الثمار الخضراء تسقط سريعا
محمد عبد المطلب
سرت خطوات قليلة. فى البداية لم أصدق الشعور الذى انتبانى، دنوت من أقرب رجل مربى فاجأنى بالسؤال الذى تكور فوق طرف لسانى. تحول الشعور الغامض إلى يقين قاتل، قلت له: أنت مثلى اذن؟؟ فأجابنى بوجه حزين وصوت شائخ: أنت مثلى وأنا مثلك وكل هؤلاء الناس مثلى ومثلك وقد انتابنى نفس الشعور الذى انتابك وعندما أنظر إليك وأتأملك أشعر أنك أنا وأنا أنت من مجرد نظرة، وتقاطيع الحزن فى وجهك هى نفس تقاطيع الحزن فى وجهى وهى نفس تقاطيع الحزن فى وجوههم جميعا – أقصد وجوهنا جميعا.
فررت من أمام الرجل الذى يحمل ملامحى.
– 2 –
وجدتها فى باحة الدار. فى ثوبها الأخضر المزدهر، طالعنى مفرق شعرها الأسود العميق رفعت إلى وجها غضا ثم تطامنت رأسها تتابع حبات المسبحة التى تتساقط من بين أناملها بانتظام روتينى. رأيت مرة أخرى الخط الأبيض الذى يفصل شعرها الأسود إلى ضفيرتين غزيرتين. صحت بها:
– أماه …..
لم ترفع رأسها … واصلت حبات مسبحتها السقوط من بين أصابعها البضة.
– أماه … لم أشرب كل ما فى نهدك من حنان.
واصلت حبات مسبحتها السقوط.
– أماه …. أنت لم تفطمينى بعد.
واصلت حبات مسبحتها السقوط.
– تغير شعرى وصار مثل الفضة
واصلت حبات مسبحتها السقوط
– وهنت عظامى وأوشك أن أسقط بين يديك.
واصلت حبات مسبحتها السقوط.
– تقوس ظهرى وأوشكت أن العق التراب عن أصابع قدميك واقفا.
واصلت حبات مسبحتها السقوط.
– أماه …. أماه … أنت لم تفطمينى بعد … لم تفطمينى
حركت رأسها كمن يصحو من سبات عميق … صحت:
– امنحينى اخضرارك … امنحينى اخضرارك.
اطلت على بعينين محايدتين وتطامنت رأسها تتابع الحبات المتساقطة.
– 3 –
تحركت الأشجار الخضراء الفارعة. أسقطت العديد من أوراقها بلا اهتمام. خرجت من وراء الأشجار كائنات سوداء عملاقة. طرحتنى فوق الأرض بشدة. بدأوا فى دحرجتى بعنف بطئ … همست:
ـ أمهلونى … لم أقطف ثمار الأشجار الوردية.
واصلوا دفعى بأقدامهم الثقيلة.
ـ أمهلونى … لم أقرأ كل أسفار الحكمة.
واصلوا دفعى بأقدامهم الثقيلة.
ـ أمهلونى … لم لم ملأ يدى بحصاد الأرض الخضراء.
واصلوا دفعى بأقدامهم الثقيلة.
ـ أمهلونى … لم تفتح أمامى كل الأبواب.
واصلوا دفعى بأقدامهم الثقيلة.
ـ أمهلونى … قلبى لم يفقد اخضراره بعد.
ـ ازدادت حدة دفعاتهم فوق جسدى … أسقطونى فى حفرة بحجم الجسد. أهالوا التراب فوقى … صرخت …. وسمعت ملايين الصرخات من الحفر المجاورة.