“يوميا” الإنسان والتطور
11 – 2 – 2008
العدد: 164
…هل للذات حدود؟
متى وكيف نفقدها؟
كلمة “ذات” كلمة رشيقة لها سمعة حسنة حتى عند فرويد العظيم، وأيضا عند ماسلوا، وعند شكسبير، ونجيب محفوظ، وأدونيس، وعندى وعندك.
كل منا يريد أن يحقق ذاته، أن يكون ذاته، أن “يكون أو لا يكون”!!!!
ما الحكاية بالضبط؟ أو حتى بالتقريب؟
وما الحكاية الآن؟ بعد أن عرفنا التعدد، والزمكان، والكموية، والنسبية، وعلوم التركيبية؟
حتى حين ظهرت فكرة (نظرية) تعدد الذوات، بل وثبتت صحتها أو كادت، لم تنتقص هذه النظرية من قيمة ووقع ورنين كلمة “ذات“، مع أن المفروض، أنه، والأمر كذلك، أن نسأل من يركز الآن على قضية تحقيق ذاته أن نسأله (بطيبة لو سمَحْتَ): أى ذات (من بين كل ذواتك) تريد أن تحققها يا سيدى؟
هذه المقدمة ضرورية لنواصل مناقشة ما بدأناه أمس حول ما يسمى فقد حدود الذات، وهو تعبير شائع وله علاقة خاصة بما يسمى أعراض شنايدر: أعراض المرتبة الأولى للفصام، Schneider’s first rank symptoms
منذ واجهت هذه المسألة، وأنا أنتمى إلى الفكر البيولوجى بمعناه الأوسع، كنت أفهم هذه الحدود باعتبارها حاجزا متماسكا وآلية قادرة يحددان الحد الفاصل بين ما هو “أنا” وما هو “لا-أنا” (الآخر-الواقع)، سواء من منظور مدرسة العلاقة بالموضوع Object Relations Theory أو من منظور طيف موضوعية الإدراك، (إدراكالموضوع الذاتى فى مقابل إدراك الموضوع الحقيقى Self Object versus Real Object))، وكنت أحيانا أرسم رسما بيانيا حوله دائرة مثقوبة هنا، أو مشروخة هناك لأشرح لطلبتى معنى كسر حدود الذات، كما أنى وصفت ظاهرة أخرى تفسر بعض أعراض الصف الأول وأسميتها “شفافية حدود الذات” وأبنتُ من خلالها كيف أن هذه الشفافية هى التى تجعل داخلنا فى متناول الخارج حتى يصبح عرضة للقراءة من الآخرين، كما أضفت أن هذه الشفافية (كعرض مرضى) هى التى يمكن أن تحمى حدود الذات من الكسر فالتناثر، ذلك لأنها تحقق للداخل حقه فى الإعلان، حتى يقرأه الناس (هناك من يقرأ أفكارى) دون أن يضطر إلى أن يقتحم هذا الداخل بمحتواه المشحون والعشوائى، يقتحم الحدود حتى يعلن وجوده (أو يطالب بحقوقه).
هذا التصوير الرمزى التركيبى الدينامى معا لم يحل لى إشكالة البحث عن معنى نيورونى (عصبى) بيولوجى، وربما داخل خلوى، لمفهوم حدود الذات وفقدها.
مع تمادى ممارستى لحضور تعدد الذوات رأى العين فى ألعاب العلاج النفسى الجمعى بما فى ذلك المِينِى دراما، ضمن العلاج التشكيلى الذى نمارسه بغية أن نحقق قيادة مستوى واحد للحن الوجود الدماغى المتسق فى لحظة بذاتها، أهتديت إلى فرض ليس رمزيا يقول:
- إننا نعنى بحدود الذات تلك القدرة لقطاع أو مستوى من المخ أن يتوجه إلى تحقيق غايته فى هذه اللحظة جامعا مانعا، قائدا منسِّقا،
جامعا: بمعنى أنه يمثل الفكرة الغائية الرئيسية المحورية (ليست بالضرورة شعوريا) ويجمع كل الطاقة الفاعلة (كل ما يخدم نوعية المستوى النيورونى/الخلوى القائد من المبادأة والإرادة والتوجه والسلوك والوجدان ..إلخ) لتحقيق هذا التوجه.
مانعا: لكل مستوى غير ذلك (سواء كان مضادا أو موازيا – لكنه غير ضام- أو طفيليا، أو مماسا منحرفا)، وأيضا مانعا لتدخلات الخارج (الواقع- الآخر) التى لا تتسق مع غائية لحظته.
هذه القدرة لا يختص بها مستوى بذاته طول الوقت – (سواء كان اسمه حالة ذاتEgo state، أو حالة عقل Mental state ، أو مستوى وعى Level of consciousness ، أو منظومة دماغ Brain organization – أو “مس من الجان” كما يسميها العامة عندنا من الأسوياء والمرضى).
فى لحظة تالية، أو موقف آخر، أو طور إيقاعى منتظم، يتغير القائد (المايسترو) ويتوجه القائد الجديد لغرضه المناسب للموقف الجديد، ويصبح جامعا (لخدمة الفكرة المحورية الجديدة المتناسبة مع الموقف الجديد) مانعا لكل ما هو غير ذلك .
من هذا المنطلق تصبح حدود الذات ليست جدارا متماسكا أو منهارا، وإنما هى قدرة الجمع المنع المناسب لأى مستوى قائد فى وقت لها بذاته
فقد حدود الذات
حين نتكلم عن فقد حدود الذات Loss of Ego Boundaries من هذا المنطلق التركيبى التشكيلى، فإننا نعنى ضعف هذه القدرة “الجامعة المانعة، عن القيام بوظيفتها بكفاءة لخدمة المايسترو (القائد) لتحقيق غائية لحظته،
وبالتالى يحدث تداخل وخلط وحوار وصراع وإسقاط واغتراب،
وتظهر الأعراض حسب تفعيل أى من هذه الآليات لأى من هذه المستويات النشطة معا التى لم تتمكن القوة الجامعة المانعة من تنظيمها.
من هنا يمكن أن نقرأ فقد حدود الذات على مستويين:
- الأول: الحدود (القدرة المانعة الجامعة) بين ذوات (ومحتويات) الداخل وبعضها
- الثانى: الحدود بين الذات (أنا) وبين العالم الخارجى.
وأيضا يمكن قراءة الظاهرة الجديدة التى وصفتـُها تفسيرا لبعض أعراض شنايدر وهى ظاهرة “شفافية حدود الذات، Transparency of Ego Boundaries ، وقد وصفتها بشكل خاص فى الاكتئاب باعتبار أنها آلية تمنع انهيار هذه الحدود، ومن ثم الفصام، وهذا من منطلق أن الاكتئاب، مثل سائر الأمراض الأقل خطرا من الفصام التفسخ إنما هو بمثابة “دفاع Defense ضد احتمال حدوث هذا الفصام/التفسخ.
أرى مناسبا أن أثبت معالم هذه ظاهرة شفافية حدود الذات لأنها غير موصوفة فى الفكر السيكوباثولوجى التقليدى، وهم يعتبرونها مرادفة لفقد الحدود مع أن وظيفتها هى الحيلولة دون ذلك، ثم إن هذا الوصف لهذه الشفافية جاء فى فصل الاكتئاب دون الفصام وهو ما يبرر ما سوف نستشهد به فى القصيدة الأولى هنا المستلهمة من “حالة اكتئاب”
جاء فى كتاب دراسة فى علم السيكوباثولوجى ص 171 ما يلى:
حدود الذات فى الاكتئاب:
من المعروف أن العرض المسمى فقد حدود الذات Loss of ego boundaries هو عرض خاص بالفصام فى أغلب الأحوال، إلا أنه فى بداية الاكتئاب (والأزمة المفترقية بصفة عامة) تحدث ظاهرة يمكن أن تسمى شفافية حدود الذات Transparency of ego boundaries،
وتعبير وحدود الذات هو تعبير رمزى من ناحية ووظيفى من ناحية، إلا أننا لكى ندرك طبيعته وحقيقته يستحسن أن نترجمه إلى لغة عصبية…
تكون الذات محدودة بمدى الفصل الواضح بين مجموعة من الترابطات Associations ومجموعة أخرى، وفى حالة الاكتئاب (والأزمة المفترقية بصفة عامة) يدب النشاط فى الجزء الأقدم من المخ ويضعف هذ الفصل بين مجموعات الترابط لأن النشاط الجديد يزاحم ويشارك فى الوظائف الشعورية، فإذا ترجمنا ذلك إلى لغة التحليل التفاعلاتى Transactional Analysis قلنا إن الطفل (الذات الطفلية) يقترب ويزاحم الوالد والفتى، ولكنه – كما ذكرنا – لا يحل محلهما أو ينتصر عليهما، ومع ضعف هذا الفصل بين النشاطين يشعر النشاط الذى كان سائدا بأنه غير قادر على التحكم فى الداخل بالفصل (عصبيا) أى بالكبت (باللغة النفسية الدينامية) وكأن هذا الداخل مهدد دائما بالخروج بالرغم منه، أو بالإعلان، وهذا ما يعنيه المتن.: (فُتحت أبوابي–رقَّ غشائى)
نلاحظ هنا أن ثمة إرهاصات باكرة (1979) كانت تشير إلى تعريف الذات وحدودها من خلال حركية فاعلة (التحكم فى الداخل بالفصل..إلخ) .
- من هذا المنطلق الحركى يمكن تعريف الذات ليست باعتبارها “أنا” وإنما باعتبارها “المشروع الذى أمارس تشكيله لأكونه “
- وهو ليس مشروعا غائما هلاميا، وإنما هو حاضر ماثل فاعل فى أى لحظة بذاتها تحتاج أن تتحدد فيها ولها معالمه
- إلا أن تحديد المعالم لا يعنى الثبات، فهذه الذات الواحدة القائدة هى فى نفس الوقت جاهزة للتبادل والإيقاع والحوار والجدل، خاصة فى أطوار الحلم والإبداع (العادى)
- هى مشروع دائم ، وفى نفس الوقت كيان محدد المعالم والحدود بحسب كفاءة “الجمع المنع” فى لحظة بذاته.
من خلال تطور فكرى فى اتجاه مواكبة الحركة، أكثر منه تحديد مفاهيم، أصبحت كفاءة عملية الجمع المنع للمستوى القائد فى تركيب الدماغ هى حدود الذات تغير تعريف ومفهوم الذات الذى سبق أن طرحته سنة 1979 من منطلق بيولوجى نيوونى أيضا
كنت قد عرفت الذات تحديدا كالآتى (دراسة فى علم السيكوباثولوجى ص 248):
…..”الذات” من منطلق بيولوجى عصبى إنما تعنى “قطاع النيورونات المترابطة المتحكم فى بقية النيورونات الكامنة، وهو القطاع الذى يحتل الوساد الشعورى السائد فى مرحلة ما من التطور والنمو، والذى يعمل فى مجموعة معا”
(ويقابل هذا التعريف -غالبا- ما يوازيه داخل الخلية بالنسبة لتنظيمات الجزيئات العظيمة)
وأبعاد الذات إذا من هذا المنطلق هى تحديد هذا القطاع فى علاقته ببقية التركيب، ..”
لكننى لم تحضرنى تحديدا فكرة هذه العلاقة الجامعة المانعة فى لحظة بذاتها، وبإدخال البعد الحركى الذى حضرنا حالا يمكن تعريف الذات من منطلق حركى على الوجه التالى:
- الذات هى الحركة فى اتجاه لحن الذات المتخلـقة لأكون
- كما أن الفطرة هى حركة هذه الذات فى اتجاه سيمفونية “الذات فى المطلق” الممتد إلى وجهه تعالى
هكذا يصبح تعبير تحقيق الذات تعبيرا استاتيكيا لا يصف الذات بالمعنى الذى نطلقه عليها عادة، لأن المفروض – من هذا المنطلق – أن الذات لا تتحقق أبدا، وإنما هى دائمة التشكّل والتشكيل always in the making (1)
هذه الحركية لا ندركها بداهة بوعى ظاهر محدد، وإلا توقفت الحياة عند محاولات اختيار القائد القادر على الجمع المنع كل لحظة، ولكنها آلية سارية طول الوقت، وهى تسرى بإيقاع حيوى منتظم فى الأحلام، وهى أيضا تسرى بإيقاع حيوى بيولوجى طبيعى طول الوقت، وبالتالى هى تكتسب تسميات فى السواء والمرض بحسب اللغة والهدف من التسمية.
لن أتطرق تفصيلا فى هذه اليومية إلى مظاهر أخرى فى الصحة والمرض تعلن عن آليات ومظاهر عجز الذات القائدة (المايسترو) عن ممارسة آلية الجمع المنع (حدود الذات) حتى لا تختلط الأمور، وإن كان ذلك سوف يرد كثيرا، خصوصا ونحن نعرض حالات حية.
عودة إلى يومية أمس
أشرنا أمس إلى أن الجثث داخل المريضة الفصامية التى حكت عنها د. أميمة رفعت ليست بالضرورة جثثا تشير إلى الموت بقدر ما هى محتويات الداخل بلغة عيانية أو رمزية خاصة، كذلك نبهنا فى الرد أن فقد أبعاد أو حدود الذات ليست ظاهرة خاصة بالفصام.
انتبهتُ إلى ذلك من خلال أدبيات الأبحاث المنشورة عن أعراض شنايدر بالذات، وكيف أنها تصف الحالات المبكرة فى الفصام، وأيضا كيف أنها ذات دلالات طيبة بالنسبة للتكهن Prognosis بسير المرض، ثم انتبهت كيف أن هذه الأعراض بوجه خاص (مقارنة بالضلالات الثابتة المستتبة Fixed established delusionsهى أقرب إلى التناول فى العلاج الجمعى، بل ولها مفعول السحر فى التقدم نحو ولاف علاجى تام (2)
من وحى حالتين
الحالة الأولى: كانت حالة رجل فى أواخر منتصف العمر – العقد الخامس، فقد ذراعه منذ سنوات أثناء عمله فى مصنع ما، كان صبورا، طيبا، متألما مسئولا فى صحته ومرضه، أبلغتنى الطبيبة المقيمة غرابة أعراضه من حيث أنه يحكى أن كل شىء حوله بلا استثناء، يدخل إلى داخله دون استئذان، وأن هذه حقيقة يعيشها بوعى كامل، وقد كان تشخيصه أبعد ما يكون عن الفصام، لرقته وتماسكه وألمه وأشياء أخرى، كان ما يسمى مؤخرا: الاضطراب الوجدانى الجسيم من النوع الاكتئابى، وهم ما أسميه أنا الاكتئاب البيولوجى النشط، أوحى إلى بهذه القصيدة
الحالة الثانية: هى –بصراحة- هى جُماع من إيحاء حالات فصام مختلفة، فى سن الفصام الأمثل (15-25) وهى تعرض أكثر من بعد من فقد أبعاد الذات التى لم تتح لها فرصة أن تتكون أبدا، يبدو أن مشروع تشكيل الذات لم يبدأ أصلا، أو لعله أجهض مبكرا.
سوف أعرض القصيدتين دون شرح أو نقد أو تعليق كما أوصانى أغلب المعلقين بالنسبة لمحاولاتى السابقة، وإن كنت لا أعد بالالتزام بذلك فيما بعد، أتذكر أننى لو التزمت بهذا التنبيه الجيد ما ظهر كتابى الأم “دراسة فى علم السيكوباثولوجى أصلا”.
***
القصيدة الأولى
الريح والأحزان
-1-
تمتدّ ذراعى خلف الآفاقِ المقدورهْ.
تطلق فوَّهة النيران جحافلُ نبض الأشياء.
تحرث أقدام الجيش الهاربِ أرضى المحروثة،
وتدق حوافرهم أطرافَ الذكرى.
تقتحم الريحُُ الأسوار.
تُنتَهك الأسرار.
ويطير الزنبورُ يطارد جَمْعاًً من نحْلاتٍ شغّالهْْ.
والقبّرةُ، وأنثى الهدهدِ، وفراشةْ.
-2-
يعلو الكومُ فيخترقُ السقفَ العارِى،
فيعيد وليدٌٌٌ أحمق رصَّ اللبنات
فوق رمالٍ زاحفةٍ.
والخنفسُ يخفى رأسَـهْ،
تحت الساقِ المسلوخهْ.
وعيونٌ بَوَّابة.
سقط المزلاجْ .
والآذان نوافذها مفتوحهْْ
دون استئذانْ.
-3-
تنبح أصواتٌ سبعهْ،
ثامنهم ثعلبْْ،
يقضمُُ قلب دجاجة.
تتوارى صيحةُ ديكٍ وسْطَ دوىّ التفجير.
-4-
تتعالى أبواقُ الإنقاذِ المتكاثفةِ المرعبةِِِ الخائفةِ العجْـلَى.
يتحفّـز حزنٌ أبلجْ؛
حزنٌٌ أرحب من دائرة الأشياء المنثورة
الأشياء العاصيةِ النافرِة الهيجى،
حزنٌٌ أقوى من تشكيل الكلمات،
حزنٌ يصرخ بَكَما،
يشرق ألما.
حزنٌ يستوعبُ أبناء الحيرة
يجمع أطيافَ الفكرة،
يوقد نار الأحرف والكلمات.
حزنٌ أسلس من ماء الدمعة،
أعتى من لفح الجمره.
حزنٌ يحنو، يُدمى، يلهم، يصرخ، ُيُحيى روحا ميّتةً ضجرهْْ.
-5-
تتساقط حبّات القطر النـَّزِقَـهْ،
تتجمعُ بركٌ آسـنةٌ رجْراجَةْ.
تتوالدُ أحياءُ العفنِِ،
تتكاثرْ،
تأكلُ أصلَ الشجرةْ.
تجرى الأشياءُ وراء الأشلاءْ
تشتعل الدائرةُ المغلقةُ: جهنمْ :
”عجلاتُ العرباتِ، وذراتُ الرملِ، وكرسىُّ المكتبِْْ. ودبيب النملةِ، وفحيح المرأة، ونقيقُ الضفدعِ، وسبابُ الأطفالِ وراءَ الكرةِ الجوربِ فى حلقِ المرمَى..،
والولولة الثكلى”
-6-
تقتحم كيانى ذرّات الدنيا دون استئذان.
تتكلم منى أحشائى والأعضاء وأطياف الذات،
تتقاذفنى الكلمات.
قصيدة لم تنشر: 6/5/1982
القصيدة الثانية
ملهى العرى
[حدود الذات وصكوك الملكية]
- 1 -
حينَ يـشِفُّ جدارُ النفسِ يكونُ النظرُ إلى المرآةِ جريمةْ
. . . . . . .
فلماذا نظروا هم من ثقب البابْ
- 2 -
كان الداخلُ ملكى رغماً عني
لم أستلمِ السندَ من الوالدِ بعدْ
أوصى قبل وفاتهْ
أن أبحثُ عنه فى صندق الجدْ
سلـّم مفتاحَ خزائنِهِ لامْرأتـِهْ
ماتت.
وأشيع بوسْطِ الجمع الحاشدْ
- القادم للمعزَى والفرجَهْ -
أن الداخلَ ملكِى دونَ منازعْ
وبوضعِ اليدْ
يدُُ منْ ؟؟؟!!
-3-
أبنى حول الملك السائب
أسوار الستر
أضع بأعلى السور شظايا الصد
. . .
فلماذا رقت جدرانـهْ؟
ولماذا نحلت شطآنهْ؟
من أكلِ البحرْ؟
- 4 -
يقفز مني،
يتحفز،
يطلب حق النصف
غير النصف الموقوف على حفظ السر
. . .
الموروث يطالبُ بالإرث؟!!
وأنا لم أملكْ سندَ الملكيةِ قطْ
- 5 -
لم يخجلْ أىٌّ منهمْ من لـُعبةِ خلعِ الفكرةِ تلوَ الفكرهْ
ملهَى العرْىِ المشبوهْ
ماذا يبقى إن عرفوا مكنون السر
وتجاه السهم
وفراغ القفص من الطائرْ
رغم تناثر حب البرغلْ
ماذا يبقى إن كشف تبصصهم
أنّ الباب المقفولْ،
ليس وراءهْ
إلا عجز الفعلْ؟
الا حُسنُ القصدْ؟
-أو سوؤه-
فالأمرُ سواءْ!؟!!
-6-
ماذا وجدوا فى الداخلِ بعد تمام الجردْ؟
الطفلة تحبو !!
جثة أم تتكلم. .!
وعصا عمياء
ومضاربَ مكسورةْ
وبقايا علبةِ سردينٍ مفتوحهْ
فيها قولٌ مأثورٌ يرجع أصل الإنسان
للسمكِ المحفوظِ بعلبةِ ليلْ؟
-7-
ماذا فى الداخل يستأهل دسَّ الأنف؟
رجلٌ عنين يتدلى منه العجز؟!!
حبل شنق الأخرَ بالحكمِ الفوقيّ؟!!
آثار الخضره!!!
ورياح خماسينَ الفكرهْ
وجهٌ متآكلْ؟
وبقايا عينْ؟
وشطائرُ مخٍّ وحوايا قلبْ؟
-8-
هتكوا عـِرضَ الفكرهْ،
لم تولـدْ
رصدوا الرغبةَ، أُجهِضتْ الطفلهْ
وتراجعت الدائرة الدورهْ
-9-
حين هممتُ أقولْ
قالوها بدلا منى،
بِلِـسانى
فتسربَ خدرٌ كشماتهْ
وتبسمَ طفلٌ فى خبثٍ أصفرْ
-10-
كنت سعيدا بالسلبِ النهبْ
بشيوعِ الأمرْ
بذيوع السرْ
لم يكن الداخل ملكِى يوماَ
والمفتاح المزعوم خرافهْ
والبابُ بلا مزلاجْ
والمتهم برئٌ مجهولُ الإسمْ
قيل له “ذاتي“
إسمٌ للشهرهْ،
مفعولٌ بهْ،
لم يحفظْ ما لا يملكْ
ما دافعََ عنهُْ
مَـــا كانْ
من ديوان “البيت الزجاجى والثعبان 1982
*****
[1] – صراحة أنا أغار من هذه الـ i n g” “ التى تتميز بها اللغة الإنجليزية سواء فى الزمن المضارع أم فى الزمن الماضى، أنا أعتبر لغتى العربية أكثر حركية وجمالا، وأعتبر التشكيل (فتحة ضمة شدة ..إلخ) مزية حركية رائعة، لكننى أبحث عن ما يقابل هذا الزمن نحويا المقابل للـ آى إنْ جى، فقررت أن استعمل القاعدة الاستثنائية التى تسمح بإدخال ألف لام التعريف على الاسم، فاصف الذات بأنها “المشروع “ألْيَتَكَوّنُ” أبدا”
[2] – ربما هذا يقابل ما أشار إليه إريك بيرن، صاحب مدرسة التحليل التفاعلاتى وهو ينبه أن حالات الفصام شبه العصابى Pseudo neurotic schizophrenia تستجيب للتحليل التفاعلاتىtransactional analysis كما يستجيب طفح الأسقربوط (الناتج من نقص شديد لفيتامين ج) للحقن بهذا الفيتامين !! . بمجرد أن يقول المريض أن أصواتا تتكلم عنه خاصة إذا كانت داخل رأسه ، يغرى بتشكيل دراما صغيرة ترجع الأمور إلى نصابها غالبا. ملحوظة: فى خبرتى عرفت أنه كان يعنى الفصام البادئ Incipient schizophrenia وليس الفصام العصابى مما لا مجال لمناقشته الآن.