الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / ‏6 – ‏كفاءة‏ ‏الوجود‏ ‏البشرى ‏فى ‏مرونته: الفرض الأساسى (‏تبادل‏ ‏حالات‏ ‏الوجود‏ ‏الثلاث‏) مقتطف من كتاب: “حركية الوجود وتجليات الإبداع”

‏6 – ‏كفاءة‏ ‏الوجود‏ ‏البشرى ‏فى ‏مرونته: الفرض الأساسى (‏تبادل‏ ‏حالات‏ ‏الوجود‏ ‏الثلاث‏) مقتطف من كتاب: “حركية الوجود وتجليات الإبداع”

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 24-11-2018

السنة الثانية عشرة

العدد: 4102

مقدمة:

امتدادا لما أشرنا إليه سابقا، وبإصرار العناد والأمل: تم تخصيص اليوم “السبت” لمقتطفات من كتاباتى السابقة التى لها علاقة دالة بالفروض التى تعتبر إرهاصات أو أساس هذا الفكر الدائم النمو والتطوير،

والمقتطف اليوم هو  من أحدث ما تطورت إليه فروضى الإيقاعحيوية.

*****

6 – ‏كفاءة‏ ‏الوجود‏ ‏البشرى ‏فى ‏مرونته‏ ‏ (1)

الفرض الأساسى (‏تبادل‏ ‏حالات‏ ‏الوجود‏ ‏الثلاث‏):‏

صورة حالة الوجود الثلاث 24-11-2018

إن‏ ‏ لكل‏ ‏من‏ ‏الإبداع‏ ‏والجنون حركية نشطة فى مرحلة بذاتها باعتبار‏ ‏أنهما‏ ‏معا‏ ‏يمثلان‏ ‏محاولة‏ ‏هز‏ ‏سكون‏ ‏ما‏ ‏هو ‏”‏راتب‏ ‏عادى ‏مستقر‏”، ‏ثم‏ ‏بعد‏ ‏ذلك‏ ‏يختلف‏ ‏المسار‏، وهذا الفرض يبين نوابية التبادل عبر الإيقاعحيوى الدائم بين الحالات الثلاثة. ‏

* فإما‏ ‏حركية‏ ‏تحللية‏ ‏بديلة‏ ‏وناكصة‏، ‏فمتفسخة‏ ‏ومتناثرة‏ إلى التدهور ما لم يلحقها تشكيل ضام مناسب: ‏فهو‏ ‏الجنون‏.

*  ‏وإما‏ ‏حركية‏ ‏جدلية‏ ‏ضامة‏ ‏متضفرة‏، حتى إعادة التشكيل على مستوى أعلى: ‏فهو‏‏ ‏الإبداع‏.‏

انطلاقا‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏الموقع‏ ‏يمكننا‏ ‏أن نضع الفرض الأساسى فى هذه الدراسة ‏على الوجه التالى:

6 – 1 تمهيد:

بإعادة ‏النظر‏ ‏فى ‏موقفنا‏ ‏مما‏ ‏يسمي‏”‏الحياة‏ ‏العادية‏”، ‏يبدو أنه ‏ ‏ليس‏ ‏صحيحا‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏هذا‏ ‏التعبير‏ ‏مصطلح‏ “‏الحياة‏ ‏العادية‏” (‏عند‏ ‏العامة‏ ‏والأطباء‏ ‏على ‏السواء‏) ‏هو‏ ‏المرادف‏ ‏البديهى ‏لما‏ ‏هو‏ “‏صحة‏” (‏نفسية‏ !!). ‏ذلك‏ ‏لأن‏ ‏مايسمى ‏بالحياة‏ ‏العادية‏ ‏ليس‏ ‏إلا‏ ‏إحدى “‏صور‏/‏حالات‏” ‏الوجود المتعددة‏. ‏ومهما‏ ‏كانت‏ ‏هذه‏ “‏الحالة العادية”‏ ‏هى ‏الغالبة‏ ‏إحصائيا‏ (‏حيث يتصف بها معظم‏ ‏الناس‏) ‏والسائدة‏ ‏زمنيا‏ (لمعظم‏ ‏الوقت‏)، ‏فهى ‏ليست‏ ‏كل‏ ‏الوجود‏ ‏حتى ‏تحتكر‏ ‏ما‏ ‏يطلق‏ ‏عليه‏ ‏الحياة‏ ‏العادية‏، ‏بمعنى ‏الصحة‏ ‏المرجَّحة أحيانا‏. ‏ذلك‏ ‏لأن‏ ‏مايسمى”‏الحالة‏ ‏العادية‏” ‏لو‏ ‏سادت‏ -‏هكذا‏- ‏طوال‏ ‏الوقت‏ ‏لأصبحت‏ ‏عاملا‏ ‏معوٍّقا‏ ‏لمسيرة‏ ‏الحياة‏، فالتطور، ‏حيث‏ ‏أنها‏ ‏عاجزة‏ ‏عن‏ ‏احتواء‏ ‏حركية‏ ‏الظاهرة‏ ‏البشرية‏ ‏فى ‏جدليتها‏ ‏المتصاعدة‏. ‏

‏ ‏إن‏ ‏التحدى ‏الملقى ‏علينا‏ – ‏والذى ‏نحاول‏ ‏تحمل‏ ‏مسئوليته‏ ‏- ‏هو‏ ‏مواجهة‏ ‏هذه‏ ‏الشائعة‏ ‏السكونية‏ ‏بفهم‏ ‏أعمق‏ ‏لطبيعة‏ ‏المسيرة‏ ‏البشرية‏، ‏حتى ‏لانخدع‏ ‏فنعتقد‏ ‏أن‏ ‏الصحة‏ ‏النفسية‏ ‏المناسبة‏ ‏ليست‏ ‏إلا‏ ‏المضاعفة‏ ‏المتراكمة‏ ‏لهذه‏ ‏العادية‏ ‏العددية‏ ‏الكمية‏ ‏السكونية‏.

 ‏6 – 2 معالم الفرض‏:

‏إن‏ ‏ما‏ ‏يطلق‏ ‏عليه‏ ‏تعبير‏”‏الحياة‏ ‏العادية‏” Normal Life، ‏ليس‏ ‏سوى “‏حالة‏ ‏العادية‏” State of Normality، ‏على ‏أساس‏ ‏أنها‏ “‏حالة‏” ‏من‏ ‏بين‏ ‏حالات‏ ‏أخرى ‏لازمة‏، ‏بالتبادل‏ ‏والتفاعل‏، ‏لاستمرارية‏ ‏الحياة‏ ‏البشرية‏ ‏فى ‏كفاءتها‏ ‏القصوى ‏ونمائها‏ ‏المتصل‏.‏

فما‏ ‏هى ‏تلك‏ ‏الحالات‏ ‏الأخرى‏؟

 ‏إنها‏ ‏ليست‏ ‏سوى ‏ماقدمنا‏ ‏منذ‏ ‏قليل‏، ‏أى “‏حالة‏ ‏الإبداع‏” “‏وحالة‏ ‏الجنون‏”، ‏على ‏أساس‏ ‏أنهما‏ ‏تمثلان‏ ‏ألوان‏ ‏النشاط‏ ‏المتبادلة‏ (‏والمتداخلة‏ ‏والمتفاعلة‏) ‏مع‏ ‏حالة‏ ‏النشاط‏ ‏العادى ‏الغالبة‏.‏

‏ ‏وإذا‏ ‏كنا‏ ‏نقبل‏ ‏أن‏ ‏تتبادل‏ ‏حالة‏ ‏العادية‏ ‏مع‏ ‏حالة‏ ‏الإبداع‏، ‏فكيف‏ ‏نتصور‏ ‏ضرورة‏ ‏التبادل‏ ‏مع‏ ‏حالة‏ ‏الجنون‏‏؟

 ‏نرجع‏ ‏إلى ‏ماسبق‏ ‏تحديده‏ ‏من‏ ‏تقسيم‏ ‏مفهوم‏ ‏الجنون‏ ‏إلى “‏عملية‏” ‏و‏”‏ناتج‏ ‏سلبي‏”، ‏ذلك‏ ‏أن‏ ‏حالة‏ ‏الجنون‏ ‏التى ‏نعنيها‏‏ ‏الآن‏ إنما  ‏تختص‏ ‏بالعملية‏ ‏الحركية‏ ‏ذات‏ ‏التوجه‏ ‏المحتمل‏ ‏المتفسخ‏ ‏دون‏ ‏مفهوم‏ ‏الجنون‏ ‏الناتج‏ ‏السلبى ‏المستتب‏، ‏إن‏ ‏الخلط‏ ‏بين‏ ‏مفهومىْ ‏الجنون هذين‏ ‏هو‏ ‏السبب‏ ‏فى ‏إشاعة‏ ‏الرعب‏ ‏والإرعاب‏ ‏الذى ‏يلاحقنا‏ ‏ويحول‏ ‏دون‏ ‏إبداعنا‏ ‏حيث‏ ‏نخاف من‏ ‏أى “‏حركة‏” ‏حقيقية غامضة باعتبارها‏ ‏مؤدية‏‏ ‏إلى ‏هذه‏ ‏النهاية‏ ‏الساكنة‏ ‏المتفسخة فالمتدهورة‏ دون سواها. ‏إن هذا الموقف هو الذى ‏‏يعطى مبررا تلقائيا ‏لاستمرار‏ ‏غلبة‏ “‏العادية‏” ‏طول‏ ‏الوقت‏ (‏طلبا‏ ‏للسلامة‏). ‏وعلى ‏ذلك‏ ‏فإن‏ ‏الحالة التى نسميها هنا الجنون والتى ‏نصر‏ ‏‏على ‏أنها‏ ‏إحدى ‏الحالات‏ ‏اللازمة‏ ‏لكفاءة‏ ‏الوجود‏ ‏البشرى، ‏هى ‏مرحلة‏ ‏زمنية‏ (‏مهما‏ ‏قصر‏ ‏زمنها‏) ‏قد‏ ‏تتحور‏ ‏أو‏ ‏تنتهى، ‏وقد‏ ‏تسكن‏ ‏وتتراجع‏ ‏لتعلن‏ ‏حالة‏ ‏العادية‏ ‏وقد‏ ‏تتمادى ‏للتفسخ‏ ‏فالناتج‏ ‏السلبى فقط فهو الجنون بمعنى المرض، وقد تتوجه نفس العملية ضامة فى إعادة تشكيل ‏إلى ‏حالة‏ فائقة من الجدل والتوليف فهو ‏الإبداع‏.

إن‏ ‏فهمنا‏ ‏الأعمق‏ ‏لكل‏ ‏من‏ ‏هذه‏ ‏الحالات‏ ‏واحتمالات‏ ‏تبادلها‏ ‏هو‏ ‏الوسيلة ‏لاستعادة‏ ‏الفهم‏ ‏السليم‏ ‏لحركية‏ ‏الوجود‏، ‏ومن‏ ‏ثم‏ ‏لتأمين‏ ‏استمرارية‏ ‏جدلية‏ ‏النمو‏ ‏والابداع‏. ‏وبتعبير‏ ‏آخر‏: ‏إن‏ ‏كفاءة‏ ‏الوجود‏ ‏البشرى، ‏إنما‏ ‏تتحق‏ ‏بمرونة‏ ‏الحركة‏ ‏وسلاستها‏، ‏والتفاعل‏ ‏بين‏ ‏الحالات‏ ‏الثلاث‏: ‏حالة‏ ‏العادية‏، ‏وحالة‏ ‏الجنون‏، ‏وحالة‏ ‏الإبداع‏.‏

لقد‏ ‏قصدت‏ ‏أن‏ ‏أستعمل‏ ‏تعبير‏ “‏كفاءة‏ ‏الوجود‏ ‏البشرى‏” ‏ليحل‏ ‏محل‏ ‏تعبير ‏”‏الصحة‏ ‏النفسية‏” ‏حتى ‏يتضح‏ ‏أن‏ ‏المفهوم‏ ‏السكونى ‏الشائع‏ ‏عما‏ ‏هو‏ ‏صحة تحت‏ ‏زعم‏ ‏تقديس‏ “‏العادية‏” ‏فحسب‏، ‏لا‏ ‏يتفق‏ ‏مع‏ ‏ما‏ ‏يعد‏ ‏به‏ ‏الوجود‏ ‏البشرى ‏ويستطيعه‏ ‏فى ‏حركيته‏ ‏النامية‏ ‏الغائية‏.‏

‏ ‏سبق‏ ‏لى ‏أن‏ ‏رفضت‏ ‏مفهوم‏ “‏العادية‏” ‏مرادفا‏ ‏للصحة‏ ‏النفسية‏، ‏حتى ‏أنى ‏انتهيت‏ ‏إلى ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏العادية‏ ‏إنما‏ ‏تمثل‏ ‏أحد‏ ‏مستويات‏ ‏الصحة‏ ‏النفسية‏ (‏وليس‏ ‏كلها‏)، ‏بل‏ ‏وصفتها‏ ‏حينذاك‏ ‏بأنها‏: “‏أدني‏” ‏مستويات‏ ‏الصحة‏ ‏النفسية‏. ‏لكنى ‏وضعت‏ آنذاك ‏حلا‏ “‏‏توازنيا‏” ‏للخروج‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏المأزق‏، ‏حيث‏ ‏رأيت‏ ‏أن‏ ‏الصحة‏ ‏النفسية‏ ‏هى “‏توازن‏ ‏القوى ‏التى ‏تواجه‏ ‏إمكانات‏ ‏فرد‏ ‏معين‏ ‏فى ‏مجتمع‏ ‏ما‏، ‏فى ‏وقت‏ ‏بذاته‏،  ‏لتحقق‏ ‏لهذا‏ ‏الفرد‏ ‏احتياجاته‏ ‏المرتبطة‏ ‏بدرجة‏ ‏تطوره‏، ‏التى ‏يتم‏ ‏بها‏ ‏التوافق‏ ‏الداخلى، ‏والتلاؤم‏ ‏مع‏ ‏من‏ ‏حوله‏…”.

ثم‏ ‏تطورت‏ ‏رؤيتى ‏للصحة‏ ‏النفسية‏ – ‏كما‏ ‏ذكرت‏ – ‏من‏ ‏تناسب‏ ‏القدرات‏ (‏الدفاعية‏، ‏والبصيرية‏ ‏والابداعية‏) ‏فى ‏مختلف‏ ‏مراحل‏ ‏النمو‏، ‏إلى ‏انتظام‏ ‏الإيقاع‏ ‏الحيوى ‏الذى ‏يسمح‏ ‏بتبادل‏ ‏المستويات‏ ‏وجدلها‏ ‏وذلك

‏ “…‏ بافتراض‏ ‏أن‏ ‏الإبداع‏ ‏هو‏ ‏حتم‏ ‏حيوى (‏بيولوجي‏) ‏حياتى (‏وجود‏ى)، ‏وأن‏ ‏مظاهره‏ ‏فى ‏الفن‏ ‏والأدب‏ ‏وتشكيل‏ ‏النغم‏ ‏والخط‏ ‏واللون‏.. ‏إلخ‏.، ‏ليست‏ ‏إلا‏ ‏بعض‏ ‏صوره‏ ‏الظاهرة‏ ‏والباقية‏… ‏لكنه‏- ‏من‏ ‏ناحية‏ ‏أخرى‏-‏ هو‏ ‏فعل‏ ‏يومى ‏لكل‏ ‏الناس‏ ‏كما‏ ‏سبق‏ ‏أن‏ ‏أوضحنا‏.‏

‏ ‏تجيء‏ ‏هذه‏ ‏الدراسة‏ ‏الحالية‏ ‏لتوضح‏ ‏أبعاد‏ ‏هذه‏ ‏النقلة‏ ‏من‏ ‏التوازن‏ ‏الكمى، ‏إلى ‏الحركة‏ ‏الإيقاعية‏ ‏اليوماوية‏ (‏السركادية‏)، ‏إلى ‏التناوب‏ ‏المحتمل‏ ‏المرتبط‏ ‏بمرونة‏ ‏الحركة‏ ‏وسلاستها‏ ‏والتفاعل‏ ‏بين‏ ‏حالات‏ ‏الوجود‏، ‏ليس‏ ‏فقط‏ ‏تناوبا‏، ‏وإنما‏ ‏جدلا‏ ‏معادا‏ ‏وصولا‏ ‏إلى ‏توليف‏ ‏أعلى. ‏

كذلك‏: ‏لم‏ ‏يصح‏ ‏عندى  بعد التتبع الطويل كما أشرت سالفا، أن أرضى بتصنيف‏ ‏البشر‏ ‏إلى أعلى وأدنى بحسب المستوى الذى يحققون به التوازن، أعنى ‏مستوى ‏الخالقى (الابداعى‏)، ‏والعقلانى (‏المعرفى‏)، ‏والدفاعى (‏العادى‏)، لا يجوز ‏‏تصنيفهم‏ ‏بصفة‏ ‏عامة‏ ‏أو‏ ‏دائمة‏ ‏إلى ‏مبدع‏، ‏وعادى، ‏ومجنون‏.

هذه النقلة فى تطور فكرة لها دلالتها التطورية، وربما يكون لها دلالتها الإبداعية والوقائية والتربوية،

6 – 3 تحديد الفرض:

“لا يوجد إنسان هو مبدع بالطبيعة والاستعداد والموهبة، والآخر ليس مبدعا ولا يمكن أن يكون كذلك، الاختلافات واردة، والفرص مختلفة، لكن ‏ ‏الطبيعة‏ ‏البشرية‏ ‏بمسيرتها‏ ‏الحيوية‏ ‏تسمح بالتبادل الحتمى لكل فرد دون استثناء‏‏ ‏بين‏ ‏حالات‏ ‏الوجود‏ ‏التى أشرنا إليها حالا: حالة العادية، وحالة الجنون، وحالة الإبداع. الإشكال إذن فى التوقف عن هذا التبادل قهرا أو خوفا أو تشويها، بما يترتب عليه دوام إحدى هذه الحالات على حساب الأخريتين.

 * فلو‏ ‏غلبت‏ ‏حالة العادية‏ ‏طوال‏ ‏الوقت‏، ‏لتجمد‏ ‏الوجود‏، ‏ فيما يسمى “فرط العادية” الذى قد يشمل فى تضخمه الكمى بعض ما يعرف بـ “اضطرابات الشخصية”‏

* ولو‏ ‏غلبت حالة‏ ‏الجنون‏ ‏طوال‏ ‏الوقت‏، ‏لتمادى ‏التناثر‏ ‏فتحلل‏ ‏الوجود إلى التدهور المتمادى فالتحلل المتفسخ السلبى (الإزمان والموت النفسى). ‏

* ولو‏ ‏غلبت حالة ‏الإبداع‏ ‏طوال‏ ‏الوقت (وهو فرض مستحيل)‏، ‏لتقلص‏ ‏الوجود‏ ‏باسطا‏ ‏ما‏ ‏احتوى ‏فى ‏تشنج‏ ‏ممتد‏ ‏حتى قد ‏ينقلب‏ ‏الإبداع‏ ‏إلى ‏عكسه‏ ‏مفتقرا‏ ‏إلى ‏تجديد‏ ‏مادته‏ ‏الأولية‏ ‏اللازمة‏ ‏المتغيرة‏ ‏لحركية‏ ‏الجدل‏ ‏فى نبضة إبداع تال.

هذه النقلة من “تصنيف البشر” إلى “تصنيف الأحوال” هى اعتراف ضمنى بحتمية التطور (الإبداع) عند كل الناس إذْ تمثل انطلاقة نحو قبول الطبيعة البشرية بما يسمح للعادى أن يبدع، ويُطَمْئُن المبدع حتى لو خاف مخاطرة الجنون (اللاعودة = سكة اللى يروح ما يرجعشى) ، كما أنها بمثابة تنبيه إلى ضرورة احترام الذى جـُنّ باعتبار أنه احتمال قائم عند أى واحد منا، وأيضا باعتبار أن ثمة فرصة أمام الذى تورط فى هذه المحنة: ليس فقط للعودة إلى العادية والتبادل الصحى، وإنما لاحتمال الإبداع ما دام أنه تحرك بما يشير إلى احتمال أنه أَجْهزُ للتفكيك من المتصلب العادى، مع اتخاذ كل الحذر لتعرضه أكثر من غيره للحل السلبى المتمادى.

6 – 4 تحذير

نوضح‏ ‏هنا‏- ‏ثانية‏ ‏وكثيرا‏- أن‏ ‏اعترافنا‏ ‏بـ‏ “‏حالة‏ ‏الجنون‏” ‏على ‏أنها‏ ‏مرحلة‏ ‏ضمن حركية النمو‏، ‏لاينبغى ‏أن‏ ‏يعطيها‏ ‏أية ‏شرعية‏ ‏للتمادى، حتى تصير إلى ما يسمى “الجنون”، حالة الجنون غير الجنون وإن كانت المؤدية إليه متى طالت، وعادت، وظهرت فى الوعى العادى، ‏كذلك‏ فأن‏ ‏دفاعنا‏ ‏عن‏ ‏حق‏ ‏التواجد‏ ‏والتبادل‏ ‏والتفاعل‏ لهذه الحالة ‏هو‏ ‏دفاع‏ ‏عن‏ ‏حالة‏ ‏الجنون‏ (‏حالة‏ ‏كونها‏ ‏حركة‏)، ‏وليس‏ ‏عن‏ ‏ظاهرة‏ ‏الجنون‏ (‏حالة‏ ‏كونها‏ ‏إقامة‏)، ‏أى ‏أننا‏ ‏نقبل‏ ‏الجنون‏-‏وندافع‏ ‏عنه‏- ‏بما‏ ‏هو‏ ‏حالة‏ ‏مرحلية‏ ‏نشطة، واحتمالٌ وارد، وبالتالى نسمح بحركتها‏ ‏فى ‏إطار‏ ‏حركية‏ ‏متكاملة‏ (‏لكن‏ ‏ليس‏ ‏أبدا‏ ‏بوصفها‏ ‏ظاهرة‏ ‏مستقرة‏). إنها دعوة أن نقبل حالة الجنون وليس الجنون، باعتبارها حالة ‏نحترم‏ ‏بدايتها‏ ‏دون‏ ‏مسارها‏ (‏إلى ‏التدهور‏ ‏والنكوص‏ ‏المستتب‏). ‏هذا‏ ‏الاضطرار‏ ‏الحذر‏ (‏الجنون فى رحاب العقل) ‏هو‏ ‏المخرج‏ ‏المحتمل‏ ‏لمواجهة‏ ‏غلبة‏ ‏رفضنا للجنون‏‏ ‏كليةً‏ ‏وابتداءً‏ ، ‏مما‏ ‏يترتب‏ ‏عليه‏ ‏رفض‏ ‏للحركية‏ ‏ضمنا‏، ‏ومن‏ ‏ثم‏ تراجع ‏احتمالات‏ ‏الإبداع‏ ‏الذى ‏يتفق‏ ‏معه‏ (مع الجنون) ‏فى ‏البدايات‏.‏

فى هذه المرحلة من النقاش ينبغى تقديم تمييز واضح بين الحالات الثلاث تميييزا ‏ ‏يساعدنا‏‏ ‏على ‏عدم‏ ‏الخلط‏، ‏خصوصا‏ ‏بين‏ ‏الجنون‏ ‏والإبداع‏، ‏ونحن‏ ‏نرجو‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏هذا‏ ‏التمييز‏ ‏مدخلا‏ ‏للانطلاق‏ ‏إلى ‏النظر‏ ‏فى ‏نوعية‏ ‏العلاقات‏ ‏المطروحة‏، ‏وبخاصة‏ ‏بين‏ ‏الجنون‏ ‏والإبداع‏، ‏كما‏ ‏يجدر‏ ‏بنا‏ ‏الانتباه‏ ‏مرة‏ ‏أخرى ‏إلى ‏صفة‏ “‏حالة‏” ‏بالمقارنة‏ ‏بتعبير‏ “‏مستوى ‏التوازن‏” ‏فى ‏المحاولة‏ ‏الباكرة عن مستويات الصحة النفسية، ‏حيث‏ “‏الحالة‏” ‏هنا‏ ‏هى ‏حركية‏ ‏أساسا‏، ‏أما‏ “‏المستوى ‏التوازني‏” ‏فهو‏ ‏قد يبدو تسوية ساكنة بشكلٍ ما‏. إن ‏ ‏‏التأكيد‏ ‏على ‏ما‏ ‏هو‏ ‏حالة‏ مرحلية وحركية بالضرورة‏ ‏هو‏ ‏المفتاح‏ ‏الضرورى ‏لفهم‏ ‏‏ ‏المسيرة‏ ‏البشرية‏ ‏بمختلف‏ ‏أوجه‏ ‏مثولها‏ ‏المتناوب‏ ‏المتفاعل‏الإيقاعى، ‏وجدليتها الخلاقة باستمرار‏.‏

‏ ‏أوجه‏ ‏الشبه‏ ‏بين‏ ‏الجنون‏ ‏والإبداع‏، ‏تتجلى:‏ ‏من‏ ‏حيث‏ ‏التعدد‏، ‏والتفكك‏، ‏والشحن‏ ‏والنشاط‏، ‏وفى ‏الوقت‏ ‏نفسه‏ ‏تتجلى‏ ‏أوجه‏ ‏التضاد‏ ‏بينهما‏ ‏مجتمعين‏ (‏الجنون‏/ ‏الإبداع‏) ‏وبين‏ ‏حالة‏ ‏العادية‏. ‏فكأنهما‏ ‏معا‏ ‏هما‏ ‏ضد‏ ‏ماهو‏ ‏عادى. ‏وفى ‏الوقت‏ ‏نفسه‏ ‏فإن‏ ‏وجه‏ ‏التضاد‏ ‏بين‏ ‏الجنون‏ ‏والإبداع‏ ‏ليس‏ ‏خافيا‏، ‏ففى ‏حين‏ ‏نجد‏ فى ‏الجنون‏-‏فى ‏ناحية‏- ‏تأكيداً‏ ‏لمعالم‏ ‏التنافر‏ ‏والتناثر‏ ‏والعجز‏ ‏والدوائرية‏ ‏وقصر‏ ‏النفس‏، ‏نلاحظ‏ ‏فى ‏ناحية‏ ‏الإبداع‏ ‏ملامح‏ ‏الضم‏ ‏والمواكبة‏ ‏والتخلق‏ ‏والمرونة‏ ‏والغائية‏ ‏الصاعدة‏ ‏والنهايات‏ ‏المفتوحة‏.‏

على ‏أن‏ ‏مايهمنا‏ ‏بصفة‏ ‏خاصة‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏الصدد‏ ‏ليس‏ ‏هو‏ ‏مجرد‏ ‏تمييز‏ ‏الشبه‏ ‏والاختلاف‏، ‏بقدر‏ ‏مانود‏ ‏أن‏ ‏نؤكد‏‏ ‏أن‏ ‏الحالات‏ ‏الثلاث‏ ‏هى ‏صور‏ ‏الوجود‏ ‏المتبادلة‏ ‏عند‏ ‏كل‏ ‏الناس‏، ‏وهذا‏ ‏مايجعلنا‏ ‏نتقدم‏ ‏خطوة‏ ‏لازمة‏ ‏فى تطوير الفرض فى ‏محاولة‏ ‏تحديد‏ ‏مجالات‏ ‏ظهور‏ ‏كل‏ “‏حالة‏” ‏عند‏ ‏الشخص‏ ‏العادى (‏أساسا‏)، ‏ثم‏ ‏احتمالات‏ ‏تمادى ‏أى ‏منها‏.‏

فحالة‏ ‏الجنون‏ ‏هى ‏المقابلة‏ – ‏فى ‏المراحل‏ ‏الأولى – ‏للنشاط‏ ‏التفكيكى ‏للحلم‏، ‏كما‏ ‏تظهر‏ ‏نادرا‏ ‏فى ‏بعض‏ ‏حالات‏ ‏النكوص‏ ‏المؤقت‏، ‏تلقائيا‏، ‏أو‏ ‏بفعل‏ ‏الكيمياء‏ (‏المهلوسات‏ ‏على ‏الخصوص‏)، ‏وأخيرا‏ ‏فهى ‏تظهر‏ ‏لمدة‏ ‏أطول‏ ‏وبشكل‏ ‏أخطر‏ ‏فى ‏الجنون‏ ‏كما‏ ‏هو‏ ‏معروف‏ ‏فى ‏شكله‏ ‏المرضى. ‏وقد‏ ‏تتمادى ‏وتستتب‏ ‏حتى ‏لاتعود‏ ‏تصلح‏ ‏لأن‏ ‏تعد‏ ‏مرحلة‏ (‏عابرة‏) ‏إلى ‏ماهو‏ ‏إبداع‏، ‏اللهم‏ ‏إلا‏ ‏فى ‏نوع‏ ‏نادر‏ ‏من‏ ‏الجنون‏ ‏الدورى ‏الذى ‏قد‏ ‏يعقب‏ ‏نوبته‏ – ‏نادرا‏- ‏تغير‏ ‏نوعى ‏فى ‏الشخصية‏، ‏إلى ‏ماهو‏ ‏مجاوزة‏ ‏تطورية‏ ‏لما‏ ‏كان‏ ‏قبل‏ ‏نوبة‏ ‏الجنون‏، ‏وكذلك‏ ‏فى ‏بعض‏ ‏حالات‏ ‏الصرْع‏ ‏عند‏ ‏بعض‏ ‏المبدعين‏ ‏مثل‏ ‏ديستويفسكى ، ‏حيث‏ ‏قد‏ ‏يخرج‏ ‏المبدع‏ ‏من‏ ‏الصرعة‏ ‏أكثر‏ ‏مرونة‏، ‏وامتدادا‏ ‏للذات‏، ‏ومن‏ ‏ثم‏ ‏أرحب‏ ‏إبداعا‏ (2).

أما‏ ‏حالة‏ ‏الإبداع‏ ‏فهى ‏التى ‏تقابل‏ ‏الأطوار‏ ‏الولافية‏ ‏التعزيزية‏ ‏لنشاط‏ ‏الحلم‏ ‏بعد‏ ‏التفكيك‏ ‏المبدئى (3)، ‏كما‏ ‏تظهر‏ ‏فى ‏تأليف‏ ‏الحلم‏ ‏قبيل‏ ‏اليقظة‏ ‏أو‏ ‏حتى ‏بعدها‏ (4)، ولكنها‏ ‏ليست‏ ‏هى ‏ما‏ ‏يقابل‏ ‏حكى ‏الحلم‏ ‏مسلسلاً مفصلا، أو مزيفا‏ ‏بتلفيق‏ ‏بعض‏ ‏الذاكرة‏. ‏

‏ ‏إن‏ “‏حالة‏ ‏الإبداع”، على مسار النمو،‏ ‏هى ‏الحالة‏ ‏التى ‏تسمح‏ ‏لأزمات‏ ‏النمو‏ ‏الفردى ‏فى ‏دورات‏ ‏النمو‏ ‏أن‏ ‏تُختتم‏ ‏بنقلة‏ ‏إلى ‏دورة‏ ‏أرقى، ‏وهكذا‏. ‏وهذا عكس ما شاع عن اقتصار ما هو إبداع – ‏عند‏ ‏الكافة‏ ‏بما‏ ‏فيهم‏ ‏كافة‏ ‏المختصين‏ ‏والمبدعين‏ – على الناتج الذى يعلن عن ‏نفسه ‏بشكل‏ ‏صريح‏ ‏ومباشر‏ ‏فيما يسمى  “‏الناتج‏ ‏الإبداعي‏” ‏كما‏ ‏هو‏ ‏معروف‏ ‏بأشكاله‏ ‏العلمية‏ ‏والأدبية والفنية‏. إن إبداع الذات فى اضطراد نافع، فى تواصل متناغم مع الكون، فى وعى فائق (خبرات التصوف الحقيقية) لا يعد إبداعا معترف به  للأسف ، مما يختزل مفهوم الإبداع وعملياته إلى ناتجه وليس عملياته ذاتها.

أما‏ ‏حالة‏ ‏العادية‏ ‏فهى ‏الغالبة‏ ‏فى ‏معظم‏ ‏الوقت‏ ‏عند‏ ‏معظم‏ ‏الناس‏ ‏فى ‏حالة‏ ‏الصحو‏، ‏ولاينبغى ‏التقليل‏ ‏من‏ ‏أهميتها‏ ‏وضرورتها‏، ‏كما‏ ‏لا‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏تترادف –احتكارا-‏ ‏فى ‏الوقت‏ ‏نفسه‏ ‏مع‏ ‏الصحة‏ ‏النفسية‏ ‏هكذا ببساطة. ‏إن حالة العادية هى التى تسمح بالقيام ب‏العمل‏ ‏الراتب‏، ‏والتحصيل‏ ‏المنتظم‏، ‏والتبادل‏ ‏الهادئ‏، ‏وتأكيد‏ ‏الثابت‏، ‏وتثبيت‏ ‏المؤكد‏، ‏وإتقان‏ ‏الخطوة‏، ‏وتهدئة‏ ‏الحركة‏، ‏والالتزام‏ ‏بالأغلب‏…‏إلخ‏. ‏وكل‏ ‏ذلك‏ ‏حيوى ‏ولازم‏ ‏ومحورى ‏فى ‏ذاته‏ ‏وفى ‏علاقته‏ ‏بمتطلبات‏ ‏الحالات‏ ‏الأخرى.‏

لكى ‏يطرد‏ ‏النمو‏ ‏البشرى ‏لابد‏ ‏من‏ ‏وعاء‏، ‏ومحتوى، ‏ودرجة‏ ‏من‏ ‏التنظيم‏ ‏المستقر‏ ‏لفترة‏ ‏محددة‏ (‏حالة‏ ‏العادية‏)، ‏ثم‏ ‏لابد‏ ‏من‏ ‏تحريك‏ ‏وتفاعل‏، ‏يحدث‏ ‏عشوائيا‏ ‏فى ‏البداية‏ (‏حالة‏ ‏الجنون‏)، ‏ثم‏ ‏لابد‏ ‏من‏ ‏حركية‏ ‏وجدلية‏ ‏وتوليف تستوعب هذه البداية المهددة ‏ (‏حالة‏ ‏الإبداع‏) ‏…..‏.‏، وهكذا، وباستمرار.

 [1] – يحيى الرخاوى: المقتطف من مقال “جدلية الجنون والإبداع” مجلة فصول– المجلد السادس – العدد الرابع 1986  ص( 30 – 58) وقد ظهر فى  كتاب “حركية الوجود وتجليات الإبداع” (ص 165 إلى 167) وقد تم تحديثه دون مساس بجوهره (الطبعة الأولى 2007) المجلس الأعلى للثقافة – القاهرة، والكتاب يوجد فى الطبعة الورقية  بمكتبة الأنجلو المصرية، وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى للتدريب والبحوث: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا حاليا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط  www.rakhawy.net

[2] – أعترف أنى لم أستطع أن اقرأ ديستويفسكى، لا فى رواياته، ولا فى خطاباته، ولا فى قصصه القصيرة، دون أن أستحضر إيجابيات  صرْعه، وأفرح بها، كما كان هو يفرح بمنذراتها ويضفها وصف من يدخل الجنة قبل الصرعة مباشرة، واعتبرت أن هذه الحركية قد أتاحت له درجة من الإفاقة المتكررة بعد الغيبوبة المفاجئة، إفاقة حافظت على حركية نصوصه طول الوقت (وليس كل صرع كذلك، بل العكس هو الأرجح)، وبالتالى استطعت أن أحتوى كل هذا الفيض من النقلات العنيفة الرائعة رغم إطنابه الممل، وقد أصررت على الاقتراب من أعماله من هذا المنظور لأؤكد به تلك الوصلة بين البيولوجى وبين الإبداع، ولأدعم الفرض الذى يجعل للصرع دور إيجابيا فى بعض الحالات، بل دورا إبداعيا وثوريا تماما، وقد تأكدت من خطورة إنكار هذا البعد أو الجهل به حين قرأت تفسير فرويد للإخوة كارامازوف، وقد أخطأ فرويد الجادة حين اعتبر هذه الصرعات نوعا من الهستيريا، وقد أرجعت ذلك إلى ابتعاد فرويد عن نبض البيولوجيا متضفرة مع نبض الإبداع، وندرة تعامل فرويد مع الذهان (الجنون) عاريا حاضرا.

[3]- انظر هامش (25) ‏ص‏45، وظهرت مؤخرا فى كتاب للكاتب: تبادل الأقنعة “دراسة فى سيكولوجية النقد” – المجلس الأعلى للثقافة – 2006

[4]- أنظر الفصل‏ ‏الأول

النشرة السابقة 1النشرة التالية 1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *