يوليو 1985 – الافتتاحية

الافتتاحية

– 1-

… وها نحن أولاء نجد أنفسنا موضع ثقة جمهرة من الأصدقاء ترسل الينا ما يشجعنا ويدفعنا، لكن للأمر وجها آخر، فقد أصبح لزاما علينا أن ننتقى ما نتميز به، وتشتد هذه الحاجة بعد أن صدرت الزميلة “القاهرة” الأسبوعية وانتظمت،وزيدت”ابداع” الشهرية، فبم نتميز. وكيف؟

– 2 –

أن ما يميزنا الآن – بحسب اجتهادنا – هو أمور ثلاثة (1) محاولة تضفير وسائل المعرفة من علم وأدب، ثم (2) طلب الحوار لاثراء تجاوب العقول وليس لتبادل الفخر والهجاء، وكذلك (3) طرق باب “ما ليس كذلك” فى اصرار وحذر معا .. هذا فضلا عن رفض احتكار التخصص لمسار وأدوات المعرفة، وهو متضمن فيما سبق.

– 3 –

أما عن أسهامنا فى اثراء القارئ بما هو علم مختص فى مجال النفس، فما زلنا نحسب أنا مقصرين قصدا، فقد اعتاد القارئ أن يقرأ ما يسمى علما بتسليم خطر، ةنحن أحرص على مشاركته قبولا ورفضا ومراجعة واضفاة، واذا كنا نرفض أن نقول له هكذا ببساطة أن ” دع القلق وابدا الحياة”، وأنه “توجد ثلاث طرق لتنمية الذكاء واربعة أسئلة لمعرفة الشخصية”… الخ، فان علينا أن نقول له ماذا يجرى فيما هو علم بحق، يحاول أن يساهم فى مسيرته، ليساهم هو معنا فى استيعابه ودفعه وتعديله.

وقد غامرنا فى هذا العدد مغامرة جديدة، كنا نتحين الفرصة لخوضها منذ حين، ونحن نعترف ابتداء أن الجرعة قد جاءت أكبر من تصورنا فقد قمنا بترجمة مقال عن الفصام، ترجمة كاملة تماما، لم نتصرف فيهخا اصلا، واذا بها شديدة الجدة، وكان ينبغى أن نعرف القارئ بماهية الفصام أولا، ثم ماهية المخ مثلا، قبل أن نبدأ فى عرض هذا المستوى من التخصص، وقد حاولنا فى ايجاز، ولكننا نشعر ان ذلك لا يكفى، ثم من أدرانا الى  أى مدى يقبل القراء الجادون هذا المستوى من الجدية، ثم ان الموضوع مقتوح للحوار، وهو بداية، نأمل أن نتعلم منها، وعلى استعداد أن تراجع عنها تماما أو جزيئا – ولكن افتراض مستوى معين لفهم الناس، ثم الحديث فيما هو دونه، ليس الا فرض وصاية ابيناها على أنفسنا، فغامرنا.

– 4 –

وبعد تجنب المديح والشكر، نشير الى خطاب الأديب جمال نجيب التلاوى الذى نبهنا فيه الى أن بعض ما ننشره من قصص، قد سبق نشره، أو لحق فى مكان آخر،(مثل: “لحن الرندو الحزين”: السيد زرد، “الجيل”: محمد عبد المطلب) – ونحن نعتذر له، وللقراء، ولا نلوم الا أنفسنا، لأن من حق الأديب أن يرسل انتاجه” هنا” و” هناك” عل وعسى، ونحن نشترط بداهة أن ينشر عندنا العمل الذى لم يسبق نشره، ولكنيكون ذلك عمليا يقتضى أن نرسل خطابا بوصول العمل ويحولنا لنشره فى نشرة كذا، وبعد ذلك – لا قبله – نلزم الأديب بعدم النشر فى مكان آخر ما لم يخطرنا، أما النشر بعد صدروه فى مجلتنا المتواضعة، فهذا مسموح وطيب، اذا سمحت به جهة النشر التالية، وسوف نحاول تطبيق هذا النظام بداية من الآن. ونرحب بالأديب التلاوى فى حدود امكانياتنا ومسئوليتنا دون وعد مسبق بالنشر، ونشكره لصدقه، وانتباهه، وحرصه علينا.

