نشرت فى الدستور
11-6-2008
تعتعة
هل تنتحر البشريةُ “بغباءٍ انقراضىّ”؟!
ما الذى يجرى فى العالم بالضبط؟
هل هى محاولة فاشلة لتنظيم النسل بأثر رجعى؟
بعد أن عجزت الحروب والتطهير العرقى والتشويه الفكرى عن إبادة الفائض من فقراء وأذلاء البشر وتشويه الباقين: لحساب استمرار الأثرياء المفترين المغتربين، راحت هذه الصفوة الطاغية تبحث عن طرق أحدث للحيلولة دون إغراق الأرض بالفائض البشرى الذى لا لزوم له!!
احتمال المسار التدهورى الانقراضى للنوع البشرى بدأت معالمه تظهر فى القرن الأخير بصفة خاصة، مثلا: انفصال قشرة العقل عن سائر العقول السابقة التى حفظت تطور الأحياء، وسوء استعمال انجازات العقل الرائعة للدمار وليس للبناء (الطاقة الذرية للإبادة، والمعلوماتية والتكنولوجيا للاستهلاك والاغتراب.. كأمثلة)، وانفصال الدين عن حركية الإيمان، ..إلخ
ما الذى يمكن أن ينقذ البشر من سوء حسابات هؤلاء الذين يقودونا إلى التهلكة هكذا؟
يواجه عامة الناس محاولات الإبادة هذه بكل الوسائل المتاحة، فيواصلون الحب والزواج والإنجاب جدا، ومن ثّمَّ تتزايد الأعداد، والأفواه، والبطون القادرة على التهام خيرات الله التى يزرعونها فى أرض الله، لكن الرد كان جاهزا فنشأت فكرة تجويع الناس حتى الموت بالاستيلاء على غذائهم وتحويله إلى طاقة لتشغيل محركات الحرب والاغتراب.
حين تقفز إلى ذهنى هذه الاحتمالات، أرجع إلى الكتاب الرائع الذى أهدانيه مترجمه الصديق د. مصطفى فهمى عن “الانقراض” تأليف دافيد .. روب، لكى أصدق من جديد أن 99.9 % من كل الأحياء قد انقرضت عبر التاريخ ، عنوان هذا الكتاب كاملا هو: الانقراض: جينات سيئة أم حظ سيىء، يبدو يا دكتور مصطفى أن هناك احتمالا آخرا لابد أن يضاف إلى العنوان فيصبح: الانقراض: جينات سيئة أم حظ سيىء أم انتحار غبى؟
هذا الاحتمال الثالث هو أحدث اختراعات تلك الفئة الباغية من القتلة الأغبياء الذين وجدوا أيضا أنه لا يكفى تجويع الفقراء حتى يموتوا جوعا، بل ينبغى العمل على التمادى فى تخليق غرائز استهلاكية متوحشة لمن تبقى منهم، حتى تلتهم أى فائض من “الطاقة” البشرية والوقت البشرى، هذه الغرائز الجديدة لا تدعم إلا رفاهية مغتربة ضد البقاء والإبداع والتطور.
هؤلاء الذين يحوّلون غذاء البشر إلى طاقة بعضها (أو أكثرها) للاستهلاك المغترب، لا يعرفون أنهم أول الهالكين، لا يعرفون أنهم ينتحرون فى المقدمة، لا يعرفون أنهم يقفون على أدنى درجات سلم التطور الحقيقى. لقد توقفت معرفتهم عند القانون القديم أن “البقاء للأقوى“، و“الأكثر أنانية“، وهم لم يتابعوا العلم التطورى الأحدث الذى يقول إن “البقاء هو للأكثر تلاؤما وتكافلا “ ليس فقط مع أفراد نوعه، ولكن مع الأنواع الأخرى، ومع الطبيعة إلى وجه الحق سبحانه وتعالى.
إذا كان للجنس البشرى أن ينقرض إلا قليلا ممن سوف يتطور منه وبه الجنس القادم، فلن يكون هذا القليل من هؤلاء القتلة العدميين الأغبياء، وإنما من المبدعين المعاندين الصبورين الذين استطاعوا، برغم كل ذلك، أن يوثقوا علاقتهم بأفراد نوعهم، فالطبيعة، فالكون الأعظم، ومن ثم يرثون مقاليد القوة والعقل والعلم والوعى الفائق ليحولونا بها إلى النقلة النوعية التالية .
إن إدراك هذه الحقيقة وإعلانها من كل من يهمه الأمر يجعلنا ألا نكتفى بالتصريحات والآمال، بقدر ما يلزمنا أن ننتبه إلى تنمية نوع آخر من الطاقة غير الطاقة التى تحرك الآلات وتسيّر اليخوت والسيارات الفارهة .
الطاقة الحقيقية القادرة على حفظ النوع هى طاقة الحياة والبقاء والتطور، وهى التى خلقها الله لتحافظ على مسيرة الحياة المتميزة الخليقة بتكريم البشر ليواصلوا المسيرة. إن علينا أن نقلب التصريحات الصحيحة والجيدة إلى برامج تمنع إهدار الطاقة البشرية فى تعليم مغترب، واستهلاك مهلك، وكذلك علينا العمل على الحيلولة دون قمع ما تبقى منها بالقهر والقمع وإجهاض القدرات الإبداعية أولا بأول (وبأثر رجعى).
ليس مطلوب منا أن نولد هذه الطاقة البشرية، فهى موجودة بفضل الله منذ الولادة، علينا فقط أن نحافظ عليها لتنطلق إلى مسارها الذى حقق كل هذا التاريخ التطورى المجيد، ذلك التاريخ الذى تجلى فى ظهور الإنسان مكرما من ربه هكذا، ليواصل مشاركته فى إبداع حياته بما يكمل به تاريخه المتميز، كل الطاقات الأخرى ليس لها دور إلا خدمة هذه الطاقة البشرية الخلاقة.
معظم الأطباء النفسيين، بفضل شركات الدواء، قد همّشوا واختزلوا هذه الطاقة البشرية لحساب تكديس الأموال لتمويل إشعال الحروب !!! وهم يواصلون، برمجة أغلب عقول الأطباء حتى تكون كل مهمتهم هى قمع هذه الطاقة وتهدئتها طول الوقت بدلا من احتوائها وإعادة توجيهها .
لكن هذا حديث آخر.