الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الإشراف على العلاج النفسى (3) صعوبة الحياد وضرورته فى العلاج النفسى

الإشراف على العلاج النفسى (3) صعوبة الحياد وضرورته فى العلاج النفسى

“نشرة” الإنسان والتطور

12 – 2 – 2008

العدد: [165]

 مسلسل الإشراف على العلاج النفسى (3)

 (سوف نكرر فى كل مرة:  أن  اسم المريض والمعالج وأية بيانات قد تدل على المريض هى أسماء ومعلومات بديلة، لكنها لا تغير المحتوى العلمى التدريبى، وكذلك فإننا لا نرد أو نحاور أو نشرف إلا على الجزئية المعروضة فى تساؤل المتدرب، وأية معلومات أخرى تبدو ناقصة لا تقع مناقشتها فى اختصاص هذا الباب).

صعوبة الحياد وضرورته

فى العلاج النفسى (والحياة)

مقدمة

لى رأى لا يعجب الكثيرين خصوصا الذين انبهروا ردحا من الزمن بمنظومة القيم الغربية، أو عاشوا فيها فامتصوها حتى لو ظلت ألسنتهم تنتقد بعضها بصدق، هذه القيم التى قد تكون من أحسن ما وصل إليه الإنسان، أو من أقبحها، وأكثرها تزييفا لتكوينه، هذا أمر لا يعنينى مناقشته الآن، لأن كلا الموقفين لا نخرج منه نحن إلا بما يصب فى سلبياتنا، وليس العكس، إذا قلنا إنها الأحسن، تبعناها مغمضين وكأن الأحسن لهم هو بالضرورية الأحسن لنا، وإذا قلنا إنها الأكذب والأقبح، ارتددنا لأسوأ ما عندنا وكأننا أحسن منهم وأقل قبحا بما ننسخه من قديمنا كما هو، وليس بما نقدمه بديلا مبدعا حالا من وحى قديمنا وقديمهم، وتاريخنا وتاريخهم ثم حاضرنا معا.

وقد سبق أن ورد فى هذه اليومية (وغيرها) مثل يومية 10-9-2007 (الشرق الفنان: زكى نجيب محمود)، يومية 15-1-2008 (هل عندنا بديل)  كثير من شرح موقفى هذا مع التأكيد على تحذير واضح لم يصل إلى أغلب المحاورين، وهو التحذير من محاولة التلفيق أو حتى التوفيق بدلا من الإبداع،

 الحوار الحقيقى لا يتم إلا بين ناس حقيقيين، أنا أعلن هويتى، بما فى ذلك دينى، ومذهبى، وموقفى (ما أمكن ذلك)، وأنت تفعل كذلك، فيكون حوارا يحتمل أن يتحول جدلا حقيقيا، فيبزغ الجديد منّا، لك ولى معا، يتم ذلك دون إلزام بأن تتضح معالمه من البداية.

لا أحد يريد أن يقر أن إعلان تحيزى، واحتمال تعصبى، الذى لا أعرف حجمه عادة، هو الذى يحميك منى ومن تحيزى وتعصبى (الخفى أو اللاشعورى كما يسميه النفسيون) ، شريطة أن تفعل أنت نفس الشىء مثلى، ما أمكن ذلك. حين قلت فى كتابى حكمة المجانين (فقرة 120) إن “الحرية الحقيقية هى تصارع ديكتاتوريات الأفراد علانية وبأسلحة متكافئة” أسرعتُ وأكملتُ نفس الفقرة بأنه: “كيف؟…وأين الشهود العدول؟”

 الصراع المعلن بين ديكتاتورية الأفراد لا يعنى التقاتل، وإنما هو يشير إلى أن يبدأ كل واحد من موقفه كاملا – على حد علمه به- لأن الأسلحة الخفية هى مسمومة غالبا.

سنة 1962 كنت أعد مع أستاذى الدكتور عبد العزيز عسكر ورقة مشاهدة جديدة للقسم عندنا فى قصر العينى، واقترحت عليه أن ندرج التاريخ الدينى ضمن التاريخ الشخصى للمريض، فنظر لى نظرة صامتة قاهرة طيبة، وابتسم رافضا، وكان قد تعلم الطب النفسى فى إنجلترا أثناء الحرب العالمية الثانية، رفض وكدت أسمع صمته يقول: هل جننت؟ ظللت بعد ذلك أتعجب كيف أتعمد ألا أتطرق مع مريضى إلى دينه الذى زرع فى خلاياه ربما قبل أن يصاغ فى دين بذاته، كيف نأخذ التاريخ الجنسى بكل هذه التفاصيل، والتاريخ التعليمى، ثم لا نأخذ التاريخ الدينى؟ لم أقتنع أبدا حتى كان لى مكانى الخاص الذى أستطيع أن أجرب فيه اختلافى، فأدخلت خانة التاريخ الدينى فى “اوراق مشاهدة” المريض فى هذا المكان الجديد (المقطم) وإذا به يثرى معرفتنا بالمرضى ثراء شديدا، وظللنا نستفيد من هذه المعلومات لصالح المرضى فى العلاج بوجه خاص، وتبين فعلا أن أهمية هذه المعلومات فى العلاج ليست أقل من أهمية التاريخ الجنسى، دون أن نمس هذه المنطقة بأية تفاصيل نقاشية أو خلافية، إلا إن كانت جزءا لا يتجزأ من الأعراض أو الأسباب.

إن الحصول على المعلومات الكافية المتاحة، لأى جانب من جوانب وجود المريض أو سلوكه، لا يتبعها بالضرورة الدخول فى محتواها، لكن هذه العملية (إعلان المعلومات المتاحة) هى تنير زوايا الموقف بما يفيد الهدف العلاجى. نحن نسأل فى التاريخ الدينى، مثل أى تاريخ، عن: متى بدأ المريض ممارسة الشعائر، ثم متى انقطع أو تقطع، ومتى عاد، ثم مدى تعصبه،

ونحن نعتبر إخطار، أو إعلان، الطبيب أو المعالج لدينه صراحة للمريض وأهله هو خطوة أساسية مقابل سؤال المريض عن دينه،

وفى الإشراف كنا نتطرق بشجاعة فى مناقشة هذه المسألة بصراحة مفيدة، حتى لو أخذت شكل الهزل، مع أنها كلها جد فى جد. مثلا حين أسأل زميلا سؤالا لا أنتظر جوابه إلا من تعبير وجهه، أسأله: ” “.. بالذمة يهون عليك بعد كل هذا الجهد، أن تتصور أن ربنا سبحانه وتعالى، بعدله ورحمته، سوف يذهب بك فى الآخرة فى موقع بعيدا عن هذا الذى ولد من جديد على يديك، أو أنه سبحانه سوف سيلقيه فى مكان لا يمكنه أن يراك فيه لمجرد اختلافكما”، وكان الحياء يغطى الدهشة عند أغلبهم، ثم يعرفون ما أقصد من محاولة كسر الحواجز وراء هذه السرية التى نضحك بها على أنفسنا، وكأننا نراعى بعضنا البعض، مع أننا بهذا الإخفاء، الذى لن يطول مفعوله عادة، إنما نعلن عدم ثقتنا بتحملنا الاختلاف ، ولا بقدرتنا على احترام بعضنا البعض.

الأمر يمتد من الدين إلى الأديولوجى، إلى منظومة القيم، إلى الثقافة الفرعية، إلى المدرسة العلاجية التى يتبعها المعالج، أو يتصورها المريض، كل هذه المناطق حين تُعْلَن من البداية، أو فى الوقت المناسب، تقلل بشكل مباشر وغير مباشر من مناطق الظلام فى العلاقة، الإعلان فى ذاته ليس هدفا، لكنه يضىء النور فى أماكن مهمة بحيث تصبح المكاشفة هى الأصل، ومن ثم تصبح العلاقة أكثر فائدة وأقوى فاعلية.

هذه المقدمة الطويلة كانت تمهيدا ضروريا لتناول مسألة الحياد التى أثارتها مداخلات الإبن جمال التركى، وأيضا لأنها ترتبط – بشكلٍ ما- بالحالة التى نعرضها اليوم ضمن سلسلة الإشراف على العلاج النفسى.

نبدأ بمداخلة د. جمال التركى:

د. يحيى:

أولا إسمحلى يا جمال أن أؤجل ردى على مسألة اختيار من يصلح ممن لا يصلح لممارسة ليس فقط العلاج النفسى، ولكن الطب النفسى من أساسه، أؤجلها لبريد الجمعة ولنبدأ بالنظر فى رأيك عن حكاية “الحياد فى العلاج“.

 المقتطــــف: (اليومية 6-2-2008)، الإشراف على العلاج النفسى: تنشيط حركية النمو أثناء العلاج: إلى أين؟)

 فى بلاد بره بيقولوا العلاج النفسى صداقة للبيع، عندنا إحنا بنقول الطبيب والد، والمعالج والد، مش بمعنى الوصاية، وإنما بمعنى الرعاية، ما فيش حاجة اسمها موقف محايد، بلا وجع دماغ

 التعقيب: (د. جمال)

هذا الموقف العلاجي، يتكرر كثيرا في كتاباتكم و كنت كلما تعرضت له أشعر بنسف القاعدة الأساسية التي تعلمناها مع أبجديات العلاج النفسي ألا و هي ” الحيادية اليقظةLa Neutralité bien Veillante “.

 إنّ موقف المعالج تجاه المريض يعد من الركائز الأساسية في عملية العلاج النفسي، فهل على المعالج أن يحافظ على مكانته كمعالج رمزا وواقعا أم عليه أن يكون إضافة لمكانته كمعالج على مستوى الواقع، الوالد/ة، الأخ/ت، الصديق/ة إلخ… (حسب ما تقتضيه الحالة) على المستوى الرمزي. هنا اسمح لي أن أتساءل على أى أساس يتحدد هذا الموقع الرمزي، متى يكون المعالج والد/ة، و متى يكون آخر…. ثم هل يسمح سن المعالج و خبرته وجهازه النفسي القيام بمثل هذا الدور الرمزي، ألا يساهم هذا في اهتزاز صورة الآخر “الواقعي” عند المريض، عندما يكون المعالج على المستوى الرمزي هو هذا الأخر المختلف.

ما فيش حاجة اسمها موقف محايد بلا وجع دماغ” أكيد إن “الموقف المحايد حقيقة” “مافيش”، لكنها “الحيادية اليقظة” أن يحاول المعالج قدر المستطاع أن يقف على ضفة الحياد مع المراقبة المستمرة واليقظة للحفاظ على هذا الموقع. من هنا فإن “الحيادية اليقظة” وضعية دينامية في حاجة إلى مراقبة مستمرة للذات للقرب منها، فإن كان لا وجود لـ”الموقف المحايد“بصفة مطلقة فإنه بالإمكان القرب من هذا الموقف بصفة نسبية (ترتفع كلما تمرّس المعالج على مر الزمان).

 الردّ: (د. يحيى) :

أولا: إسمح لى أن أوضح بعض عجزى الشخصى لأسباب تتعلق بمرحلة تطور فكرى، وأيضا مغالاتى فى الاندفاع وراء ما وصلنى مؤخرا، فأنا لا أستعمل كلمة رمزى حاليا بالمعنى الشائع، ولا حتى بالمعنى الذى يستعمله فرويد. دفعنى انشغالى بالعلم المعرفى مؤخرا إلى التهوين من أننا نفكر بالرموز، لذلك لم أفهم جيدا قولك “يحافظ على مكانته رمزا وواقعا”، فى مقابلة مع “أن يكون إضافة لمكانته كمعالج على مستوى الواقع، الوالد/ة،الأخ/ت، الصديق/ة إلخ . ماذا تقصد بـ “المعالج رمزا وواقعا ؟” ثم كيف يضاف إلى دور الوالد دور الوالد الوالدة ..إلخ؟

فى رأيى أن المعالج لا يمكن أن يكون إلا نفسه، وأنا لا أفرق بين المعالج بشرا حاضرا بذاته ودوره (والداً وغير ذلك) وبينه كموضوع. الوالدة يا أخى هى موضوع الطفل الأول، ثم تتلاحق الموضوعات،

المعالج هو إنسان (موضوع) له خبرة ، يمارسها داخل إطار ملتزم بالوقت والهدف، تقاس مسيرته بمحكات عملية معلنة، وهو لا يمكن أن يكون إلا نفسه، لا رمزا ولا تجريدا، ولا أعرف كيف يحافظ على مكانته معالجا مسئولا أمام علمه وضميره وربه، إن لم يستعمل كل مايعرف عن نفسه (وأحيانا ما لا يعرف) لصالح مريضه؟

إننى ابتداءً أطالب نفسى وأبنائى وبناتى المعالجين أن تكون البداية مع أنفسهم، يسأل كل واحد منهم نفسه بوضوح: ماذ يريد لهذا المريض إن كان ابنه أو أخاه، وماذا يريد أى منهم أن يجنب هذا المريض إن كان أبنه أو أخاه، هذا السؤال يطرحه المعالج على نفسه أولا، لكنه لا يُلزم به نفسه، ولا يعلنه للمريض.

ثم بعد أن يجيب على هذا السؤال يقيس إجابته بواقع المريض، واختلاف ظروفه عن ابنه أو عن ابنته ..إلخ،

ثم يعود ويسأل المريض عن ماذا يتصور أنه يمكنه أن يعطيه من خلال خبرته، وما هى غايته من العلاج،

ثم يأخذ كل هذه الإجابات معا دون تفضيل أى منها، ويسمح لمسيرة العلاج أن تُحدد مدى واقعيتها، وإمكانية التوفيق بينها، واحتمال نجاحها إلخ.

أغلب هذه التساؤلات لا تعلن بالألفاظ، ولا هى حتى تتكرر فكرا فى كل حالة، وإنما هى تصبح “موقفا” طبيعيا عادلا يصبغ ممارسة العلاج كله بشكل أمين، يصل إلى المريض حتما دون أى فرض عليه، ويكون هذا هو أساس الاتفاق العلاجى المبدئى.

هذا الدور المتمازج المختلط الذى يبدأ برؤية المعالج لنفسه ظاهر وباطنا ما أمكن ذلك، وهو يتضمن تقديره للاختلافات الفردية الشخصية والواقعية، ثم يتطلب احترامه لكل ذلك معا، لا أرى فيه أى مجال لاستعمال كلمة “رمزى” وقد سبق أن أعلنت عن تراجعى الأخير عن الإفراط فى استعمالها (حتى أننى خفت من اللغة أحيانا أن تحل محل المعنى دون أن تحيط به كما ينبغى).

ننتقل إلى تساؤلك عن: ألا يتطلب هذا الدور على المستوى الرمزى بعض المواصفات للمعالج على مستوى الواقع؟

أظن أنك الآن تعذرنى إذا أعلنت عجزى عن التفرقة بين المستوى الرمزى ومستوى الواقع، أنا أقول للمتدرب أنت لا تستطيع أن تعالج المريض إلا بما “هو أنت”، لا أكثر ولا أقل، ما هو أنت: بنقائصك وعيوبك وخبرتك وعلمك، ومستويات وعيك، وكل ما هو أنت، يتأكد ذلك بوجه خاص مع الذهانيين ، ونحن والحمد لله نمارس العلاج النفسى للذهانيين خصوصا فى العلاج الجمعى بلا تردد، المواصفات التى نطلبها من المعالج، له وللمريض، هو ألا ينسى أنه لن يستطيع إلا ما يستطيعه ، وأنه ، رضى أم لم يرض، سوف يصل منه، طوعا أو بالرغم عنه، ما هو، وليس ما يقول، ولا ما ينوى، أعنى، أكثر مما يصل منه مما يقول أو ينوى، وبالتالى فعلى المعالج هو نفسه أن يعرف ما يمكن عن نفسه وأن يقبله، بما فى ذلك تحيزه، وتدينه، وقيمه، وأحلامه، ما أمكن ذلك، يعرفها لا يفرضها على المريض أو يقيس بها المريض، وإنما ليحول دون ذلك، ما أمكن ذلك، لا يحول بالكلام أو تصور الحياد، وإنما بالمراجعة وقياس النتائج.

حين قلت للمتدرب “ما فيش حاجة اسمها موقف محايد…. بلا وجع دماغ”، لم أكن أعنى إنكار موقف الحياد برمته، وقد نبهْتنى ملاحظتك يا جمال أن النشر شىء، والحوار أثناء الإشراف شىء آخر، خاصة إذا كان الذين أشرف على تدريبهم هم هم، وقد سمعوا لغتى من قبل فهم يستقبلونها كما ألفوها، هذا سوف يلزمنى مستقبلا أن أكون حريصا على إضافة ما يشرح للمخاطب الذى لم يألف هذه اللغة الخاصة ما يوضح الأمر، كنت أعنى بقولى هذا ما يعرفه عنى كل المتدربين معى من الإشارة إلى رفض التمادى فى ادعاء أن ثم موقفا محايدا ممكنا تماما، أو بالذات أن ثم موقفا محايدا بالمعنى الغربى (ناهيك عن المعنى السياسى الذى يحايد فيه السيد بوش بين أمن إسرائيل الذى يسمح بقتل المرحوم الشيخ يس وهو خارج من صلاة الفجر على كرسيه عاجزا بامر من مجلس وزراء رسمى لدولة مازالت عضوا بالامم المتحدة، وبين شاب فجّر نفسه يأسا وأملا معا) المهم آسف للاستطراد، ولن أشطبه فى المراجعة حتى لو اكتشفت أنه خارج السياق.

المطلوب يا جمال هو الاعتراف بصعوبة، بل استحالة الحياد إلا على المستوى الظاهرى فقط، وبالتالى، فمن حق المريض، بل وحقنا على أنفسنا أن نبحث فى المستوى التالى فالتالى، لا لننفى تحيزنا، ودورنا الشخصى فى التوجيه، ولكن لنحد من تدخله إراديا، علينا – ما أمكن ذلك- أن نقبله علانية ونناقشه مع المريض أحيانا، وقد يعدّلنا المريض نفسه (سوف أرجع إلى ذلك فى يومية لاحقة حين أتكلم عن “المريض مشرفا”)، وبهذا يمكن أن نستمر معه، ثم مع غيره أكثر صراحة واقل تحيزا.

تقول يا جمال أن الحيادية اليقظة هى أن يحاول (لاحظ قولك يحاول) المعالج قدر المستطاع (لاحظ قولك قدر المستطاع) أن يقف على ضفة الحياد مع المراقبة المستمرة واليقظة للحفاظ على هذا الموقع

طيب بالله عليك: كيف نقيس كلمة “يحاول” هذه، وكيف يعرف ما هو المستطاع حتى يتحرك بقدره لا أكثر ولا أقل، المسألة – كما تعلم – ليست تدريبات عقلية، وأمانة موقفية مسبقة، إننا لا نعرف صدق المحاولة إلا بممارستها ومراقبة نتائجها، كما أننا لا نعرف ما هو المستطاع إلا من خلال تجربة الممكن تصعيدا، بل والمستحيل أحيانا، (راجع يومية16-12-2007 الممكن والمستحيل إن شئت)،

ثم هاَ أنت تقر معى أن المسألة نسبية، وأن علينا الاقتراب منها باستمرار مع نضج الذات وتعميق الخبرة والإشراف والتعلم والمراجعة (هل هذا ما تعنيه بقولك “وضعية دينامية؟) فقط أريد أن أختلف معك ألا نطمئن إلى مقولة “..مراقبة مستمرة للذات للقرب منها” ، فقد عانيت الامرين من أن تنقلب المسألة إلى استبطان معقلن Intellectual Introspection وهو غير التنوير البصيرى الذى لا يظهر إلا فى أثره الإيجابى على المعالج والمريض على حد سواء.

دعنا ننتقل إلى مقتطفك التالى وهو حول نفس الموضوع بشكل أو بآخر، وقد قدمت لحوارنا هذا بالإشارة إلى هذا المبدأ الأساسى الذى ينطلق منه العلاج فى ثقافتنا خاصة، وهو مبدأ الاعتمادية الإيجابية من جهة، والوالدية المسئولة من جهة أخرى.

المقتطــــف: (اليومية 6-2-2008)، الإشراف على العلاج النفسى: تنشيط حركية النمو أثناء العلاج: إلى أين؟)

يا أخى البنيَّة عندها اربعة وعشرين سنة، واتخرجت، وأنت والد، مش احنا قلنا الطبيب والد، ماشغلكْشى زى أى والد حكاية جوازها، وهى حلوة زى ما بتقول.        د. منصور: يعنى

  التعقيب: (د. جمال)

اسمح لى هنا بجملة من التساؤلات.

الأول: “وأنت والد”: إذا سلمت بهذا، أتساءل هل بإمكان معالج شاب (حوالي الثلاثين من عمره) أن يخطر في ذهنه القيام بدور الوالد (بمعنى الرعاية) تجاه مريضة تقاربه في السن (24 عام)؟ ألا يتطلب هذا الدور على المستوى الرمزي بعض المواصفات للمعالج على مستوى الواقع؟

 الردّ: (د. يحيى)

فى رأيى أنّه بإمكانه ونصف، على الأقل فى مدرستنا هذه .

أرجو يا جمال أن تتذكر ما سبق أن قلته لك حالا عن علاقتى بحكاية “المستوى الرمزى” هذه حتى أننى عدت لا أفهم ما تعنى، هذا عيبى، سامحنى،

المسألة عندى لا تتعلق بالسن الحقيقى للمعالج مقارنة بسن المريض” الطبيب والد ووالدة حتى لو لم يمارس العلاج النفسى، وحتى لو كان أصغر من المريض بعشرات السنين، الوالدية دور عملى، كنت بدأت الكتابة فيه (يومية 22-1-2008 الأسرة والوالدية ولم أكمله) وليس سنا، وسوف أعود إليه، الوالدية هى موقف له مواصفاته المحددة، فى ثقافتنا خاصة، وهى ليس لها علاقة بالسن الميلادى هذه المواصفات منها مثلا: الرعاية، والمسئولية، وأن يكون فى المتناول، والقدرة على الحفاظ على المسافة، والتحرك المرن المتاح طول الوقت، وكذا الحضور – ولو فى الوعى- للاستشارة دون فرضها، وأمور أخرى كثيرة كثيرة سوف أعود إليها تفصيلا، وكل هذه الصفات ليس لها أية علاقة بشهادة الميلاد كما قلت،

حين أعلّم أحدث صغار الأطباء أنه لن يحذق مهنة الطب النفسى إلا إذا أخذ مريضا متفسخا (من أى سن) أهمل نظافته الشخصية، أخذه إلى الحمام، وحمّأه وليّفه بنفسه ونشفه، فهو يقوم بدور الأم مع طفل لم يكمل الرابعة، حتى لو كان المريض فى الخمسين من عمره هذا لا يعنى – فى خبرتنا على الأقل- أننا نعامل المريض معاملة الأطفال، الأمر الذى أعتبره سبابا أحيانا، وإنما يعنى أن فى كل منا شابا أو شيخا أبا وأما، بل جّداً، وجّدة، هذه الذوات كلها جاهزة للقيام بدورها فى الوقت المناسب للفترة المناسبه،

تعلمت من إريك بيرن فكرة أن استحضار حالة الذات أثناء العلاج (أو التأهيل) لا يحتاج إلا أن “تضع الكوبس”، وكان يستعمل هذا التعبير عن حالة الذات الناضجة (اليافع) بقوله “ما عليك إلى أن تشغّل اليافع فيشتغل” Plug in the Adult، أى أن تُكلم المريض مهما بلغت درجه نكوصه أو تفسخه كلاما بسيطا منطقيا دون افتراض أنه لن يستجيب، فيرد بكلام متماسك، رحت أطبق هذه الفكرة فى العلاج الجمعى، وفى المينى دراما التى نمارسها فيه، وفى الألعاب العلاجية ليس فقط على حالة اليافع وإنما على حالات الذوات الأخرى، بمعنى شغَّل الطفل: Plug in the Child وأيضا شغل الوالد فيك Plug in the Parent إن صح كل هذأ وهو صحيح بالممارسة، فالوالدية موجودة منذ الولادة، حتى الطفلة التى تهنن عروستها وتنيمها وتغطيها إنما تطلق من ذاتها تلك الوالدية بكفاءة حقيقية

حين أقول للطبيب الصغير أنت والد مريضك أكبر منك سنا، فأنا أشغّل الوالد فيه

الثانى: ” سبق إحنا قلنا الطبيب والد”: هل هذا القول مجرد “وجهة نظر” قابلة لـ”الأخذ بها/عدم الأخذ بها” أم يرقي إلى مستوى النظرية النهائية التي علينا (كمعالجين) الأخذ بها والتعامل على أساسها

الردّ: (د. يحيى)

يا خبر يا جمال؟! وهل توجد فى العلاج نظرية نهائية أو قرب نهائية، وهل توجد فى الدنيا نظرية نهائية؟ ألا تذكر تخريف فوكوياما حين فرح بانهيار الاتحاد السوفيتى فأعلن بخيبة بالغة وغرور أعمى نهاية التاريخ، ثم ما ذا عن “علينا كمعالجين الأخذ بها والتعامل على أساسها، يا رجل حرام عليك، إن العلاج النفسى بشكل خاص يرتبط بشخصية المعالج أكثر من ارتباطه بنظريته، وقد أجريت أبحاث كما تعلم على العلاج بمختلف النظريات مع مختلف المعالجين وحققت هذا الفرض، وأنا أضيف إضافة بسيطة، إن النتائج ترتبط بشخصية المعالج ظاهراً وباطنا، ومن ثم عليه أن يثابر فى التعرف على باطنه (ليس بالاستبطان المعقلن) وإنما بالممارسة والمكابدة والنتائج وآلام النمو وكدح المسئولية طول الوقت، وهذا ممكن، وأظن أن هذا ما خلقنا الله له معالجين وغير معالجين.

الثالث: “ماشغلكش زى أى والد حكاية جوازها.       د.منصور: يعني”:

 التعقيب: (د.جمال)

أتساءل هل شغل حقيقة فكر هذا المعالج “الشاب” بموضوع حكاية زواج مريضته، أكاد أجزم بالنفي (هذا ما وصلني)، ولكنه احتراما للموقف، احتراما للأستاذ، احتراما للرأي السائد…كانت الإجابة بـ”يعني” تجنبا للإحراج.

الردّ: (د.يحيى)

بالنسبة لتحفظك على أنه معالج شاب، لعل ما سبق أن شرحته من موقع سن شهادة الميلاد يكفى للرد، حتى على هذه النقطة الحرجة، ثم دعنى أتكلم معك بصراحة، من منطلق الاعترافات الشخصية التى قد تعلن تحيزى فأصبح أكثر حيادًا

تؤرقنى شخصيا هذه المسألة كفلاح مصرى خائف على بناتى – أنا عندى بنتان وأربع حفيدات، أحبهن أكثر من أولادى وأحفادى، وبمجرد أن تبلغ الواحدة منهن سن الزواج، لا أكف عن القلق والدعوة لأى منهن، ربما بطريق آخر غير حكاية تحريك مؤشر استقبال الرسائل لعلها تلتقط إشارات العروض، أدعوها أن ترى حالها، وألا تفلّى فى المتقدمين، “فالعيش اللى يتفلى ما يتاكلشى”، أفعل ذلك، مرة بضحك، ومرة بضرب أمثلة، وكنت ألوم نفسى على “عدم أمانى” هذا، وعلى تدخلى المباشر وغير المباشر هكذا،

أعرف يا جمال صعوبة ما تمر به المؤسسة الزواجية عبر العالم، وعندنا فى مجتمعنا المشاكل مختلفة لكن الصعوبات تظل شديدة، كما أتابع – فيما ينشر من ابحاث- فشل زواج الحب كما يشاع عنه، بقدر فشل الزواج المرتب، وكلام من هذا، لكننى أشعر أن على الوالد أن ينبه، وينتبه طول الوقت، إلى كل هذا الجارى، وألا يخلط موقفه الشخصى (مثل موقفى هذا الذى أعلنه وأعرفه وأشتغل فيه) بموقف مريضه أو بنته، ثم إن لى أصدقاء أحبهم جدا، وأحب بناتهم جدا جدا، تعنست كثيرات منهن تحت شعار عدم تدخل أصدقائى فى حرية اختيارهن وكلام من هذا، وكأننا نعرف حدود الحرية وحقيقتها ،وكأننا لا نعرف ظروف مجتمعنا وحدوده.

هذه اعترافات شخصية أعلن بها جذور موقفى واحتمال تحيزى

فإذا أنا قلت للمتدرب أن يتقمص موقف الوالد ويحمل هم مريضته التى تقاربه فى السن، فأنا بذلك أعلن تحيزى لموقفى الشخصى، وفى نفس الوقت، أتصور أنه حين يبلغ المريضة هذا الاهتمام الجاد الوالدى من المعالج – أيا كانت سنه- يبلغها دون ضغط، أو إيحاءات غير مباشرة، كما جاء فى النقاش، فإن تصورى هو أن ذاك يوثق العلاقة العلاجية ، ذات البعد الوالدى – فى ثقافتنا ومجتمعنا – طول الوقت، وهو البعد الذى سأرجع اليه غالبا وأنا أتناول مسألة “الاعتمادية”، وخاصة فيما أسميته “جدل إسماعيل/إبراهيم” بديلا عن عقدة أوديب،

ولكن لهذا حديث آخر

دعنى الآن أدعوك لهذه الوجبة الأصعب من حوار إشراف على حالة أخرى عرضت فى نفس الجلسة السابقة التى عرضت فيها الحالة الأولى، وأظن أنك ستجد فيها ما تنبهنى إليه ربما بشكل أكثر حدة، وأنا مرحب ابتداء بمداخلاتك التى تنير لنا الطريق إلى هذه الدرجة.

ولكن قبل أن أقدم لك (لنا) الحالة دعنى أنبهك إلى سؤال خطر ببالى وأنا أراجعها: ماذا لوأن المعالج أو المعالجة أو المشرف كان يمر بنفس الظروف التى تتناولها الحالة، وحاول أن يبرر لنفسه ما يفعل ، بأن يشور فى اتجاه يبرر موقفه دون أن يدرى؟ كيف يمكن أن نضمن حياده، ما لم يكن هو قد أقر بعدم حياده لنفسه، بما يسمح له أن يواصل شغله مع نفسه طول الوقت، دون ادعاء الحياد؟

عرض حالة الاشراف :

د. مرفت: هى عيانه عندها 38 سنه عندها 3 بنات، متجوزة بقالها 13 سنه وكانت هى وجوزها مخطوبين ييجى أربع سنين قبلها

د/يحيى: يعنى سبعتاشر سنة؟ ماشى.

د. مرفت: هى المشكله كلها مع جوزها يعنى هو جوزها بيشتغل فى السياحه ودايماً بيكلم ستات وبنات، وهى عارفه كده من قبل الجواز وكانت زى ما تكون موافقة ضمنيا كده على الحكايه دى وكل فتره لما تحصل مشكله يعنى بتحصل حدوته كبيره كده وتكتشف موضوع يكون شكله كبير، يحصل خناقه، الدنيا تتلم ويحصل تانى بيبقى بمعدل كل سنه كل سنتين يحصل موضوع كده.

د/يحيى: بس هى معاكى بقالها أد إيه

د. مرفت: معايا بقالها حوالى شهرين

د/يحيى: إيه بقى الموافقه الضمنيه دى ؟؟ يعنى إيه بقى؟

د. مرفت: يعنى هى …

د/يحيى: هى مسلمة ؟

د. مرفت: آه هى مسلمه، ومحجبة

د/يحيى: وهى عارفه انك مسيحية ؟

د. مرفت: آه طبعا

د/يحيى: إيه بقى محجبه، وموافقه ضمنيا دى بقى ؟؟!

د. مرفت: ما هو هى دى الحكاية، دلوقتى جيالى علشان المشكله دى، فأول كلامى معاها

د/يحيى: هى من قبل الجواز تعرف، مش كده؟ وبعد الجواز كان عندها الموافقه الضمنيه برضه، يعنى طول الوقت موافقة، مش كده؟

د. مرفت: تقريباً، لأن هى مانفعلتش وابتدت تحتج إلا دلوقتى يعنى هى ماجاتليش إلا علشان يعنى لما ابتدأ يحصل إنها تقلق

د/يحيى: تقمصتيها إنت

د. مرفت: آه حاولت

د/يحيى: بس هى مسلمه، يمكن تقولك أهو تعدد ومسموح، وكلام من ده، إنما انت صعب

د. مرفت: أنا فعلا لما تقمصتها من أول جلسه رحت قايلالها رأيى تقريبا..

د/يحيى: من أول جلسة؟ ينفع إن تبقى فيه موافقه ضمنيه سنوات، وتروحى قايلالها رأيك المضاد من أول جلسة؟

د. مرفت: ما هو عشان كده وقفت، لقيت نفسى حاخرِب عليها

د/يحيى: … عندك حق، ما علينا هى بتحبه أوى أوى وكلام من ده، هوه فيه حاجه تبع التعدد عموما تطوريا وتاريخيا، إحنا ما بنحبش نعرفها، إنما دى حقيقة، هوه التعدد للستات وللرجاله فيه كلام كتير أوى تاريخا، بس هو ده ما يبررشى أى حاجة، لكن ينورنا سواء واحنا بنقبل أو واحنا بنرفض، ما قصدشى احنا اللى حانقبل ونرفض، لأ ، نبقى واعيين من موقفنا ده، وبرضه واعيين للطبيعة البشرية واحنا بنتقمص مرضانا، ونتصور معنى قبولهم، ومعنى رفضهم، وإمتى ..

د. مرفت: آه ، هى لأول مره يحصل القلق ده للدرجة دى، هو دلوقتى شغال فى “…..” الخارج، مدير فندق أو حاجة كده، بيروح هناك شهور وبيقعد هنا شهور، فالمره دى هى اكتشفت علاقته بواحده هناك، يعنى ماعرفتش أحدد هى إيه بالظبط، لأن جوزها كل شويه يقول لها هى عربية،لأ هى أمريكانية، فالمره دى أول مرة تنهار بقى وتعيط وتسيب البيت وتسيب البنات وتمشى أول مرة تحتج كده

د/يحيى: يعنى هى شافت الواحدة الجديدة دى ولا سمعت عنها

د. مرفت: لأ شافت E-mail هى بتقعد تفتح كده E-mails بتاعته ، والموبيال

د/يحيى: ما شى، صور وبتاع ومش عارف إيه

د. مرفت: آه صور وموبايل هى المسألة كده طول الوقت، بيحصل الحاجات دى بس كان أول مرة تبقى المسألة شديدة قوى

د/يحيى: هى قعدت معاكى شهرين بس

د. مرفت: آه شهرين, فأنا فى البدايه كنت باقول لها إنتى موافقه على كده من زمان، فاشمعنى جايه دلوقتى تنفعلى معاه، يعنى زى ما يكون حبيت أحملها هى جزء من مسئولية اللى حاصل ده وبعدين لقيت إن هى عندها حق شوية….

د/يحيى: هى بتشتغل

د. مرفت: لأ مبتشتغلش

د/يحيى: معاها شهادة

د. مرفت: معاها بكالوريوس

د/يحيى: التاريخ العائلى؟

د. مرفت: لأ مفيش

د/يحيى: متأكدة؟

د. مرفت: آه

د/يحيى: إنتى عملتي لها مشاهدة طويلة

د. مرفت: آه

د/يحيى: مشاهدة زى بتاعنا هنا ؟ كاملة يعنى؟

د. مرفت: آه، آه

د/يحيى: بالمناسبه ياخوانا اللى بيشتغلوا علاج نفسى مفيش عيان من غير مشاهدة كاملة، المعلومات الكافية جزء لا يتجزء من العلاج النفسى من البداية، يعنى انا مثلا سألت مرفت عن التاريخ العائلى دلوقتى ليه، المسألة تفرق برغم ان السلوك يمكن يكون واحد، الموافقة الضمنية بتاعة الست دى من واحدة من عيلة ملانة صرع أو هوس، غير من واحدة على مية بيضا،(يقصد: تاريخ عائلى سلبى) أنا مش حاخش فى تفاصيل، إنما مهما كان السلوك واحد، فالجذور بتعلمنا حاجات كتير. المهم خير كمّلى يابنتى.

د. مرفت: بس، فأنا حاسه إن أنا واقفه معاها شويه، بعد وقت الدنيا هديت من ناحية إنها مابتعملش الحاجات اللى هى كانت بتعملها، كانت بتقعد تزهق لدرجة بيجلها أوقات هياج وصويت

د/يحيى: بعد شهرين قدرتى تحسبى العلاقه بينهم على المستويات ال3 أو4 بتوع الجواز أو بتوع أى علاقة، يعنى فكرياً إيه جنسياً إيه عاطفياً إيه اجتماعياً إيه؟

د. مرفت: هو عارف يديها

د/يحيى: يعنى هو بيمثلها إيه فى الأربع مناطق دول

د. مرفت: هو أنا طلبت أشوفه وقعدت معاه

د/يحيى: برافو

د. مرفت: لما قعدت معاه يعنى وافق ومستعد يتعاون علشان خاطرها، هوه مش شايف إن فيه عنده مشكله هو شايف إن هى اللى فى مشكلة، أول جملة قالها لى “هى عارفه إن أنا كده من زمان”

د/يحيى: يعنى إيه اللى رابطهم

د. مرفت: هى بتحبه وهو كمان عامل لها اكتفاء

د/يحيى: أنا قلت لك أربع مجالات كلمة بتحبه دى موجوده فى مجال واحد منهم، أنا باسأل عن كله، بتقولى عامل لها اكتفاء، ده موجود فى أكتر من مجال ولا فى مجال على حساب التانيين؟ إنت عارفة طبعا، يعنى إيه فكريا: بيقعدوا يتكلموا فى إيه، وجنسياً، وعاطفياً بتاع الشوق والدم الخفيف والكلام ده، واجتماعياً المجتمع بيشارك ويبارك بسلوك فعلى، كده يعنى، كل مستوى له مقاييسه.

د. مرفت: هما عاطفيا وجنسيا فيه توافق هو بيعرف يقول لها كلام حلو بيعرف يحتويها .

د/يحيى: بس خلى بالك حتى لو كانت المسألة جنس كويس، ده جواز، أو أى علاقة ممتدة، لما يكون الجنس منفصل، مع استمرار الزمن بيبقى أكثر انفصالا خصوصا عند الست، لحد ما يعلن التراكم ويفشل، لكن لما يكون الجنس متصل ببقية مستويات الوجود بيكبر ويخلى المشاركين أقرب فى أقرب وكلام من ده. الجنس المنفصل ما مبيأديش وظيفه وجوديه، بيأدى وظيفه حسيه تفريغيه، الوظيفة الحسيه التفريغيه دى طبيعة برضه، بس الجزء الخايب من الطبيعة، الجزء ده له وظيفة على العين والرأس، إنما يعنى بعد 13 سنة يبقى فى الأمور أمور، ما علينا وبعدين ….

د. مرفت: هو ابتدى يقلق لما لقاها بتعمل كده لأن هو بيبقى مش هنا، فخايف على البيت والبنات، وهى شايلاله الدنيا كويس أوى ولمّا له الدنيا ، فده حاسِّـسنى إن هو حيبقى متعاون يعنى وحياخد باله ومش حايحسسها بحاجة

د/يحيى: إيه حكاية مش حايحسسها بحاجه دى، بقى ده كلام برضه؟

د. مرفت: أنا برضه مش متخيله إنه ممكن يتغير

د/يحيى: المسألة مش مسألة يتغير، يعنى ينفع يبقى فيه حب وكلام من ده ومش حايحسسها، ما هى حاتحس إذا كانت بتحس، خصوصا إذا كانت بتحبه

د. مرفت: آه ماهو بيقول لى ماعرفش هى بتعرف إزاى

د/يحيى: هى حاتحس سواء قال لها أو ماقالهاش

د. مرفت: فهو مسافر دلوقتى خلصت الأجازه بتاعته ومسافر، فابتدى يجيلها مخاوف إن هو كده مسافر ومش هايجى تانى وخلاص بقى .

د/يحيى: معلش هى حاله صعبة شوية فى مجتمعنا خصوصا، هو إيه اللى بيخليه يعمل كده مادام هو راضى معاها ؟ مش لازم يبقى فيه حاجه ناقصه

د. مرفت: هى شخصيته كده، شوية هايص ونشيط كده ويعنى

د/يحيى: مافيش حاجة اسمها شخصيته كده وخلاص، فيه حاجه اسمها تحاولى تدورى على إيه اللى ناقص، فى الغالب فيه حاجه ناقصه، مش فيها بس ، يمكن فى العلاقة نفسنها، فى شخصيته….

د. مرفت: هو كده من قبل ما يتجوزها

د/يحيى: يبقى فى الغالب هو ناقصه حاجة من الأول

د. مرفت: هو قال لى إنه هو كده، علاقته مفتوحه بالبنات

د/يحيى: الظاهر إنه شكله كده إنه من النوع إللى لا يرتوى، فيه حاجة اسمها “الدون جوانية”، ودى ظاهره فيها كلام فى الطب، هوا فى الغالب بيستعمل الجنس عشان حاجة تانية، حاجة زى ما يكون كل ما يشرب يعطش، وعايز يأكد إنه متعاز متعاز وخلاص.

د. مرفت: أنا ماعنديش فرصه أشتغل معاه هوه أوى، وبعدين هو مش موجود طول الوقت.

د/يحيى: …، خلينا نبتدى فى الموجود، مش هى ابتدت ترفض، ياترى ابتدت ترفض ليه دلوقتى؟ ثم هى كانت بتقبل ليه قبل كده؟ هى شخصيتها اتغيرت؟ فين السؤال إللى انت مقدمة عشانه الحالة؟

د. مرفت: أنا مش عارفه أزق في أنهى ناحية، حاسه إن أنا وقفت كده يعنى مش عارفه أزق فين؟ أزق عشان تقبل وتكمل؟ ولا هى هاترفض، هى اكتشفت تانى من 3 أيام إن هو لسه بيبعت لصاحبته إى ميل

د/يحيى: إحنا اتفقنا إنك إنتى فشلتى تعملى تقمص بيها، بقبولها بالذات

د. مرفت: آه بقبولها بالذات، ماعرفتش خالص

د/يحيى: عندك حق، يبقى هى تتصرف، إنت مالكيش دعوة، إنت تنتظرى تفاعلها ستاند باى، يمكن هى حاتقبل تانى ومستنية موافقتك، إلا لو كان فيه قرار فى اتجاه الطلاق مثلا، يعنى تقوله يا كده يا نطلق، إذا كان دا مش موجود سيبيها تظبـّط أمورها

د. مرفت: هو أنا حاولت أشتغل معاها فى حته بعيد عن الموضوع، إن هى تشتغل تعمل حاجه

د/يحيى: ده كويس

د. مرفت: بس هو مكفيها، بيبعت لها فلوس كتير، هو ناجح وبيكسب.

د/يحيى: ..بصراحة هى حاله صعبه، لكن فى الغالب هى عندها ميكانزمات للتكيف مع الوضع ده خلتها تستحمل طول المده دى قبل الجواز وبعد الجواز، إنت بتقولى فيه حب وجنس ناجح وكلام من ده، واستمروا 17 سنة، إحنا مالنا؟ العلاقات دى، جواز أو غير جواز، بيبقى فيه تعاقد على مستويات متعددة، يمكن هما مايعرفوهاش حتى، ولا احنا، يببقى إيه إللى خلاهم يستمروا؟ إنهم استمروا، إحنا نشتغل فى الجديد، إذاكان لسه عندها مقومات الاستمرار والقبول هى هى فسيبيها ، يعنى خدى موقف موضوعى، هوه مش جوزك، لما يبقوا يخشوا فى أزمة حادة، وتلاقى الحكاية وصلت لقرار نعرف أن الميكانزمات بتاعتها اللى كانت ممشياها ابتدت تتهز، الميكانزمات دى لا انا ولا انت عارفينها زى ما قلنا، ومش مهم نعرفها قوى، الحكاية مش حب استطلاع، المهم الميكانزمات دى ممشياها ولا لأ، لما تبتدى ما تمشيهاش ننتبه ونقول نعمل إيه، حتى قبل ما توصل لطلاق وكلام من ده، لازم هى اللى تقرر: يا ترفض، يا تقبل، إحنا نبتدى نفكر معاها مش بدالها، نعمل كده إذا حصلت حاجه جديدة تخلى لينا دور جديد مختلف، أخطر حاجة إننا نسقط على المريض نفسنا، لدرجة ان احنا نقرر لنفسنا مش للعيانين واحنا مش واخدين بالنا

د. مرفت: يعنى إيه

د/يحيى: يعنى بقالهم سبعتاشر سنة ماشيين بطريقة ما نعرفهاش، يبقى هى تقدر توصل لقرار واقعى يمشيها، أو يمكن تتوقف وتتعب أكتر وساعتها تحتاج مشورتنا بشكل مباشر، إحنا نستعجل على إيه، هى بتقول إنها ابتدت ماتطقشى اللى جارى، إيش عرفنا، إنها صحيح ما عدتشى طايقة، المسألة مش كلام، تقول زى ما هى عايزة، إنشالله ما طاقت بالكلام، إنما الدور ماشى، نقعد كده لحد ما يحصل أعراض تانية، ورفض فعلى، يبقى إعلان لتغير نوعى، يبقى دورنا يتغير.

د. مرفت: هى لمّت الهوجه الأخرانية دى بسرعة، أنا مش حاسه إن أنا اللى ساعدتها هى لمت نفسها بسرعة ما اعرفشى ازاى.

د/يحيى: شفتى ازاى، الناس بتختلف، إنت تستمرى فى الدعم وبنا الشخصية من بعيد لبعيد، لحد ما نوصل لأزمة عملية مش بسبب العلاج يمكن بطبيعة النمو، الكبران يعنى، ساعتها نشوف سوا، إنت بقالك شهرين، ما فيش غيرهم، فتستنى، هو إيه اللى صبّرها، إحنا شغلتنا زى الولادة زمان، كانوا يعلمونا إن الطبيب المولد الأمين هو اللى يتقن فن الانتظار The art of waiting اليومين دول إنت عارفة هات يا بنج، وهات يا قيصرية، بيحرموا الست اللى بتولد من روعة الإبداع، إحنا بقى لازم نتقن فن الانتظار، ما نخليش حساباتنا ومواقفنا الشخصية، أو الأخلاقية أو حتى الدينية تتدخل فى مسيرة المريض

د. مرفت: هو أنا كنت ابتديت أشتغل معاها تعمل حاجة لنفسها، تشتغل ماتبقاش طول الوقت متفانية فى البيت كده

د/يحيى: بالظبط كده، هو ده، بمعنى إنك بتدعمى الاستقلالية، بس واحدة واحدة ماتتحمسيش أوى، عشان هى تمشى بسرعتها، لأنها لو استقلت بالزّق منك يمكن تتخذ قرار مش ناضج، لازم تاخد قراراتها بتوقيتها هى، فى الوقت اللى يناسبها وتقدر تتحمل مسئولية قرارها.

د. مرفت: هو أنا كان رأيى بس يبقالها حاجه ليها بتاعتها، لأن أنا تخيلت إن اللى خلاها ابتدت تنهار دلوقتى إنها مثلا قربت تبقى 40 سنه، لما أنا وأنا صغيره بيعمل كده ، يعنى أنا ده كان تفسيرى إنه ليه لحد دلوقتى بيعمل كده، فابتدت تنهار يعنى يمكن فكرت بالطريقه دى

د/يحيى: … ممكن، بس برضه المسألة محتاجه انتظار، 17 سنه كان فيها ميكانزمات شغاله كويس، قصدى كويس ليها مش ليكى وليا، واللى كويس ليها هوه كويس ليها، خلفت 3 بنات وبتاع ومش عارف إيه، إنت تستمرى تعزمى عليها بالشغل، اشتغلت اشتغلت ماشتغلتش ما تلحّيش، تقدرى تعزمى عليها بالخروج، يعنى يبقى لها مجتمع

د. مرفت: بس هو بيغـلس عليها

د/يحيى: ليه بقى ؟!!

د. مرفت: أنا اشتغلت معاها فى اللبس شويه فابتدت تلبس حاجات شيك جذابة

د/يحيى: هوا قِلِق؟ْْ

د. مرفت: ما ستحملش ده، من أصله

د/يحيى: إحنا مالنا بقى، يتفلق.

د. مرفت: ماستحملش إن احنا خليناها تغير فى لبسها شويه

د/يحيى: هى ما بتبصش كده ولا كده؟ فى بلاد بره بيعملوها باتفاق ضمنى، “طـنّـش وانا طـنّـش”، إحنا ما لنا برضه، كل واحد يتصرف باختياره ومسئوليته ما دام مش صغير، الناس مش زى بعضها ولا المجتمعات زى بعضها، إنتى قولتى لى إنها محجبه باين، هى بتصلى ؟

د. مرفت: آه بتصلى

د/يحيى: هوا الدين ممكن يساعدها فى الموضوع ده، وممكن يلخبطها، أصل الدين نفسه مش حاجة ثابتة فى كتاب مدرسى زى جدول الضرب، كل واحد علاقته بالدين ما يعرفهاش غير ربنا، هى ممكن تاخد من دينها السماح وتفتى لنفسها وتعتبره متجوز وتفوّت عشان تحافظ على ميكانزماتها اللى شغالة بيها سبعتاشر سنة، طبعا ده صعب عليكى يمكن عشان إنت مسيحية، لكن المسألة مش مسيحية أو مسلمة، المسألة كل واحد بيستعمل الدين زاى، لإيه، أو يمكن هى تقلب الناحية التانية، وتبرر غضبها وقلقها، وبدال ما تكمل فى اتجاه الرفض لأن آن الأوان وده حقها ونضجها، تلزقها فى إن ده منكر وهى بتغيره بلسانها وبعدين بطلاقها وكلام من ده، برضه ما لناش دعوة، لا إحنا بنفتى، ولا احنا هى. هى مسئولة فى جميع الأحول، وهى زى أى حد كبير فهمان لازم تتعلم من مسئوليتها، واحنا عامل مساعد، وهو برضه مسئول، بس هوه طايح ومش على باله، كمان هو مش العيان بتاعنا، ما نقدرشى نتدخل فى أموره إلا لصالحها إذا عرفنا، أو لصالحه إذا طلب المشورة وزهق من اللى هوا بيعمله، أو من اللى هوا فيه، أو خاف من اللى هى ممكن تعمله، وجه للاستشاره لنفسه مش بس ليها، إحنا مش وظيفتنا نروضها له، ولا إننا نفركشها لحسابنا من غير ما ندرى.

 تعقيب عام:

برجاء مراعاة

1)    وضوح الرؤية وشفافية معرفة دين المريض والمعالجة، وأهمية ذلك.

2)    صعوبة التقمص من المعالجة، وأهمية الاعتراف به، وفائدة ذلك.

3)    لزوم كفاية المعلومات وزيادتها واستيضاحها طول الوقت.

4)    الحذر من الإسقاط من المعالجة، أو المشرف، على المريضة أو زوجها.

5)    مناقشة الفروق الثقافية بين المجتمع الغربى ومجتمعنا.

6)    أهمية حسن التوقيت وضرورة الانتظار.

7)    قبول عدم الفهم وصعوبته، مع التركيز على النتائج والمسيرة والأعراض.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *