-2008

السنة الثانية

العدد: 438

 

عودة إلى ملف الإدمان:

 

(سوف نكرر فى كل مرة:  أن  اسم المريض والمعالج وأية بيانات قد تدل على المريض هى أسماء ومعلومات بديلة، لكنها لا تغير المحتوى العلمى أو التدريبى).

الحق فى الألم: ضد الرفاهية

بعد أن فوجئنا من خلال عرض استجابات المشاركين فى لعبة الفرح “بحقيقى” أن الأغلبية أدركت، وأقرّت أننا لا نفرح بحقيقى، قررنا أن نؤجل مناقشة الاستجابات حتى نجرى بعض الاحصاءات ولو بطريقة تقريبية.

 وإذا كنا اكتشفنا أننا لا نفرح “بحقيقى”، فنحن أيضا “لا نحزن” بحقيقى (وسوف نقدم الاستجابات على هذه اللعبة أيضا لاحقا)

أما اليوم فالسؤال –من خلال حالة إدمان- يقول:

هل نحن نتألم بحقيقى؟

 وهل يوجد شىء اسمه الألم الخلاق، الذى هو “لزوم النمو”؟

منذ نشرنا مقتطفات من حالة مدمن فى نشرتى 23/10/2007 &  24/10/2007، عن “أدمغة المدمن ومستويات الوعى” وأنا أحاول أن أنظم نفسى لأقدم حالات حية من واقعنا الخاص، وقد قمنا بجمع حالات الإدمان التى درست بالتفصيل وقدمت فى لقاء علمى تدريبى خلال الثلاث سنوات السابقة، وقد زادت حتى الآن عن خمسين حالة، وقد كلفت بعض زملائى الأصغر بمراجعتها، فقاموا، ويقومون، بذلك مشكورين.

وحين قررت أن أعود إلى فتح ملف الإدمان من جديد طلبت من السكرتارية أن تحضر لى أية حالة (عشوائيا)، رحت أقلب الصفحات وأعدها وفوجئت أن هذه الحالة تشغل ما لايقل عن 40 صفحة، وهى عبارة عن:

(1) مجموع ورقة المشاهدة Sheet،

(2) عرض موجز الحالة،

(3) ثم المناقشة،

(4) ثم تعقيب الأستاذ

(5) ثم مقابلة المريض (المدمن)

ثم أخيراً (6) تعقيب نهائى

أثناء اللقاء العلمى – وبالرجوع إلى عينة أخرى من الحالات وجدت أن أغلبها يزيد صفحاتها عن هذا العدد حتى يصل إلى الخمسين صفحة.

 ما العمل ؟

بديهى أنه يستحيل تقديم الحالة كما هى، خاصة وأنه سيضاف إليها ما تيسر من تعليقات تصاحب نشرها للكافة، مختصين وغير مختصين .

حاولت أن استغنى عن أية تفصيلة من تفاصيل الحالة فوجدت أنها ستحدث نقصا يخل بالمراد توصيله بشكل أو بآخر،

 رجعت إلى كتاب نشر حديثا بعنوان “ربع جرام” وقد لقى ترحيبا مناسبا، ووجدت أنه يقدم حالة واحدة استغرق عرضها “روائيا” أكثر من  400 صفحة (1/4 جرام تأليف خالد يوسف، 2008)

ما العمل؟

كما اعتدنا فى هذه النشرات لا مانع من التجربة، بل لابد من التجربة،

 ومع مواصلة الحوار وتلقى التعقيبات ودراسة المحاولات الأولى أعتقد –أو آمل على الأقل- أن نصل إلى المنهج المناسب

قدرت أيضا أن تقديم الحالات التى لدينا كاملة هكذا ربما له فائدة معرفية ووقائية، وتدريبية تكمل ما يردنا من “استشارات مهنية” نرد عليها بما تيسر من خبرة ورأى .

خطر لى أن نركز فى  تجربة اليوم على المقابلة مع المريض (المدمن)، ثم نعود لشرح مغزى هذه المقابلة وارتباطها بتاريخ المريض (المدمن) وأحواله، وذلك بعد موجز غير واف.

طريقة العرض:

الحلقة الأولى : (اليوم)

أولاً: نص المقابلة مع المريض

الحلقة الثانية: (غداً)

ربط المقابلة والتعقيب بما جاء فى المشاهدة وبعض المناقشة .

