الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / ‏ حركية الوجود وتجليات الإبداع: ‏ الكتاب الأول:”الإيقاع الحيوى ونبض الإبداع” (7 من ؟) (نواصل حركية جدل الشعر والشاعر)

‏ حركية الوجود وتجليات الإبداع: ‏ الكتاب الأول:”الإيقاع الحيوى ونبض الإبداع” (7 من ؟) (نواصل حركية جدل الشعر والشاعر)

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 6-7-2019

السنة الثانية عشرة

العدد: 4326

حركية الوجود وتجليات الإبداع  

الكتاب الأول:”الإيقاع الحيوى ونبض الإبداع” (7 من ؟)

(نواصل حركية جدل الشعر والشاعر)

……….

……….

‏ (‏ح‏) ‏لكن‏، ‏هاهى ‏ذى ‏كلمة‏ ‏أخرى‏، ‏تلوح‏ للشاعر، ‏تشير‏ ‏إلى ‏لغة‏ ‏جديدة‏ (‏بنية‏ ‏جديدة‏)، ‏ولكنه‏ ‏لايستطيع‏ ‏أن‏ ‏يتبين‏ ‏معالمها‏، ‏ولا‏ ‏يجرؤ‏ ‏أن‏ ‏يستعملها‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏يتعرف عليها بحقها‏، ‏فيستمر‏ ‏الحوار‏ ‏والتداخل‏، ‏يخاف‏ ‏من‏ ‏الجديد‏ ‏ولكنه‏ ‏يلاحقه‏، ‏ويتراءى ‏أمل‏ ‏فى ‏مصالحة‏:‏

‏”‏تجمعتْ‏، ‏تـحـدَّتْ‏.

‏ طرقتُ‏ ‏بابها، تمنّعتْ‏.‏

‏……..

عاودتُ‏ ‏طرق‏ ‏بَابَها‏، ‏فلاحتْ

دفعتـُـها‏، ‏تملـَّصَتْ

هربتُ‏..، ‏لم‏ ‏تدعْـنى ‏أختبىْء‏”‏

من قصيدة: “السلام‏…، ‏والصدى”

 ديوان: ضفائر الظلام واللهب

‏(‏ط‏) ‏تتحقق‏ ‏مصالحةٌ ‏ما‏، ‏دون‏ ‏أن‏ ‏يتم‏ ‏الامتزاج‏ ‏تماما‏، ‏ولكنها‏ ‏هنا‏ ‏لعبة‏ “‏المولودين‏ ‏الجديدين‏” (أداة الشعر ووجود الشاعر) ‏يتخلق‏ ‏أحدهما‏ ‏من‏ ‏الآخر‏:‏

‏”‏أبوحُها؟‏ ‏أرسلُـها؟

أربطها‏ ‏من ‏رجلها‏، ‏الحمامة؟

‏…… ‏

تضم‏ ‏نفسَها‏ ‏وتنزلقْ

تفرُّ‏ ‏رجلىَ ‏اليسارْ

من‏ ‏فوق‏ ‏سطحها‏ ‏،

أقفز‏ ‏فوق‏ ‏رأسها‏ ‏

تحملنى

يرفرف‏ ‏الهواء‏.. ‏نمتزجْ.

تنبتُ ‏حولِىَ ‏الحروف‏.. ‏أجنحة

    من قصيدة: “ولم تدعنى أختبىء”

ديوان: ضفائر الظلام واللهب

‏(‏ى‏) ‏فى ‏إعادة‏ ‏تخليق‏ ‏اللغة‏ ‏تصبح‏ ‏الشظايا‏ ‏والبقايا‏ ‏هى ‏مادة‏ ‏الكلمات‏ ‏المتخلقة‏ ‏فى ‏السياق‏ ‏الجديد:

نصنع‏ ‏كلمةْ:

نجمع‏ ‏أحرفها‏ ‏من‏ ‏بين‏ ‏ركام‏ ‏الألفاظ‏ْ،

 ‏تتخلق‏ ‏من‏ ‏عبث‏ ‏الإبداع‏”:‏

‏”‏كومة‏ ‏أحرف

هبت‏ ‏نسمهْ

فتزحزحت‏ ‏الأشلاءُ‏ ‏الملتحمهْ

تتجاذب‏ ‏أطراف‏ ‏الأجنحة‏ ‏المكسورهْ

‏من قصيدة: “من بين ركام الألفاظ‏”

ديوان: ضفائر الظلام واللهب

 (‏ك‏) ثم ‏إذا‏ ‏نجحت‏ ‏الكلمة‏ ‏ ‏فى ‏أن‏ ‏تتجاوز‏ ‏ذاتها‏، ‏فى ‏الشاعر‏، ‏فهى ‏القصيدة‏:‏

‏”‏أمضى ‏أغافل‏ ‏المعاجم‏ ‏الجحافل

بين‏ ‏المخاض‏ ‏والنحيب:

‏ ‏أطرحُنى:

بين‏ ‏الضياع‏ ‏والرؤى

بين‏ ‏النبىِّ ‏والعدم

أخلـّق‏ ‏الحياة‏/‏أبتعث

أقولُنِى ‏جديدا

فتولد‏ ‏القصيدة‏”.‏

‏من قصيدة: “ياليت‏ ‏شعرى، ‏لست‏ ‏شاعرا‏”

ديوان: شظايا المرايا

وبعد

إن‏ ‏هذه‏ ‏الاستشهادات‏ ‏ليست‏ ‏هى ‏الخبرة‏ ‏ذاتها‏، ‏وكأن‏ ‏صاحب المقتطفات (الكاتب) حين‏ ‏اقترب‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏المستوى ‏الأعمق‏، ‏راح‏ ‏يصفه‏ ‏تفصيلا‏، ‏بدلا‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏يغامر‏ ‏بالدخول‏ ‏فيه‏ ‏تماما‏،

 ‏وجدير‏ ‏بى ‏أن‏ ‏أعلن‏ ‏أننى -‏ حتى ‏ذلك التاريخ‏- ‏قد عجزت عن‏ ‏خوض‏ ‏المستوى ‏الأعمق‏ ‏مباشرة‏، ‏حتى لاح لى بعد حادث انقلاب سيارة فى عمق جبال سيناء، وكنت وحدى أقودها، ونجوت وأنا فى قمة يقظة وعى لم آلفه حتى حسبته موت الموت، فالبعث، فانطلقت منى قصيدة “ميته موت” وأنا فى انتظار من يمر بى أعلى الجبل لعله يلمحنى وأنا جالس بجوار السيارة التى لم تتحطم، ولا أعرف كيف خطر جاك لاكان ونقده لإدجار آلان بو  وإذا بهذه القصيدة عن حالتى آنذاك بتخرج منى هكذا (فأعنونها بعد أن انتهى منها بالعنوان السالف الذكر “ميتة موت”)  (2)، “كان ذلك فى جبال سيناء بين نوبيع ودهب”، وأنا أراجع فى ذهنى نقد “جاك لاكان” للرسالة المفقودة تأليف “إدجار آلان بو”

  جاء فيها:

…….

لا …،                         

لم يكن هذا الأنا….”أنا”

ما صرتُ إلا ما تبقَّى بعدَنا…

ما كنتُ إلا طرح لـُعبة الظنونْ..،

لا لن يكونْ:

ما كان أصلا لم يكنْ..

-2-

الموتُ ماتْ..،                          

فتساقط القطْرُ المحمَّـل باللقاحْ،

وتماوجت حباته: بالوعد والألم

فى جوف نبض الصخر والأحلام والعدم

وتلولب “الدَّنا”….  (3)

حتى كأننا….

-3-

طارتْ، فمالتْ، فاستقرتْ عكس ما كان المسار:

وأفاق ينعى ميتة ً ماتـَـتْ:

 فأحيت ميـِّتا لا يرتوى:

 إلا بنبض الفرحِ في زخْم التلاقى عبر نهر الحزن:

 يعلن أننا: قد  نستطيعْ…..

-4-

وتجسدتْ فيما حسبتُ أنها “هىَ” ؟؟

ليست “هىَ” !!!!

تلك التى لم تـُـخـْـلـَـق الدنيا لنا إلا بها،

                                    مع أنها ……

-5-

صرنا معا فى حالــــةٍ

لسنا كـَمَا …..

-6-

وتخلقتْ تلك البراعمُ الجديدةْ

نحو الذى ما قد نكونُه بنا…

                          لكنّنَا…….

(10/4/2005 )

من المقامة السابعة “ميتة مات”

ديوان “دورات وشطحات ومقامات”

‏‏

وحين وصلت  دهب بعد ما سحبنى لودر حكومىّ كان مارًّا بالصدفة، وتأكدت أننى أنا الذى واصلت قيادة السيارة إلى مسكنى ولدت قصيدة أخرى، ليست بالضرورة مكمِّلَة، لكن هذا بعضها:

وعادَ لى منْ لم يكنْ فـَارقِنى

فراقـَهُ مالمْ أكنْ أقـصِـدُهُ

وقال تبـّـا  للذى خايَـلـَنِى

ولم أكنْ بعدُ ارتويتُ منهـُـمَا،

فهالـَـنى ما لم يُـطـِـلُّ بعـدُ.

****

………….

…………..

****

فى غمرةٍ من اليقين الشائكِ

                               وجدتـُها

تسعى بنفس الخطـْـو تحتَ وابلِ المطرْ

       فراعنى        

أنـِّى وجدتـُنى على سطحِ القمرْ

****

وتكاثفتْ فى أرضِها المُهـَجْ

لكنـّها ظلتْ كما كانتْ:  تطنُّ ولا تِعدْ،

                     فأحَاطـَنا

فرضيتُ أن أغفو بوعىٍ غامرٍ

                        لكنه استدْرَجنِى،

فما حسبتُ أنه هوَ،

ولمْ يكن أبدا كما كان الذى…

وراح يعدو لاهثـــا

                 لكنَّهُ: ظلَّ معى.

دهب 13/5/2005

من المقامة الثامنة “صحوة وعـْى”

ديوان “دورات وشطحات ومقامات”

عودة‏ ‏إلى ‏مستويات‏ ‏الشعر

بدءا‏ ‏مما‏ ‏أسميناه‏ “‏أقصى ‏الشعر‏” ربما كما جاء فى الفقرات السابقة ‏حيث‏ ‏الهجوم‏، ‏والسماح‏، ‏والمسئولية‏، ‏والتعيين‏، ‏والتناثر‏/اللاتناثر‏، ‏والصورة‏ ‏الدائرة‏ ‏حول‏ ‏محور‏ ‏يتخلق‏، ‏نتدرج‏ ‏إلى ‏المستويات‏ ‏الأقرب‏ ‏فالأقرب‏ ‏من‏ ‏وعى ‏اليقظة‏ ‏ولغة‏ ‏الصحو، أعترف‏ ‏ابتداء‏ ‏بأن‏ ‏اجتهادى ‏فى ‏هذه‏ ‏النقطة‏ ‏هو‏ ‏بداية واعدة، لابد أن لها ما بعدها، لذلك ‏لا‏ ‏أتردد‏ ‏فى ‏تسجيلها‏.‏

يقع‏ “‏متدرج‏ ‏الشعر‏” – ‏مثل‏ ‏متدرج‏ ‏الحلم‏- ‏من‏ ‏أقصى ‏الشعر‏ ‏مثلما‏ ‏ذكرنا‏، ‏إلى ‏الأرجوزة‏ (‏التعليمية‏ – عادة‏) ‏التى ‏ليس‏ ‏فيها‏ ‏من‏ ‏الحلم‏ ‏إلا‏ ‏إيقاعه‏ ‏الفسيولوجى ‏الراتب‏، ‏ولكن‏ ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏نعرض‏ ‏العلاقة‏ ‏المتصورة‏ ‏بين‏ ‏الحلم‏ ‏بكل‏ ‏أبعاده‏، ‏وبين‏ ‏هذه‏ ‏المستويات‏ ‏الأخرى ‏من‏ ‏الشعر‏، ‏دعونا‏ ‏نتذكر‏ ‏أن‏ ‏الحلم‏ ‏هو‏: “‏إيقاع‏”، ‏و‏”‏تكثيف‏”، ‏و‏”‏تفكيك‏” ‏و ‏”‏تناغم‏” ‏فـ‏ “‏ولاف‏ (‏جزئى‏)” ‏فى ‏آن‏”، ‏وكأن‏ ‏كل‏ ‏واحد‏ ‏مما‏ ‏يقال‏ ‏له‏ ‏شاعر‏ ‏يَأْخُذَ‏ ‏من‏ ‏الحلم‏ ‏ما يناسبه‏.‏

ومن‏ ‏هذا‏ ‏المنطلق‏ ‏نجتهد‏ ‏فى ‏تصنيف‏ ‏مستويات‏الشعر‏ ‏‏على ‏الوجه‏ ‏التالى‏:‏

‏(‏أ‏) ثـمَّ‏ ‏شعر‏ ‏محرِّك‏ (‏أو‏ ‏محرِّض‏) ‏يستوعب‏ ‏طاقة‏ ‏التنشيط‏ ‏الإيقاعى ‏مع‏ ‏حدة‏ ‏الدفعة‏ ‏البدائية‏ (‏دون‏ ‏مادة‏ ‏المعلومات‏ ‏المثارة‏، ‏أو‏ ‏فرصة‏ ‏تشكيلها‏ ‏جديدا‏) ‏فيفرغها‏ ‏فى ‏قالب‏ ‏اللغة‏ ‏السائدة‏، ‏ويحسِّنها‏ ‏بأنغام‏ ‏الناس‏ ‏المألوفة‏، ‏ليجعلها‏ ‏طاقة‏ ‏دافعة‏ ‏لغيرها‏ ‏من‏ ‏السلوك‏. ‏وهذا‏ ‏مايسمى ‏أحيانا‏ “‏شعر‏ ‏الثورة‏” ‏أو‏ “‏الشعر‏ ‏فى ‏خدمة‏ ‏الثورة‏”، ‏وهو‏ ‏أمر‏ ‏مختلف‏ ‏تماما‏ ‏عن‏ “‏الشعر‏ ‏الثورة‏”.‏

وأشهر‏ ‏مثال‏ ‏شائع‏ ‏لذلك‏ ‏هو‏ ‏بيتا‏ ‏الشابى‏:‏

إذا‏ ‏الشعب‏ ‏يوما‏ ‏أراد‏ ‏الحياة    ‏ ‏فلابد‏ ‏أن‏ ‏يستجيب‏ ‏القدر‏ ‏

ولا‏ ‏بد‏ ‏لليل‏ ‏أن‏ ‏ينجلى       ‏    ولا‏ ‏بد‏ ‏للقيد‏ ‏أن‏ ‏ينكسر

‏(‏ب‏) وثـمَّ “‏شعر‏ ‏جميل‏”، ‏يسخـِّر‏ ‏طاقة‏ ‏التنشيط‏ ‏الإيقاعى ‏الأولية‏ ‏للحلم‏ (‏دون‏ ‏مادته ‏- ‏معلوماته‏ ‏المتناثرة‏) ‏لخدمة‏ ‏التوازن‏ (‏الهارمونى‏) ‏فينتج‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏تناسق‏ ‏جمالى، ‏دون‏ ‏دفع‏ ‏خاص‏ ‏فى ‏اتجاه‏ ‏بذاته‏؛ ‏وكأن‏ ‏هذا‏ ‏النشاط‏ “‏التنسيقى‏” ‏لم‏ ‏يأخذ‏ ‏من‏ ‏الحلم‏ ‏إلا‏ ‏انتظام‏ ‏النغم‏، ‏وتوازن‏ ‏النِّسب؛ ‏فهو‏ ‏شعر‏ ‏جميل‏، ‏أو‏ ‏فائق‏ ‏الجمال‏ ‏يمثله أغلب‏ ‏شعر‏ ‏شوقى ‏أو‏ ‏نزار قبانى مثلا‏.‏

‏(‏ج‏) ‏وثـمَّ ‏شعر‏ ‏مركز‏، ‏يحتوى ‏من‏ ‏الحلم‏ ‏روح‏ ‏التكثيف‏، ‏ودفقـة‏ ‏الجرعة‏، ‏وهو‏ ‏فى ‏الوقت‏ ‏نفسه‏ ‏يواكب‏ ‏جرْس‏ ‏الإيقاع‏ ‏الراتب‏، ‏فيجمع‏ ‏مساحة‏ ‏من‏ ‏المعرفة‏ ‏فى ‏قول‏ ‏كالطلقة‏ ‏المضيئة‏ ‏الراقصة‏ ‏معا‏؛ ‏وهذا‏ ‏شعر‏ ‏الحكمة‏ ‏قد‏ ‏يمثله‏ ‏شعر‏ ‏الخيام‏ ‏أو‏ ‏المعرى‏.‏

‏(‏د‏) وثـمَّ ‏شعر‏ (‏ليس‏ ‏شعرا‏ ‏أصلا‏) ‏يقول‏ ‏الكلام‏ ‏السردى ‏نفسه‏، (‏ولا‏ ‏أقول‏ ‏النثر‏)، ‏ولكن‏ ‏فى ‏نظم‏ ‏مزركش‏، ‏فليس‏ ‏له‏ ‏من‏ ‏النشاط‏ ‏الحالم‏ ‏إلا‏ ‏انضباط‏ ‏إيقاعه‏ ‏الراتب‏ ‏المكرر‏، ‏وهو‏ ‏الرجز‏ ‏المسجوع‏، ‏وهو‏ ‏يزداد‏ ‏بعدا‏ ‏عن‏ ‏الشعر‏ ‏إذا‏ ‏أصبح‏ ‏له‏ ‏هدف‏ ‏غير‏ ‏ذاته‏، ‏مثل‏ ‏هدف‏ ‏التعليم‏ ‏فى “‏ألفية‏ ‏ابن‏ ‏مالك‏، أو هدف النصح والإرشاد التربويين، وربما النقد الاجتماعى أو السياسى مثل أغلب شعر شوقى للأطفال (4).

هذه‏ ‏الأنواع‏ ‏كلها‏ ‏ليست‏ ‏لها‏ ‏علاقة‏ وثيقة أو تماثل دال ‏بالحلم‏ ‏المحكى ‏من‏ ‏مادة‏ ‏منشطة‏ ‏متناثرة‏ ‏فى ‏صور‏ ‏مكثفة‏ ‏متلاحقة‏، ‏ودائرية‏، ‏إن‏ ‏علاقتها‏ ‏تقتصر‏ ‏على ‏استعمال‏ ‏طاقة‏ ‏التنشيط‏ ‏البدائية‏ ‏بما‏ ‏يمثله‏ ‏الحلم‏ ‏من‏ ‏نكوص‏ ‏إلى ‏الإيقاع‏ ‏الأولى ‏المنتظم‏، ‏الذى ‏هو‏ ‏صفة‏ ‏ظاهرة‏ ‏فى ‏إيقاع‏ ‏نشاط‏ ‏الحلم‏، ‏ثم‏ ‏استعمال‏ ‏هذه‏ ‏الطاقة‏ ‏بإفراغها‏ ‏فى ‏اللغة‏ ‏السائدة‏، ‏لترسل‏ ‏بدفعها‏ ‏ذى ‏الإيقاع‏ ‏الراتب‏ ‏رسالة‏ ‏محددة‏ ‏فى ‏حكمة‏ ‏مركزة‏، ‏أو‏ ‏صورة‏ جميلة ‏إلى ‏المتلقى‏.‏ كأن‏ ‏نشاط‏ ‏اليقظة‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏النوع‏‏ ‏من‏ ‏النظم‏ ‏قد‏ ‏تصالح‏ ‏مع‏ ‏دفع‏ ‏الحلم‏ ‏وإيقاعه‏، ‏ليصوغا‏ ‏جمالا‏ بسيطا ‏منغما‏، ‏ينهض‏ ‏بديلا‏ ‏مسالما‏ ‏عن‏ ‏تحمل‏ ‏خوض‏ ‏الشعر‏ ‏الشعر‏.‏

‏”‏موسيقى‏” ‏الشعر‏:‏

لا‏ ‏يكون‏ ‏الشعر‏ ‏شعرا‏ ‏إذا‏ ‏تخلى‏ ‏عن‏ ‏تشكيل‏ ‏الزمن‏ ‏فى ‏لحن‏ ‏مصوَّر‏ ‏بشكل‏ ‏ما‏، ‏وحيث‏ ‏أننا‏ ‏بدأنا‏ ‏بتوضيح‏ ‏كيف‏ ‏أن‏ ‏النشاط‏ ‏الحالم‏ (‏والوجود‏ ‏الحيوى‏/‏البشرى ‏فى ‏مظاهره‏ ‏الأولية‏) ‏هو‏ ‏إيقاع‏ ‏نوابى ‏منتظم‏، ‏فإنه‏ ‏يحق‏ ‏لنا  ‏-تماديا‏ ‏فى ‏القياس‏- ‏أن‏ ‏نرى ‏الإيقاع‏ ‏الشعرى ‏الراتب‏ ‏وهو‏ ‏يعلن‏ -‏بشكل‏ ‏غير‏ ‏مباشر‏- ‏موقع‏ ‏الشعر‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏النسق‏ ‏الحيوى ‏المبدئى (‏أو‏ حتى ‏البدائى‏).‏

هنا‏ ‏يطل‏ ‏تناقض‏ ‏عنيف؛ ‏إذ‏ ‏كيف‏ ‏يكون‏ ‏الشعر‏ ‏قمة‏ ‏التوليف‏ ‏بين‏ ‏أقصى ‏الفجاجة‏ ‏وأقصى ‏النضج؟‏ ‏وكيف‏ ‏يكون‏ ‏عليه‏ ‏فى ‏الوقت‏ ‏نفسه‏ ‏أن‏ ‏يلتزم‏ (‏بحسب‏ ‏قول‏ ‏التقليديين‏) ‏بهذا‏ ‏الإيقاع‏ ‏البدائى (‏العمودى، و‏وحدة‏ ‏القافية‏)‏؟‏ ‏

فى ‏محاولة‏ ‏لتجاوز‏ ‏هذا‏ ‏المأزق‏، ‏خرج‏ “‏الشعر‏ ‏الأحدث‏” ‏يتحرك‏ ‏ويتحدى؛ ‏إذ‏ ‏يحاول‏ ‏استيعاب‏ ‏الإيقاع‏، ‏ولكنه‏ ‏يسمح‏ ‏لنفسه‏ ‏بتنويعِهِ‏ ‏وتطويعِهِ‏، ‏ثم‏ ‏يتدرج‏ ‏السماح‏ ‏الملتزم‏ ‏بشكل‏ ‏أو‏ ‏بآخر‏، ‏وكأن‏ ‏الشاعر‏ ‏الحديث‏ ‏الذى ‏لا‏ ‏يزال‏ ‏يلتزم‏ ‏بوزن‏ ‏ما‏، ‏إنما‏ ‏يتجول‏ ‏فى ‏دوائر‏ ‏مراتب‏ ‏الإيقاع‏ ‏بما‏ ‏تهيئه‏ ‏من‏ ‏نغم‏ ‏راتب‏، ‏ليؤلف‏ ‏منها‏ ‏ما يشاء‏ ‏بقدر‏ ‏مسئوليته‏ ‏وحاجته‏ ‏أثناء ‏تخليقه‏ ‏لتشكيلات‏ ‏الزمن‏ ‏والمكان،‏ ‏فهو الشعر.

 ‏ولكن‏ ‏ماذا‏ ‏عن‏ ‏شاعر‏ ‏غاص‏ ‏إلى ‏مركز‏ ‏الدوائر‏ ‏حتى ‏تخلص‏ ‏من‏ ‏حتم‏ ‏متابعة‏ ‏الإيقاع‏ ‏الراتب؟‏ ‏ألا‏ ‏يعفيه‏ ‏هذا‏ ‏التمركز‏ (‏والنغم‏ ‏من‏ ‏حوله‏، ‏وبه،‏ ‏فهو‏ ‏فى ‏بؤرته‏) ‏من‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏تابعا‏ ‏مطيعا‏ ‏لرتابة‏ ‏النغم؟‏ ‏وهو‏ ‏فى ‏الوقت‏ ‏نفسه‏ ‏يعيش‏ ‏كل‏ ‏الأنغام‏، ‏يشحن‏ ‏بها‏ ‏لغته‏ ‏الجديدة‏ ‏المصورة‏، ‏دون‏ ‏التزام‏ ‏بحركة‏ ‏راتبة‏ ‏مكررة‏.؟

 ‏هى ‏مخاطرة‏ ‏بلا‏  ‏شك‏؛ ‏إذ‏ ‏قد‏ ‏يصعب‏ ‏التمييز‏ – ‏فى ‏مرحلة‏ ‏بذاتها‏- ‏بين‏ ‏من‏ ‏يعيش‏ ‏خارج‏ ‏الدوائر تماما‏، ‏وبين‏ ‏من‏ ‏اخترق‏ ‏الدوائر‏ ‏حتى ‏تمركز‏ ‏فى ‏بؤرتها‏ ‏فلم‏ ‏يعد‏ ‏يدور‏ ‏معها‏ ‏لكنه‏ ‏ينبض بها معا لتشكيل إيقاع غير مسبوق.

لن‏ ‏ينقذنا‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏المأزق‏ ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏نغامر‏ ‏بالإنصات‏ ‏إلى ‏الموسيقى ‏غير‏ ‏الراتبة‏ ‏وغير‏ ‏المكررة‏ ‏وغير‏ ‏الإيقاعية المنتظمة‏، ‏فى ‏اللوحة‏ ‏الشعرية‏ ‏الحديثة‏، ‏إن‏ ‏ما‏ ‏يـُـلزمنا‏ ‏ببذل‏ ‏الجهد‏ ‏فى ‏البحث‏ ‏عن‏ ‏الموسيقى ‏الأعمق‏ ‏هو‏ ‏ضرورة‏ ‏أن‏ ‏نطمئن‏ ‏أن‏ ‏الشاعر‏ ‏يحذق‏ ‏اللغة‏ ‏العادية‏ (‏نثرا)‏، ‏كما‏ ‏أنه‏ ‏يلم‏ ‏بالتراث‏ ‏الشعرى ‏التقليدى ‏الراتب‏ ‏الإيقاع‏، ‏ثم‏ ‏هو‏ ‏يتجاوزه‏، ‏ولعل‏ ‏إنجازات‏ ‏أدونيس (5) ‏ناقدا‏ ‏وباحثا‏ ‏تراثيا‏ ‏هى ‏التى ‏دعمت‏ ‏موقفه‏ ‏شاعرا‏ ‏مهما‏ ‏غمض‏ ‏شعره‏ ‏وأزعج‏.

[1] –  يحيى الرخاوى  كتاب “حركية الوجود وتجليات الإبداع”[جدلية الحلم والشعر والجنون] المجلس الأعلى للثقافة الطبعة الأولى 2007- القاهرة، والكتاب يوجد فى الطبعة الورقية  بمكتبة الأنجلو المصرية، وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مؤسسة الرخاوى للتدريب والبحوث: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا حاليا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط www.rakhawy.net 

[2]- نشرت فى الأهرام فى 18/4/2005

[3]- DNA

[4]-  أنظر نقدى المقارن بين شعر (قصص) هانز كريستيان أندرسون  للأطفال وبين أراجيز أحمد شوقى للأطفال خيال الأطفال: (أطفالنا: بين روح الشعر ونظم الحكمة) مجلة وجهات نظر – مارس 2005.

[5]- أعمال‏ ‏أدونيس‏ ‏مثل‏ “‏زمن‏ ‏الغربة‏” ‏والثابت‏ ‏والمتحول‏” ‏هى ‏من‏ ‏أهم‏ ‏ما‏ ‏شجعنى ‏وصبرنى ‏على ‏الوقوف‏ ‏على ‏شعره‏ ‏بقدر‏ ‏ما‏ ‏استطعت‏.‏

 

admin-ajax (4)admin-ajax (5)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *