الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / من حالات الإشراف على العلاج النفسى: الحالة: (4) “ترويض المخ البدائى فى المريض وأهله”

من حالات الإشراف على العلاج النفسى: الحالة: (4) “ترويض المخ البدائى فى المريض وأهله”

 نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 7-10-2018

السنة الثانية عشرة

العدد: 4054

من حالات الإشراف على العلاج النفسى (1)

مقدمة:

للتذكرة: اليوم الأحد هو يوم المقتطفات الإكلينيكية والعملية والإشراف.

ولا أجد مبررا للاعتذار عن طول الحالة وصعوبتها وبعض التكرار، مع قلة التعقيبات يمكنها فى البريد.. لعل محتوى حوار الإشراف تستأهل.

الحالة: (4)

ترويض المخ البدائى فى المريض وأهله

بعض ملامح الحالة:

* العلاقة المحارمية (الجزئية)

* دور الطرف الآخر (الأم)

* علاقة التشخيص بذلك

* غياب الأب وتواطؤ أفراد الأسرة

* الجنس المنفصل الناجح (حتى فى الزواج) قد لا يروِى.

* بعض التفويت لحساب الإيجابيات الجارية

* التوصية بالعودة إلى الإشراف

* القبول بقلق المعالج ومعاناته مع تعثر العلاج وتقليبه (تقليب المعالج)

* دور العلاقة العلاجية بفرد آخر من الأسرة

د. فتحى عبده:… الحالة اللى أنا عايز أتكلم فيها: هو ولد عنده 24 سنة كان دخل المستشفى، وقعد حوالى 6 أسابيع، وخرج، وهو بقاله معايا دلوقتى بقاله معايا سنتين، وكان بييجى بانتظام، وهو فى كلية “…” (قمة)، وكان عنده تعسر فى الكلية.

د. يحيى: وبعدين؟ هوا تعسر قد إيه فى الكلية؟

د. فتحى عبده:… هو اتعسر 3 سنين، كان فى سنة أولى ودلوقتى فى سنة تانية هو ماشى كويس معايا أوى، بييجى من محافظة بعيدة شوية عن مصر، أبوه مصرى ناجح مؤهل عالى، بيشتغل فى بلد عربى، وأمه مدرسة وقاعدة له دلوقتى تقريباً بقالها سنتين برضه، مش عايزة تروح شغلها تانى يعنى هى مدرسة وقاعدة متفرغة جنبه، مش عارف ليه زى ما يكون هى مبسوطة كده.

د. يحيى: له كام أخ وكام أخت؟

د. فتحى عبده: هو الكبير، له أخت واحدة أصغر منه فى كلية هنا.

د. يحيى: أبوه مسافر بقاله أد إيه؟!

د. فتحى عبده: بقاله كتير، بقاله أكتر من 10 سنين وزى ما تكون الأم عاملة اتفاق كده مع أبوه على حاجة بين الطرفين، كله راضى.

د. يحيى: مش فاهم، علاقتهم، هوّ وأبوه ببعض، أخبارها إيه؟

د. فتحى عبده: هما بينكروا إن فيه أى مشاكل، بس أنا أعتقد إنهم بيسكتوا وخلاص، لما باضغط على أبوه فى المرات اللى شفته فيها يعنى مابيتكلمش كتير فى الحته دى، بيقول: “ماشية”..، “لأه ما فيش”، “الدنيا مافيهاش حاجة”، و”الدنيا ماشية أهه”، و”أهو الولد ماشى”.

د. يحيى: السؤال؟

د. فتحى عبده: حسيت من مدة مش كبيرة ومش قليلة إن العلاقة بين الولد وأمه فيها حاجة.

د. يحيى: حاجة إيه؟

د. فتحى عبده: حاجة أوديبية، يعنى بين الأم والولد يعنى.

د. يحيى: ليه بتسميها أوديبية كده خبط لزق (2)  هوه إسم شائع وله دلالته، بس خلى بالك إحنا اتكلمنا فى الموضوع ده كتير، وقلنا إن التطور والتاريخ بيقولوا لنا إن الحاجات دى موجودة قبل أوديب وقبل سوفوكل وقبل فرويد، وأنا كتبت فى الحكاية دى كتير، وقلتها لكم، وقدمت عدة تفسيرات ونقد لتسمية العلاقات دى بالاسم ده تحديدا، فيه علاقة! ماشى..، نوصفها قبل ما نسمّيها على الأقل، يعنى هى ليست بالضرورة أوديبية بالمعنى الشائع، وبعدين إنت فاكر إنى قلت كام مرة إن أنا شفتها بتبدأ أكتر من ناحية الأم، أقصد النداء أو الجذب أو الرغبة، مش زى ما فرويد قال، يعنى الأم هيا اللى بتنادى، بتطلب، لا شعوريا غالبا، وساعات تصل لدرجة الشعور، بشكل غامض وتعبيرك “فيها حاجة” يمكن بيشاور على الغموض ده …

د. فتحى عبده: تمام!! الحقيقة الحته دى هى اللى باسأل عنها.

د. يحيى: إيه بقى! الحكاية بدأت من ناحية الأم برضه؟

د. فتحى عبده: آه من ناحية الأم، هى بادْءة من الأم، واضحه جداً.

د. يحيى: إنت متأكد؟

د. فتحى عبده: آه، دى واضحه لدرجة إن الأم يعنى بتتكلم عليها أكثر، والولد بيتكلم برضه عليها بشكل واضح، يعنى مابينكروش.

د. يحيى: يعنى إيه؟ بيقولوا إيه؟

د. فتحى عبده: يعنى مثلأ هى تيجى تعمل ازاى…، أولا هوا ما مفيش علاقة جنسية بينها وبين جوزها.

د. يحيى: نعم؟ إنت متأكد؟

د. فتحى عبده: التسوية اللى وصلت لها مع جوزها إن خلاص ما فيش حاجة، والظاهر إنها واخده الولد بديل.

د. يحيى: هى عندها دلوقتى كام سنة؟ والعلاقة منقطعة من زمان؟ من إمتى؟

د. فتحى عبده: هى دلوقتى عندها 43 سنة.

د. يحيى: وجوزها؟

د. فتحى عبده: جوزها عنده 51 – 52

د. يحيى: وانت؟

د. فتحى عبده: أنا عندى 40 سنة.

د. يحيى: ومتزوج وتعول مش كده!! يلاّ كمّل..

د. فتحى عبده: أيوه، أنا كنت منتبه لده من الأول.

د. يحيى: العلاقة منقطعة بقالها قد إيه؟ مش الراجل مسافر؟ ما هو مافيش فرصة من أصله.

د. فتحى عبده: هى بتروح له كده فى الأعياد، وبتاع…

د. يحيى: طيب ماشى، كام مرة فى السنة؟

د. فتحى عبده: الحقيقة ماعنديش معلومات كافية يعنى..

د. يحيى: سنتين يا راجل معاهم وما عندكش معلومات كافية؟!!

د. فتحى عبده: فيه صعوبة إنها تتكلم.

د. يحيى: عندك حق، بس خلى بالك المسألة مش مسألة جنس بالمعنى المباشر المنفصل، الجنس ممكن يكون ماشى تمام التمام، وما فيش علاقة برضه، وتلاقى الجوع على آخره.

د. فتحى عبده: لأ مش جنس، العلاقة عموما، عايزة كلام كتير.

د. يحيى: باقول لك إيه، هى مش جنس لكن جنس، بس ده بعدين نتكلم فيه، إنت بتشوف الأم بانتظام؟

د. فتحى عبده: أنا طلبت من فترة من حوالى 7 شهور إن أنا أشوف الأم، بقيت يعنى باشوفها بإنتظام هى والولد، يعنى، باقسّم الجلسة كده بينهم، نص ليها ونص له، ده فى محاولة إنى أنا أخلى الأم يبقى واصل لها اهتمام، لأن أنا شايف إن عندها احتياج جامد قوى، وزى ما تكون هى قفلت على الاحتياجات دى، وعوضتها بالعلأقة مع إبنها…ينام فى حضنها على طول، هى تيجى تنام جنبه من غير ما يطلب، يعنى كده.

د. يحيى: يعنى إيه؟

د. فتحى عبده: الواد كل ما ييجى يفلفص يطلع منها ويعمل علاقة مع زميلة أو حاجة، أنا بازق الولد بشكل غير مباشر فى الناحية دى، مش قصدى…، كل ماينجح مثلأ إنه هـُبّ حايعمل صحوبية مع واحده: الأم تفضل تقفّـل تقفّل تقفّل.

د. يحيى: مش ده طبيعى فى بلدنا، ولا إيه؟

د. فتحى عبده: مش قوى كده، هما مش متزمتين، كل اللى بيعمله الواد حاجات خفيفة زى مثلأ تبادل نمر موبايلات، ممكن نتقابل، حاجات زى كده.