الحلقة الأولى:

بعد أن شرح الزميل الأصغر أسباب تقديمه الحالة، وبعد ملاحظات الاستاذ على موقف مقدم الحالة وسبب اختياره لها، وبعد تعليقات بعض المشاركين فى اللقاء العلمى التدريبى، تبين أنه بالرغم من الإزمات والنكسات والتاريخ العلاجى الفاشل، لهذه الحالة (18 مرة دخول مستشفيات منها خمس مرات فى نفس هذه المستشفى التى يقدم منها الحالة الآن)، وبرغم سلوك المريض (المدمن)[1]  المضاد للمجتمع، والتحديات التى يمكن أن توصف بأنها لا أخلاقية، إلا أن أغلب، إن لم يكن كل ،من التقى به فى التقييم أو العلاج لم يستطع أن يرفضه، بل إن مقدم الحالة، والمشرف على علاجها، وبعض من يعرفه أكثر، أقر كل منهم على حده، بأنه حاول ألا يحبه فلم يستطع، خذ مثلا كلام مقدم الحالة (أ.عبده):

“رغم ان العيان دخل مستشفيات كتيرة قوى، دخل حوالى 18 مرة، وإنه مش متعاون، وطفل شويه، لكن برضه الواحد مابيعرفش يكرهه، يعنى ممكن متغاظ منه شوية

د. يحيى : ما هو الغيظ ده نوع من الحب برضه.

أ.عبده: لأ اتغظت من موقفه شوية، هو ليه مابيخفّش يعنى ؟

د. يحيى : هو انت خايف تقول انك بتحبه وهوه بكل الوساخة دى؟

أ.عبده: مش عارف

د. يحيى : لأنك لسه بتحبه، عمال بتراجع نفسك، بس مش قادر تكرهه!!، المراجعة غير التراجع

أ. عبده: راجعت نفسى لكننى لم أستطع أن أتراجع عن حبه الغبى”

ويقول أحد المعالجين بعض الوقت أ.صابر :

“أنا برضه ماعرفش ليه باحبه جداً، وماكنتش مصدق طول الوقت الحاجات اللى بيعملها اللى جت فى تاريخه، حاسس انه بيعملها من بره حاسس ان هو ده مش عادل

د. يحيى : يعنى إيه عادل مش عادل ؟

أ. صابر :  حسيت حتى انى مسامح حتى فى الحاجات اللى بيعملها، كنت مسامح فيها، وده مختلف عن انى بابقى متغاظ خالص من الحاجات دى

د. يحيى:  مش فاهم

أ. صابر : يعنى طول الوقت وأنا بقرأ الحاجات اللى بيعملها عادى مسامح فيها مش هو ده بيعملها كده يعنى، بيعملها رد فعل لحاجة “

د. يحيى:  مش ضرورى.

…..إلخ.

* * * *

الصياغة السيكوباثولوجية (الإمراضية)

(كتبها د. نبيل القط، رئيس قسم الإدمان بالمستشفى)

ينتمى المريض إلى أسرة متماسكة إلى حد ما، صاعدة من الطبقة المتوسطة الى الطبقة المتوسطة العليا، مرسية قواعد وآليات لدعم تماسكها الاجتماعى والاسرى، ودعم نجاح اعضائها (أب ناجح فى عمله، ام ناجحة واخت ناجحة) ولم يكن ليتم ذلك دون دعم متبادل من اعضاء الاسرة، (قيمها النجاح والمال والراحة والتفويت ثم التدين المحسوب).

وقد اختارت هذه الاسرة مسارات مختلفة ومتناسبة مع التحولات الاجتماعية الاخيرة فى مصر، وكانت هذه المسارات من الحياة الشبة غربية والباحثة عن الحرية الشخصية والاستمتاع، إلى الحياة الدينية المعتدلة مع الاحتفاظ بروح اسرية هادئة ومتماسكه وايضاً باحثه عن المتعه المحافظة (الغداء خارج المنزل والسفر السنوى)، فاين اذن نجد جذور هذا المرض الفائر والمزمن والمقاوم للعلاج؟

شاع تناول الخمور والحشيش فى الاقارب والاسرة (الأب وأقاربه والأم لفترة قبل تدينها) ووجود ميل الى حياة الرفاهية والمتعة (هو معروف فى اوساط المدمنين بوجود جاكوزى بالبيت) وربما شكل هذا وسطا مناسباً لميل المريض الى المتعة وعدم الإلتزام والتمرد وربما كان للتحولات الدينية والاجتماعية للأب والأم (بعد فترة الحرية شبه الغربية) مع بقاء درجة سماح عاليه بتعاطى المخدرات والعلاقات الجنسية المتنوعة دورا فى اثارة ارتباك داخل منظومة المريض المعرفية والاخلاقية، مع ميل الى الضعف والاعتمادية وضعف القدرة على الإنجاز وميوعه الحدود.

 هناك عوامل أخرى، وهى ظهور أعراض مبكره (منذ الطفولة) من فرط الحركة واضطراب الانتباه، ولم يتم التعامل مبكرا مع هذه الاعراض بشكل مناسب واكتفى الأب والأم بالحلول المالية والدعم العشوائى الذى لايسمح لنمو شخصية جيدة ومن ثم السلوك المرضى باللجوء للمخدرات والتصرفات المضادة للمجتمع والتخلى عن المسئولية، ويبقى سؤال آخير، ما هو دور مرض السكر المبكر فى تطور المرض وهل ياترى دعم هذا ميل المريض الى الإستمتاع المبكر بالحياة مع التمرد (احتجاجا، أو استعجالا).

المقابلة مع المريض (بعد قراءة المشاهدة والاختبارات النفسية والمناقشة المبدئية):

د. يحيى: ازيك يا عم عادل . . أنت عارف اسمى

عادل (المريض): آه

 د. يحيى: هو أستاذ عبده هوّا اللى قالى  اسمك عادل،  انت يا عادل حيرت الأولين والآخرين، حيرت الناس ياراجل، 18 مستشفى ، و700 طريقة علاج، ولسه قادر ترسم على وشك ابتسامة رايقة عمال تخدع بها الناس يا شيخ خلى بالك، كلهم إلا أنا، إيه رأيك؟

عادل: اللى تشوفه

 د. يحيى : فيه حيرة حقيقية يا ابنى حيرة علمية ، حيره عملية، بالنسبة لعلاجك، واحنا متلمين دلوقتى عشان كده، عايزين نستوضح بعض النقط يمكن تساعدنا فى المرة دى ، هى دى المرّة الـ 18 ، ولا الـ 19

المريض : الـ 18

د. يحيى: يبقى دخلت 17 مرة وديه الـ 18 ، دى لوحدها حقيقة دمها تقيل احنا مسئولين عن 5 منهم، احنا وانت معانا، والباقى بقى حانشوف تفاصيله، إنت خدعت معظم اللى حواليك حتى أمك أو بدءاً  من أمك وبرضه خدعت جزء من أبوك، مظهرك الخارجى ده فيه خبث جذاب، فاضطروا يحبوك ولو انك ماتتحبش ماتساويش بينى وبينك تلاتة تعريفة، إيه الحكاية بالظبط

عادل: يعنى

د. يحيى : فيه رسالتين بيوصلوا منك لكل الناس اللى حواليك تقريبا لحد النهاردة

المريض : إيه هما

د. يحيى : الرسالة الأولى: لعبة رشوة العلاقات الظاهرية قوام قوام كده من غير شغل، والرسالة التانية الوسخة اللى جواك ، فيها حاجة بتخليك توصل للناس زى العسل . يقوموا يحبوك

المريض : المظاهر

د. يحيى : إنت بتلعبها بطريقة تلقائية من غير قصد، فنتلخبط احنا بقى ونوديك فى ستين داهيه، واحنا نطلع خيبانين، ده تقريبا اللى انتهينا إليه بعد دراسة الحواديت والأوراق كلها دى، نعمل إيه فى ده يا ابنى؟ أولاً هو أنا وصلت لك الفكرة اللى انا باقولها دلوقتى؟ هىّ صعبة أنا عارف!

المريض : وصلت الفكرة، بس فى كل الـ  18 مرة دول ولا مرة أنا دخلت بإرادتى

د. يحيى: يا عم سيبك من حكاية ارادتى ومش ارادتى والكلام بتاع التليفزيون ده انت خطر على نفسك وعلى غيرك، ثم إن اللى بيخش من غير ارادته ساعات بتبقى فرصته أحسن، انت عارف كل واحد فينا له كام إرادة؟ يا شيخ احنا عايزين نخلّق الإرادة اللى بينا دلوقتى، عاوزين نوصل لك إن اللى عايز يبقى بنى آدم بإرادته أو من غير إرادته لازم ينتهز الفرصة ورا الفرصة، وده  اللى احنا محتاسين فيه دلوقتى، بنحاول نقدم لك السكك ، ولو فشلنا انت اللى حاتدفع التمن، واحنا كده ولا كده واخدين فلوس، يا شيخ حرام عليك

المريض : وديه ليها حل ؟

د. يحيى : ضرورى اذا ماكنش ليها حل يبقى القرش اللى بناخده حرام، قعادك هنا حرام، أمل أبوك وامك فينا حرام يبقى بنخدعهم، ياشيخ ربنا موجود، حتى ربنا إنت لعبت معاه نفس اللعبة انت وأمك، كله سطحى سطحى، حتى الجنة منشنين عليها، ماهى مافيهاش شغل.

المريض: انا احترت والله

د. يحيى : لا يا خويا إحنا عاوزينك تتوجع مش تحتار، يا ما احترت، 18 مرة، عمال تحتار وتندار، وخلاص

المريض : والله احترت

د. يحيى : احنا نحتار عشان خيبتنا، فشلنا، انت تحتار بتاع إيه؟ إنت مصمم

المريض : انا مابقيتش شايف انى ينفع أبطل.

د. يحيى : يا ابنى ينبغى أن نغير اللغة، القاموس اتملى حيره وخيبة، الألفاظ دى استُهلكت، انتهى عمرها الافتراضى: “احترت” انا “تحت أمرك”، ما اعرفش إيه؟ انت سامعنى يا عادل، أنا شايفك سرحت تانى

المريض :لأ أنا باسمع 

د. يحيى : يا أخى يعنى أنا عمال أتشال واتحط وانت رايق وبتبتسم

المريض : لأ مش مبتسم ولا حاجة ، ده اللى حصل يعنى

د. يحيى : مافيش يعنى

المريض : إنت بتزعقلى ليه ؟

د. يحيى : عشان تشاركنى يا أخى

المريض : لأ ، ماتزعقليش

د. يحيى : ليه عشان ايه مازعقلكشى

المريض : ماحبش حد يزعقلى

د يحيى : أمال أشتغل انا ازاى ؟

المريض : بطريقة تانية، بالراحة

د. يحيى : لأ  بأه، ماتعلمنيش شغلى، أنا اشتغل زى ما أنا عارف صنعتى، وانت تتصرف

المريض : طب ماشى

د.يحيى: أبوك عنده كام سنه

المريض : 59سنة

د. يحيى : أنا بشتغل الشغلة دى لما كان أبوك عنده 9 سنين، باشتغل الشغلة دى بنفس الطريقة والعيانين بيخفوا، أعمل إيه. ياعادل يا ابنى أنا مش شايف بحقيقى، إنك موجوع لا من اللى انت فيه، ولا الوجع الأصلى، دى بدايتنا إن احنا نشوف وجعك، زى ما يكون حد سرقك ودى المصيبة، حد سرقك وانت استسلمت الناحية الثانية

المريض : انا كان حد قالى انت مش حاينفع تبتدى إلا من النقطة اللى تتوجع منها

د. يحيى : أنا ماليش دعوة بالحد ده، دلوقتى، احنا مش عايزين رص كلام، أنا وأنت هنا ودلوقتى، انت صعبان علىّ ، بصراحة ماانتش شايف وجعك، زى مايكون أنا موجوع لك، أنا أسف معلش يمكن الموضوع مش واضح قوى فى اللحظة دى، الوجع اللى انا باتكلم عليه جوه قوى، انت بصفتك بنى آدم لازم افترض انه موجود، أنا مش شايف وجع بصحيح، الموقف الصعب اللى احنا فيه علميا، ومعرفيا ومستقبليا، موقف شديد الصعوبة، ولكن مادام ربنا موجود يبقى نشتغل

المريض : يعنى انت عاوزنى ابتدى من نقطة ان أنا أتوجع؟ لازم اتوجع الأول ؟

د. يحيى : لأ مافيش حاجة مصنوعه، أنا مش عايز حاجة، أنا مش عايزك تسمع الكلام اللى أنا باشاور عليه وخلاص، انت ياما عملت حاجات مصنوعة كتير بما فيها المخدرات، المخدرات ديه عواطف مصنوعة، دماغ مصنوع، أنا مش عايز منك أى حاجة معينة، أنا عايز أمد إيدى أنا وانت نشوف اللى موجود، هل تتصور ان وجعك مش موجود جوّ جُوَّاك، وان أنا عايزك تتوجع

المريض : ما هو موجود، بس مش عارف أطلّعه

د. يحيى : بالظبط، أهو ده اللى احنا بندور عليه، أنا مش عايزك تتوجع، عايز أخلى اللى موجود فيك يوصلك، فيوصلنى، وأظن إن ديه بداية حقيقية أنا مش شايف وجعك بصراحة، على الرغم من إنى أنا اللى بافترض إنه موجود، بس لسه مش واصلنى

المريض : وانا مش شايفه انا كمان

د. يحيى : نفترض انه موجود

المريض : هو موجود أكيد، مافيش إنسان مش بيتوجع

د. يحيى: حتى فيه حاجات يا ابنى كثيرة انت قلتها مالهاش أساس، زى انك انت رفيّع، وانت مش رفيع ولا حاجة، زى شكلك ما اعرفش إيه، وانت وسيم وزى الفل، يبدو ان فيه غلطة بين اللى موجود وبين الصورة اللى اترسمت فى دماغك عنك، خدت بالك؟  فيه حاجز، حاجة كده حصلت، حاجز بينك وبينك . . ..، وصلك الكلام ؟

المريض : مش فاهم آخر نقطة دى

د. يحيى : زى ما يكون حصل حاجز بينك وبينك، بين اللى موجود وبين اللى سمحت انه يطلع

المريض : غريبة!!  أنا صدقت الكلام ده فعلا

د. يحيى : مش عارف ، مش متأكد

المريض : لأ أنا مصدقه

د. يحيى : مصدق ايه

المريض : مصدق موضوع ان أنا فى حاجز بينى وبين نفسى، وان أنا مش عارف هو أنا أى واحد فيهم بالظبط، ساعات أبقى كده وساعات أبقى كده على حسب الحالة.

د. يحيى: يا ابنى كتر خيرك إنك قلت أنا مش فاهم، طبعا أنا طبعا أنا ما اقصدش حكاية ساعات ساعات دى، انت بتقولها بطريقة أبسط، كتر خيرك، لكن احنا بندوّر على فرصة لبداية جديدة، من غير وعود، ياللا نبدأ من نقطة الوجع دى، بصراحة ابتسامتك اللى بتضحك بيها على الناس هى ضمن الحاجز ده، هى اللى نرفزتنى، ابتسامتك القبيحة دى هى اللى بتصد الفرص.

المريض : ممكن يبقى فيه فرصة، ليه لأ ؟

د. يحيى : الكلام ده اتقال قبل كده ميت مرّة،عايزين حاجة مااتقالتش، عايزين حاجة تتعمل دلوقتى، تسمح للوجع إنه ياخد فرصة، يمكن يطلع انه مش وجع من اللى بيخوف قوى كده، اللى بيسحق بمجرد ما نجيب سيرته، وجعكك فى حضورى وحضورك مع بعض حاجة تانية.

المريض : أنا بينى وبينك ساعات باشك ان مافيش خلاص، ان مافيش فرصة، ساعات بس بحاول أضحك على نفسى وأقول ينفع

د. يحيى : هوّ إيه اللى ينفع؟ انك تشوف وتشك وتضحك على نفسك، وبعدين تشوف وتشك وتضحك على نفسك، تلات مراحل عمالة بتتكرر، والدكاترة والمعالجين يصدقوك وانت بتلعبها باستمرار يمكن عشرة اتناشر تلاف مرة، وعلى فكرة أنت من قبل ما تضرب بتلعبها هيه هيه

المريض : من قبل ما أضرب!؟

د. يحيى : من قبل ما تضرب بتشوف وتشك وتضحك على نفسك، فاكر لما أبوك ربطك بالسلسلة الرجل الطيب الجميل جدا جدا الوديع جدا جدا جدا المحبوب جدا جدا، المضحى جدا جدا جدا ، زى ما بتقولوا طب هوّا الحكاية قديمة قوى يا عادل.

المريض: يعنى

د. يحيى : شوف يا عادل، أهو  ابتسامتك رجعت تانى

المريض: لأ مارجعتش

د. يحيى : انت بتضحك على نفسك، انت عارف لما بترجع باحس انك  بتبعد، اللى جوه مابيبقاش فى المتناول  خالص، مابيفضلشى غير البتاعة دى، وايه ملعوبة كويس، بتمْلاك خالص، ابتسامة ملانة، دماثة، ودعوة وحاجة زى انتباه من برّه برّه، وكل ده يا عادل بيبّعد، وبعدين الوسخ بيكمل، فيه عادل وسخ، وفى عادل بحق وحقيقى.

المريض : آه

د. يحيى : الابتسامة ديه يعنى كريهه كره، بصراحة ساعة لما بتظهر، انت كلك بتبعد، وسخ وغير وسخ، أنا مش عارف بتخدعهم ازاى؟

عادل: يعنى

د. يحيى : تيجى دلوقتى تقايس ونسمح للوجع انه يطلع، ولو بصّه،. ولو ثانية، كده من غير سبب، من غير تفسير، من غير كلام حتى …

المريض: اسمح بالوجع انه يطلع ؟! يعنى إيه؟

د. يحيى : أهو كده والسلام ، اللى موجود وخلاص، من غير سبب ومن غير تفسير، ومعايا، إذا كنت شايف وجعى، ولا أنا ماليش وجع ؟

المريض : ازاى مش فاهم !

د. يحيى: يعنى أنا مش بنى آدم

المريض : آه أكيد بنى آدم

د. يحيى : يبقى عندى وجع دلوقتى ، ولا إيه رأيك؟

المريض : أكيد فيه أى حاجة قديمة

د. يحيى: ليه قديمة ؟ هوا حايروح فين، باقولك من غير سبب، بقولك دلوقتى،… الله!

المريض : آه ، دلوقتى، مثلاً ، ممكن

د. يحيى: طيب

المريض : بس مش حاتبقى حقيقة أوى، يعنى لو اتوجعت من غير سبب هاتبقى، يبقى دى حقيقية ، أنا؟

د. يحيى : هوا دا الأصل، قبل ما بسرعة نلزقه فى حاجة تبرره، ده حقك، مادام اتولدت يبقى تتوجع عشان تكبر، وتعمل علاقة أو أى حاجة عشان كده بقولك معايا، مع وجعى.

المريض : مش عارف اعمل ايه يعنى دلوقتى.

د. يحيى: أنا باعزم عليك بحاجة محددة بسيطة لكن صعبة جدا، أنا متصور إن أهلك ما عندهمش فكرة عن ده من أصله

المريض : عن اللى واجعنى

د. يحيى : لأه، عن الوجع اللى عمره ما طلع، ولا حتى ياعينى عند أبوك ولا أمك أيها فكرة عن لزومه، أنا بجد مش عارف كانوا خايفين منه ليه، مع ان هو خلقة ربنا، طول ماهو بعيد وملغى، يبقى شديد أكتر، ويتقلب حاجة تانية

المريض : أنا أخاف أتوجع

د. يحيى : صح ، لأنه بعد ما اتكتم زاد عن حده أوى أوى، بقى بيخوف، وأظن انت بتخاف تتوجع لأن لما بتيجى تتوجع تلاقى نفسك لوحدك، ماحدش يقدر يتوجع لوحده يا عادل،  ينسحق، عشان كده قولت لك معايا، حاول على قد ما تقدر، عندك كل الحق انك تخاف تتوعج، بس ياترى صدقت انى باحاول معاك، على الله الخوف يقل شوية صغيرة، أو يطلع سنه صغيرة على قدنا دلوقتى، برضه من غير أى سبب ولا هو ليه علاقه مباشرة بالادمان ولا بالضرب ولا بالمستشفيات ولا بأى حاجة، هو له علاقة بعادل بحق وحقيقى، عادل زى ما ربنا خلقه .

المريض : فترة صمت (طويلة دقائق حتى قال:) . . .  أنا اتخنقت كده

د. يحيى : قلنا من غير كلام

المريض : فترة صمت أخرى (دقائق أخرى، حتى قال:) . . . ينفع كده.

د. يحيى : بس شايفك خايف

المريض : مش أوى

د. يحيى : هوّا إيه اللى ينفع

المريض : بقول ينفع اللى أنا عملته كده، أنا حاولت بصراحة

د. يحيى: أنا مصدقك، ما هو مافيش حل تانى، أنا متهيألى أبوك عمره ماسمح لك  بده، هو يوجعك معلش، أبوك عمره ماسمح لنفسه ولا لأمك، ماقدروش يستحملوا ألمك، يستحملوا وجعك، لأنهم همّ نفسهم ما استحملوش نفسهم، أنا آسف، احنا غوطنا الظاهر قوى

المريض : شكراً 

د. يحيى: مع السلامة

– انتهت المقابلة

* * * *

وغداً نأمل أن نضيف جزءاً آخر !! من المعلومات والنصوص عن نفس الحالة، ربنا يسهل.

 

[1] – سوف نكتفى بعد ذلك بصفة المريض باعتبار أن الادمان هو مرض بشكل أو بآخر، وأن صفة المدمن تحمل شحنة انفعالية ملتبسة، لا نريد أن تفسد هذا التقديم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *