نشرة “الإنسان والتطور”
الخميس: 16 – 5 – 2013
السنة السادسة
العدد: 2085
بعض قراءات محفوظ فى الأدب الروائى خاصه (5)
بقية ص 110 من الكراسة الأولى (7)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . ، الحرب والسلام،
أنا كارنينا، الفرسان دوما، الجبل
السحرى، الكراسى الموسيقية، يوسف
وأخوته، فاوست، اللصوص، الزنبقة
السوداء البحث عن الزمن المفقود، الشيخ والبحر
موبى ديك (ك.غ ؟؟ ربما:) جرثيا
نجيب محفوظ
أم كلثوم نجيب محفوظ
فاطمة نجيب محفوظ
مقدمة:
مازلنا نتعلم كل هذا من صفحة واحدة (110)!!، لابد أن ننحنى احتراما، ونقترب حبا لمن أتاح لنا أن نعرف أن الإبداع هو نتيجة جماع وجهد المثابرة، ومسؤولية التلقى، وتواضع الأخذ، ورقة الصحبة، مع كل المتاح مما يمكّننا أن نواكب الخالد ونحن نقول جديدا، هذا لمن أراد أن يواصل هذه المسيرة البشرية التى هى أعلى مراتب ما أكرم ربنا عبده الإنسان بها، خاصة أننى أكتشفت مصادفة فى هذه الورقة الواحدة عددا وفيرا من الحاصلين على نوبل من ضيوف الأستاذ وكأنه دعانا إلى وليمة للتعارف، ودعانى شخصيا إلى احترام هذه الجائزة ليس لأنه نالها، ولكن لأن كل هؤلاء حصلوا عليها، مع إشارة منه – فى صفحة واحدة – لبعض أعمالهم لعل الجهلة والمقصرين أمثالى يلحقون بعض ما فاتهم بفضله.
وبعد
وصلنا الأسبوع الماضى إلى ألكسندر دوماس فى “الفرسان الثلاثة“، ثم “الزئبقة السوداء“، لنرجع الآن إلى بعض ما تبقى لنا فى هذه الصفحة التى يبدو أنها لن تنتهى أبدا.
العمل التالى الذى هدانى إليه شيخى كان “الجبل السحرى“، وبصراحة: مثل “الزئبقة السوداء” أنا لم أسمع عنه من قبل، وربما لم يسمع الكثيرون مثلى عنه، من أدرانى به؟ لكن لابد أن شيخى قرأه رواية رائعة حتى امتلأ به ليطفو على سطح وعيه هكذا بين هذه الأعمال الخالده، يا ترى! ماذا عندك يا سيدنا جوجل عن هذا العمل وصاحبه إكراما لهذا العقل الفريد شيخنا الجميل، وتحقيقا لرغتبه أن نواصل التعلم بفضله؟
ولأننى جاهل لم أقرأ أغلب توماس مان، ولا أعرف عنه شخصا ما ينبغى، فلابد أننى كنت سوف أسأل شيخى عنه، فيحكى لى المختصر المفيد، ليعرفنى أنه أديب ألمانى ولد سنة 1875 وتوفي سنة 1955 وأنه حصل على جائزة نوبل في الأدب لسنة 1929.
أنا أعرف تواضع شيخى حين نحدثه عن هذا المحيط الإلكترونى من المعلومات، فيسألنا عن مدى استفادتنا منه، فنحكى له ما تيسر، فينبهر ويغبطنا، ويعجب كيف أنه يوفر كل هذا الوقت، ويتحفنا بكل هذه المعلومات مجانا، وأرجح أنه كان سيطلب منى أن أكمل معلوماتى عن توماس مان منه مادام بكل هذا الكرم، وذلك بعد أن عرف علاقتى بهذا الشيخ الالكترونى “جوجل” الطيب، وأيضا كان سوف يطلب منى فى اللقاء التالى، أن أخبره بالجديد، إن كان هناك جديد، وكنت سوف أحكى له عن ما شدنى من سيرته بصفة شخصية مثل: أن أباه كان من كبار تجار الغلال، وتبوأ منصب عمدة لوبيك مرتين، فضلا على أنه كان عضوا في مجلس الشيوخ، وأن أخاه الكبير “هاينريش مان” هو أيضا روائى مهم، وأن توماس الطفل كره المدرسة ولم يحصل على شهادة الثانوية، وأثناء دراسته كان يستمد متعته من المسرح الصغير الذي أقامه أخوه الكبير في البيت، وأنه أقبل على قراءة حكايات هانز كريستيان أندرسون، وأساطير هوميروس. وحين وصلت فى الحكى إلى هذه المعلومة عن قراءته لهانز كريستيان أندرسون، وأنا مازلت أقرأه وأعيد قراءته حتى الآن، كنت سأعرج مع شيخى إلى كيف أنى لم أتعرف على المعنى الأعمق لما هو الشعر، إلا من حكايات أندرسون وأحلام فترة النقاهة، ثم أضيف له عن توماس مان أنه ما أن بلغ الخامسة عشر من عمره حتى توفى أباه واضطرت أسرته إلى غلق المؤسسة التجارية التى تركها، وإلى بيع المنزل بما فيه من أثاث، ونزحت الأم الأرملة بأولادها الصغار إلى مدينة ميونخ، بينما بقى توماس مع أخيه هاينريش ليستكمل دراسته في لوبيك. وفي تلك الفترة بدأ توماس ينظم الشعر العاطفي ويقلد جوته وشيلر وهاينه. وعند بلوغه التاسعة عشرة من عمره، نزح هو الآخر لميونخ، حيث توجه للدراسة في الجامعة التقنية، وحصل على عمل بإحدى شركات التأمين ومارس الصحافة في مجلة أسبوعية كان يصدرها أخوه. وبعد ذلك بعامين سافر مع أخيه إلى إيطاليا حيث مكث فيها عامين، وهناك بدأ كتابة أول رواية له بعنوان “آل بودنبركس”.
وقد حصل توماس مان على جائزة نوبل فى الأدب سنة 1929 كما ذكرنا، وشدنى من سيرته كيف تلقى النبأ، وقارنت بين ذلك وبين ما حكاه لنا شيخى محفوظ وتوفيق صالح على كيف تلقى النبأ
ولكن دعونا نقرأ أولا كيف تلقى “مان” الخبر وهو كما يلى:
فى الثانى عشر من كانون الأول/ ديسسمبر من سنة 1929 تلقى توماس مان خبرا سارا من ابنته إليزابيث وولده مايكل عن طريق رسالة تلغراف تفيد بأن والدهما حاز على جائزة نوبل للأدب. لكن الأديب الألمانى أخذ الأمر بهدوء تام وأجاب بطريقة متكبرة: “كنت انتظر ذلك.” وقد قدم الكاتب الألماني الشهير هذه الجائزة إلى شعبه بعبارة “سأقدم هذه الجائزة العالمية التي تحمل بالصدفة اسمى لشعبى ولبلدى.”
وعندما تذكرت ما سمعته عن ظروف تلقى شيخنا نبأ نوبل، قلت هذا هو الفرق، وإليكم ما أثبته فى كتابى “فى شرف صحبة نجيب محفوظ” : نشرة4-3-2010
“… (قدمت لنا زوجة الأستاذ توفيق صالح بصلا أخضرا جميلا مع شوربة العدس الساخنة).. فيتذكر الأستاذ توفيق (صالح) حادثة طريفة عن البصل، فقد علم هو والأستاذ (وكلاهما عنده ما يسمى السكرى: مرض السكر)، أن البصل دواء للسكر، فقررا أن يتناولا فى طعام الغذاء يوميا بصلا، وفى أول يوم تناول الأستاذ البصل ظُهرا أيقظوه على نبأ فوزه بجائزة نوبل، فحدث ارتباط سعيد طريف بين ما هو بصل، وما هو نوبل. ثم يكمل شيخنا: أن سفير السويد حين حضر فى المساء ليهنئ الأستاذ فى المنزل، ودار الحوار، تذكر الأستاذ فجأة حكاية البصل هذه وما تناوله منه على الغذاء، فخجل أن تكون ثمة رائحة متبقية، وبرقته المعهودة وخجله الدمث راح ينظر بعيدا وهو يكلم السفير، ويشيح بوجهه قليلا أو كثيرا عن رأس السفير، وهو يحاول أن يجنبه رائحة فمه كما يظن، وضحك الأستاذ – وتوفيق يقص علىّ القصة- فى طفولة رائقة، وكأن خجله عاوده، لكن ما عاد يهمه!”
هذا، وقد قيل أن توماس مان سار على خطى “جوته” ولست أعرف كيف سار الكاتب الشهير الذى أطلق عليه أبناؤه اسم (الساحر) على خطى أبو الأدب الألمانى جوته (Goethe). كما قيل أن ذلك قد ساعده على النجاح الأكبر فى الحياة الأدبية. وربما كان لهذا الاقتداء السبب المباشر لاعتبار توماس مان أحد أبرز الأشخاص الكلاسيكيين فى عصر الأدب الألمانى، ومازلت أتعجب حتى الرفض أن يكون الأمر كذلك.
نرجع مرجوعنا إلى روايتة: “الجبل السحرى” التى جاءت فى هذه الصفحة
“الجبل السحرى” (أو الجبل الساحر) هى رواية نُشرت في عام 1924. وهناك من يعتبرها أهم رواية لتوماس مان، بل هناك من يبالغ أكثر فيقول إنها أهم رواية كلاسيكية في الأدب الألماني في القرن العشرين وتمت ترجمتها إلى لغات عديدة.
بدأ توماس مان كتابة الرواية في عام 1912، بعد زيارته لزوجته في المصحة (الصدرية) في دافوس. واعتبرها في البداية رواية قصيرة، ولكنها في النهاية أصبحت عملا أكبر من ذلك بكثير. تحكي الرواية بقاء بطلها الرئيسي، الشباب هانز كاستروب، في مصحة في جبال الألب السويسرية، التي دخلها في البداية فقط كزائر. وقد تم وصف العمل كرواية فلسفية، (1) وكان “الزمن” محورا جوهريا فى تشكيلها لدرجة أن المؤلف نفسه أطلق عليها “رواية الزمن”.
ذكر المؤلف في مقدمة الرواية، أنه جاءته الفكرة الأولية لتسمية الرواية بالجبل السحري بعد إقامة زوجته، كاتيا، في مصحة والد في دافوس في عام 1912. وكانت تحكي تفاصيل حياتها اليومية في المصحة لزوجها في عدة رسائل. كما ذكرت فى مذكراتها ذات مرة قائلة:
“كنت قد أشرت له إلى عدة أشياء وصفتها له، وبالفعل، أدرجها في روايته مع تغيير الاسماء”.
انقطع عمل مان في الرواية من قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى. واستأنفه فى عام 1920، على الرغم من أنه كان متقطع. ولا أعرف كيف تعيش الرواية فى وعى كاتبها سنوات هكذا، ثم تكتمل وكأنها كتبت فى ليلة واحدة، خاصة إذا تذكرنا أنه، خلال عملية إبداع الرواية، تغيرت الأحوال السياسية كما لابد وأنه قد تغيرت وجهات النظر عامة، ولابد أن مان قد تغير أيضا، وهذا فعلا ما حدث ولكننى لا أعرف تأثير ذلك على أحداث الرواية تحديدا.
وأخيراً:
كنت أتمنى أن أحصل على الرواية كاملة (مثلما حدث سابقا مع الزنبقة السوداء) لأنتهز الفرصة لأقرأها وأقدم رأيى فيها وأقدمها هدية من الأستاذ، إلى أننى كنت قد حصلت على ما تصورت أنه الأهم وهو رواية “اللصوص” لوليم فوكنر (وقد جاء لفظ “اللصوص” أيضا فى نفس هذه الصفحة النوبلية) وبدأت فى قراءتها، فرحان بأن التى نقلتها إلى العربية (لم تقل ترجمتها) هى الناقدة المبدعة “خالدة سعيد” التى مازلت معجبا بكتابها “حركية الإبداع” مما قد أشير إليه وأنا أقدم اللصوص الأسبوع القادم (أو متى أتم قراءتها)!
[1] – .. كنت أحسب هذا التصنيف “رواية فلسفية” هو تصنيف حديث حين استعمله الكاتب الناقد يوسف الشارونى فى نقد الجزأين الأول والثانى: الواقعة & مدرسة العراة من ثلاثيتى “المشى على الصراط”.