د. يحيى: هوه بيتقابل فعلأ؟ ولا كلام؟ ولا مشاريع فى خياله؟

د. فتحى عبده: لأ بيتكلم وكده، وبيخرج ساعات مع بنات، بس الأم بتقفل عليه بشكل واضح وباستمرار، وهبْ يلاقى نفسه بعد كده إن الحكاية فشلت.

د. يحيى: لحد دلوقتى ماشفتش العلاقة الأوديبية أوى، يعنى ممكن أى أم فى مصر تقفّل على إبنها خصوصاً لما يكون كان عيان، ومتعطل فى كلية صعبة، وانت عارف..

د. فتحى عبده: ما هو برضه حضرتك، ما فيش تبرير مثلأ إن هما يناموا مع بعض فى سرير واحد.

د. يحيى: فى سرير واحد؟! فى السن دى؟ انت متأكد؟

د. فتحى عبده: أيوه، فى سرير واحد، وهو يحط إديه فى أماكن حساسة من جسمها.

د. يحيى: هى بتطلب؟ ولاّ هو بيعملها وهى بتنطش؟

د. فتحى عبده: هى بتقعد تضحك، وكإنه هزار، وهوه نفس الحكاية.

د. يحيى: طيب وانت بقى موقفك إيه؟

د. فتحى عبده: ماهى دى بقى اللى أنا عايز أتكلم فيها: الحقيقة يعنى الفترة الأخيرة دى زى ما يكون الأم بالذات بتجيب دا كمحور أساسى فى الموضوع، أنا عايز أتكلم معاها فى حياته فى كذا، هى تقوم حضرتك مرجعانى للحته دى.

د. يحيى: اللى هى إيه؟

د. فتحى عبده: اللى هى منطقة إن الولد بيجى بيحط إيده وبيضايقها والكلام ده، طول الوقت حاطه دا فى الأول ومش شايفه هى بتعمل إيه .

د. يحيى: إنت قلت لنا الولد نجح فى سنة تانية وانت عارف السنة دى، فى الكلية دى، صعبة قد إيه .

د. فتحى عبده: لأ، هوه كان متعسر فى سنة أولى ونجح، وهو دلوقتى فى سنة تانية يعنى كان متعسر فى سنة أولى سنتين ونجح, فى الحقيقة أنا مش عارف، حاسس يعنى عندى كده مخاوف إن أنا لو بدأت بقى يعنى أشتغل فى ده بشكل مباشر إنه ما ينفعش وكلام من ده، زى ما يكون حايعطله أكتر..

د. يحيى: السؤال؟

د. فتحى عبده: ما أنا قلت، هل أشتغل فى العلاقة دى بشكل واضح كده، ولا ّ أقعد أأجل أأجل؟ ولحد إمتى؟

د. يحيى: بشكل واضح إزاى يعنى؟

د. فتحى عبده: يعنى مثلأ أقول للولد ماتعملش مثلا ده الأسبوع ده لحد ما أشوفك المرة الجاية، يعنى أمنعه بصريح العبارة، حتى لو أنا عارف إن الحكاية ما تبدأشى منه، حاجة كدا، يعنى أنا باحس إن أنا كده بأُستدرَج فى منطقة أنا يمكن مش واثق فى قدرتى فيها.

د. يحيى: وأخته موقفها إيه من ده كله، مش ده قدامها؟ أخته ملاحظة ده؟

د. فتحى عبده: آه وما بتعلقشى، وساعات تضحك، آه، فيه برضه حاجة مهمة هنا: الظاهر إن هو لمّح على أخته كبديل، الولد هدد أمه يعنى، هدد أمه عشان ماتسافرش لأبوه فى العيد اللى فات، ولمـّح إن ده عشان أخته، تقريبا قال لها إنها، أخته يعنى، حاتبقى بدالها لو سافرت بس بدالها فى إيه، مافسّرشى.

د. يحيى: بدال مين؟ فى إيه؟

د. فتحى عبده: إن هو يعاكسها يعنى بدل أمه يعنى..

د. يحيى: طيب السؤال برضه؟

د. فتحى عبده: السؤال بقى هل أنا صح؟

د. يحيى: أيوه إنت صح، وأنت بتأدى دورك العلاجى بأمانة وحيرة كده، قصدى يعنى إن مش مطلوب منك غير إنك تعمل اللى تقدر عليه، وأديك بتتونس بينا لما تقف الحكاية معاك، المعالج ما يصحش يحسب اللى بيعمله طول الوقت بإنه صح ولا غلط، هو يشك فى نفسه آه، ويراجع نفسه آه، لكن لازم يعرف إنه ما يقدرشى يعمل إلا اللى عنده، ولما يكبر فى الصنعة، حايلاقى نفسه بيعمل أحسن، وفى كل مرحلة هوا صح، إحنا ما عندناش فى العلاج النفسى نموذج إجابة للصح والغلط، نقول إيه وما نقولشى إيه .

د. فتحى عبده: يعنى مفيد إن أنا يعنى، زى ما هما بيحطوا الموضوع ده فى شكل واضح كده، إنى أنا أشتغل فيه بالشكل الواضح ده؟ طيب وإذا حسيت إنى أنا بأستدرج، فى حته أنا مش عارفها؟

د. يحيى: عندك سؤال تانى ولاّ هو ده؟ عشان أنا شاعر إنى لازم أوضح أكثر شوية.

د. فتحى عبده: لأ، ده السؤال الأساسى، ماعنديش غيره تقريبا.

د. يحيى: هو طبعاً إحنا فى العلاج النفسى بنقول إن المهم هو إن إحنا نقعد مع العيان ساعة كل أسبوع، ومش مهم الباقى، حتى التشخيص بتيجى أهميته متأخرة شوية، لأن مهما كان التشخيص فى البداية، مع مرور الوقت بيتراجع ويبقى فى الخلفية، التشخيص مش هو اللى بيحدد العلاقة، لكنه مهم، وساعات إحنا ننساه خالص مع مضى المدة فى العلاج، لكن خلوا بالكم، لما أثناء العلاج نلاقى نفسنا فى أعماق غريبة، أو تظهر صعوبة حقيقية مش عارفين لها حل، تبص تلاقى التشخيص بينط لوحده فى مخك، الواحد بينسى التشخيص من كتر ما هو مصاحب العيان، نرجع مرجوعنا للولد ده بالذات، وإنه دخل المستشفى، هبْ، هو حد فى السن دى، والظروف الاجتماعية دى يدخل المستشفى، ويقعد المدة دى إلا لما تكون الحكاية جد جد، ويكون التشخيص يستاهل، مش عايز أقول أسامى أمراض وكلام من ده، هوا التشخيص كان إيه يا دكتور فتحى؟

د. فتحى عبده: فصام.

د. يحيى: طبعا إنت عارف إن كلمة فصام دى بالنسبة لنا إحنا بالذات ما تخوفشى، وأديك قاعد معاه أهه بقالك سنتين، والواد نجح بفضل الله وفضلك، زملاءنا بتوع الكيميا، والأسامى، ويفط التشخيص، والاتنين فى اتنين باربعة، متصورين إنك لما تقول فصام يبقى كله زى كله، لأ طبعا، المسألة دى فى العلاج الكيماوى الميكانيكى أول ما تقول فصام يبقى عكّمه دوا وخلاص، إنت فى العلاج النفسى، تقول فصام تلاقى نفسك فى عمق الوجود شخصيا،..وتبتدى تحسبها واحدة واحدة، كل عيان غير التانى، عندنا أهه فى الجدع ده بالذات، كونه يستمر المدة دى معاك، دا إنجاز محترم لك وله،..اللى أنت وصلت له دا جيد لك وله. بس الزنقة اللى انت فيها دى تخلينا نعيد ترتيب أوراقنا:

إحنا لما كنا بنتكلم على حكاية البدائية فى الغرائز أو فى العواطف أو فى الجنس، قلت لكم إن الأصل هو إن ما فيش موانع بيولوجية تمنع أى علاقة جنسية بين واحد وواحدة، وأظن أنا حكيت لكم على حكاية الأم الطيبة، اللى كان عندها 56 سنة وإبنها اللى اتهجم عليها جنسيا، ما علشى حاحكيها تانى للى ماسمعهاش:

الكلام ده كان وانا نائب سنة 58 /59، الست دى كانت متجوزة وعندها خمس ست عيال، وسنها 56 وعمرها ما تعرف يعنى إيه إن الست “توصل” أو ما “توصلشى” (أورجازم يعنى)، طبعا أنا ما سألتهاش، مش هيا اللى عيانه، ده ابنها، ده جه بعدين، المهم إبنها كان شاب حوالى فى سن الشاب ده، وكان بياخد جلسات كهرباء (اللى بنسميها دلوقتى تنظيم إيقاع)، وكنت باشوفه بانتظام حتى بين الجلسات، المهم بعد جلسة من الجلسات دى جت له حالة تهيج على أمه، تهيج جنسى، وهجم عليها وحاول، وهى زقته جامد، واترعبت، لكن خافت تقول لأبوه وجت قالت لى أنا، أنا ساعتها كنت صغير، الكلام ده  كان سنة 59 بقى، ولا سميت الحكاية أوديب ولا حاجة، كنت لسه ما تفالـْـحـَـسـْـتـِـشْ، ولا حطيت فروض بديلة ولا يحزنون، قلت لها معلشى دا عيان ولما حايكمل علاج حا يبقى كويس، بس خلى بالك، وكلام من ده، الوليه الطيبه صدقت، والواد ما عملهاش تانى، وبعدين فى الجلسة اللى بعدها طلبت الأم إنها تقابلنى وحدها وهى فى غاية الخجل والتردد، أنا تصورت إنها حاتقول إنه حاول تانى، سألتها، قالت أبدا، ودعت لى وكلام من ده، قلت لها إمال إيه؟ بصت فى الأرض ووشها أحمر، خليكوا فاكرين أنا قلت لكم عندها 56 سنة، حكت لى بخجل شديد وطيبة إنها بعد إبنها ما عمل كده، وكررت إنه ما عملشى حاجة تانية من دى بعد أول مرة، أمال إيه يا ستى؟ فيه إيه؟ قالت وهى بتبص فى الأرض زى بنت عندها تلاتاشر سنة، قالت لى إنها بعد الحكاية دى، لما نامت مع جوزها عادى، جوزها أبو الواد ده، حست بانبساط جامد وجسمها كله اتهز، حاجة عمرها ما حست بيها طول الكام وتلاتين سنة اللى خلفت فيهم العيال دول كلهم، وقالت لى إنها اتخضت وهى مكسوفة وخايفة بصحيح، وإنها افتكرت إن ده حرام، وخافت تنام مع جوزها تانى، وفضلت إنها تييجى تسألنى تعمل إيه؟

طبعا أنا كنت صغير، بقيت مش عارف هى بتسأل تعمل إيه فى إيه، يا ستى دا جوزك، مبروك، دا شرع الله، وهى أبداً، إمال ما حصلشى قبل كده ليه؟ وتستغفر وتعيط!!!، وأنا لسـَّه ما ربطتش نهائى ساعتها بين هجوم إبنها عليها وبين اللى حصل، الحمد لله الواد اتحسن، وقلت لها الكلمتين اللى كنت عارفهم مرة واتنين، ودَعـِت لى ومشيت، طبعا ما سألتهاش بعد كده عملت إيه، وهى ما فتحتش الموضوع، لكن لما كنت باشوفها كنت بالاقى الطيبة زادت، ووشها منور، وأيامها ما رضيتشى أزود حتى لنفسى فى التفسير.

 الحكاية دى يا دكتور فتحى بقالها أكتر من نص قرن، طبعا بعد كده لما اشتغلت غوّطت فى قراية التحليل النفسى، وأوديب ومش أوديب انتبهت لمعنى دا كله، ولاحظت كتر الحالات اللى الأم فيها بتشارك فى الجذب المتبادل – لاشعوريا غالبا، أنا شخصيا ماشفتش الحالات دى بالوضوح ده إلاّ مع الذهانيين (المرضى العقليين)، وده خلانى أزيد احترامى لفرويد بصراحة–برغم اختلافى فى تفاصيل كتيرة معاه فى المسألة دى (وغيرها) إلا أنى أعترف إنى ما شفتش الظاهرة دى بتاع المحارم والأم بالذات إلا فى الذهانيين (المرضى العقليين) يعنى ماشفتهاش صريحة بالشكل ده، فرويد ما كانشى بيعالج (بيحلل) ذهانيين، ومع ذلك وصفها زى ما أنا باشوفها فى المرضى العقليين تمام التمام.

نرجع مرجوعنا للحالة بتاعتنا دى، قلنا إزاى إن التشخيص ينط فى مخك لما نحتاجه، الجدع ده كان فصامى، يعنى إحنا جوه قوى، يبقى نحسبها صح بقى، المسألة مش مسألة قلة أدب، وعقد وكلام من ده، الست بتاعة القصر العينى من خمسين سنة بتعلمنا إن المستوى البدائى اللى بينط فى الفصام من إبنها قدر يحرك فيها اللى ما قدرشى يحركه الجنس مع جوزها اللى جابت منه خمس ست عيال، غير الواجبات المنزلية السريرية عمال على بطال، يبقى المستوى البدائى اللى بيطلع فى المرض الخطير اللى زى ده، له دلالة لو استوعبناه، يبقى ما يصحش نبص للحالة دى منفصلة لا عن التشخيص بتاع الولد، ولا عن علاقة الست أم الجدع بتاعك ده بجوزها المسافر، وحتى لما بتسافر له زى ما انت قلت أو شاورت، مابتسافرشى كلها على بعضها، برضه مابيحصلشى حاجة، الحتة البدائية اللى أنا باشاور عليها اللى هى بتثير النسوان وتثير الرجالة ولها قيمة حيوية حقيقية، ما يصحش نرفضها من حيث المبدأ، لكن إحنا ما بنقفشى عندها، خلى بالك، ولا بنسقف لها لوحدها، إنت هنا بتعامل واحد فصامى، مهما كانت الأعراض الكبيرة بتاعة المرض اختفت، هو –فى الأغلب بدون قصد فى الأول- أثار فى أمه حتة بدائية فى تاريخ التطور قصاد الحتة البدائية اللى اتحركت عنده بالمرض، مش معنى كده إن الفصام بيحرك الجنس بدائى أو غير بدائى، هوا بيحرك الوجود البدائى ومن ضمنه الجنس ساعات، وبرضه ساعات تانية بيموّته، بيلغيه حسب مرحلة البدائية، فيه بدائية قبل ظهور الجنس من أصله، كل حاجة ولها حاجة، إحنا بنحاول نحط فرض يساعدك فى الزنقة دى.

وانت بتفكر فى الفرض ده، حاتلاقى نفسك فى منطقة عايزة منك موقف مسئول ونـَفَس طويل زى ما انت بتعمل كده،

الغريب فى الحالة دى إن الأم هى اللى بتصدر الموضوع لك أثناء العلاج، وتتكلم عنه وتخليه على الوش، بتبقى انت مش عارف هى بتشتكى، ولا بتاخد منك إذن خفى، ولا بتحاول توهم نفسها إنها بتعمل اللى عليها، وأهو الواد عيان بقى؟!! إنت يا دكتور فتحى لازم تستحمل ده كله من غير ما تستعجل وتدمغها، وفى نفس الوقت تاخد بالك من التعود، والتمادى، وأخته، وكلام من ده. اللى أنا تصورته إن الأم دى ما بتصدرش الموضوع عشان يتحل، كأنها بتحكى وتقول وتعيد علشان يمكن الإعلان يديله مشروعية بشكل والسلام، كلمة غريبة شوية دى اللى أنا استعملتها دلوقتى، هو فيه حاجة إسمها مشروعية فى مسألة زى دى؟ ما علينا نفكر فيها بعدين، يمكن قصدى إن إعلان العلاقة، وتكرار ذلك، لمعالج متحمِّل زيك، بتديها فرصة إنها ما تظهرشى قدام نفسها أساسا كأنها متهمة، وبالشكل ده تفضل ماسكة خيوط الحدوته كلها مادام هى أعلنتها لك، ويمكن تطمّن إنك انت حتدور على أصل وفصل الحكاية بقى بطريقتك، فبالتالى هى تخليك إنت تشتغل فى الجزء المتاح فقط اللى هى سمحت بيه وكلام من ده. خلى بالك بعد الحكاية ما بتبتدى، من الواد، من أمه مش مهم، بتستمر لوحدها من الاتنين بقى، ولا إحنا محتاجين نتمسح فى عقدة أوديب ولا عقدة خصاء ولا كلام من ده، دا مستوى بدائى بيلاغى مستوى بدائى، وربنا يستر، خلى بالك مجرد قبولك ده وانت فى مرحلة تدريبك دى، صعب جدا، أنا مثلا قبلت الست بتاع القصر العينى من خمسين سنة، لأنها هى نفسها عملت شغل بسيط وسريع، وما كانش فيه أى مشكلة بعد ما الواد اتحسن، والست ما اشتكتشى من الواد، دا هى كانت مكسوفة من نفسها إنها انبسطت، مع جوزها -اللى هوّا أبوه- فى الحلال.

المسألة هنا زى ما انت شايف، الفروق بين الحالات، وبين نوع العلاقة، وبين المستوى الاجتماعى: طبقة غير الطبقة، وظروف غير الظروف، الراجل أبو الواد بتاعك ده خالع بقى وبتاع، غير إنه مسافر، والست مش حاقول مستسهلة، إنما بتتسحب وهى عاملة مش واخدة بالها نص نص، والواد عيان، أو حتى كان عيان بمرض من اللى بيقلـّـب اللى جوانا قوى، بصراحة الله يكون فى عونك، طبعا ما تنساش دور الدوا هنا مهم جدا، لأنه بيهمد الحتة البدائية بانتقاء رائع.

د. فتحى عبده: طيب دا عند الواد، والست نعملّها إيه؟

 د. يحيى: الله يكون فى عونك وباشكرك على صبرك وانتباهك بصحيح.

د. فتحى عبده: لما باخش فيها جامد يعنى بتوقّف الحاجات شوية، لكن لأه، أنا عايز أستريح شوية.

د. يحيى: تستريح من إيه، هوا ده اختيار بإيدنا، دى مسئولية، أنا قلت لك هى حالة شديدة الصعوبة، الحالة صعبة يابنى وعاوزه وقت وشغل مع نفسك علشان تستحمل وتحذر من أى تمادى! وتعرضها تانى وتالت كل ما تلاقى فيه داعى.

د. فتحى عبده: يعنى دلوقتى أعمل إيه؟

د. يحيى: قلنا نبتدى بالدوا، تعدل الجرعة شويتين وتنشن على المخ البدائى.

د. فتحى عبده: وبعدين؟!

د. يحيى: وبعدين بتشتغل فى الموضوع خفيف خفيف، لكن تشتغل برضه أكتر فى مناطق بعيدة عن الموضوع ده، فى مواضيع يجوز تحل محله، يعنى الست دى لو لقت احتياجها الإنسانى إنها تتشاف، إعتراف بحرمانها من غير لغوصة، وفى نفس الوقت إحنا همّدنا الجزء البدائى عند الواد بالدوا، يمكن نقدر نقطع الحلقة المفرغة المهببة دى، وساعتها لما تقول له يعنى ماينامش معاها فى السرير يبقى الكلام حاجة تانية، مش مجرد قهر مش حايتنفذ، وتقعد تتبع وتشوف نـِـفـِـع ولا ما نفعشى، وتستمر عجلة المذاكرة والكلية واللعب شغالة، خصوصا اللعب الجماعى يا شيخ؟! تراكم الرسائل الإيجابية بالشكل ده يديك فرصة تحقق التغيير مش بمجرد الحكم بالعيب والحرام، لأ، تغيير بحق وحقيق، يجوز تروح تلاقى هُبْ الوضع اتغير والمجتمع السليم تبع المخ الحديث اللى جواها وجواه ابتدا يشتغل صح.

وبعدين خلى بالك إنت عملت عمل مهم جدا، إنك قدرت تحافظ على علاقة طيبة، لها نتائج واضحة مع واحد فصامى فى ظروف مهببة لمدة سنتين، هوا دا شوية يا شيخ، أديك ماشى، بس لازم تهتم بالتفاصيل كلها، مش بس المذاكرة والكلية، ما فيش شىء على حساب شىء، ومن حقك إذا ما التزموش بتعليماتك حتة بحتة إنك تنذرهم بعد ما حققت دا كله، يعنى: ياتسمعوا كلامى فى جزئية صغيرة زى السرير، زى الغرفة، زى التحسيس، يا مش حاينفع أكمّل، وكل شوية، كل ما تزداد ثقتهم فيك، وعلاقتهم بيك، تزود جزئية فى التعليمات والشروط، يبقى فيه فرق بين موقفك الأخلاقى وموقفك العلاجى، إنت مش بتزود جزئية تحذير علشان إن اللى بيعملوه ده عيب، لأ إنت بتزود جزئية تحذير علشان البُنا اللى إنت بتبنيه مع المريض من أول وجديد يطلع دور بدور، ما نفضلشى فى البدروم طول العمر..

د. فتحى عبده: طيب وهى، أمه يعنى… …؟

د. يحيى: لا ما يهمكشى، إن شاء الله خير، هى لما حتلاقى منك موقف صلب، وفى نفس الوقت خالى من الحكم الفوقى عليها، غالبا حاتنتبه وتحترم اللى بيوصلها منك، وتحترم نفسها حتى مع الحرمان، ماهو إذا كان ليك أى قيمة حضورية فى وعى مثل هذه السيدات المحتاجات بتقوم بدور رائع وطيب، هيا يعنى محتاجة جنس قوى قوى كده لدرجة اللخبطة دى، ولاّ يعنى الحكاية دى مع إبنها بترضيها جنسيا؟!!! العلاقة العلاجية لما تكون طيبة ومحيطة وهادئة ودافئة وقوية وواضحة، بتقوم بأدوار كتير إحنا ما نعرفهاش، وما فيش داعى نـِـنـَـظـَّـر كتير، المهم النتائج أول بأول.

بأمانة حقيقية أنا أرجح إن الست دى، دلوقتى على الأقل، وإبنها عيان ودخل المسشفى وكلام من ده، ماهياش محتاجة جنس بدائى منفصل لذَى قوى النهارده، ثم إن الجنس لما بيبقى جزء من حدوتة العلاقة الكلية، والعلاقة العلاجية مفروض إنها كلية، بتلاقى الحكاية تمشى، ويمكن تستغنى عن الجنس المنفصل، ولو مؤقتا، يعنى تستغنى عن بعض جزئيات مش حاضرة وجاهزة، ده عكس لما جزئية زى الجنس تنفصل، فى الحالة دى بتبقى مثارة من نشاط المخ البدائى عند إبن مريض، وتبقى مصيبة لما تثير الحتة اللى قصادها عند حد له علاقة بيه زى كده، تحصل البهدلة والمضاعفات زى ما انت شايف.

معلشى ماعدشى فيه وقت، الحالة صعبة وده يوريكم حاجة مهمة غير العلاج النفسى والإشراف والكلام ده، يمكن يوريكم ليه أنا مهتم بالشيزوفرينيا، إحنا من غير ما نقلّب فى حالات شيزوفرينيا مش ممكن نعرف اللى جوه قوى فى البنى آدمين كده، وبالطريقة المباشرة دى، ثم تلاحظوا إن إحنا بنكسر الإشاعة اللى بتقول الفصام ما يتعالجشى بالعلاج النفسى إلا تدعيم وتفويت وكلام فارغ، لا، مافيش كلام من ده، العلاج علاج، وبرضه تاخدوا بالكوا إزاى اللعب والتنغيم بين الدوا، والعلاقة بالمريض، والعلاقة بأهله على كل المستويات، على فكرة هى مش صعبة قوى إلا وإحنا بنحكّى ونشرح بس

اللى بيلاقى فرصه يشتغل مع عيان فصامى مدة طويلة، بيتعلم ضمنا كل الحالات الأقل من كده، وأظن أنا قلت قبل كده: لو عرفت حالة واحدة فصام بعمق كاف ولمدة سنين طويلة حا تقدر تعرف كل حالة غيرها، أو أغلب الحالات التانية، فما بالك إذا كان علاج نفسى.

****

 التعقيب والحوار:

أ. عبده السيد على:

صعب جدا انى ماحكمش على الأم من فوق وأقبل الحكاية دى، صعبة جدا جدا.

د. يحيى:

هذا صحيح، ولكن ماذا نفعل فى ما هو صعب

 موقفنا من الصعب يختلف، وهذه بعض التنويعات

* أن ندعى أنه ليس صعبا (ولاحاجة) وهات يا “تلبيخ”

* أن نبالغ فى الصعوبة حتى تصبح مستحيلا، فنجد ما يبرر مزيدا من العجز.

* إن نواجه مسؤليتنا وعجزنا معا، ونعمل ما نستطيع، ونستعين ببعضنا البعض، وربنا يقدرنا على ما لانستطيع، ويعيننا فيما نستطيع

* ما رأيك؟

د. محمد يحيى الرخاوى:

ما زلت أحب هذا النشاط وهذا النشر بالعامية، كما أحببت غياب التعليقات الشارحة حيث الشرح متوفر بالجلسة أصلاً وكاف.

… ما يشغلنى الآن هو: لماذا يبدو هذا التفريغ لكلام أصله شفاهى بهذا الوضوح بالمقارنة بالكلام الفصيح المجرد؟

… كان الخطاب هنا أكثر تواصلية ووضوحاً، بل ربما قل الظلم الذى لا بد أن تتعرض له كل فكرة تبحث عن التعبير عنها.

… يبدو أنه ليس من الضرورى إن يكون المخاطب مهيباً بقدر ما هو من الضرورى أن يكون الخطاب واضحاً محدداً.
شكراً على هذه الحالة.

د. يحيى:

أشكرك على مواصلة التعقيب.

  
                                    

[1] – من كتاب (“بعض معالم العلاج النفسى” من خلال الإشراف عليه (1 إلى 20) منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2017)، والكتاب يوجد فى الطبعة الورقية  فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى للتدريب والبحوث: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط  www.rakhawy.net ، ونكرر التنويه أن كل الأسماء مستعارة.

[2] – قدمت الأفكار المبدئية للفروض التى أعدت من خلالها تفسير ورؤية ما يسمى “عقدة أوديبيه” فى ندوة من ندوات جمعية الطب النفسى التطورى، ويوجد إشارات للمسودة فى الموقع www.rakhawy.net.

 

النشرة السابقة 1النشرة التالية 1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *