يوميا: “الإنسان والتطور”
4-9-2007
(4) يا خبر !!! لعله خيراً!
قلت إننى لم أستشر أحدا فى هذا الذى أقدمت عليه فجأة، وتصورت أنه سوف يكون عبئا جديدا يضاف إلى أعبائى المتزايدة، ثم إذا بى وأنا أقلب أوراقى، وأنقل بعض كتبى أجد فى كل كتاب، وربما فى كل ورقة: تخطيطا أو تعليقا أو علامة استفهام، أو احتجاجاً على الكاتب أو غيرة منه أو رفضا له ..إلخ، فاكتشفت كم أن عندى ذخيرة يمكن أن تهم من أخاطبهم أكثر من كل تصوراتى التى شككتنى فى قدرتى على الاستمرار، فاطمأننت إلى إمكانية قبول التحدى لو كان عندى كل يوم نصف ساعة، حتى يقضى الله فى أمرى بما يشاء.
حضرتُ هذا الصباح إلى مكتبى وأنا ممتلئ ثقة بما يمكن أن أكتبه، وكان من بين ما عثرت عليه فى الأوراق سالفة الذكر “متون هرمس” ورواية “الأبله” لديستويفسكى وكتاب فى النقد (أو الرأى) لشاب عربى اسمه “أَنَسْ زاهد” بعنوان “هكذا سكت نيتشه – هكذا تكلم زوربا”، وكل منها فيه ما كتبت عليه من التعليقات ما يكفى شهرا مما أزمع كتابته يوميا، وقبل أن أجلس لكتابة كلمة اليوم (4 سبتمبر) تصفحتْ الصحف – وهى “عادة” أصبحت مشكوكا فى جدواها حاليا- فإذا بى أفاجأ أن كل خبر – تقريبا – يمكن أن يكون موضوع كلمة اليوم، فوضعتها جميعا جانبا ، وقلت أدخل إلى الموقع أولاً أتابع هذه المغامرة حتى أهتدى إلى التوجهات، فوجدت رسالتين لاغير، ربما تعليقا على المقال الذى دخل مساء أمس لينشر اليوم (3سبتمبر) وليس على مقاَلَىْ اليومين السابقين، فالمقال ينزل الساعة العاشرة مساء اليوم السابق لتاريخه (رأيتَ كيف!!؟ : مثل الأهرام، اسم الله عَلَىّ)
قلت أبدأ بالرد على من لا أعرف أولا
الإبنة الكريمة “أسماء نبيل” تقول:
“رغم انى حاسة ان الكلام ده أكبر من تفكيرى بمراحل لكن هستخدم حقى فى إعادة النظر إلى أن يصل إلى تفكيرى”
هذه البداية يا ابنتى أفضل عندى ألف مرة ممن يتهمنى بالغموض”عمال على بطال”، كما أنها أفضل من الذى يفهمنى خطأ،
كدت أحتج على عامّيتك، لكننى فرحت بها حتى كتابتك “حاستخدم” (أى : سوف أستعمل !!) هكذا “هستخدم”فرحت بها أيضا !! (قد أقول لك فيما بعد لماذا فرحت)
إن مجرد استخدام حقك فى إعادة النظر، ثم انتظارك، كلاهما يجعلانى أطمئن أن ما أردت أن يصل: ربما يصل إليك يوما ما، وهذا هو غاية ما أرجوه، بدلا من أن تشجبى رأيى بسرعة ولا تعودى إليه أبداً، فقط أطمئنك من خلال خبرتى عامة، وخبرتى المهنية خاصة، أن ما يصل قد لا يصل إلى تفكيرك فقط، وإنما إلى وعيك (تفكيرك الآخر)، وقد تطول المدة قبل أن يصل، لكننى واثق أن هذه الطريقة فى التلقى (إعادة النظر والانتظار الآمِل) هى مهمة جدا فى التواصل الأعمق بيننا – نحن البشر- بشكل أو بآخر
ثم تقولين “ولكن هل يوجد اصلا ما يسمى بحق الرفض أو النقد أو إعادة النظر” لا أصدق صراحة
فأقول لك:
من حقك ألا تصدقي، لكن لا تنتظرى أن يعطيك أحد أىَّ حق من هذه الحقوق، الحقوق يا ابنتى هى الحقوق، ونحن نستعملها أساسا وتماماً لأنها حقوقنا، أما الإعلان عنها فهذه خطوة تالية. ليس معنى أنه ممنوع علينا أن نعلن ما وصلْنا إليه – ولو خطأ – من إعادة النظر، أن نكف عن إعادة النظر. الله سبحانه ، الذى عينوا أنفسهم أوصياء على كلامه (أستغفر الله العظيم) سوف يحاسبنا حسابا عسيرا إذا نحن توقفنا عن إعادة النظر فى كل شىء، الله تعالى هو الذى يعلمنا أن “كل شىء” هو “كل شىء”، فالحمد لك يا ربى رغما عن أنوفهم.
ثم تقولين
أما ما يدفعنى للجنون هى أن السلطات تهاجم وتشجع فى نفس الوقت، وهو ما أراه فى كثير من الأمور
بصراحة، من حقى أنا أن أتساءل بدورى : السلطات تهاجم من ؟ وتشجع من؟ لعلك تقصدين تهاجم الذين ينتقدونها وتشجعهم فى نفس الوقت، حتى تبدو وكأنها منحتهم ما تسميه “هامش الحرية”، إن كنت تقصدين ذلك، فهذا ليس ما يدفع للجنون، بل ربما هو يدفع للحرص على أن نعيد النظر حتى فى كلام المعارضة، أو فى مساحة السماح، أو فى تمثيلية الرأى الحر، الجنون له موقع ودوافع أخرى وقاك الله منها (مع أنه –الجنون– له ميزات عديدة من حيث المبدأ لا أحوجك الله إليها)
ثم تختمين رأيك القصير الجميل بقولك
مقالة تستحق القراءة والتدقيق فى كل كلمة، ويبقى تساؤلى من مننا صاحب التفكير التآمرى: السلطات ام الشعب
يكفينى رأيك المتواضع الصادق هذا دافعا للاستمرار، (فى الكتابة اليومية هذه)
أما بالنسبة لتساؤلك عن من منا صاحب التفكير التآمرى ، فهو تساؤل جيد جدا، لو انتبه إليه بوش أو حتى انتبهت حكومتنا، لربما اكتشفوا أنهم هم الأصل فى النوع الأسوأ من هذا التفكير. هم يتآمرون حين يفسرون أى اختلاف أنه مهدد لهم ، إما بقلب نظام الحكم، أو قلب نظام الكون، وهم الذين يدمرون البشر، بل والأحياء، بل ربما الحياة برمتها طول الوقت.
أما التفكير التآمرى الإيجابى (وهو الموقف التطورى الحياتى، فهو أصل التطور وحق كل إنسان) وهو من ألف باء ما ينبغى أن نصر على التمسك بحقنا فيه، نتحصن به لعله يحمينا من البلاهة والتبعية والمثالية والطفولة الرخوة.
الرسالة الثانية:
الحمد لله، هى رسالة أقصر، وهى من شخص أعرفه، تصادف أنه ابن أخى (محمد أحمد الرخاوى)، وبالتالى أعرف عنه أكثر من اسمه، فهو طبيب متخصص فى الأشعة، يعيش هو وأسرته الصغيرة فى أستراليا مهاجرا، لعله حصل على الجنسية، (ولم أكن أعلم أنه سيبلغ الخمسين العام القادم كما فوجئت أن سن أسماء هو21 سنة) وهو –ابن أخى- يلاحقنى بما يتصور أنه إبداع دينى غير مسبوق، ولعلهُ كذلك، وأنا مقصر جدا فى الرد عليه، أنا لا أرد على رسائله أبدا (تقريبا)، لماذا؟ لست أدرى. طيب ، فلماذا أرد الآن على رسالته القصيرة هذه التى تقول :
……المصيبة هى فى الوعى،
كيف تحل إشكالية الخاصة والعامة ، وحتمية التحرك الجماعى أمام غطرسة الأنانية بقيادة النظام العالمى الجديد؟
انتهت الرسالة،
أظن يا محمد أننى أرد عليك فى هذا الموقع المفتوح للكافة أمَلاً فى أن يصل ردى إلى غيرك، فأنا أكتشف الآن أن عزوفى عن الرد عليك كان اقرب إلى اليأس من أنك على استعداد للاستماع إلا لما تمليه عليك غربتك، وما يصلنى منها من تعصبك أحيانا (لعلى مخطئ)
كنت دائما حين أهم بالرد عليك أتذكر سِبَابك لبلدى – بلدك – “مصر” أثناء إجازاتك القصيرة، حتى وصل بى الأمر أن أنهرك أن تعيد ذلك أمامى، وأنك إذا أمضيت إجازتك على هذا المنوال الذى تبرر به هجرتك، فأولى بك ألا تطأ قدمك بلدى ثانية، أنا آسف ولكن يبدو أننى أعتذر عن هذه الوقاحة، وعن عدم الرد معا.
المهم : لك أو لغيرك، لا أحد يعرف طبيعة أو معنى أواستعمالات كلمة “الوعى” بدرجة كافية، وقد تيقنت من ذلك بعد قراءة كتاب “أنواع العقول” Kinds of Minds مترجما خطأ إلى “تطور العقول”، وراح الكاتب يدافع عن أن للكيانات الأدنى من البشر عقولا رائعة هى التى نجحت أن تنقذها من الانقراض وكان يعنى بالعقول “درجة من الوعى التلقائى” (أرجو أن تعيد قراءة مقالى 2 سبتمبر: “أعلى جبال الخوف لن تنجى الجبان من الغرق” ولعله هو الذى علقتَ عليه) ، ثم إن مسألة الوعى عندى شخصيا هى أخطر من أن أرد عليك عنها بإيجاز هنا، فأنا أتعامل طول الوقت مع “مستويات الوعى المختلفة بحكم مهنتى أساسا” (وهذا غير كلام فرويد الذى اختزل المسألة إلى الشعور واللاشعور)، وأتصور من كتاباتك السابقة التى لم أرد عليها، وليس من تعليقك هذا، أنك تعتبر وعيك (الخاص جدا، الظاهر جدا) هو “الوعى”، ودمتم.
أما عن تساؤلك كيف أحل إشكالية الخاصة والعامة، وحتمية التحرك الجماعى
فأرجوا أن تعيد قراءة نفس المقال ثم مقال 3سبتمبر “نستعمل الواقع لا نستسلم له، ثم تعود تحاول أن ترد على أسئلة المقال الأول (2/9) بطريقة أكثر تفصيلا،
عموما: ليس أنا الذى سأحل هذه الإشكالية، ولا أنت، مع أن الله سيحاسبنى كما سيحاسبك عما فعلنا فى هذه القضية –كل على حدة- كما جاء فى المقال، ثم لتتذكر أنه “وأنْ ليس للإنسان إلا ما سَعَى، وأنّ سعيه سوف يُرى”
كل واحد منا مسئول عن هذا العالم كله، رضى أم لم يرض، بل هو مسئول أيضا عن درجة وعيه واستسلامه لما ظهر منها، بل هو مسئول أيضا عن الإسهام فى حتمية التحرك الجماعى، “مِنْ كلٍّ حسب قدرته، إلى كل حسب استيعابه” (الآن ومستقبلا)، والله وحده هو الذى يحاسبنا (وليس فقط سوف يحاسبنا) على حقيقة الجهد وجدية المحاولة. جزاؤنا جميعا – وفردا فردا – هو نوعية الحياة التى نحياها “هنا والآن”، ثم ما بعد ذلك يأتى من فضل الله. إضافة قد نستحقها.
كَتبت مؤخرا عن مسألة “الوعى العالمى الجديد” فى مواجهة “النظام العالمى الجديد”، كما كتبت فى نفس المعنى كثيرا بألفاظ أخرى
وسوف ننتصر
(إن لم يعجلوا بالانقراض ناسيين أنهم على أول القائمة).
***
ملحوظة لأسماء نبيل:
آمل أن تقرئى ردى على محمد، لعل فيه بعض التوضيح
وأيضا أرجو أن تقرئى كلماتى المنشورة يومَىْ 1 ، 2 سبتمبر فى أرشيف كل يوم . شكراً.
ملحوظة لمحمد:
اسم الكتاب الذى قد يفيدك وربما يكسر تعصبك هو:
Kinds of Minds Daniel C. Dennet 1996
Towards Understanding of Consciousness
وبالعربية هو :
تطور العقول الطريق إلى فهم الوعى 2003 ترجمة د. مصطفى فهمى
الناشر: المكتبة الأكاديمية . القاهرة .
أليس هذا هو ما تشير إليه؟
برجاء، ملاحظة الفرق بين العربية والانجليزية وهو فرق له دلالته ، ويتعلق بقولك : المصيبة هى فى الوعى
يا ترى هى فى الوعى أم فى فهمنا للوعى واختزالنا إياه إلى ما نَعْلَمْ؟