الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / هل هذه الأم قاتلة؟ (2) نقصٌ عقلى أم “نص (سكريبت) مُعَادْ”

هل هذه الأم قاتلة؟ (2) نقصٌ عقلى أم “نص (سكريبت) مُعَادْ”

“يومياً” الإنسان والتطور

27-8-2008

العدد: 362

       حالات وأحوال

 (سوف نكرر فى كل مرة:  أن  اسم المريض والمعالج وأية بيانات قد تدل على المريض هى أسماء ومعلومات بديلة، لكنها لا تغير المحتوى العلمى أو التدريبى). 

هل هذه الأم قاتلة؟ (2)

نقصٌ عقلى أم “نص (سكريبت) مُعَادْ”

تأجيل واجب

أنهينا نشرة أمس (الجزء الأول) من هذه الحالة والذى اشتمل على مجرد قواعد وتوصيات قراءتها، ثم عرض ورقة المشاهدة التى كتبها الزميل مقدم الحالة، وقد انتهت النشرة، بملحوظة هامة تقول:

“بالرغم من الاستبعداد الإكلينيكى لكل الاحتمالات العضوية فإنه يجرى حالياً استكمال الفحوص اللازمة الأكثر دقة لهذه الاحتمالات جميعاً، وسوف ننشر أية نتائج دالة فى حينها”.

بمجرد ظهور هذا الجزء الأول وصلتنا إشارات وتنبيهات لعدد من الاحتمالات جعلتنا نفضل تأجيل نشر الجزء الثانى حتى نحصل على مزيد من المعلومات ما أمكن ذلك، وأيضا حتى تأتينا نتائج ما يجرى من استقصاءات بحثية بالنسبة لأى احتمال عضوى مباشر يفسر موت البنات وأخيهم بهذه الصورة، وأيضا ربما يفسر  حالة الإبن المعوق، المقتول، وكذا قد يشير إلى توقيت موت الوالد.

الداعى للدهشة أن هذه الملاحظات وصلت من صديق ليس طبيبا، ومع ذلك فقد تساءل عن  احتمال أن  تكون هذه الأسرة مصابة بالزهرى بوجه خاص، كما أشار  إلى عودة هذا المرض للظهور خصوصا فى البلاد المتخلفة والطبقات الأدنى، فتأكد قرار التأجيل.

نعلم صعوبة التأجيل واحتمال الاضطرار إلى ضروة إعادة نشر الجزء الأول من الحالة بعد أن تصلنا هذه المعلومات ونتائج الأبحاث، لكننا وجدنا أن هذا السبيل هو أسلم  وأصلح  للفرض المقترح، إن ظل كما هو،أو وجب تعديله وإعادة النظر بحسب ما يصلنا من معلومات وأبحاث.

****

هذا مع  العلم أننى لا أوافق على تبنى موقف: “إما.. أو” فى تصنيف الأمراض النفسية والعقلية إلى “عضوى.. و  …وظيفى“، ولا فى تصنيف الأسباب إلى اسباب إمراضية مادية، وأخرى إمراضية دينامية، فحتى لو ثبت فى هذه الحالة، أو غيرها أن السبب عضوى بحت، فإن التفاعل لهذا السبب قد يكون غائيا  أو ديناميا أو كليهما، فتكون قراءة الإمراضية النفسية Psychopathology  شاملة علاقة هذا بذاك.   إن أبسط مثل لذلك هو ظهور الوسواس القهرى تعويضا لضعف الذاكرة عند كبار السن نتيجة لتخثر الشعيرات الدقيقة فى المخ، المسئول عما يسمى “الاحتشاءات المتعددة الدقيقة” Minute Multi-Infarcts،

وحتى فى مرض الزهرى  فإن ظهور ما يسمى الشلل (الإنسانى) العام General paralysis of insane لا ينتج مباشرة من الإصابة بـعليوىِّ Spirochete الزهرى، وإنما هو ينتج عن تفاعل المصاب فى الطور الثالث للمرض مع المؤثرات الثقافية والحضارية المحيطة، أو كما قال عالم الإمراض الأشهر بويد Boyd إنه ما يحدث هذا المرض ليس فقط عملية التزهّر بل تفاعلها مع عملية التحضر، أو بألفاظهIt is not only syphilization but also civilization that is responsible for General Paralysis of Insane.

لكن المسألة فى هذه الحالة ليست فقط فى أن تُشخَّص المريضة بما أصاب قدراتها المعرفية المتماسكة أو تفككها القطاعى وإنما فى البحث عن احتمال زهرى وِلادىّ مسئول عن موت الأولاد.

****

وفيما يلى مؤجز الملاحظات بفضل اقتراح الصديق الذى  جعلنا نفكر فى هذا  التأجيل:

الحدث الأول: موت الأب بعد إلقاء الإبن عادل من على السطح، وبرغم الزعم أن الأب مات تأثرا، إلا أن الملابسات تشير إلى استبعاد ذلك، فهل يا ترى كان مصابا بمرض من قبل وبالذات الزهرى.

الحدث الثانى: تلك العيوب والقصور الخلقية الولادية التى كانت فى الأبن المسخ (المعاق) واحتمال علاقتها بموت أخوه وأخواته البنات.

الحدث الثالث: بقاء هذا الإبن (المسخ) “عادل” حيا، حتى سن التاسعة، برغم أنه كان الأولى بالموت لو كان الإهمال فقط هو السبب المباشر لموت أخواته البنات وأخيه البكرى.

الحدث الرابع: هو إلحاح الأم على طلب العلاج (وإن كان ذلك سوف يتأكد أكثر فى الحلقة التالية) بشكل أكد سلامة بصيرتها .

****

من حيث المبدأ، فقد أثار مجرد نشر الجزء الأول من الحالة حماس الأصدقاء والصديقات الذى نورد نموذجا منه من الاستجابة الفورية للصديقة د. أميمة رفعت، وإن كانت لم تتعرض لتفاصيل تشخيصية أو علّية (سببية) ربما انتباها إلى التوصيات التى قدمناها قبل عرض الحالة، ومن بينها أن ما يهم لا يتركز فى التشخيص فى المقام الأول، ولكننا نورد نص تعليق د.أميمة  للدلالة على الاستجابة المرحبة،

وأيضا لتكرار الدعوة إلى مزيد من التساؤلات قبل الأسبوع القادم.

…………

………..

د. أميمة رفعت:

أشكرك على عرض هذه الحالة التى تشبه كثيرا الحالات التى تقابلنا فى المعمورة، و لذلك فستكون مناقشتها ذات فائدة عظيمة. كما أننى سأنتهز هذه الفرصة (إذا سمحت لى)  لأعرضها على زملائى بالمستشفى لعلهم يجدون فى رؤيتكم للحالة طريقة جديدة للتفكير أو حتى إضافة جيدة لما يعلمونه و ما تعلموه من دراساتهم السابقة ومن الإمتحانات..

فى مقابلاتى للحالات الذهانية تحدث رؤية المريض أثناء حديثه فرقا كبيرا ، و أنا أعلم كم هو صعب نقل الحالة وحكيها ( فقد عانيت فى محاولاتى المتواضعة لإيجاز الحالات وشرحها فى باب الإستشارات المهنية. (ولا ينقصكم – بالتأكيد – أن أطلب وصفا لتعبيرات جسدها أو وجهها أو صوتها أثناء الكلام، و لكن هل أطمع فقط فى وصف الإنطباع الأولى الذى تركته لديكم أثناء حكيها لشكواها؟

وبعد

فمهما كان السبب، أو كان التشخيص فستظل الحاجة ماثلة إلى عرض ديناميات التفاعلات المختلفة، خاصة من جانب الأم، ولو احتاج الأمر إلى إعادة ترتيب الأولويات، والمناطق الأوْلى بالتركيز،

 وإلى الحلقة التالية التى نأمل ألا تتأخر عن الاسبوع القادم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *