الرئيسية / مجلة الإنسان والتطور / عدد يوليو 1981 / يوليو1981- الصمت: الحالة رقم 2 سيناريو: عصمت دواستاشى

يوليو1981- الصمت: الحالة رقم 2 سيناريو: عصمت دواستاشى

الصمت

الحالات من واحد لخمسة

 (سيناريو مسرحى)

عصمت داوستاشى

مقدمة:

عصمت داوستاشى، صديقنا الجديد البعيد،أرسل لنا متفضلا سيناريو مسرحى(هكذا أسماه) يعرض خمس حالات أسماها بطريقته “الحالات من واحد لخمسة”, أما عنوان العمل بأكمله فهو”الصمت”، وهو عمل لم ينشر، تفضل مبدعه أن يهديه لهذه المجلة وترك لنا حرية التصرف، وعصمت فنان متعدد، ويبدو أن أسلوب التشكيل وغلبة الصورة وتلحين وحدات الزمن هى لعبة ابداعه الخاصة والرائدة، وقد ألحق مع العمل بريشته صور”….لا تمثل بالضرورة تعبيرا مباشرا عن الحالات: وانما ألصقت مع النص لبيان البعد التشكيلى وعمق علاقته بالمكتوب …..”

وبالقلم الرصاص وكأنها مسودة، كتب تحت صورتين(أمعائيتين بالأوردة والشرايين والحبال والقيود والزواحف)

كتب:

الأشياء التى تحطمت

والصمت الذى تفجر

ويبقى الرحيل

ثم كتب بنفس القلم الرصاص فى ميل ظاهر قاطعا نصف الصفحة الباقى من أعلى اليسار الى أسفل اليمين:

الأشياء التى تحطمت

الى أشياء

والصمت الذى تفجر

لمزيد من الصمت

ويبقى الرحيل

يرجونا بما تبقى من سنين

تتفتت فى الذهاب أو المجئ

فى دفء الأرض

وفى برد المغتربين

وتبقى الأشياء فى صمت

منتظرة الرحيل

دوما

منتظرة الرحيل

الاسكندرية14/12/1980

ونحن لا نملك الا أن نقول له” نعم…..لا…..”معا”لانحرمه من ابداعه اذ يرسل الينا رسائل الوداع المنتظرة، ولا نثقل عليه بوجودنا القريب، ولكنا فى نفس الوقت لا نسمح له أن يتركنا اذ نضطره أن يراجع نفسه ووجهته حين يجد من يسمعه ويراه

ونستأذن الصديق المشترك محمود حنفى أن نقتطف ما يضئ لنا الطريق الى هذا العمل وذلك من المقدمة الحية التى قدم بها له ، يقول محمود حنفى( الذى تفضل بقبول ضيافتنا له فى عدد يناير 1981 من هذه المجلة) فى مسرح داوستاشى:

“منذ فجر الفريد جارى تجربة مسرح القسوة الجريئة، معلنا من خلالها عن يأسه من الحضارة الغربية التى كثفت عزلة الانسان وباعدت بينه وبين القيم الانسانية الحقيقية والصحيحة، ومعبرا عن المقولات الأولى فى نظرية جديدة للدارما ترفض ما يسمى بالواقعية فى الفن انطلاقا من رفضها للواقع المزرى الذى يعيشه الانسان، وتسعى الى العودة الى المنابع الأصلية للدراما: الخيال والسحر وروح الشعر المصفاة من جمود الحرفية والتقاليد الصماء:…. منذ ذلك الحين هبت رياح عصفت بكل ما تعارف عليه رجال المسرح فى القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وتتابعت موجات من التمرد الخلاق …..” الى أن ينتقل الى عمل داوستاشى:

بادئ الأمر يرفض داوستاشى(فنان تشكيلى: مصور ونحات) تسمية عمله باطلاق “أى اسم” عليه سوى كلمة (الصمت)، واستطرادا من هذا المنطلق فهو يرفض أيضا تحديد هويته الدرامية، ويؤكد ذلك من خلال استغنائه تماما عن المصطلح الفنىالمسرحى، انه يستخدم كل عناصر العمل الدرامى: الاضاءة والديكور وحركة الممثلين والموسيقى المصاحبة ويضيف اليها شاشة السينما والفانوس السحرى، ولكنه لا يسمى كل ذلك بأسمائه المتفق عليها مكتفيا بشرح المشاهد المسرحية شرحا دقيقا بصورة تكاد تدخلك الى أى حوار.

ثم يقول:

…… ان داوستاشى يأتى بتجربته الجديدة من تحت معطف الثورة المسرحية الجديدة…… وهو ان كان  قد هضم كل ما وصل اليه من تراث المسرح الثورى نجده أكثر ارتباطا بالمسرح الجديد فى آخر أشكاله التى ظهرت فى دراما الشباب فى أمريكا وخلال عروض مهرجان افينيون بفرنسا .

ثم يقول:

داوستاشى فنان تشكيلى يريد أن يحتوى التجربة الفنية بجماعها، وهو بالتالى حين يطرق باب الدراما ينفذ اليه مسلما بأدوات قد لا تتوافر عند غيره ممن سبق أن طرقوا ذلك الباب،،……… ولايزال داوستاشى يعيش ويعمل فى صمت وسط بيئة تشوهت فيها صورة الفن الحقيقى لذا تصبح الأحكام التى قد تصدر فى حقه أحكاما مرجأة فيما عدا حكم واحد لا يجوز فيه النقض أو الابرام:

ان داوستاشى فنان، وفنان يعيش فى قلب العالم وقلب المكابدة بحثا عن الحقيقة المخبأة وراء ستر كثيفة

وأخيرا يتساءل محمود حنفى: هذا النص … هل يمكن أو يجوز أن يتولى مهمة عرضه المسرحى مخرج منفذ غير عصمت داوستاشى؟؟

وبعـد،

فنحن نغامر بنشر جزء من هذا العمل لأسباب متعددة: أولا: انه هدية قيمة تحوى جرعة من الصدق آنست وحدتنا ولعلها تبرر استمرارنا،

ثانيا:انه عمل يحوى جرعة من الابداع تؤكد لنا حلما يقول اننا نستطيع أن نعاود النبض من وسط عفونة الجثث التى قاربت التحلل النهائى،

ثالثا: اننا نأمل أن يكون تشكيله الصامت بالكلمات مثيرا ابداعيا لقارئنا الذى نطمع أن يكون خياله شخصيا هو” المخرج المنفذ “ لمسرح يحدد أبعاده ابداعات المتلقى وقدرته على اعادة الخلق، وهكذا يقوم مسرح جديد حين تترجم الكلمات الى صورة وصور وشخوص حية لتتحرك فى مسرح العقل المبدع رغم انف التكنولوجيا، فيعود الحوار بين المبدع انتاجا والمبدع استقبالا كأروع ما يشرف العقل البشرى فينمو بلا تردد .

باختصار: نحن نأمل أن يكون هذا الصمت هو أعظم محركات الوعى .

ونذكر صديقنا ابراهيم عادل بمقاله فى العدد الرابع للسنة الأولى من هذه المجلة بتساؤله” ان كان الصمت أكثر أمانا ؟” أو” أمانة”، فليس كل الصمت صمتا، اذ نأمل فى تشكيل الصمت على مسئولية معايشه، ونخشى فى نفس الوقت الهرب فيه أو الهرب منه  بالكلمات الجوفاء والصور العاجزة .

الصمت

الحالة رقم”2″

الحركة الأولى:

موسيقى: تتاسب مع الأداء الهادئ للحركة الأولى….. آلة واحدة

ظهور : عنوان:”نستيقظ .للرعب”

صورة ” نابليون بونابرت يمتطى حصانا عربيا وحلمه أهرامات الجيزة فى وضع مقلوب”

المكان: المقدمة مرتفعة عن مستوى المؤخرة التى تبدو أشبه بحفرة كقبر عريض من القبور السريعة للدفن الجماعى.. وهذه الحفرة مملوءة بأجساد بشرية شبه عارية… وكأنها ألقيت فيها باهمال .

اضاءة: تنبعث من الحفرة الخلفية

حركة: تبدأ أصابع فى الظهور من الحفرة الخلفية ومن نقاط مختلفة..متقاربة متباعدة ترتفع الأصابع بالتدريج فتظهر الأكف.. ثم الرؤوس التى بها ملامح… تمتلئ المؤخرة عند مرحلة نهاية الحركة بأنصاف أجساد بشرية خارجة من القبر فى أوضاع تعبيرية منوعة ثم يتجمدون فى أوضاعهم تلك فى لحظة واحدة .

اضاءة: تتغير مع جمود الحركة لتحول الأجساد الى أشباح مظلمة

موسيقى: تتصاعد وتتوتر بمزج الكترونى لفترة من الوقت

صمت: مع اختفاء صورة نابليون

الحركة الثانية:

ظهور: “الحركة الثانية”  ثم عنوان “اجتماعات تقرير المصير”

صورة لسيارة قديمة من طراز فورد الأمريكى.

موسيقى: لحن راقص مبتذل من ذلك النوع الذى تعرفه  ثلاث آلات أو أربع فى الموالد الشعبية

اضاءة: مباشرة الوهج على المستوى الأمامى: أما المستوى الخلفى فيجب أن تحقق الاضاءة شبحية الأجساد المتجمدة ….

حركة: يظهر حمار أبيض نظيف، معلق فى رقبته جرس ذهبى صغير .. حركة الحمار بالمكان تلقائية بما يتيح فرصة للاضحاك وبحيث تبدو منبعا للهزل مع دخول مهرج يرتدى “الفراك” بدلة المناسبات الرسمية…… وفى يده حقيبة منتفخة فيرتدى قناعا لأحد الحيوانات التى تتصف بالمرونة والذكاء الوثاب … يقترب المهرج من الحمار،ينحنى أمامه، يهمس فى أذنه …ثم يقرب أذنه هو من فك الحمار وكأنه يتلقى همسه. يدون ملاحظات فى نوته صغيرة .. يعود الى تكرار الهمس والاستماع… ويكتب الملاحظات. الحمار يهز رأسه … والمهرج يقدم له كل فروض الطاعة والتبجيل والاحترام الذى يفوق الوصف .

موسيقى: نفير وطبل يعلن دخول شخص هام …

حركة: تدخل كتلة متوحدة من المهرجين فى خطوة واحدة وكأنهم شخص واحد بملابس رسمية وأقنعة حيوانية مختلفة…. لتقديم استعراض راقص لتبجيل الحمار الذى يصبح فى موقع أعلى من الجميع… يغنى الجميع نشيد الحمار … تتفرق المجموعة حلقات تمارس كل حلقة على حدة نشاطا معينا… البعض يفرد خرائطه، البعض الثالث يستغرق فى مناقشات حامية. خلال ذلك تفتح زجاجات الخمر وتشتعل السجائر والسيجار.

صوت: نهيق حمار من الخارج فتتجمد حركة الجميع

حركة: مع موسيقى لمارش استعراض يخرج الجميع يتقدمهم الحمار… يدخل عامل نظافة يشرع فى تنظيف المكان … وبعد أن يكنس مقدمة المكان الذى كان فيه الاجتماع يخرج من جيبه فوطة ويروح يمسح المخلوقات المتجمدة عند المؤخرة كأنه يمسح بعض التماثيل .. يعود الى مقدمة المكان حيث ينزل مفتاح اضاءة ضخم من السقف ليقفل النور

اظلام تأم

صمت

الحركة الثالثة

ظهور: ” الحركة الثالثة”

عنوان “من يشعل لنا ….الشمعة الأولى”

صورة  “نجمة بعيدة باهتة”

موسيقى: اعداد موسيقى خاص برقصة الشموع

حركة: ستأتى من المجموعة الموجودة بالمستوى الخلفى ومعها الشموع

اضاءة: شمعة تضاء… وتبدأ الرقصة…. حركة الضوء الواهن للشمعة وسط الظلام لتحقيق نوع من الرقص الضوئى ذى الايقاع المتناغم مع الشمعة المشتعلة… تشعل شمعة أخرى وتستمر الحركة الراقصة…. الشمع المشتعل يشعل شمعا آخرا… ويتصاعد الايقاع حتى يمتلئ الظلام بدبالات الشموع المتراقصة…. انها صراع الضوء الواهن مع ظلام عريض مستبد

غناء:جماعى ذو طابع مأساوى … الأمل فيه يماثل الضوء المنبعث من شمعة فى الظلام عميق، تكتب الأغنية خصيصا…وبانتهائها ينفخ الجميع الشموع لاطفائها

اظلام تام

الحركة الرابعة

ظهور: ” الحركة الرابعة”

عنوان ” الى درجة لا تحتمل”

صورة “لرجل وأمرأة فى وضع جنسى” اختفاء

صورة  “لمنظر طبيعى شامل” اختفاء

صورة ” لوحة بيكاسو الموديل والفنان ” اختفاء

صورة “لأحد الأطباق الطائرة”

اضاءة: متوهجة متصلة مباشرة بالموسيقى

موسيقى: لأحدث تسجيلات الديسكو المنتشرة

حركة : شاب يظهر بالمكان يرتدى ملابس الجيش فى يده كرة، يقف مبتسما فى ثقة واعتداد يستعرض الكرة وكأنه يعرضها على المشاهدين، وبالفعل يدعوهم الى مشاركته…. يقذف بالكرة الى أحدهم ليردها اليه .. تتكرر الحركة أربع أو خمس مرات، تدخل فتاة نمط أنثوى معادل تماما للشاب فى ملابسها واعتدادها بنفسها…. تمارس اللعب بكرة أخرى فى يدها …. ثم مع المشاهدين.

تدريجيا يتكرر المشهد فى تناغم محسوب حتى يمتلئ المكان بالشباب والفتيات وتتطاير الكرات بينهم وبين المشاهدين فى حركات متدفقة مليئة بالحيوية وفى حركة واحدة وبايقاع محكم يتلقف الشاب والفتاة كرتيهما ثم يقذفان بها الى الخلف … لحظة.. ثم تتلوها مجموعة الشباب فى القاء الكرات الى الخلف بحركة متسقة ثم يصفق الجميع .

يقترب الشباب والفتيات مع المشاهدين ويبدأ حوار شامل والتحام كامل بينهم بينما الموسيقى والضوء ينتشر فوقهم جميعا الى درجة لا تحتمل.

صمت
اظلام

 6/5/1969

أسكندرية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *