الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / حالات وأحوال (26) تابع: رحلة التفكيك والتخليق(22) مقابلة غير تقليدية: تعرية متبادلة و”جروب” مصغر (3)

حالات وأحوال (26) تابع: رحلة التفكيك والتخليق(22) مقابلة غير تقليدية: تعرية متبادلة و”جروب” مصغر (3)

 نشرة “الإنسان والتطور”

الثلاثاء: 19-1-2016

السنة التاسعة

العدد: 3063 

   حالات وأحوال (26)

تابع: رحلة التفكيك والتخليق(22)

مقابلة غير تقليدية: تعرية متبادلة و”جروب” مصغر (3)

نفس المقدمة:

مازلنا فى نفس المقابلة بتاريخ 9/10/2008، وهى المقابلة التى جمعت مريضا آخر (أحمد) بمحمد طربقها فى نفس اللقاء أمام زملاء أصغر ودارسين دراسات عليا،

وقد انتهت نشرة أمس بسؤال “أحمد” عن أخوته فأجاب:

“أحمد”(المريض): دول بنات يعنى مابيعملوش حاجه

د.يحيى: كلهم بنات؟

“أحمد”(المريض): آه

د.يحيى: مفيش ولاد؟

(ثم نكمل):

د.يحيى: أخواتك البنات دول اتجوزوا

“أحمد”(المريض): آه

د.يحيى: عقبالك، (ثم ينظر إلى محمد) وعقبال محمد برضه، يمكن يبطل اللى بيهببه ده

“أحمد”(المريض): ليه؟ هوّا بيعمل إيه

“محمد” (طربقها): ولا حاجه خالص

د.يحيى: (لمحمد (طربقها) ياكذاب ما انت عمال تشغل مكنة خيالك وهات يا تعرية وكلام مايصحش نفسّره قوى قدام أحمد

“محمد” (طربقها): كل ده فى الخيال

د.يحيى: إيه رأيك يا أحمد لو تعمل زيه، يمكن تلاقيها أحسن من الاشعاع المسموم، اللى موّت جسمك ووعيك ده

“محمد” (طربقها): لأه لأه، دا حايتعب مش حايقدر يستحمل

د.يحيى: يا وادْ!! قال خايف عليه قوى، الله يخرب بيتك، علمه يا شيخ، الواد جسمه مات، والمصحف بيقول إنه مات

“محمد” (طربقها): مات خالص؟

د.يحيى: إسأله أهو قدامك أهه

“محمد” (طربقها): كل حاجه فيه ماتت؟

د.يحيى: (ملتفتا إلى محمد) يا محمد: “أحمد” ده صادق 100 % واحنا وشطارتنا معاه، ما هو لازم يصحى وباين إن ده صعب جدا زى مايكون بِنِحْيِى ميِّت فعلا

“محمد” (طربقها): يعنى هو عايش ميت؟

د.يحيى: بصراحه آه، تقريبا

“محمد” (طربقها): عايش ميت إزاى؟

د.يحيى: بيقول جسمه بالذات هوّا اللى مات

  • تعتبر أعراض محمد الجسدية هلوسات حسية مؤلمة منقضَّهْ، فى حين أن أعراض محمد الجسدية كانت خيالات تصل أحيانا إلى درجة الهلوسة الحسية، لكنها لذّية جنسية، التشخيص واحد (تقريبا) لكن الواقع الداخلى الذى تحرك مختلف، هما فى نفس السن تقريبا، كل منهما يعانى من وحدة واغتراب، وتمادى فى العمل حتى الانهاك الجسدى أساسا، أما أعراض محمد فقد بدأت بالضلالات والشكوك ودرجة من التفكيك المصاحب بآلام نفسية صعبة وحزن غير خفى، أعراض أحمد بدأت بصاعقة مجهولة من مصدر غريب، حيث شعر فجأة أن الحياة برمتها سحبت منه، من جسده ومن وعيه فلم يبق إلا الآلام والوحدة والخوف الساحق من مجهول.

“محمد” (طربقها): زيى بالظبط برضه ماهو أنا عايش ميت

د.يحيى: يا محمد (طربقها)، هوّا كل حاجة: وأنا كمان؟ وانا كمان؟  برضه أنا؟ يا أخى خلينا نشوف “أحمد” (المريض) يامحمد كفاية انانيه يابنى

“محمد” (طربقها): مش أنانيه، أنا باقول حاجه حاسس بيها جوايا برضه

  • لاخوف مما يشبه العدوى بانتقال الأعراض ظاهريا إذا كان الهدف هو التقريب لاستيعاب التشابه فى عملية اختيار المرض وتكوين الأعراض برغم اختلاف شكلها ومحتواها، ورغبة محمد فى أن يهتم به الطبيب، برغم أن الطبيب اسماها أنانية، هى رغبة طبيعية تشبه ما يسمى “تنافس الأخوة”(1) الذى يوصف عند الطفل الأكبر بعد ولادة أخ أصغر له.

د.يحيى (لمحمد (طربقها): يا ابنى حرام عليك يابنى، هو أنا سمحت لك تخش معانا علشان تقولىّ حاسس بإيه جواك وننسى احمد، ولاّ عشان تشاركنا؟

“محمد” (طربقها): طيب ماشى

د.يحيى: عارف يعنى إيه ميت؟ طب إيه رأيك إن أنا مصدقه ميّه فى الميّه زى ما صدقتك

“محمد” (طربقها): ماهو أنا مصدق برضه

د.يحيى: هوّا انت يا محمد مصدّق صحيح إنى مصدقه؟.. إزاى؟

“محمد” (طربقها): ماشى، ما أنا عارف من الجروب إن حضرتك بتصدقنا

د.يحيى: طب يالاّ نبتدى سوا سوا، أهو ميت أهه، وعاوزين نصحيه، وهوّه معانا

  • مرة أخرى ليست أخيرة، تصديق المريض واحترام خبرته يصل إلى المرضى حسب درجة صدق الطبيب، (2) وخبرة العلاج الجمعى تسمح للمرضى باختبار مصداقية الطبيب، وتصديق المرضى بعضهم لبعض، يدعم ذلك كما لاحظنا وخاصة فى جلسة العلاج التى ظهر فيها اقتراح اسم “محمد دلوقتى” من أحد المرضى البسطاء، ويبدو أن هذه الخبرة مازالت باقية عند محمد وهو يذكرها هنا ويطبقها ويبلغها لأحمد(3).

محمد (يسأل أحمد): جسمك مات يعنى إيه؟ يعنى مفيش غريزه ولا شهوة ولا حاجه خالص

“أحمد”(المريض): عادى

المريض محمد (للدكتور يحيى): ما الراجل سليم اهوه مافيهوش حاجه، نصحّى إيه وبتاع إيه؟

د.يحيى: قصدك إيه؟

“محمد” (طربقها): (للدكتور): قصدى إنه يصلح للجواز 100%، ولاّ هوّا حصل إيه؟

د.يحيى: اللى تشوفه

“محمد” (طربقها): إنت فاهم قصدى

د.يحيى: فاهم قصدقك، أول ما تقول “جسم” على طول مخك يروح الناحية التانية

“أحمد”(المريض): (متداخلا) نعم؟

د.يحيى: فيه إيه أنا بافهِّم محمد إزاى أنا مصدقك وانت بتقول إنك مُت، بس برضه يا أحمد أنا حاسس إن فيه حاجة فيك لسه صاحية شوية

“أحمد”(المريض): آه، فيه لسه شوية

د.يحيى: ما تيالاّ نلحق الشوية دول اللى لسه ما ماتوش وننفخ فيهم يمكن يصحو تانى، ونعيش من أول وجديد

“أحمد”(المريض): يعنى إيه نعيش من أول وجديد؟ نعمل إيه يعنى؟

د.يحيى: مش عارف، بس نبتدى! نصدق الأول إن الإشعاع ده حصل

“أحمد”(المريض): آه

د.يحيى: ونشوف له حل وفِهّم تانى، مش حانقول لك بيتهيألك ومابيتهيألكش ونقعد نقنع فيك إنه ماحصلشى زى الدكاترة وأهلك ما بيعملوا، لأه، نشوف له فِهْم تانى وحل تانى، يمكن …

“أحمد”(المريض): خلاص يبقى حصل فعلاً، بس يمكن إيه؟

د.يحيى: يمكن نشوف له حل تانى، نفهمه بشكل تانى

“أحمد”(المريض): نشوف له حل إزاى

  • هذا الأسلوب بالذات ورد فى نشرة أول أمس (الأحد) عن مستويات ووظيفة التعامل مع الواقع/الوعى الداخلى المخى النابض فى “اليتكوّن” مع إشارة إلى ثقافتنا الخاصة، وهنا مثال يبين كيف يسمح احترامنا للواقع الداخلى، وسوف اسميه مرحليا فى هذا السياق فى هذه الرحلة الواقع الذهانى، كيف يكون اعترافنا به واحترامنا له هو السبيل للتعامل معه لاحتوائه، ثم كيف يمكن أن يوجه الخطاب لمريضين مختلفيْن بنفس الأسلوب لتعرية نفس المنطقة آملين – مثلما فى العلاج الجمعى أن يعين أحدهما الآخر (4).

نكرر: “أحمد”(المريض): تشوف له حل إزاى؟

د.يحيى: إسال محمد لإنه صاحب خبرة وعمال يضحك، ويقول وانا كمان، مع إن الأولى إنك تشوفه هو حَلِّها إزاى – إذا كان حلها – وانت اللى تقول و”انا كمان”

“أحمد”(المريض): نسأله هوّا بيضحك على إيه، والحل إزاى؟

د.يحيى: نحلها إزاى ديه يامحمد؟ هو حكى إزاى ابتدت معاه وقال: أنا كنت فى الأرض لوحدى الساعه 11 وبعدين حصل الإشعاع ده ومن ساعتها تعب، وجسمه مات وكله مات مافضلشى غير هيكل عظمى،  إيه رأيك؟ مش يمكن الإشعاع اللى حصل ده من جوه مش من بره، ولاّ إيه يا أحمد مش يمكن؟

“أحمد”(المريض): لأه هوّا “من جوه ، ومن بره”

د.يحيى: هوّا “من جوه لبره”

“أحمد”(المريض): آه من “بره لجوه”

د.يحيى: لأ، أنا ماقلتش كده، أنا باقول يمكن من “جوه لبره” مش من “بره لجوه”

“أحمد”(المريض): بس هو من الفضاء، من بره يعنى

د.يحيى: ماهو الفضاء ممكن يبقى جواك برضه، تصدق إن الفضا جوانا ألعن

“أحمد”(المريض): لأ من بره لجوه على طول، يعنى الفضاء هوّا اللى أثر كده على جسمى

د.يحيى: إيه رأيك، طيب نخلى الإحساس من بره لكن الإشعاع من جوّه

  • هذا الحوار يبدو تأكيدا للتعقيب السابق، وتكملة لأسلوب أنه بعد الاعتراف بهذا الواقع الداخلى الذى خرج إلى الخارج لنستقبله على أنه واقع خارجى نحاول أن نرجعه إلى موقعه لنعرف كيف نتعامل معه وهو “فى المتناول”، وأحيانا أقول للمريض أننا بهذه النقلة (5)يصبح التأثير أو الاشعاع أو المراقبة فى متناولنا مادمنا قد أصبحنا نشتغل فى، ومع، واقعنا الداخلى/الخارجى معا بعد أن تشققت الحواجز بينهما فأصبحا فى المتناول معا.

“محمد” (طربقها): إشعاع إيه وفضا إيه

د.يحيى: آه صحيح، أنا نسيت إنك معانا، ما انت عارف وشفت إن اللى بره لما قبلنا إنه يبقى من جوا اتلمِّتْ الحكاية عندك إلا شوية

“محمد” (طربقها): إزاى؟

د.يحيى: يعنى اتقلبت المسألة خيالات بدال ما هى حقيقة

“محمد” (طربقها): أنا مش فاهم أى حاجه خالص

د.يحيى: لا ياشيخ!! أحمد بيسمع صوت عيال بتلعب بيقولوا له إحنا حانضيعك، مش حانخليك تشتغل، حاتشتغل إزاى وإنت ميت

“أحمد”(المريض): ماهى دى المصيبه يادكتور، كله من ربنا

د.يحيى: إلا ديه، ما أصابك من مصيبه فمن نفسك وما أصابك من خير فمن الله

  • على الرغم من غلبة تجنبى مسألة الاستشهاد بنصوص دينية مهما كانت مناسبة، خشية أن يصل ما لا أقصد، وعلى الرغم من علاقة دور الوعى المطلق إلى وجه الله فى تفسير القول الشائع فى ثقافتنا أن الله هو الشافى وأننى لا أمل تكرار تذكرتى بدور الوعى البينشخصى والوعى الجمعى المتنامى الممتد كعامل أساسى فى الشقاء إلا أننى عادة أبادر برفض استعمال النص الدينى حرفيا، وقد اضطرنى هذا التبرير السلبى للمرض (كله من ربنا) أن أواجهه بسرعة بنفس اللغة حتى يصل رأيى للمريض أوضح وأننى أرفض مثل هذا التبرير.

“أحمد”(المريض): لأه، أصل اللى حصل، أنا مش قادر…

د.يحيى (مقاطعا): كتك لأه فى سيرك، اللى حصل حصل، إحنا مالنا باللى حصل،  إحنا فى دلوقتى، مش قادر إيه دلوقتى، مش قادر ده كان زمان، ربنا بعت لك اختيار تانى أهه، تأخده ولا تسيبه!

“أحمد”(المريض): نعم؟ اختيار إيه؟

د.يحيى: حاشاورلك عليه، بس “ماتوعدش” ولا تقول “حاحاول”

“أحمد”(المريض): ماشى

د.يحيى: يا إما  تأخذ الفرصه دى دلوقتى يا إما تتنيك كده طول عمرك

“أحمد”(المريض): إن شاء الله

د.يحيى: تانى؟!! ما هى انشاء الله دى من غير فعل زى حاحاول، احنا فى دلوقتى

“محمد” (طربقها): اسمع يا أحمد كلام الدكتور، دا بيعرف اللى بره واللى جوه

“أحمد”(المريض): خلاص ماشى

د.يحيى: خلاص احنا نبتدى نشوف انك بتاخد وتدى معانا زى الفل أهه، مش زى ما حكيت، أنا مصدق إن دا حصل، لكن احنا بنبتدى من جديد دلوقتى

“أحمد”(المريض): إزاى؟

د.يحيى: لما تكون حاجه ماتت إلا حته، نمسك فى الحته دى بإيدينا وسنانا، ونقول يارب ونبتدى

  • هذه القضية، قضية البداية من أى لمسه تغير أو نبضة حياة واحدة، وكأنها كل شىء، شغلتنى طويلا، ولم أكتشف أهميتها بل وموضوعيتها إلا مؤخرا من خلال العلاج الجمعى، ثم إذا بها حقيقة علمية تطورية كموية جعلت تصلنى من علوم التطور كما من علوم المعرفة والفيزياء والرياضة، فى جلسة من جلسات العلاج الجمعى مؤخرا أخذنا نشتغل جميعا تقريبا مع أحد أفرادها ممن تكلسوا دفاعا راسخا مزمنا عنيدا متحديا، وكان هذا المريض يفشلنا دائما ويفشل نفسه، لكن فى تلك الجلسة لاح لى بريق ما فى عينيه ثم ملامح ألم فى وجهه، وتغيّر فى جلسته، ثم اختفى كل هذا بعد ثوان ورحت أتساءل، ثم أسأل الزملاء إن كان قد وصلهم أى تغير، وأن يحددوا قدره إن أمكن، فأنكر اثنان أنه لم تصله أى تغير، وأنه لم تظهر على هذا المريض أية بادرة مختلفة، وتراوحت بقية الإجابات تحدد النسب بعد ذلك بين 1% و4%، وتعجبت لقدرة هذه المجموعة التى ليست عندها خلفية معلوماتيه نفسيه أو حتى ثقافة عامة، اللهم إلا حضورها المجموعة التى كان عمرها حينذاك ثمانية أشهر، ثم إذا بهم يميزون هذه النسبة البالغة الصّغَر، وإذا بها تصل إلى صاحبنا فأشاهد ما أخفاه قبل قليل، وكأنه برغم استمرار مقاومته – قبل شهادتهم- اعتبرها بداية، وكانت فعلا بداية، له مع الجميع.
  • هذا ومثله من بدايات شديدة الضآلة يمكن استثمارها من خلال تراكمات متصاعدة من المشاركة فى الوعى الجمعى جنبا إلى جنب مع مواصلة التأهيل وضبط جرعات العقاقير واختيار أنواعها، إنما يشير إلى طبيعة العلاج، وتعتبر البدايات المتكررة من أصغر ملامح التغيير الحقيقى أكبر دعم لمواصلة العمل على الحفاظ على الحياة فى أصولها، وحمل الأمانة مهما ثقلت، واستمرار المثابرة.
  • ملاحظة مرة أخرى لعلها مكررة، أننى – كما تعلمت من مبدأ “هنا والآن” فى العلاج الجمعى لا أرحب كثيرا بالنيّة “حا حاول” ولا “بالوعود” حيث تبعدنا عادة عن “هنا والآن”.

“أحمد”(المريض): هوا ده يكفى؟ أنا مش قادر

“محمد” (طربقها): ولا أنا

د.يحيى لأحمد (المريض): أوعى تصدقه يا أحمد، محمد ده مصارع، عارف يعنى إيه مصارع بيصارع المرض، بيصارع الذل، وبيصارع الكسل، وبيصارع الشهوة، بس أهو راجع عاوز ينام لى فى الخط دلوقتى (محمد يهّم بالكلام)

د. يحيى (يكمل مقاطعا “محمد” (طربقها):  إستنى يامحمد خلينى اكّمل لك…، الجدع احمد ده  بقاله عشر سنين ميت، إنت عاوز تبقى زيه؟ احنا لو هيلا بيلا معاه، يمكن الحياة تدب فينا سوا سوا

“أحمد”(المريض): إزاى؟

د.يحيى: عرفت ليه يا محمد أنا عمال أقول لك إشتغل إشتغل، علشان ماتموتش لا جسديا ولا نفسيا ولا جنسيا (ثم ملتفتا إلى أحمد) حاتعمل إيه بقى ياأحمد بعد ماشفت محمد، وجدعنته، وخيبته.

“أحمد”(المريض): اللى حاتقول عليه حامشيه

د.يحيى: لأه بص له الأول، بص لمحمد، خلينا فى اللى يقول عليه محمد

“محمد” (طربقها): (لأحمد): بص لى يا راجل، إنت باصص فى الأرض

د.يحيى: انت يا محمد بتعمل زى ما كنا بنعمل فى الجروب، ما نْسيتشى

“أحمد”(المريض): بصراحة: أنا مش حاسس بوجودى الأولانى

د.يحيى: مش حاسس بإيه؟

“أحمد”(المريض): بإنى زى ماكنت الأول يعنى، وجودى الأولانى

د.يحيى: يعنى ياخـَىْ كان وجود حلو قوى؟

“محمد” (طربقها): أهى كانت ماشيه

د. يحيى: مش قوى

“محمد” (طربقها): بس دلوقتى مافيش خالص

د.يحيى: مافيش روح ولا ما فيش جسم

“أحمد”(المريض): باين فيه روح وبس

د.يحيى: والجسم؟

“أحمد”(المريض): يعتبر زى ميت يعنى

د.يحيى: ماينفعش مادام الروح عايشه، يبقى الجسم واخد على خاطره شوية، خلينا مع بعض واحده واحده

“أحمد”(المريض): لحد امتى

د. يحيى: احنا وشطارتنا

“أحمد”(المريض): احنا مين؟

د. يحيى: احنا كلنا، احنا التلاتة وبعدين احنا كلنا

“أحمد”(المريض): بس أنا خِلـِصْت، كنت باسافر ليبيا والامارات وباشقى وباكسب بس دلوقتى خلاص

د. يحيى: إحنا كل ما بنخلَّص بنبتدى، حتى أسأل محمد

“محمد” (طربقها): صدق يا أحمد صدق هوّا احنا قدامنا غير كده

  • لا أعرف إن كان يمكن أن توصل كتابة هذا النوع من الحوار هكذا أبعاد ما تحمل الكلمات من حوارات وعى أخرى تحتيه أم لا، حتى العرض بالفيديو أحسست- حين جرّبته- أنه لا يستطيع نقل هذا الحوار التحتى الذى أستطيع أن أفترض أنه يجرى بين مستويات وعى متعددة معا، وأنه بالرغم من أن المريضيْن ذهانييْن إلا أنه قد يكون أعمق من كثير من الحوارات الكلامية النقاشية الشارحة فى الحياة العادية!
  • فى هذا المقطع أيضا نلاحظ لفت نظر أحمد إلى مسيرة محمد فى صراعه نحو الصحة بالرغم من تذبذب مساره هو، ورغبته المعاوِِدَةْ للاعتماد.
  • كما نلاحظ حتم التأكيد على البداية، ولو من أصغر ما تبقى من لمحات الحياة.
  • ثم ظهرت أيضا فى هذا المقطع تلك الحركية المستمرة بين المريضين والطبيب ثالثهما، وكأننا – كما ذكرنا من نشرتين – فى جروب مصغر.
  • ثم التنبيه مثلما حدث مع محمد طربقها حين كان يصر طول الوقت على “عايز أرجع زى زمان”، التنبيه على أن الوجود قبل المرض ليس هو النموذج الذى نسعى لتحقيقه (وإن كان التسليم به قد يكون ضروريا فى كثير من الأحيان).
  • ثم التصريح بحركية الوعى المشترك الذى تجاوز اثنين  إلى ثلاثة دون أن يصل إلى ما يستحق تسميته بالوعى الجمعى (احنا الثلاثة وبعدين احنا كلنا)، ولم يحدد الطبيب من هم “كلنا”، الأمر الذى يمكن أن يصل إلى دوائر ممتدة غير محددة.

 ثم نلاحظ مرة أخرى – التأكيد على الرضا بالأجزاء المتناهية الصغر للبدء منها.

وبعد

ما زال فى المقابلة مع أحمد ما يستأهل التكملة

 لابد أن أعتذر لمحمد أولا، وأنا لا أعرف ماذا تبقى لنا من تتبع حالته.

عموما هى مقابلة واحدة فقط فى حضور “أحمد”، ثم نرجع له، وربنا يسهل.

دعونا نرى الأسبوع القادم.

[1] – Sibling Rivalry.

[2] – وهذا عكس القول الشائع (“ناخده على قد عقله” هذا الذى لا أمل من تكرار رفضه والتحذير منه.

[3] – (ربما لهذا اسميتُ هذه المقابلة: جروب مصغّر)

[4] – مرة أخرى: ليس من باب:”من شاف بلاوى الناس هانت عليه بلوته”

[5] – لاحظ أننى لا أستعمل كلمة إسقاط، لا أعرف لماذا، ربما لأننى لا أعتبر ذلك “ميكانزما”، بل نقلات عيانية من خلال شروخ فى حدود الذات الظاهرة سمحت للواقع الداخلى – فعلا وليس دفاعا-  أن يظهر بما هو

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *