الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأربعاء الحر مقتطف من كتاب: دليل الطالب الذكى فى: علم النفس انطلاقا من: قصر العينى الفصل‏ ‏الثالث: الإدراك (2)

الأربعاء الحر مقتطف من كتاب: دليل الطالب الذكى فى: علم النفس انطلاقا من: قصر العينى الفصل‏ ‏الثالث: الإدراك (2)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأربعاء: 8-4-2020

السنة الثالثة عشرة

العدد:  4603

الأربعاء الحر

مقتطف من كتاب:

دليل الطالب الذكى فى: علم النفس انطلاقا من: قصر العينى(1)  

الفصل‏ ‏الثالث: الإدراك (2)

الطالب: ولكن كيف تتداخل الوظائف كما ذكرتَ، أوضح لى هذه النقطة من فضلك

المعلم: نعم، فكما رأيت: إن الإدراك النشط نوع من التعلم، كما أن الانتباه المستقبـِـل نوع من الإدراك، وتعبير الوظائف المعرفية Cognitive Functions  يشمل كلا من الانتباه والإدراك والتعلم والتذكر والتفكير والتخيل والإبداع، وكلها وظائف ترابطية لأنها تتضمن أن نربط جانبا (أو معلومة أو مثيراً) بجانب آخر لأداء وظيفة بذاتها.

الطالب: وهل توجد وظائف نفسية للمخ- ككل كما تقول – غير الوظائف الترابطية أو المعرفية كما تقول؟

المعلم: الحقيقة أن كل وظائف المخ ترابطية إلا أننا عادة نتحدث عن الجانب الأغلب، فعندنا وظائف دوافعية Motivating Functions وهى الدوافع (وتشمل الحاجات والغرائز) والانفعال (ويشمل العواطف والوجدان)، وهذه الوظائف هى الطاقة وراء أنواع الوظائف المعرفية الأخرى، ولكن دراستها أصعب لأن طبيعتها أخفى، وهى ترابطية أيضا من بعد آخر، كما توجد وظائف أصعب واصعب لأنها تمثل الأرضية أو الوساد الذى يتم فيه الدفع والترابط معاً حتى لتسمى الوظائف الوسادية Matrix Functions  وتشمل الوعى بما يشمل اليقظة والنوم وغيرهما مما سنشير إليه فيما بعد، وإن كان قد أصبح من الصعب الفصل بين الوساد وما عليه.

الطالب: لقد فتحت على نفسى أبوابا لا طاقة لى بها، نرجع إلى الإدراك لو سحمت، إذا كان الأمر بهذا التداخل فلابد أن هناك عوامل تؤثر على الإدراك فى الشخص نفسه أو فى المؤثر نفسه.

المعلم: وهو كذلك، ولكن لا تنس أن الفصل بينها مستحيل تقريبا، لأن العوامل ترجع دائما فى النهاية إلى الشخص ذاته فهو الذى يدرك، ولنأخذ مثالا لذلك: إن الشخص ينتبه إلى شئ دون آخر ويسمى ذلك بؤرة الانتباه Focus of attention  أو “الشكل” بلغة الإدراك Figure، ولكنه سرعان ما يترك هذه البؤرة أو الشكل الذى كان ظاهرا وكل ما عداه أرضية Background، ليصبح هذا الشكل هو أرضية والبؤرة الجديدة هى الشكل، ولتوضيح ذلك وأنت تقرأ هذا الكلام قد تكون منتبها إليه والموسيقى بجوارك تصدح ولكنها فى أرضية انتباهك وإدراكك، فإذا ما شبعت منه أو ضجرت منه أو جاءت مقطوعة موسيقية تحبها، فقد تمر على هذه الكلمات مر الكرام دون فهم عميق، وتنصت أكثر فأكثر للمقطوعة التى تحبها، وبذلك تصبح المقطوعة الموسيقية هى الشكل، وهذا الكتاب وهذا الكلام هو الأرضية وهكذا، ولعلك تلاحظ معى أن انتقالك من الشكل إلى الأرضية وهكذا، يتم بالتبادل بين الشكل والأرضية باستمرار تقريبا تبعا لعوامل مختلفة كالضجر والرغبة والاهتمام والخبرة السابقة وغيرها.

الطالب: ولكن كيف أميز من بين المثيرات المتداخلة أى منها الأولى بالتركيز؟

المعلم: حين تصعب التفرقة بين الشكل والأرضية لدرجة كبيرة يعتبر معها المثير مثيرا غامضا Ambiguous Sign ، كما يعتبر المثير غامضا كذلك إذا كان له أكثر من استعمال وأكثر من معنى لا يتضح إلا إذا تضمن فى كلٍّ أكبر، وكثير من الكلمات لها معان عدة، بل أحيانا ما تعنى الكلمة المعنى ونقيضه مثل كلمة ” جـَـلـَـل”(2). ولا يتحدد  المعنى المراد إلا فى سياق الجملة والكلام.

الطالب: ولكن قل لى، هل يجب أن نرى الشئ بكل أبعاده حتى ندركه؟

المعلم: أبدا، نحن ندرك الأشياء أحيانا بأقل جزء منها، فندرك قدوم القطار بسماع صفارته، وقد يدرك الهاوى نوع العربة وربما سنة صنعها برؤية مصباحها الخلفى فقط، وتسمى هذه الأجزاء من المثير “العلامات المختصرة” Reduced Cuses ، ولكن لا تنس أنه أحيانا مهما اختلفت هذه العلامات المختصرة التى ندرك بها الشئ فإننا ندركه هو هو على الدوام ويسمى ذلك “استدامة الإدراك” Perceptual Constancy وفى المثال السابق قد يدرك الهاوى نفس نوع العربة من مصباحها الخلفى أو من الصادم (الاكصدام) الأمامى أو من  أبوابها الجانبية الخ.

الطالب: لقد بدات أتحير واضجر من كثرة هذه التعبيرات الجديدة التى تشرح لى ما أعرفه من قبل بألفاظ جديدة لم آلفها كالعادة؟

المعلم: إلى متى سوف نكرر أن علم النفس، هو العلم الذى يعلمنا ما نعرفه بأسلوب لا نعرفه، وأن هذا هو عيبه وهو هو مزيته.

الطالب: فما العوامل التى تؤثر على الإدراك كما قلت؟

المعلم: إسمع يا سيدى، سأحاول أن أعددها لك بطريقة مبسطة ما أمكن:

1- إن الواحد منا يدرك ما اعتاد أن يدركه، فإذا سمعتنى أقول ناد على “محنود” لابد أنك ستدرك أنى أقول ناد على “محمود” لأنك اعتدت ذلك، وسنعود لهذا فى الخداع الحسى.

2- ثم إن الإنسان يدرك المتشابهات مع بعضها البعض مثل أن ترى رقما معينا فى لوحة اختبار إبصار الألوان، لأن النقط المعمول منها كلها خضراء متشابهة.

3- ثم إن الفرد يدرك ما هو بجوار بعضه أسرع مما هو بعيدا عن بعضه البعض، مثل أن يدرك السامع علامات التلغراف قديما لمجرد تقارب النقط والشَّرَط بجوار بعضها بشكل معين، أو يدرك القارئ الكلمات المكتوبة بالانجليزية بحروف غير متصلة لأنه يقرأ الحروف المتقاربة مع بعضها البعض وهكذا.

4- ثم إن الفرد يميل إلى إدراك الأشياء وكأنها أشكال متكاملة حسنة التلاؤم وذلك من خلال حاسته الجمالية aesthetic وذلك بأن يكمل ما هو ناقص منها وكأنه شكل كامل، أو أن يرى الجانبين متماثلين رغم اختلافهما، وذلك على وجه التقريب طبعا.

5- ثم إن الفرد يدرك ما يريد أن يدركه، أو ما هو مهيأ لأن يدركه، فالذى ينتظر صاحبته على محطة الأتوبيس قد يراها فى خمس فتيات قادمات (الواحدة تلو الأخرى!) من بعيد – ثم يتبين خطأه – قبل أن تحضر هى شخصيا، فإذا كان غضبانا منها فقد لا يراها هى شخصيا حتى تناديه باسمه!!! والأم ترى ابنها غير الجميل أنه أجمل أهل الأرض: “القرد فى عين أمه غزال”، وعمر بن أبى ربيعه الشاعر العربى يقول “حسنٌ فى كل عين ما تود”، والمثل البلدى عندنا يقول: “خنفسة شافت بنتها عالحيط : قالت دا لولية فى خيط”.

الطالب: ولكن لقد خيل إلى أن هذه العوامل فى المُدْرَك نفسه أكثر مما هى فى الشخص؟

المعلم: لقد قلنا إنها لابد أن تكون فى الشخص فهو الذى يدرك الشئ نفسه، إذْ كيف تتصور أن للشئ شخصية تفرض نفسها على إدراك الشخص، إن الحديث عن العوامل فى المثير هو للتبسيط والتعليم فقط.

الطالب: ولكن لقد خيل إلى أن هذه العوامل تشككنا فى الإدراك كوسيلة يعتمد عليها فى التعرف على البيئة ما دام مزاج الشخص يتلاعب بالعملية إلى هذه الدرجة.

المعلم: المسألة ليست مزاجا يا إبنى أو تلاعبا، ولكنى أشعر أن معك حق لدرجة ما، فمثلا إذا قلنا إن العامل الجمالى يجعل الفرد يرى الأشياء منتظمة، لسمعنا فنانا حديثا يقول: “بل إن جمال الشئ يكون أحيانا فى عدم انتظامه”، وعلى قدر تطور حاستى الجمالية وعمق إدراكى يتوقف إحساسى بالجمال منتظما أو غير منتظم، إذن فلنتذكر معاً الفروق الفردية ولا نسارع فى التعميم.

الطالب: كذا؟ كذا؟ قواعد تعتمد على المزاج والآراء!! هل هذا علم؟.

المعلم: يا أخى لا تتعجل، إن هذا فى ذاته ميزة تعلن أعظم حقيقة يؤكدها علمنا وهى الفروق الفردية، ولو كنت تريد أمثلة فى قوانين الإدراك محددة ودافعة أعطيتك أياها، ولكنى أحاول الاكتفاء بالخطوط العامة.

الطالب: بل هاتها لو سمحت.

 

(1)- يحيى الرخاوى: “دليل الطالب الذكى فى: علم النفس انطلاقا من: قصر العينى” منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2019)،  والكتاب قديم مهم (الطبعة الأولى سنة 1982 ) ولم يتم تحديثه فى هذه الطبعة، موجود فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى للتدريب والبحوث: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا حاليا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط  www.rakhawy.net 

(2) – الجلل: الشئ الكبير العظيم والشئ الصغير الحقير ( المعجم الوسيط).

admin-ajaxadmin-ajax (1)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *