الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / مقتطف وموقف: عن الأدوية الجديدة باهظة الثمن: نصٌّ مُعَادْ (اسكريبت Script)

مقتطف وموقف: عن الأدوية الجديدة باهظة الثمن: نصٌّ مُعَادْ (اسكريبت Script)

“يوميا” الإنسان والتطور

 2-7-2008

العدد: 306

مقتطف وموقف

عن الأدوية الجديدة باهظة الثمن

نصٌّ مُعَادْ (اسكريبت Script)

الاثنين 30-6-2008

المقتطف

أدوية الاكتئاب قليلة الجدوى!!

من ملحق الأهرام “الجريدة الطبية”

أشارت دراسات عديدة حديثة إلى أن الجيل الجديد من الأدوية المضادة للاكتئاب غير ذات نفع فعلى من الناحية العلاجية فى العديد من الحالات. وأظهرت دراسة قام بها فريق من جامعة هال أن الدواء يساعد فقط عدداً قليلا من المصابين بالاكتئاب الشديد. قام هذا الفريق بعمل بحث على صنف من العقاقير التى تزيد من مادة السيروتونين فى الدماغ للمساعدة على التحكم فى المزاج فى 47 حالة علاجية. ووجد القائمون على الدراسة أن المفعول الإيجابى للعقاقير المركبة من هذه المادة الكيماوية على المصابين بالاكتئاب الحاد ضعيف بشكل نسبى وغير مؤكد. وقال الباحث الأول ورئيس الدراسة البروفسور إرفينغ كيرش “إن الفارق فى درجات التحسن بين من تناول الدواء الوهمى والدواء الحقيقى خلال التجربة ضئيل للغاية” وهذا يعنى حسب كلام البروفيسور كيرش أن التحسن ليس رهينا بتناول العقار. أضاف كيرش إنه “استنادا إلى هذه النتائج لا داعى هناك لوصف العقاقير المضادة للاكتئاب سوى للذين يعانون من حالة اكتئاب حادة أو إذا ما ثبت أن العلاجات البديلة لا جدوى منها”.

ملاحظات قبل الموقف :

أولاً: أنا لا أحب، ودائما أحذر من أن أستقى المعلومات العلمية من صحف سيارة، لكن هذه المعلومة، وهى تظهر هكذا فى ملحق الأهرام الطبى، اليوم (30/6/2008) تحتاج لوقفه، لعلها مفيدة.

ثانياً: العنوان ملتبس، ولا يصف ما تحته بدقة، فالبحث المنشور خاص بـ ” صنف من العقاقير التى –كما جاء بالنص– تزيد من مادة السيروتونين فى الدماغ…” إذن لا يصح التعميم على كل أدوية الاكتئاب.

ثالثاً: هذه العبارة التى تصف تلك العقاقير تقول “التى تزيد من مادة السيروتونين… الخ” هى عبارة ليست دقيقة علمياً

رابعاً: النصح بأنه “لا داعى هناك لوصف العقاقير المضادة للاكتئاب إلا للذين يعانون من حالة اكتئاب حاد.. الخ” فيه تعميم قد يحرم كثيراً من المرضى من فرص التداوى بعقاقير أخرى مناسبة للحالة غير تلك العقاقير المشار إليها، ثم إن للاكتئاب تشكيلات بلا حصر غير مجرد التصنيف إلى حاد، ومزمن (وردت إحدى عشر تشكيلات من تشكيلات الاكتئاب فى الدليل المصرى/العربى لتصنيف الأمراض النفسية)

ولكل واحد من هذه الأنواع وضع خاص بالنسبة للعقاقير، فضلا عن الاختلافات الفردية بين المرضى.

خامساً: تعبير “.. أو إذا ما ثبت أن العلاجات البديلة لا جدوى منها”، يوحى بأن هذه العقاقير الأحدث هى ملجأ أخير، وأنها أفضل من علاجات تسبقها بالعقاقير أو غيرها، وهذا غير صحيح.

الموقف:

منذ اكتشاف الأدوية الحديثة الرائعة سنة 1952 ثم انتشارها بعد ذلك، يتكرر “نص مَُعاد” Script هو هو مراراً وتكراراً.

 بقدر ما فرحنا واستفاد المرضى من هذا الكشف الرائع تبدّل الحال مع مرور الزمن، فقد تطورت الأمور تجاريا وأخلاقيا إلى أن كادت تحرم المرضى (أو أغلب المرضى، خصوصاً الفقراء) من إنجازات هذا الكشف الرائع الذى أسعدنا وهو يبلغنا صدقا وعلما: “إن هذه العقاقير الاحدث تسهم حقيقة وفعلاً فى علاج المرضى النفسيين / العقليين”.

سبق لى أن نشرت نقدا حادا لهذا النص المعاد عدة مرات، فى أكثر من موقع، لذلك سوف اكتفى الآن بالإشارة إلى ما يخص هذا المقتطف تحديداً:

(1) منذ ظهور مضادات الاكتئاب الثلاثية الدوائر -وهى أرخص جدا، وأفضل من جهات عديدة- والمرضى يستفيدون منها فائدة عظمى.

(2) منذ أكثر من عقدين ظهرت مجموعات جديدة  لعلاج الاكتئاب قيل أيامها أنها أفضل، وذلك بعد أن أشيع (أكثر منه ثَبَتَ) أن العقاقير الأقدم الأرخص لها آثار جانبية ضارة، (وهذا غير صحيح بالصورة التى شاعت).

(3) مثل كل (أو أغلب) العقاقير الجديدة ينتشر عند ظهورها الباكر–بفعل فاعل– زعمٌ يقول أنها خالية من الآثار الجانبية، وقد تعلمنا منذ كنا طلبة فى كلية الطب أن العقار الذى ليس له آثار جانبية ليس له آثار علاجية   The drug which has no side effects has “no effects

وبالتالى فالقاعدة العلاجية الأساسية تقول أن علينا ألا نبدأ بذكر الآثار الجانبية والتخويف منها، وإنما نبدأ بذكر الآثار العلاجية لأى عقار، ثم يمكن أن نعدد الآثار الجانبية، ونُنَبّه إليها، ونحن نحاول أن نخفف منها، وقد نعطى عقاقير أخرى تعادلها، لكن النص “السكريبت” الذى تمارسه شركات الدواء وهو التضخيم من الآثار الجانبية للعقاقير الأرخص والتى ثبتت فاعليتها، وذلك بغرض تسويق العقاقير الأحدث التى يبلغ ثمنها مئات الأضعاف فى بعض الأحيان، مع ادعاء أنه ليس لها آثار جانبية.

(4) بمرور الزمن (أحيانا أكثر من عشر سنوات) تتراجع الاشاعات التى أشاعتها شركات الأدوية عن العقاقير الجديدة، والتى روّجتها عن طريق التمادى فى تمويل المؤتمرات العلمية السياحية، والمجلات العلمية ، وشبه العلمية، والسفريات، ومنح الأبحاث … إلخ، أقول تتراجع هذه الهالة، لو تظهر الحقائق –ما أمكن ذلك– فى صورة تلك النتائج الأمينة التى تقدم مراجعة الأمر، والتى تثبت عادة (أو غالبا) أن معظم العقاقير الجديدة (ذات الثمن المضاعف مائة مرة وأكثر) أقل فاعلية، ولها آثارها الجانبية المماثلة أو الأسوأ .

(5) إلى أن يحين اكتشاف ذلك (آثار علاجية أقل وآثار جانبية ألعن) تكون الأدوية الرخيصة والفاعلة قد اختفت –بفعل فاعل أيضا– (آخر عقار اختفى هذا الشهر هو أقراص الهالوبيريدول المعروفة فى مصر تجاريا باسم سافينازSafinace، وهى ليست مضادة للاكتئاب وإنما للفصام وثمنها حوالى جنيهان وما يقابلها من العقاقير الحديثة يربو بعضه على ثلاثمائة جنيها، وقد بدأ أيضا هذا الشهر فى الاختفاء عقار الأنافرانيل  Anafranil75 ملجم (ثم 25ملجم)، وهو مضاد للاكتئاب وللوساوس والمخاوف وبعض اضطرابات التغذية) تختفى هذه العقاقير الرائعة لحساب مثل تلك العقاقير التى وردت فى المقتطف.

وقد بلغت قوة الدعاية حين ظهر عقار البروزاك (وآسف لذكر الاسم الحركى، أو اسم التدليل التجارى) –وهو من تلك العقاقير المشار إليها فى المقتطف– أن أصبح الناس يعزمون على بعضهم البعض به مثل السجائر، وقد احتجنا أكثر من عشر سنوات حتى نعرف الآثار السلبية لهذا العقار مثلا على الأداء الجنسى وغير ذلك)

 (6) أتوقع أن نقرأ قريبا تقارير أبحاث فى المجلات العلمية، وفى الإعلام العادى مما يعارض هذا المكتوب، أو يؤكد عكسه، فماذا يفعل المريض العادى، (أو القارىء العادى) إزاء ذلك؟

 (7) إن الأطباء، وخاصة صغارهم يبرمجون بشكل منتظم منذ مرحلة الدراسة وطوال الممارسة، يبرمجون لخدمة هذا “النص المعاد” المشار إليه سالفا.

 أما الأطباء الكبار الطيبون فلهم مداخل تبدو أكثر ذكاء تجاريا، وأخفى التفافا، وكل طبيب كبير وأستاذ يتخذ ما يشاء من مواقف حسب نتائج مرضاه، وضميره، وحسابه على الله.

ملحوظة:

تفاصيل هذه الحقائق متاحة فى كتاب صدر حديثا، ليس حديثا جدا (2004)، بعنوان “الحقيقة حول شركات الدواء” (وله عنوان فرعى: كيف يخدعوننا، وماذا نفعل؟)، مؤلفته من أهم علماء أمريكا وهى شديدة الأمانة، كانت تشغل منصب رئيس تحرير المجلة الطبية لنيو إنجلند The New England Journal of Medicine  وهى حالياً (وقت صدور الكتاب) أحد أعضاء قسم الطب الاجتماعى فى جامعة هارفارد، وقد عدّتها مجلة تايم واحدة من خمس وعشرين عالما مؤثرا فى الناس فى أمريكا. أسمها مارشيا انجل  Marcia Angell

وقد كشفت المؤلفة بالمواثيق والأرقام فيما يقرب من ثلاثمائة صفحة أسرار هذه اللعبة التى تصل إلى حد الجريمة والتى تجرى  وتدور تحت سمع وبصر كل الناس، والتى لابد أننا سنرجع إليها فى هذه النشرات مراراً وتكراراً.

اسم الكتاب والناشر لمن شاء :

The Truth About The Drug Companies

How They Deceive us and What to do About it

Marcia Angell, M.D., Random House, Inc. 2004 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *