نشرة “الإنسان والتطور”
29-1-2011
السنة الرابعة
العدد: 1247
ملحوظة:
نظراً لانقطاع الانترنت عن مصر خلال الأربع الأيام الماضية لم نستطع تحميل نشرات “الإنسان والتطور” على الموقع وقد جرت محاولات إرسالها عبر الفاكس إلى الأستاذ الدكتور جمال التركى لنشرها فى الشبكة العربية للعلوم النفسية ولم تنجح المحاولات ولذلك سوف يتم نشر هذه النشرات تباعا على الموقع.
بعد الملحوظة: 2 فبراير 2011
فشلت هذه المحاولة عن طريق “الفاكس” لأسباب تقنية أيضا، لكن يظل الشكر واجبا ومتجددا لهذا العرض الكريم الذى أتاح لى أن أواصل الكتابة يومياً، وقد ساورنى شك أننى لو انقطعت لهذه الأيام برغم أن ذلك اضطرار معلنا له أسبابه الموضوعية، فقد أتوقف تماما. لكن كرم د. جمال التركى أعفانى من هذا الاحتمال.
وبدءًا من اليوم (الأربعاء) وعودة “الانترنت” أنشر كل النشرات المتأخرة التى كانت معدة للارسال بالفاكس (السبت حتى الأربعاء) ثم نواصل النشر غداً – الخميس – كالمعتاد.
يوميات الغضب والبلطجة
ولادة شعب جديد قديم (1 من ؟؟؟)
كنت قد كتبت صباح الجمعة وأنا فى دهب (جنوب سينا) يومية اليوم (السبت) عن “حق الحزن” أرجوزة للأطفال، (لم أكن قد علمت بعدُ ما حدث بعد الصلاة ثم ما تلى ذلك)، كنت حزينا أكثر منى غاضبا، خائفا أكثر منى مهلِّلاً، شىء ما كان يضغط على صدرى بقسوة جاثمة، وحدى فى دهب، لا أعرف كيف أشغـّل التليفزيون برغم وجود “دش” فى منزلى المتواضع (شقة فى الإسكان المتوسط البسيط)، لا أريد أن اكذب على نفسى، تعلمتُ، وحاولت أن أعلّم من يثق فى خبرتى أو رؤيتى، أن يتحمل موجات الحزن القوى وهى تطل بين هدير الفرح، كذلك أن أميز بين الجبن والخوف، لا أريد أن أكذب على نَفسى، أنا خائف على ما يجرى، خائف على النتيجة البعيدة يجرى، وليس مما يجرى، لم أستطع أن أنزل نشرة “الإنسان والتطور” إلى الموقع، لسقوط الإنترنت تماما، أشعر بامتنان للظروف التى سمحت لى أن أتوقف عن الكتابة، أولا: فى الصحف،(تعتعة الدستور، والوفد) وثانيا: فى الموقع، وإلا كنت اضطررت إلى الكتابة أولا بأول عن الجارى، لست مضطرا أن أكتب الآن، لا أريد أن أكتب الآن، ماذا أكتب؟ ماذا أفاد ما كتبت طوال هذه السنوات، يا ترى هل ساهم فى تكوين وعى هؤلاء الشباب ليقوموا بما قاموا به ويقومون به، وهل يمكن أن يساهم ما كان يمكن أن أكتبه الآن فى استيعاب ما قاموا به والحفاظ عليه؟
كنت أكتب قبل ذلك حتى اتعتع الوعى حين كان ساكنا، المفروض أن أكتب اليوم إسهاما فى محاولة ضبط الجرعة، لعلى أنجح أن أحذّر من:
التغيير السطحى،
أو الانقلاب العسكرى،
أو الانقضاض السلفى،
أو التشويه الغوغائى،
أو كل ذلك
المفروض أن اصرخ فى الشباب أن ينتبهوا حتى لا يركب الموجة غير أهلها، أنا أشك من واقع الواقع أن شيئا مما أكتبه له فائدة عملية حقيقية، لكننى فى نفس الوقت أعرف أو أزعم أننى أعرف كيف يتكون الوعى البشرى الجديد، بطيئا قويا متزايدا غالبا لأنه مما ينفع الناس، ليس زبدا يذهب جفاءً.
أعتقد، على الأقل الآن، أن هذا الشباب النبيل فى الشوارع لا يحتاجون إلى كتابةٍ جديدة؟ أليس ما يفعلونه ويتعرضون له خير من ألف مقال، ومن مليون كلمة
ما فائدة الكتابة أصلا؟
اليوم يوم الفعل، لا يوم الكتابة أو الكلام
أنا فى دهب، بلا تليفزيون، ولا معرفة دقيقة بما جرى يوم الجمعة، لم أتابعه، ولم أعرف تفاصيل بعضه إلا بعد عودتى إلى القاهرة، أنا مشغول جدا على النتيجة التى سنخرج بها من كل هذا.
هناك فروق كثيرة دائما بين:
“الحركة” و”الانتفاضة”، و”الثورة”،
وعلى الجانب الآخر، هناك فرق شديد بين
“ثورة الغضب” و”اندفاعة الفوضى”،
تماما مثل بداية الجنون والإبداع، هى واحدة، يحتاج كل منهما إلى كل الجسارة والاختراق والمغامرة والشطح، أما ما ينتهى إليه هذا أو ذاك، فهو يتوقف على عوامل أخرى هى التى تحدد إن كان ذلك إبداعا خلاّقا، أم جنونا متفسخا فهمودا ميتا.
أعرف أن تحديد “المآل” من البداية أمر صعب، لكن “تعهد المسار” – منذ البداية أيضا- هو الذى يمكن أن يحتوى حتى ما كان ينذر بأنه تشتت أو تفسخ، وهو الذى يسمح بإعادة تشكيل وإبداع،
لا بد أن نبذل جهدا علميا موضوعيا سياسيا ونحن نحاول أن نحتوى الحركة لتصبح ثورة،
ثم جهدا تاليا ونحن نستوعب الثورة لتصبح إبداعا وإنتاجا وتطورا ونماء.
أنا عمرى يسمح لى بأن أتخوف، بل يلزمنى بذلك، وأن أبلغ خوفى للأصغر والأشجع حتى يزداد شجاعة.
عايشت عبر ستة عقود عدة حركات انتهت إلى غير ما وَعَدَتْ، لمجرد أن أصحابها فرحوا بها (ثم بأنفسهم) أكثر مما خافوا عليها، فلم يسلموها فى الوقت المناسب إلى أصحابها ، الفرحة لما حدث من إيجابيات هى فرحة مشروعة فى حدود نجاح توصيل الرسالة، وكسر الخوف (أقصد كسر جدار الجبن والتحسُّب)، لكن الخوف اليقظ ضرورى لأنه هو الذى ينبهنا إلى لصوص الثورات، الذين هم أخطر وأنذل من لصوص المولات والبيوت.
فى محاولة أن أقهر مقاومتى للعودة إلى الكتابة، رجعت إلى حاسوبى، فوجدت أننى كتبت من سنوات ما يصلح اليوم أن يكون حاضرا فى هذه اللحظة بما يكفى، وخاصة ما كتبته عن “الغضب” (بدءا بأرجوزة للأطفال) ، ثم ما كتبته عن “هيبة الدولة”، و”غياب الدولة”،
لا أريد أن أكتب ،
لماذا أكتب؟
وددت لو أتوقف عند قولك يا عبد الصبور:
لا أملك أن أتكلم
فليتكلم عنى صمتى المفعم
لكنك هزمتنى بأن واصلت قائلا:
“لا أملك إلا أن أتكلم
يا أهل مدينتنا ، يا أهل مدينتنا…إلخ(1)
الإثنين:
كنت قد قابلت الأخ والإبن أ.د. جمال التركى أثناء زيارته القاهرة يوم الخميس الماضى، ولم تكن الأمور تطورت إلى ما تطورت إليه، وحين سافر يوم الجمعة إلى صفاقس (تونس)، كتب لى يوم السبت رسالة على الهاتف الجوال يفتقد النشرة اليومية، فإذا بى أنتبه إلى أن هناك ولو شخص واحد يطلب رأيى حالا، كما أبدى د. جمال استعداد الشبكة العربية النفسية للقيام بدورها فى توصيل النشرة إلى من يهمه الأمر، وذلك إلى أن يعود الإنترنت إلى سماء مصر، شكرته، واعتذرت مجددا بأنه حتى هذا السبيل لا سبيل لى إليه، وإذا به يهاتفنى صباح اليوم (الإثنين) ويقترح أن أرسل له النشرة اليومية بالفاكس.
لم أجد أمامى خيار وقررت ما يلى:
أولا: أن أواصل الكتابة بدءا من يوم التوقف السبت (وهذه هى يومية السبت)
ثانيا : أن أعيد نشر ماسبق لى أن كتبته مما قد يناسب الموقف الراهن حتى لو كنت قد نشرته هنا أو هناك، ليس تباهيا ببعد النظر، فليس هذا وقته، فضلا أنه لا قيمة له، ولكن ثقة بالتأكيد على أن وعى ناسنا، وخاصة الشباب، فى حالة تكوّن مستمر، وذلك بعد أن فرحت بهؤلاء الشباب الذين بدا لى الآن أنهم أولى بأرجوزة الأطفال (مثلهم مثل الكثيرين)
أما باقى ما وجدته فى حاسوبى وبالإضافة إلى ما خطر ببالى، مما يحتاج إلى تقديم وتحديث مناسب قد يفيد (شكراً ياجمال) فهو عن:
- ثقافة البلطجة
- هيبة الدولة
- غياب الدولة
- تهميش الناس
ثالثا: أن أنبه إلى مغزى ما وصلنى من معنى من إجراءات محاولات الاستجابة لـ ، أو احتواء، أو استغلال: ما حدث، مثلاً:
1) هل يعملها الشباب ليستولى عليها الشيوخ، (مع كل الاحترام للسن) ؟؟ !!
2) من هم اللصوص الجاهزون للانقضاض على النتائج وسرقتها
3) ما هى الأقتراحات المحددة لاستيعاب إيجابيات ما حدث
- بدءا من الشباب
- ثم من يهمه الأمر (انظر بعد)
- …..الخ
كفى اليوم :
سوف أرسل النشرة حالا إلى جمال بالفاكس، فهو صاحب الفضل وصاحب الاقتراح، وعليه الباقى، جزاه الله عن الوطن العربى والبنى آدمين فى كل مكان خيرا
الحمد لله
1- صلاح عبد الصبور ، ليلى والمجنون.