الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ صفحة (108) الحلقة (1)

قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ صفحة (108) الحلقة (1)

نشرة “الإنسان والتطور”

الخميس 28 – 2 – 2013

السنة السادسة

العدد:  2008

mahfouz 2

ص 108 من الكراسة الأولى

28-2-2013 إن‏ وأن، وكأن، وليت، ولعل، لا ‏ (ك.غ)

(ك.غ)  ‏ابراهيم‏ ‏اسماعيل‏.. ‏ويل

‏ ‏للمصلين‏ ‏ويل‏ ‏للكافرين‏ ‏ويل‏ ‏للمؤمنين‏.‏

حسن‏، ‏الحسين‏، ‏الحسيني‏، ‏عبد‏ ‏الله‏ ‏

الحمصاني‏، ‏(ك.غ)‏، ‏البراني‏، ‏الجواني‏، ‏التحتاني‏.‏

يوم‏ ‏اشرقت‏ ‏الشمس (ك.غ)

نصر‏ ‏الله‏ ‏والفتح‏ ، ‏يوم‏ ‏جاء‏ ‏السباعى

هو‏ ‏الله‏، ‏هو‏ ‏الواحد‏، ‏هو‏ ‏العارف

الخالق‏، ‏هو‏ ‏العاشق‏، ‏هو‏ ‏الجميل

نجيب‏ ‏محفوظ

 ‏ 21/5‏

   القراءة:

ما هذا يا شيخنا؟ ألم يكفك ما فعلتْ بنا صفحتا “106 & 107″، وقد أخذتا حوالى شهرين؟ كلما تصورت يا شيخى العزيز أنك ستكف عن مفاجأتنا بالجديد، فقزت إلىّ الصفحة التالية بما لا أتوقع، أى والله، لهذه الصفحة أيضا مواصفات خاصة: فقد خلت من البدء بأسمك وباسم كريمتيك كما اعتدنا فى بدايات التدريب، وحتى من البسلمة، بدأت بأسماء “إن“، هكذا، ومن يعجبه!!! (واللى عاجبه!) “إن، وأن، وكأن، وليت، ولعل، وعسى” لم يأت بعد أى منها مبتدأ لننصبه أو خبرا لنرفعه، هكذا فقط، ثم وجدنا أنفسنا أمام “إبراهيم إسماعيل“،

كم حكيت لك سيدى على تفسيرى لهذا الموقف الرائع للعلاقة بين الاب والأب فى ثقافتنا الإسلامية والعربية بديلا عن المبالغات الفرويدية عن العلاقة الأوديبية والتنافس الجنسى على الأم، فرصة أن أعيد ما سبق لى اثباته فى هذا الموضوع كما جاء  فى كتابى “فى شرف صحبة نجيب محفوظ”، ومسجَّلا بالتواريخ المحددة، يا ترى هل فى ذلك دلالة ما؟

****

الثلاثاء‏: 24 / 1 / 1995

……….

…. للأسف، أو كالعادة، وجدنا أنفسنا نقلب من جديد فى ‏مسألة‏ ‏الديمقراطية‏ ‏والتهديد‏ ‏بأن‏ ‏يتولى ‏الإسلاميون‏ ‏السلطة‏، …………، ‏وقال الأستاذ رأيه من جديد وهو يوجهه هذه المرة للشباب على ما يبدو، ‏وحين‏ ‏احتد‏ ‏الخلاف‏ ‏بينى ‏وبين‏ ‏إبنى ‏محمد ذكّرنا‏ ‏توفيق‏ ‏صالح‏ ‏بأن‏ ‏هذا‏ ‏الخلاف‏ ‏الظاهر‏ ‏يتكرر‏، ‏وأنه‏ ‏يعنى ‏شيئا‏ ‏طيبا‏ ‏فى ‏الأغلب‏، ‏وأن‏ ‏هذا‏ ‏هو‏ ‏ما‏ ‏يمثل‏ ‏الخلاف‏ ‏بين‏ ‏الأجيال‏ ‏بل‏ ‏الصراع‏ ‏بينهما‏، ‏فقلت‏ ‏للأستاذ‏ ‏إنها‏ ‏فرصة‏ ‏لأعرض‏ ‏عليه‏ ‏رأيى ‏فى ‏هذه‏ ‏القضية‏ التى أرى أن الغربيين اختزلوها فيما يسمى “صراع”، ‏ففى ‏حين‏ ‏يؤكد ‏الغربيون‏ (‏وربما‏ ‏امتدادا من الإغريق‏) ‏أن‏ ‏العلاقة‏ ‏بين‏ ‏الإبن‏ ‏والأب‏ ‏يحكمها‏ ‏التنافس‏ ‏وإثبات‏ ‏الذات‏ ‏والإنفصال‏ ‏للتميز‏ ‏كما‏ ‏صور‏ ‏كل‏ ‏ذلك‏ ‏سوفوكليس‏ ‏فى ‏أوديب‏، ‏ثم‏ ‏أقره‏ ‏وروّجه‏ ‏سيجموند‏ ‏فرويد‏ ‏فيما‏ ‏يعرف‏ ‏بعقدة‏ ‏أوديب‏، ‏فإننى ‏أرى ‏أن‏ ‏حضارات‏ ‏وأديان‏ ‏الشرق، بما فى ذلك ‏ ‏الحضارات‏ ‏والثقافات‏ ‏الإيمانية‏ ‏ومنها‏ ‏الإسلام، ‏تقدم‏ ‏نموذجا‏ ‏آخر‏ ‏لعلاقة‏ ‏الإبن‏ ‏بأبيه‏، ‏وهو‏ ‏نموذج‏ ‏”اسماعيل- إبراهيم” ‏ ‏عليهما‏ ‏السلام‏، ‏هنا ‏الأب‏ ‏يرى مناما (هو وعىٌ آخر) يأمره أن يذبح‏ ‏ابنه، فيستقبله باعتباره إلهاما‏، حين يطيع الأب الأمر، بل ثم يطيع الإبن أباه، ليس استسلاما لأنه أبوه، ولكن لأنه “أوحى إليه بمن هو العليم الحكيم” هكذا تتأكد إرادة التطور دون إعاقة من طفولة أو بدائية بداخلنا، ويتحقق الولاف بين الأب برمز التضحية بما هو حيوان بدائى فيما يمثله الطفل فينا، فيتم إنقاذهما معا، ولما يأتى منهما، من جدلهما: لهما معا، فالإبن‏ ‏لا‏ ‏يكون‏ ‏ذاتا‏ ‏حقيقية‏ ‏مختلفة‏ ‏تمثل‏ ‏طورا‏ ‏تاليا‏ ‏غير‏ ‏منفصل‏ ‏عن‏ ‏تاريخها‏ ‏إلا‏ ‏إذا‏ ‏تمثل‏ ‏والده‏ ‏طاعةً فاحتواءً حتى ‏هضمه‏ وتمثله ‏دون أن يلغيه، وبالتالى يكون الأب ‏فى نفس الوقت‏ ‏قد‏ ‏تخلص‏ ‏من‏ ‏بدائيته‏ ‏الناطحة‏ ‏الحيوانية‏ دون أن يفقد ابنه بداخله، من هنا جاءتنى أصول فرض جدل “إسماعيل إبراهيم“، بديلا عن صراع أوديب وأبيه وتنافسهما على الأم، الجدل هنا يتم حله بتخليق الخطوة التالية منه، لا بالصراع ولا بانتصار أحد الأطراف على الطرف الآخر حتى القتل.‏ ‏الولادة‏ ‏الجديدة تتم بتكرار هذا الجدل فى مراحل مختلفة من النمو والتطور، بطاعة الأب للرب، وطاعة الإبن للأب، فى تناغم إيقاع الجدل الأرحب. ما كل هذا ؟ ما كل هذا؟ كيف سمحت لنفسى أن أتمادى فى هذا التصعيب لمجرد الرد على توفيق صالح وهو يعقب على علاقتى بمحمد إبنى، العجيب فى الأمر، أن الأستاذ – برغم صعوبة الفرض فالأطروحة – كان يميل نحوى وأنا أقترب من أذنه اليسرى، وهو يهز رأسه فى إنصات تام، شعرت معه أنه يتابعنى فعلا، وربما هذا هو ما شجعنى على أن أواصل كل هذه الفروض المهزوزة، كيف ذلك!؟ كيف يحافظ شيخنا هكذا على طلب المعرفة بكل هذا الاشتياق مع كل هذه الصعوبات، تلفتّ حولى فإذا بى أكتشف كما لو أن إنصات الأستاذ هكذا برغم غموض كل ما أقول قد وصلت عدواه إلى بقية الحضور، فلم أخجل هذه المرة.

تعقيبا على مجمل ما قلت، بدأ النقاش ‏من‏ ‏إشارات شخصية من خبرة بعض الحاضرين شبابا وشيوخاً، ‏وشارك‏ ‏الأستاذ‏ ‏فى ‏الإستجابة‏ ‏ذاكرا‏ علاقته ‏بوالده‏ ‏شخصيا‏،‏ ‏قال:‏ ‏إنه‏ ‏لم‏ ‏ينمْ‏ ‏لوالده‏ ‏حتى ‏يفتديه‏ بذبح عظيم، ‏وفى ‏نفس‏ ‏الوقت‏ ‏هو لا يذكر أنه كانت ‏‏هناك‏ ‏فرصة‏ ‏للصراع بينهما، ولا يستطيع أن يجزم بأن جدلا ما قد تم بأية درجة لها علاقة بما ذكرتُ، قال: يبدو أنه‏ ‏اختبأ‏ ‏بعيدا‏ ‏عن والده، فأجل‏‏ ‏المواجهة‏ ‏لأكبر‏ ‏قدر‏ ‏استطاعه‏ ‏من‏ ‏الزمن‏، ‏وأن الحوار لم يبدأ مع والده إلا متأخرا حين كان‏ ‏‏ ‏يلح‏ ‏عليه‏ ‏الوالد فى ‏الزواج‏، ‏الأمر الذى زاد بعد أن ‏ ‏تزوج‏ ‏أخوه‏ ‏الأكبر‏ ‏فالذى ‏يليه‏، ‏وقال الأستاذ‏ أنه كان ‏يزوغ‏ ‏منه‏، ‏وأن ‏ ‏الرسائل‏ ‏الخاصة‏ ‏بالعروض‏ ‏الزواجية‏ كانت تتبادل‏ ‏بينهما‏ ‏عن‏ ‏طريق‏ ‏المفاوضات‏ “‏الماكوكية‏” ‏التى ‏تقوم‏ ‏بها‏ ‏الوالدة‏، ‏فما‏ ‏كان‏ ‏من‏ ‏الممكن‏ ‏المواجهة‏ ‏بالرفض‏ ‏المباشر‏، ‏وكلما‏ ‏عرضت‏ ‏الأم‏ ‏اسم‏ ‏فتاة‏ ‏قريبة‏ ‏أو‏ ‏معروفة‏ (‏وكانت‏ ‏القيمة‏ ‏الأولى ‏فى ‏مميزات‏ ‏العرض‏ ‏هى ‏موقف‏ ‏أسرتها‏ ‏المالي‏، ‏مثل ‏أن‏ ‏والدها‏ ‏يملك‏ ‏لا‏ ‏أعرف‏ ‏ماذا‏…بالإضافة إلى الموقف الأخلاقى طبعا.. ‏الخ‏)، ‏فكان‏ ‏الأستاذ‏ ‏يعتذر‏ ‏عن‏ ‏فكرة‏ ‏الزواج‏ ‏بأنه‏ ‏مشغول‏، ‏ثم‏ ‏يضحك‏ (وهو يحكى): “‏مشغول‏ ‏بماذا؟‏”، ‏ويعقب‏… “‏كنت‏ ‏كلما‏ ‏ذكر‏ ‏الزواج‏ ‏أذهب‏ ‏إلى ‏الحجرة‏ ‏وهات‏ ‏يا‏ ‏قراءة‏ ‏ويا ‏كتابة‏، ‏حتى ‏أبرر‏ ‏أننى ‏مشغول‏ ‏فعلا

ثم أن نفس الموضوع فتح مرة أخرى بعد ذلك بثلاثة أشهر يوم الأحد: 30/4/1995

حيث جاء فى نفس كتابى “فى شرف صحبة نجيب محفوظ” ما يلى:

……….

…. رجع‏ الحديث إلى ‏ضرورة‏ ‏الأب، ‏وصورة‏ ‏الأب‏ ‏التى ‏قدمها‏ ‏فرويد‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏عقدة‏ ‏أوديب، ‏فى ‏مقابل‏ ‏الصور‏ ‏الأخرى ‏التى ‏سبق‏ ‏أن‏ ‏أشرت‏ ‏إليها‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏الخواطر‏ ‏وغيرها، ‏وأهمها‏ ‏الصورة‏ ‏التى ‏يمثلها‏ ‏كونفوشيوس‏ ‏من‏ ‏ناحية، ‏والتى ‏تشير‏ ‏إليها‏ ‏قصة‏ ‏إسماعيل‏ ‏وإبراهيم‏ ‏عليهما‏ ‏السلام – من وجهة نظرى – من ناحية أخرى، ‏وقلت‏ ‏للأستاذ‏ وجهات النظر الأقرب لى وهى ‏إن‏ ‏الإنسان‏ (بدءًا بالطفل فالشاب‏) ‏لا‏ ‏يتم‏ ‏نموه‏ ‏بالانتصار‏ ‏على ‏الأب‏ ‏بعد‏ ‏التنافس‏ ‏معه‏ ‏كما‏ ‏تشير‏ ‏عقدة‏ ‏أوديب، ‏وإنما‏ ‏يتم‏ ‏النمو‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏التصالح‏ ‏مع‏ ‏الأب‏ ‏وتمثله‏ ‏حتى ‏يذوب‏ ‏أغلبه‏ ‏فى ‏الكيان‏ ‏النامى ‏الجيد، وقلت‏ ‏إن‏ ‏التأكيد‏ ‏على ‏فكرة‏ ‏التصالح‏ ‏مع‏ ‏الأب‏ – ‏والتى ‏أكدها‏ ‏إريك‏ ‏بيرن‏ ‏تحديدا‏- ‏لا‏ ‏تعنى ‏نفى ‏أو‏ ‏رفض‏ ‏الخلاف‏ ‏والاختلاف‏ ‏معه، ‏ولا تحبذ فكرة حتمية ‏الصراع، ‏لكنها‏ ‏تؤكد‏ ‏علاقة‏ ‏متعددة‏ ‏المحاور‏ ‏تنتهى ‏باضطراد‏ ‏إلى ‏درجة‏ ‏من‏ ‏التفاهم‏ ‏والتمثّل، وإن‏ ‏كنت‏ ‏قد‏ ‏أعليت‏ ‏من‏ ‏قيمة‏ ‏خضوع‏ ‏إسماعل‏ ‏لإبراهيم‏ ‏ليحقق‏ ‏حلمه‏ ‏ويذبحه، فإننى ‏أتراجع‏ ‏الآن‏ ‏قليلا‏ ‏كى ‏أؤكد‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏التسليم الممهد للولاف‏ فى ما أسميته سابقا “جدل إسماعيل إبراهيم” ‏هو‏ ‏مبكر‏ ‏جدا، ‏ومطلق‏ ‏أيضا، ‏وأن‏ ‏مسألة‏ ‏التصالح‏ ‏والتمثل‏ ‏والاستعياب‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏تأخذ‏ ‏وقتا‏ ‏كافيا، أما‏ ‏هذا‏ ‏التسليم‏ ‏الباكر‏ ‏هكذا، ‏والذى ‏يحله‏ ‏الفداء‏ ‏بكبش‏ ‏من‏ ‏السماء‏ ‏فإنه‏ ‏يقفز‏ ‏فوق‏ ‏فرص‏ ‏الحوار‏ ‏والاختلاف، ‏وقد‏ ‏يكون‏ ‏للإبقاء‏ ‏على ‏إسماعيل‏ ‏وفديته‏ ‏بذبح‏ ‏عظيم‏ ‏ما‏ ‏يشير‏ ‏إلى ‏ضرورة‏ الحفاظ على ‏الآخر‏ ‏لاستمرار‏ ‏الجدل‏ ‏الهيجلى ‏على ‏الأقل، ‏وبالتالى ‏يكون‏ ‏تسليم‏ ‏إسماعيل‏ ‏ليس‏ ‏تسليما‏ ‏وإنما‏ ‏هو‏ ‏صيحة‏ ‏تهديد‏ ‏للأب‏ ‏أنه‏ ‏بتنفيذه‏ ‏حلمه‏ ‏حرفيا ‏سوف‏ ‏يحرم‏ ‏نفسه‏ ‏من‏ ‏فرصة‏ ‏الجدل‏ ‏مع‏ ‏آخر، فيقع فى إشكالة نفى جدل العبد والسيد (هيجل) ومن ثَمَّ ‏والبديل‏ ‏لذلك‏ ‏كما‏ ‏يقول‏ ‏رمز‏ ‏الفداء‏ ‏هو‏ ‏أن‏ ‏يتخلصا‏ ‏معا‏ ‏مما‏ ‏هو‏ ‏حيوانى ‏عدوانى ‏فج، ‏وهو‏ ‏ليس‏ ‏تخلصا‏ ‏بمعنى ‏المحو، ‏وإنما‏ ‏بمعنى ‏ذبح‏ ‏فاحتواء‏ ‏فهضم‏ ‏هذا‏ ‏الجزء‏ البدائى ‏ليصبح‏ أيضا ‏نسيجا‏ ‏من‏ ‏الوجود‏ ‏الإنسانى الجديد، وبالتالى ‏ليس‏ ‏كيانا‏ ‏مهددا‏ ‏منفصلا‏ ‏عن‏ ‏الكل‏ ‏الإنسانى ‏للأ‏ب ‏والإبن‏ ‏على ‏حد‏ ‏سواء‏.‏

أنتهى المقتطف:

وبعد

هكذا كان يتطور النقاش مع شيخنا وهو يرحب بمواصلته فى كثير من الأحيان متشوقا لمزيد من المعرفة وخاصة إذا خالفت ما كان يعتقد بشكل أو بآخر، ولا أذكر أنه أقر فكرتى هذه بأية درجة حاسمة مهما عدنا إليها، فهل يا ترى أطلت صفحة التدريب الحالية هذه وهو يكتب “إبراهيم  وإسماعيل“؟

ولم لا!!

جرى هذا النقاش واقتراح جدل إبراهيم اسماعيل يوم 24/1/1995، ثم تجدد يوم 30/4/95، وكتب شيخنا صفحة التدريب هذه يوم 21/5/95، فهل هناك أى رابط بين السابق واللاحق، لا أعرف طبعا، ولا أظن.

* * *

يكتب شيخنا بعد ذلك “ويل للمصلين” “ويل للكافرين”، “ويل للمؤمنين“، وأتوقف مندهشا.

 أعتدنا أن ننبه من يأخذ بعض الحديث ويترك بعضه فيفسد المعنى أو يعكس تماما، ننبهه بأنه مثل الذى يقول الآية الكريمة: “لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ“، ويقف عند ذلك ولا يكمل “وَأَنْتُمْ سُكَارَى“، وكنت دائما أتذكر مع هذا الاستشهاد تلك الآية الأخرى التى تقول: “فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ” (الماعون الآية: 4)، وأن حاكيها حين يتوقف عندها ولا يكمل “الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ” (الماعون الأية: 5)”، يكون قد وقع فى نفس المحظور، وحين رجعت إلى القرآن الكريم، تأكدت من أنهما أيتان متتاليتان لا جملتان فى أية واحدة، وتعجبت بينى وبين نفسى لماذا فصلت الأيتان والمعنى متصل جدا؟ وفرحت بما يمكن أن يصلنى أعمق.

العجب الذى حلّ هنا أغرب وأكثر تحديا حين أقرأ ما كتبه شيخى بعد ذلك مباشرة أنه “ويل للكافرين” “ويل للمؤمنين“،

 طيب، ويل للكافرين لا تحتاج إلى تعليق:

“اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ” (الآية2 سورة الحجرات).

لكن لماذا “ويل للمؤمنين” وتحضرنى عدة احتمالات لا أعرف ماذا قد بطّن وعى شيخى وهو يتدرب حتى كتب أنه “ويل للمؤمنين”.

وإليكم بعض ما خطر أنه كان فى عمق وعى شيخنا

أ- لعله كان يقصد المؤمنين الذين عليهم أن يجددوا إيمانهم فيؤمنوا كما خاطبهم القرآن الكريم قائلا:

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً”، (الآية 136النساء)،

 إذْ وصله أن على المؤمنين أن يزدادوا إيمانا باستمرار، بألا يقصروه على رسالة واحدة، بل: لكى يكونوا مؤمنين حقا فليمتد إيمانهم إلى كل “ما” و”من” جاء بالآية الكريمة، وإلا فالويل لهم.

ب – أو لعله كان يقصد الذين يؤمنون بأفواهم فحسب، فالويل لهم.

“… الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ…” (الآية: 41 المائدة)

جـ – وهؤلاء يوازون تقريبا الأعراب الذين قالوا آمنا بألسنتهم ولما يدخل الإيمان فى قلوبهم وإذا بربنا يفيقهم ليكملوا الطريق ولا يتوقفوا عند حد أن يقولوا أسلمنا حتى يدخل الإيمان فى قلوبهم فإن لم يفعلوا فالويل لهم.

“قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ” (الأية:14 سورة الحجرات)

د- أو لعله كان يقصد أنه ويل للمؤمنين الذى لا يرجح إيمانهم بعد تذبذبهم مرارا بين الإيمان والكفر فى قوله تعالى:

“إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً” (الآية: 137 – النساء)

فويلٌ لهم فعلاً.

كل ذلك جائز.

* * *

وأتوقف اليوم لأكمل نفس الصفحة الأسبوع القادم وأدعو الله ألا تمتد منى مثل  الصفحتين السابقتين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *