اليوم السابع
الجمعة: 24-1-2014
وسوف نفرح!! والألم الحى يغمرنا
الفرحة السائبة، مهما كانت المناسبة، ليست دائما مطلوبة لذاتها، ولا وحدها، الألم الذى غمرنى وأنا أقبل جبهة ابنى “على محمد على” فى العناية المركزة فى قصر العينى لبس جسدى كله حتى الآن، كان جسده متمددا بلا حراك، أصبح هذا الولد الجميل الذى حملته على كتفى منذ ولادته، أضخم منى لم يتحرك جسده المسجى وأنابيب الأكسجين والسوائل حوله، وحين سألت أبنائى الأطباء ربتوا على كتفى وقالوا الرصاصة فى جذع المخ، وحين سألتهم عن “المآل” أو احتمال الجراحة مطوا شفاههم ورفعوا أيديهم للسماء، ولم يردوا.
حين خرجت قابلنى أبوه الذى رزقه الله به فى بيتى بعد 14 عاما بعد أن كانت امرأته عاقرا كل تلك السنين، سألنى: خير يا دكتور، لم أرد بدورى، قال لى أبوه: “إنها الرصاصة فى المخ، مش كده؟! البوليس كان لسه ما جاش” رفعت يدى إلى السماء ولم أنبس، وكأن أثر قبلتى على جيبن جسد “على” قد لبست كل جسدى حتى شللت، بعد خطوات وجدتها ترتمى على كتفى صارخة “على”: يا دكتور يحيى “على”!! لم أتمالك نفسى وحاولت أن أخفت من نشيجى، وهدهدت على رأسها وأنا أشيح بوجهى بعيدا، ورأسها ينتفض على كتفى.
غدا نحتفل؟ كيف أحتفل؟ لا أريد أن أحرم ناس مصر الطيبين من فرحتهم!
من البداية وأنا أسأل نفسى كما سألت شباب التحرير على الهواء ليلة 11 فبراير 2011 ماذا لديكم من مشاعر بجوار فرحكتم (قناة الحياة) سألت نفسى الآن نفس السؤال، رجعت إلى بعض ما كتبته عن “ميدان التحرير” آنذاك فوجدت ما يلى:
…….عاودنى هذا الخاطر فى ميدان التحرير، وبالذات ليلة الخميس ١٠ فبراير 2011، والناس الطيبون جدا، المصريون جدا، يفسحون لى كى أمر وسطهم احتراما لسنى «اتفضل يا حاج»، والهتافات تدوى فأقبل بعضها وأرفض الآخر، شعرت أن شيئا مهما ناقصا لم أتبينه فى البداية، ومع مرور الأيام، واختلاط الحابل بالنابل، بدأت أتعرف عليه أكثر فأكثر.
تذكرت قولا – يكمل قول جيفارا – لنجيب محفوظ فى «ثرثرة فوق النيل»: «الثورة يصنعها الدهاة، وينفذها الشجعان، ويظفر بها الجبناء»، رحت أتابع صراع الشرفاء والشجعان فى مواجهة الأوغاد فوصلنى أنه بمثابة إعلان حرب حقيقية على مستويات مختلفة، تمنيت أن تمتد هذه الانتفاضة إلى إحياء ثقافة الحرب، وليس إلى إشعال دناءة القتل.
هذا بعض ما كتبته فى 15/5/2011 ونشر فى المصرى اليوم؟
فيا ترى هل تغير بعد ثلاث سنوات؟
ولكن انتظرنى عزيزى القارئ قليلا لأكمل فقرة قديمة جاءت فى نفس المقال لو سمحت.
…. ثقافة الحرب هى وعى جماعى حاد بتهديد البقاء، بما يستلزم أمرين: فرط الانتباه، ومثابرة الفعل، ويبدأ فرط الانتباه بتحديد «من هو العدو الحقيقى»، ومن يقف وراءه، وكيف يهمه تحطيمنا بدءا بالترويج لثقافة الاسترخاء، وليس انتهاء بالفوضى العشوائية المدمرة للذات. كنت أنتظر أن تحفزنا مثالية الشباب إلى العودة لقبول التحدى أكثر فأكثر فى مواجهة عدو حقيقى يذكرنا بالخطر الحقيقى.
قرب نهاية المقال كتبت:
لماذا لا ننتبه إلى صاحب المصلحة الأول فى نشر كل هذه الفوضى؟ لماذا اختفى اسم إسرائيل، ليبدو أن الهدف هو مجرد نشر قيمة وطقوس الدين الجديد، ودون فحص مصداقية أنبيائه، ومدى تلوثه، وهو «دين القوى المالية التحتية»، وكتابها المقدس «الديمقراطية الملتبسة»؟ لماذا تكررت التصريحات من أغلب مسؤولينا من أول رؤساء الوزارات إلى المجلس العسكرى، مرورا بوزراء الخارجية: بأننا نحترم المعاهدات الدولية الموثقة جدا جدا؟
إذا كان لدى المسؤولين الرسميين تفسيرات وتبريرات يردون بها على هذه «اللماذات» البدئية، فلماذا لم تخرج الهتافات، مجرد الهتافات، تذكرنا بالجار الوغد، وراعيته الأنذل؟
وبعد
اليوم 24/1/2014: وأنا أعيش أعمق درجات الألم المتجدد بدءًا من قبلة حفيدى على محمد على، يطفو فوقها آلام ما جرى فى كمين بنى سويف أمس، ثم مديرية أمن القاهرة صباح اليوم، ثم فى أماكن متفرقة من القاهرة وغير القاهرة فأتساءل: هل تحولت طاقة العدوان لدينا إما إلى صراخ كأنه الفرح أو إلى قتل كأنه النصر؟ وهل امتص هذا وذاك نبض ثقافة الحرب البقائية من وعينا لتتحول إلى أقذر بدائلها.
إذا سمحت لنفسى أن أفرح غدا 25 يناير فلن تتم فرحتى إلا بأن أرى اليقظة العامة قد حولت الانتباه نحو عدو غادر مسئول ضمنا عن تشويه حتى طبيعتنا، ولكننا مسئولون أكثر!
وسنفرح والألم يغمرنا