أما الخطاب الذى هزنا جميعا، والذى اشار بعض الزملاء بضرورة نشره كله، كما هو، فهو خطاب من الابن (هكذا سمى نفسه) ناجى حنفى متولى، واهميته أنه أعلن بتلقائية شديدة كل ما أملنا فيه ونحن نفكر منذ خمس سنوات فى اصدار هذه المجلة، وسنحاول أن نرد على أغلبه فقرة فقرة:

” أخشى أن أكون أصغر من أن أراسل مثل هذه المجلة الفكرية فى المرتبة الأولى، التى تمهد للانسان مثلى الطريق فى الحياة الوعرة بشئ من الثقافة الذهنية والأدبية والروحية، ولكن عندى أن المجلة تدعى “الانسان والتطور” وأظننى أنا الانسان الذى تبحث المجلة فى ماهيته وهويته وابداعه”.

ونقول: بالضبط – وكان ترددنا فى اسم المجلة الغامض منذ صدورها محل نقاش حاد، لكنك يابنى قلتها، وبالضبط، وسنك بالذات هو أملنا، شريطة أن تحتفظ بهذا ” السن” مهما كرت الأيام، وتلمظ اليأس، وتدهنن الاحساس………. شكرا.

جذبنى عنوان مجلتنا، فظننته كتابا قد يخدمنى فى المذاكرة، وعندما علمت أنه مجلة لم يدم نومى كثيرا بعدما تصفحتها، وكأن ذلك فى العدد العشرين من المجلد الخامس وفى هذا فأنى اعتب على القائمين على اصدار المجلة لعدم الدعاية فى وسائل الاعلام المختلفة، ولكنى اقبل العذر الذى سيتبادر الى ذهن سيادتكم بأن “العين بصيرة، واليد قصيرة”.

 ونقول: أبدا يا بنى، نحن نستطيع أن ” نعلن” والحمد لله، لا لأن المجلة تكسب ما يمكنها من الاعلان، بل هى تخسر ماديا بشرف وعناد، حتى لوبيعت كل نسخها، ولكننا لم نقبل مبدأ الاعلان فيها منذ صدورها، ولا حتى المعونة المادية من جهة رسمية، وهذا فى ذاته تحد صعب، لأننا بذلك لا نتكلم لغة العصر، ومع هذا فقد غامرنا لنقول، واثقين أن من ” طلب شيئا وجده”، وقد وجدتنا، وستحرص علينا، وستقول لمن يهمه الأمر، وهذا – بما تحمل صفحاتنا من صعوبة، وما تحمل نفوسنا من عناد وصبر – سيكفى باذن الله، نحن لا نريد أن ننتشر، ولكن نريد أن نقول، فيصل ما نقوله الى “أصحابه” فعلا مسئولا، لا وهجا براقا سرعان ما ينطفئ. أما ملاحظتك على الغلاف، فقد أبداها من قبلك الصديق أحمد زرزور، الأمر متروك للزميل الفنان عصمت داوستاشى.

(بعد تعقيب طيب عن “الناس والطريق” يقول: وأعجبنى الحوار الذى تقيمونه، وياليته لا يكون افتعالا مصطنعا، فأكثروا من المحاورة.

ونقول له: أنه ليس حوارا بمعنى مواجهة فعلية (جسدية) لشخصين أو أكثر، أنما هو مفتعل بدرجة محدودة، من حيث أنه رد مجزأ، على رأى متكامل، فالمحاور الضيف يرسل رأيه، ونحن نرد عليه فى فقرات مثل ما نفعل معك الآن، ولكن بطريقة أكثر تواصلا، ونحن نعلم أن فى هذا ظلما للضيف وقد اشرنا لذلك أكثر من مرة، ولكن ما دامت المسألة ليست:” من أنتصر على من؟” فهو تحريك للعقول أكثر منه تمييز للأفراد، وللضيف، وغيره، حق الرد فى الأعداد التالية فى كل الأحوال.

وحوار هذا العدد بالذات يحمل هذه المعالم بصفة خاصة، اذ يتناول ثلاث محاولات ابداعية، وثقت فى رحابة صدر المجلة، فقلبناها جميعا، ورفضنا أغلبها فى نفس الوقت،حيث أن حرصنا الهائل على كل الابداع لا يعنى تخلينا عن الجهد والمنهج والمسئولية، المهم أن يتواصل الحوار أبدا، فتتفجر الأفكار حتى تصيب احداها أو بعضها الهدف، من يدرى؟

عندما قرأت الصفحات التى بعنوان “لندخل حديقة الليل” للكاتب وفاء خليل – خيل الى ان الكاتب جمع جميع المفردات التى بقاموس اللغة العربية ومزجها بالجو النفسى والايحاءات، حتى كدت أخنق، فلتقل له على لسانى ارجوك “نرجو التقليل من الابداع، فالملح الزائد يفسد الطعام”.

(والكرة فى ملعب وفاء خليل، مع تقديرنا لمعاناة اجتهاده ومغامرات أبداعه).

(ثم يسأل):

لماذا لا يكون أحد الابواب الدائمة فى المجلة تجيب عن استفسارات الانسان الذى يجد فى نفسه شيئا حائرا يريد أن يبوح به لشخص أمين؟ هل المجلة لا تخاطب الا الأصحاء؟.

ونقول: أننا رفضنا فكرة” بريد القلوب”، ورفضنا “وصفة النصائح” المباشرة، ورفضنا التبسيط المخل لما هو نفس او لما هو عقل، وهذا كله قد ينفع فى غير هذا المجال، لغير غرض المجلة، أما أننا لا نخاطب الا الأصحاء، فعلك أدركت أننا نحاول ان هز من يتوهمون فى أنفسهم الصحة دون غيرهم، وفى نفس الوقت لا نصفق للمرض بمعنى الهزيمة، وأنما نواكبه بمعنى “المعاناة”… وشكرا. وفى انتظارك دائما.. وليس سلة مهملات، كما سترى فى الفقرة التالية.

– 5 –

وننتقل من هذا الشاب الى ردرد سريعة متعلقة بكرم الأصدقاء، وحرج التحرير بحيث لا يصبح موقفنا حكميا، ولا أملهم فى غير محله، فنحن  نقبل كل شئ، ولا نعد الا بما نستطيع.

فبالرغم من الحاح د. رضا عطية، وكرمه فى ارسال ما يراه مناسبا لهذه المجلة، فأننا ما زلنا لا نجد أغلبه مناسبا رغم كل محاولات بعضننا “لتحيته” بالنشر، وهو شديد الطيبه والاصرار[1]، ومع ذلك فالمقامة بعنوان “تبع البشكار”، عن صحبة النفط والآبار” لم تقل شيئا سوى أن: المال حلل كل غير محلل، حتى زواج الشيب بالأبكار، وقد يجد كيف تناول هذه الفكرة ومثلها زملاء ادباء بمستويات مختلفة من الابداع جعلتنا نفرد لهم باب “النقد يواكب النشر” هذا العدد والمقامة، حتى بغض النظر عن فكرتها المبسطة، افتعلت السجع، وأعتدت على النحو (لزوم السجع) ولم تصل حتى الى ما هو “مقامة” صياغة وبلاغة، أما شعره، فلا شك أنه يحوى نبضات غائرة وصادقة وسط هوامش فضفاضة وعابرة، وقد حاول الصديق أحمد زرزور (الذى تفضل بتولى القراءة لما هو شعر أو ما شابه بدءا من هذا العدد) – أن يقوم بعضه، ويعلق على بعضه، ويوافق على بعضه، ولكنه لم ينجح رغم لمحات الشعر وصدق المحاولة، وتفوقها فى كثير من المقاطع.. فعن قصيدة اعتراض دامع يكتب زرزور:”.. نحن لسنا ضد الالتزام فى الفن، ولكن المشكلة تكمن فى: هل نجح الشاعر فى أن يجعل لرتابة الأشياء، أم أنه اكتفى بأن يجعلها “حاملة” لنداءات شعارية”، ثم عن قصيدة حواديت لبيروت الصغيرة عقب بالتوصية برد ملخصه: أن يحاول الدكتور رضا عطية تجنب المباشرة التقريرية، وأن يحاول تكثيف التجربة واختزالها، والبعد عن الثرثرة الشعرية، ثم فصيدة ثالثة اقراص ومساحيق لنفس الشاعر، ونحن لا ننصب زرزور (وهو شاعر يتربص به الشعراء) حكما نهائيا، ولكننا نجتهد ونخطئ، وقد وعدنا د.رضا بنقد “الأصوات الكثيرة” أو” اللعبة اللفظية، لست أذكر” عند زرزور ومن على شاكلته، ومازلنا نتنظر، قد شجب زرزور ايضا – أو مثلا – قصيدة رقيقة بسيطة للشاعر أحمد مبارك بعنوان ما كان الحرف، وبدعوى أنها “قصيدة استهلالية كتبها الشاعر سريعا” فهى لا تصلح للنشر.. لأننا نتوخى المعاناة عندنا وعند شعرائنا فى مجلتنا المتعبة ( بكسر العين)” وقد يكون محقا، وقد يكون المعنى الذى تناولته القصيدة معادا ولكن من قال أن الاعادة غير مطلوبة؟ أننا أحيانا نتصور أننا لا نقول الا ما سبق قوله، ولكن بتناول جديد، وهذا وحده وظيفة جديدة، ففضلنا أن ننشر قصيدة “ما كان الحرف” على الرغم من ” قلة المعاناة” كما تصورها زميلنا، وربما استجابة لابننا الشاب ناجى حنفى متولى، بأنه “قليل من الابداع” يصلح الجرعة، متذكرين قول ميخائيل نعيمه ما معناه “كرمى على درب، فيه العنب وفيه الحصرم، فما أعجبك منه فخذ، وما لم يعجبك فقد يعجب غيرك”.

لكن ثمة محاولات يمكن أن نقول عنها  أنها “بدايات” و” حسن نبة” ، لا أكثر، برغم صدق واخلاص وحماس أصحابها، ونحن نخشى أن نقول فيها أكثر من هذا فنعوق اصحابها، لكن لابد من الاعتذار عن النشر، وقد يجد أصحابها مجالا أفضل، أو ذوقا مختلفا، ولكننا نعتقد أن رفضنا الصادق هو دفع لهم، وليس حكما عليهم، مثال ذلك أعمال د. أحمد حربى المتلاحقة مثل “رحلة” و “الدخان الأزرق”، فمن ناحية، هو مازال يتحرك داخل قيود مهنته (الطب عامة)، ومن ناحية أخرى هو يدخل “اثر المخدر” فى سرده القصصى ليبرر به حركة الخيال أو الغوص الى الداخل، أو النقلات غير الممنطقة، وهذا الاعتذار “المادى” لفعل الخيال لم يعد ثمة مبرر لاعلانه، ذلك لأن هذا اللاترابط لا يتم بالضرورة بهذه الأداة الكيميائية، بل هو جزء لا يتجزأ من طبيعة عقلنا، ونحن لا نملك الا أن نشكره، ونعتذر، ونصر على استمراره أكثر حرية وابداعا.

كذلك الصديق بهاء المرى يكتب لنا خطاب تقديم فرحا اشد الفرح بمحاولتنا “النقد يواكب النشر” منتقدا نوادى الأدب والقصة والنقاد فيهما بتعبيراتهم الشائعة الـ “غريبة كل الغرابة، ويبدأ الناقد فى قولها، وينتهى دون أن يقول رأيه فى العمل”، ةنحن نعذره،و لا نقبل التمادى فى تعميم شجب النقاد هكذا، وأخشى ما نخشاه هو أن المستوى الشديد التواضع الذى كتب به قصتيه ” أحيانا لا نعى”، و “طيف الحبيب”  هو مستوى من النوع الذى لا يتطلب نقدا أصلا، لما به من اسلوب انشائى مباشر، وكثير من الخطابة، واطناب فى السرد، فى خدمة أغراض   مستقبطة تجاه البراءة والنقاء وما شابه، مما نشعر معه بالافتقار الى الجدل والتكثيف ومغامرة الكتابة بأقل قدر من الفكرة المسبقة، فالكتابة لدى الصديق بهاء لا تقوده الى ما لايعرف، بل هو يقرر بها ما يعرف.

كذلك الحال مع الفارق للصديق زكريا عبد الحميد فى قصته القصيرة“انطباعات” ثك الأطوال فعلا “تداعيات الشاطئ الرمادى”، فالأولى تتغلف بأرضية احباط الانسان البسيط فى سعيه الوئيد للحصول على وظيفة وما يصاحب ذلك من تداعيات ومفاجآت، تكاد لا تصل اصلا الى محالاوت نجيب الريحانى فى باكر أفلامه، أما ” تداعيات الشاطئ الرمادى” فهى محاتولة أكثر اجتهادا، وأن كانت قد غلبت عليها المباشرة والذكريات المستعادة دون اضافات آنية متضفرة معها… فلم تعطنا جديدا، ولعلنا قد أخطأنا، وعليه أن يحاول، وأن يرد، وأن نظل أصدقاء مهما قصرنا – أن أمكن ذلك.

على نفس المقياس نعتذر للصديقين: الأسمر من دمياط عن قصته “اليوم 86400 ثانية”، وكذلك سمير عبد ربه عن قصته ” أهزوجة العشق والأزهار”.

***

ونقع فى ورطة تحريرية سخيفة، لا نملك معها حتى الاعتذار، أذ نجد بين أيدينا عملين مميزين نتمى نشرهما، هما:” تحولات الأزمنة” و” مشط كبريت” فالقائمون على اخراج هذه المجلة بضعة أفراد أو أقل أحيانا، وحين يصلنا خطاب مرفق بالعمل، قد ينفصل الخطاب عن العمل فى التبويب التحضيرى، ومحاولة الرد، والنقل من مكان الى مكان، وهكذا، فاذا بنا – بعد فترة – أمام عمل بلا اسم، مثل هذين العملين اللذين لم يضع كاتباهما عليهنا اسميهما مكتفين بالخطاب المرفق، ونحن نطلب منهما أن يكتبا الينا، وأن يقبلا عذرنا مع الاعتراف بالتقصير، ونطلب من كل من يكتب لنا ألا ينسى أن يكتب اسمه فى بداية العمل أو نهايته وليس فقط فى الخطاب المرفق حتى لا نقع فى مثل هذا الحرج ثانية.

أما قصة ترحال للأديب: السيد زرد، فهى مقبولة للنشرشريطة أن يرسل لنا ما يفيد أنه لن ينشرها فى مكان آخر حتى نفعل نحن أولا أنظر فقرة “2”.

وأخيرا فنحن نقف من جديد أمام قضية العامية والفصحى، اذ تتحدانا الشاعرة كوثر مصطفى بشعر هو الشعر، فى قصيدتى “نيجاتيف، والغربة”، فاى اشعر من أن تقول:

اقرأ قانون العطش

ص: اللى قال أعرف

اقـرأ قانون الجوع

ص: اللى قال بلاهمس

القلب الصفحة

أو بصوت مسموع

ص: اللى قال ما أعرفش

اقـرأ الـ …

جميع رواياتك

مشى فى الممنوع

حتى  ف عيون ( عزة)

***

كذلك يكتب الشاعر على شاهين قصيدة اخناتون بالعامية أيضا، فنواجه المأزق الذى لم ننسه أبدا، ذلك أنه اذا كان الشعر هو اقتحام للغة التقليدية، واعادة تخليقها، أو احلال ما يتجاوزها محلها، الا تكون العامية ذلك التحدى المبدع؟ ولكن اذا كان هذا هو الصدق كله، فأننا فى مرحلة لا نحسب أن أى مظنة استسهال يمكن أن يسمح بها حاليا، والعامية ليست دائما “أسهل” من العربية، ومع ذلك فنحن نتكلم عن “مظنة”  استسهال، وليس عن أن العامية استسهال، نحن نعيش فى فترات انتقال “رخوة”، وفترة بحث عن الهوية معتمة متداخلة،و ال نحب – الآن على الأقل – أن تساهم فى السير فى مظان الأسهل أو الأعجل … ولنا عودة الى نفس المشكلة، لعل، وعسى.

– 6 –

هذا العــدد ….

أطلنا فيما تحفظنا تجاه نشره، فماذا بقى لدينا لننشره؟ نحن نعتبر انفسنا محظوظين هذا العدد بهؤلاء المتفضلين بالاسهام فى جهدنا المتواضع فبعد أن اكتفينا بتلك الجرعة الدسمة من العلم القح فى البحث المنشور فى بداية العدد عن المخ والعزل والبرمجة، حاولنا أن عوضها بجرعة منوعة من النشاط الأدبى المتوازن (ما أمكن) – فها هو زرزور يتحدى، فى سيرته الذاتية، ولا من ملاق حتى الآن، ونحن ننشر مرحين دون موافقة مطلقة، ثم تلك هى القصيدة التى “رفضها” (ما كان الحرف) جنبا الى جنب مع قصيدته، ولعل “حضور “الشاعر اسامة عفيفى بقصيدته الرهيفة “اشراق”، التى تحمس لها احمد بخاصة، ثم قصيدة احمد شبلول “الجوزاء” التى قبلها لنفس الهدف ” التوازن”) (رغم أنها تدغدغ الحواس لا تطورها!! هذا ما قاله زرزور) – أقول: لعل “اشراق” و” الجوزاء” يحققان معا توازنا تكامليا صادحا، ( ليس بمعنى) ” الحل الوسط” فما أسخف التفيق واصطناع اللاتحيز).

ثم يفاجئنا الزميل عصمت دواستاشى بعمل لم نألف نشر مثله من قبل، ملخص سيناريو لفيلم ” .. ثم اليه يرجعون”، ( يعيش يعيش رمسيس الثانى)، صحيح أننا نشرنا له السيناريو الصمت، لكنه كان صمتا متكلما متميزا بما نحن، وفى اطار السماح بالتنوع، نترك هذا العمل بين يدى القارئ كما هو، أملا فى استجابة محددة.

ةتصادفنا الأدب الاجتماعى / السياسى فى أعمال ثلاثة مختلفة المستويات، فنتجاوز أن تكون اجابتنا على كل ما يصل الينا أنه ” نشر أم لا نشر”، الى أن يكون تواجدنا مع العمل بما اسميناه “النقد يواكب النشر”، وهذا ما سيجده القارئ بالنسبة لقصص “القمر وجهان”، و” الفراغ”، و” الليلة الثانية بعد الألف من ليالى ألف ليلة” لكل من محمد عبد المطلب، وشمس الدين موسى، وعبد الوهاب الاسوانى.

 معلن، حتى لا نفرض الوصاية هكذا على طول الخط، ومن نحن حتى نفعل؟

 ويستضيف عصمت دواستاشى رائدا عظيما من رواد الفن التشكيلى هو شيخ التشكيل محمد ناجى ليحضر معنا طوال العدد، مع نبذة عنه بقلم رائد ناقد متميز هو بدر الدين أبو غازى، فيما نأمل معه أن يفيد شبابنا خاصة،( وذلك بعد الاذن والسماح، والشكر طبعا).

– 7 –

ويتغير وجع السودان، دون أن يتغير، ويتحسس الأمل طريقه الى ” غير ذلك”، ولكن السترة الصفراء، والنجوم اللامعة، والفترة الانتقالية المحدودة،و الشارع المشتاق الى الحرية، مع احتمال اساءة استعمالها حتما (نتيجة بديهية) – كل ذلك يجعلنا نقول “نعم … لكن” لنظل نحن العالم الثالث أو الخامس أو السابع عشر، ما دام الجيش يقول ويفعل ( فى الداخل)، والشارع يقول ويتعجل، والكلمة تقال وتنسى، والخطة توضع ولا توضع، وهكذا …، ولا حل سهل ، فكل حل له فترة انتقالية، ولك ممارسة لها ثمنها، والذى يدفع الثمن فى العادة ليس هم المتشنجون على الناحيتين، أو الرؤساء على القمة أيا كان لونهم، ولكن الذى يدفع الثمن هم مجاميع الناس، وحركة التطور.

ولا سبيل الا المغامرة بالحرية، ومزيد من المغامرة، ثم مزيد من المزيد، واستقرار يسمح بالنضج التحتى، الذى يثرى أى نقلة محتملة، حتى لا تعود اللعبة تغيير وجوه، ووعود، وشعارات، دون انتاج، وكلمة، وابداع على المستوى الأشمل والأعمق، ويتأكد الخطر حين تدخل مناورات الألعاب الدينية والعواطف الاشتراكية فى جوهر التخدير فالتأجيل….، ثم أن اليأس مرفوض اصلا، ومرفوض أكثر، ومرفوض حال ومستقبلا …

فهو العمل … نم قبل ومن بعد.

[1] –  بعد كتابة هذه الافتتاحية وصلنا منه خطاب جاد وطيب يعترض فيه على محاولتنا فى الافتتاحية السابقة تقييده (أو تقييم شعره) بموقف عروضى ضيق، وذكر فيه السماح الرحب فى أوزان الشعر الحديث، ونحن نشكره جدا، ونؤكد أن المسألة ليست اصلا الوزن، فنحن ننشر ما يسمى قصيدة النثر، ونحيله الى دراسة “الايقاع الحيوى ونبض الابداع” فى عدد يناير من مجلة فصول، ونطمع فى صبره علينا حتى لو أخطأنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *