“يوميا” الإنسان والتطور
11 / 9 / 2007
11 /9 الشهير بـ 9/11
“المجرمون أوْلى بالمواجهة”
كنت أنوى أن أكتب اليوم فى أمر مهم بعنوان “لماذا أكتب، ولمن”؟ بل إننى كنت أود أن أجعل العنوان أكثر عمومية وهو : لماذا نكتب؟ لمن؟ وإلى متى؟، بل إنه خطر ببالى أن أقوم ببحث بسيط – كما يفعلون فى بلاد الفرنجة- وأرسل استبارا (يعنى شوية أسئلة) لكل من أعرف ممن يكتبون، ثم أجمع الردود وأعلق بدءا بنفسى، لكننى فوجئت –للأسف– أن اليوم هو 11 سبتمبر، ولا مؤاخذة!!!!!!!! فقلت، لا “المجرمون أولى بالمواجهة“، ثم إننى تصورت أنه يمكن الربط بين الأمرين، بمعنى: لماذا أكتب، ويكتب الذين يكتبون عبر العالم، عن هذا اليوم كل عام؟ الكتابة إياها قد تكون تذكرة بأن الإرهاب الِبْنلاَدنْى (الإسلامى) “وحش جدا جدا”، وبالتالى تصبح هذه الكتابة، وما أقلها وأتفهها، تبريرا للإرهاب الرسمى السلطوى العوْلمى الجارى والمتمادى. على الجانب الآخر نجد الكتابة فى الاتجاه العكسى انطلاقا للتشكيك فى تفسير ما جرى باعتباره ليس إلا ملعوب المؤامرة الأمريكية التى ضحَّت بكل هذه الألوف من الأمريكيين، ثم من البَشَر، تبريرا للحروب التى تلتها لاتمام خطة الاستيلاء على البترول والعالم، كما أظهر ذلك بكل وضوح كتاب “نظرية المؤامرة” للكاتب الألمانى “ماتياس بروكرز”. سواء كان هذا أو ذاك فما الذى يمكن أن يضاف اليوم فى هذه الذكرى؟ وهل ما سوف يضاف كتابةً سوف يغير شيئا بعد مضى هذه الأعوام الست؟ حتى هذا الشريط الأخير الذى أذيع منذ أيام لبن لادن، والذى أكدت المخابرات الأمريكية فى صحف اليوم (10/9/2007 ) أنه صوته الحقيقى، لتؤكد اعترافه المشبوه بأحداث 9/11 ليتدعم موقف السيد بوش وكأنه ما قام ويقوم به إلا لحماية شعبه والعالم من “المسلم الشيطان” فى كل مكان؟ أقول حتى هذا الشريط، وبعد تأييد الخبراء الأمريكيين على أنه صوت بن لادن، خالجنى شك فى صحته. التكنولوجيا التى نعرفها، والتى لا نعرفها، قادرة على كل شىء، بما ذلك التزوير المتقن لأى شئ.
ممارستى الطب النفسى، وما أتابعه من ألعاب شركات الدواء بعقول الأطباء، وجهود العلماء، واستيلائها الفعلى على المجلاّت التى يقال لها علمية، بالإعلانات وغير الإعلانات، وبقلب الحقائق، والعبث بصحة المرضى، وأموالهم، وباقتصاد الحكومات وسياساتها، كل ذلك لتزيد من مكسبها لا أكثر ولا أقل، هذه الممارسة التى أمارسها يوميا، لا أملك إلا أن أعممها على شركات السلاح وشركات البترول بوجه خاص، التى أرجح أنها المسئولة عن الإبادة والخراب المهددين لبقاء البشر والحياة.
أنا مازلت أتساءل سؤالا يبدو طفليا لكل من يحيطنى: هل يمكن أن يكون المال (مهما بلغ قدْره جداً جداً)، مبررا لكل هذا الانحراف البشرى حتى إبادة النوع برمته؟ ومع أننى طبيب نفسى – فى الأغلب – فإننى أنتظر الإجابة من غيرى، ولا أجدها، يقولون لى عادة: المال هو الوسيلة الأقوى لامتلاك السلطة، فأقول لهم : لكنهم يمتلكون السلطة لجمع المزيد من المال، فيظل السؤال قائما. أقول هذا وأنا –شخصيا- أملك أموالا تفيض عن حاجتى كثيرا جدا، ولا أجد جوابا. هؤلاء الكانزون المكتنزون يضحكون على من؟ على أنفسهم؟ إلى متى؟ هل هذا الدبليو وهو يتمشى بين جنوده فى العراق ورائحة الجثث تفوح من كل شبر بفضل تحريره لهؤلاء الذين استعبدهم وغدٌ طاغية أقبح وأذكى وأقدر منه، هل هو راض عن وجوده البشرى الفردى حين يذهب للنوم؟ وكيف يستطيع أن يضع رأسه على الوسادة كل ليلة، أى تركيب حيوى هذا؟ (لا أقول بشرى، بل حيوى؟)، وكيف يرى نفسه وهو يلعب مع الست كوندى التنس؟ أو وهو يحتسى كوب اللبن فى الصباح، ..الخ.
الله يخرب بيته، هو لا يستأهل أن أتمادى فى سبه أكثر من هذا؟
كلما حضر لى أحد الشبان أو الشابات مندوبا لشركة دواء من التى لا هم لها إلا أن تشوه الأدوية الرخيصة بادعاء أن لها الأعراض الجانبية كذا وكيت (وذلك إلى أن تنجح فى سحب الأرخص من الأسواق برشاوى لا أعرف مقدارها، لكن أتصورها)، كلما حضر هذا الشاب أو الشابة يعرضون على أن أجرب عقارهم الجديد، أسألهم عن ثمنه قبل أن أسألهم عن فاعليته، ثم أسألهم عن أعراض العقار الجديد الجانبية (التى لا تظهر موضوعيا عادة إلى بعد سنوات) فيؤكدون أنه بلا أعراض جانبية إطلاقا، فأقول لهم ما تعلمته فى كلية الطب سنة 1954 (سنة ثالثة) “.. إن العقار الذى ليس له أعراض جانبية، ليس له فاعلية علاجية The drug which has no side effects has no effect،” ثم أترفق بهم، مالهم هم وكل ما عليهم هو أن يكرروا ما حفظوه من الشركة التى يعملون بها، يكررونه بشكل لا يمكن أن يكون علما ولا فهما ولا دعاية, وكما أن الشركات تعلمهم أيضا أن يتلصصوا على وصفات “روشتات” الأطباء فى منطقتهم بسؤال الصيادلة: هل يكتب الطبيب الفلانى الدواء العلانى، وهذا عمل غير قانونى، وحين يحصلون على إجابات إيجابية (أن الطبيب الفلانى يكتب عقارهم)، يبادرون فى الزيارة التالية وعلى وجوههم ابتسامة الرضا والحبور التى يتسلمونها من الشركة مثل الحقيبة التى بها العينات، يبادرون بشكر الطبيب، فإذا كنت أنا هذا الطبيب، (نادرا ما أكونه) فإنى أرفض شكرهم علانية، بل وأتهمهم بالتجسس على ما أكتب من عقاقير، ثم أحاول أن أفهمهم أننى لم أكتب العقار الفلانى (إذا كنت قد كتبته لانه أرخص وأنجح) لأجاملهم حتى يشكرونى، ولكن لأننى رأيت فيه ما يستأهل، وفى مريضى ما يحتاجه، ولا تصل إليهم ولا إلى شركاتهم رسائلى أبداً،
هذه التفاصيل ليست بعيدة عن موضوع اليوم (11 سبتمبر) “المجرمون أولى بالمواجهة”. إن ما تفعله شركات الدواء بعقول الأطباء، وهم يلوون ذراع ما يبدوا معلومات علمية، وهم يستعملون العلماء شعوريا أو لا شعوريا (على فكرة: كثير هؤلاء العلماء أصبحوا يسمون “بروليتاريا” العصر الحالى) لهو من أخطر النماذج التى لو عُمِّمَتْ لفهمنا الكثير مما يجرى فى العالم. إن هذه الشركات مستعدة أن تنفق المليارات لتجعل المعلومات العلمية (شبه العلمية أو المزيفة علميا) المنشورة لا تستخدم إلا لصالح مزيد من جمع المال دون النظر إلى مدى الإضرار بالمرضى، ونتيجة شراء العلماء، وتشويه دور وزارات الصحة، وإفساد هدف التأمين الصحى ..إلخ، قياسا على ذلك، يمكن أن ندرك كيف أن شركات السلاح وشركات البترول وغيرها من الشركات عابرة القارات وعابرة الأخلاق وعابرة قوانين بقاء النوع البشرى لا تفعل إلا ما تفعله شركات الدواء. إن كل ما تفعله شركات الدواء، إنما يتم عن طريق التمويل (المشروط ضمنا) للبحث العلمى، وللنشر العلمى، وللمؤتمرات الترفيهية الرحلاتية الفندقية العلمية، ولنشاطات حقوق الإنسان الوصية المشبوهة أيضا، مما لا مجال لشرحه حالا. لا مانع عند هؤلاء الشركات أن تقتل الآلاف بحرمانها من الدواء الأرخص، أو بترويجها لدواء أغلى قبل أن تتأكد من أعراضه الجانبية، مقابل الحصول على مزيد من المكاسب.
قياسا: ما المانع لمن وراء أحداث 11 سبتمبر أن يقتلوا بضعة آلاف من الأمريكيين أنفسهم من أجل الحصول على البترول بكل السبل ومن كل المصادر، فعلوها فى “كارل هاربر”، (كتاب نظرية المؤامرة السالف الذكر) وهم جاهزون لتكرارها حتى لو كان الضحايا منهم أنفسهم، هى حسبة العباقرة الأوغاد: مهما كانت الحروب مضمونة، والقوى غير متكافئة، فلا بد أن يضحى الجيش المغير حتى يحقق مكاسبه (لا أقول انتصاره).
إذن ماذا؟
نرجع مرجوعنا لموضوعنا الاصلى: ماذا تجدى هذه الكتابة كل عام فى موضوع 11/9 (أو 9/11) إذا كان المجرم بكل هذا العنفوان والتمادى، فإذا كانت لا تجدى فلماذا الاستمرار فيها؟ خذ مثلاً هذه الكلمة نفسها فى هذا الموقع الآن: ما تأثيرها؟ ولمن أوجهها؟ وما هو الأثر الذى أنتظره وأنا لم يصلنى تعليقات خلال العشرة أيام الماضية منذ بدأت الكتابة إلا عدد لا يزيد عن أصابع اليدين؟ ثلاثة منها أسماء مكررة يوميا، أكثر الله خيرهم لأنهم شجعونى أن أستمر، وحتى لو وصلنى كل يوم ألف تعليق أو آلاف، فما جدوى أو تأثير الكتابة والتعليق والتنبيه والصراخ، والإعجاب، والمديح، والشكر، وكل هذا الكلام فى مواجهة كل هذا الإجرام والقتل والإبادة؟
عاد سؤال البداية يلح علىّ : أكتب لمن؟ أكتب لماذا؟ أكتب ماذا؟ ثم ماذا؟
وإلى الغد رجوعا إلى هذا الموضوع الأصلى “لماذا أكتب، لماذا نكتب؟”.