جريدة الأخبار
1980-9-17
هؤلاء فازوا بجوائز الدولة التشجيعية
حـوار مع د. يحيى الرخاوى مع الكاتبة حسن شاه
الطبيب النفسى الحاصل على جائزة القصة يقول:
“بطل روايتى المريض نفسيا.. هو جزء من نفسى!”
لإول مرة فى مصر يفوز طبيب فى علم النفس بجائزة الدولةالتشجيعية فى الأدب .. ذلك هو الدكتور يحيى الرخاوى أستاذ الطب النفسى بجامعة القاهرة.
نال الدكتور يحيى الرخاوى الجائزة عن روايته الطويلة (المشى على الصراط) المكونة من جزئين الواقعة ومدرسة العراة وهى رواية لايستطيع أن يكتبها سوى عالم بخفايا النفس البشرية .. وأستاذ فى تشريح ما يدور فى أعماق الإنسان بطل الرواية عبد السلام المشد يصلح لأ يكون نموذجا لإنسان العصر الممزق.. المريض بالشيزوفرينيا.
* قلت للأديب عالم الطب النفسى ماذا كان شعورك عند علمك بالفوز بالجائزة التشجيعية فى الأدب .. وهل كنت تكتب وعينك على الجائزة؟
– قال: لاشك أنى سعدت سعادة خاصة وداخلنى كثير من الثعة فيما فعلت وفيما جرى حتى تم تقدير هذا العمل بهذه الصورة، الا أنى لم أبالغ فى ذلك حيث أنى شعرت أن الجائزة الأكبر هى أن يصل ما أردته بهذا العمل الى أصحابه . أحسست أن الدنيا بخير، وأن مصر عظيمة وأنى قادر، والحمد لله.
* مارأيك فى القيمة الأدبية الجائزة التشجيعية وهل هى تعبر عن مستوى معين من الإبداع الفنى وصل اليه الفنان؟
- أكاد أقول لا للأسف، وأرجو الايكون هذا نوعا من تقليل قيمتها، فهناك من الأعمال ما لا يمكن أن يقيم فى عصره وهناك من الأعمال مالا يقبل صاحبها عرضها أصلا، ومع ذلك ففكرة الجائزة موقف ايجابى من قبل الدولة، واعترف أن تقديرا سابقا كان عندى لا يقل أهمية عن هذا التقدير الرسمى مثل رأى الأستاذ يوسف الشارونى والأستاذة الدكتورة فاطمة موسى والاستاذ والأستاذ أبو المعاطى أبو النجا إذ أحسست أن ثمة عمقا قد لمس أوتار وهى يقظ طاهر شريف، ومثل هذا هو جائزة لاتقل عن التقدير الرسمي.
* الكتابة .. هل هى عندك مجرد هواية؟.. وهل كان لعملك الأصلى كطبيب نفسى تأثير على هوايتك؟
– لا أعتقد أنها هواية بحال من الأحوال ولكنها معايشة وفعل ولما كانت علاقتى بالكلمة شديدة الحساسية فقد استطعت أن أصوع ماأعيشه بشكل مقبول أخذ طابعا من الإتقان والإبداع سمح له أن يعتبر فنا ذا قيمة خاصة، ولما كانت الوسائل العلمية واللغة العلمية أعجز من استيعاب هذا الطوفان الزاخر من مشاعر البشر فأن الوسيلة الأعظم كانت الإبداع الأدبى، ولكن كل هذا لا يعنى أنى اصف مرضا بذاته أو شخصا بذاته.
* سألت: أبطال روايتك الواقعة هل هم شخصيات حقيقية من مرضاك أم هم شخوص من نسج الخيال؟
– اعتاد الأدباء على القول بأن شخصياتهم الروائية لا وجود لها فى الواقع، وهذا التأكيد وهم من أساسه إذ يستحيل أن يكتب كاتب من محض الخيال ولكن ما أريد إيضاحه أن وجود هذه الشخصيات واقع ففى تركيبى الشخصى وكأنهم النتاج الحقيقى لتفاعلى مع ما وصلنى منهم ثم تأتى الصياغة الفنية.
* عبد السلام المشد بطل الجزء الأول من روايتك يبدو تجسيدا لإنسان العصر الذى نعيشه فما مرضه على وجه التحديد؟
– أعتقد أنى ماقمت بهذا العمل الا لأتجنب لعبة التشخيص الجائر، وقد أخطأت فى بداية حياتى النقدبة حين شخصت عمر الحمزاوى فى شحاذ نجيب محفوظ على أنه اكتئاب ولعلى استغفر بهذا العمل الأدبى مما كان (عبد السلام المشد) فى تصورى هو المريض الذى يشخص الحياة والأطباء بوعى شديد الإيلام فائق الإختراق، وهو يعرينا اذ يعرى نفسه وهو قد عاش فى الرواية كل مظاهر الأمراض دون أن نستطيع أن نعلق لافتة خاصة باسم لاتينى عليه .. وهذا فضل الأدب عن العلم فى تناول الإنسان بما هو.
* هل تعتبر أن فيك شئ من بطلك عبد السلام المشد؟
- لاشك فى هذا، أما أنه هو أنا فلا اعتقد أن ذلك يقارب الحقيقة اطلاقا، بل أنى أعتقد أن السيرة الذاتية ننفسها حتى لو كانت أدبا ومهما بلغت أ ى درجة من الصدق فأنها يستحيل أن تعبر عن صاحبها حقيقة وفعلا.
* من يقرأ رواية (الواقعة) يتصور آن كاتبها لابد أن يكون به لمسة من الجنون مع أنك متوازن تماما فى حياتك الخاصة كيف تفسر ذلك؟
- هذا صحيح حتى أن أحد الزملاء من أطباء النفس قد وصف هذا التفكير الذى ورد فى الرواية بأنه أدق ماوصف به مرض انفصام الشخصية، الواقع أن هذه حقيقة مبدئية الا أن الأديب - أن كنت كذلك - هو القادر على أن يعيش أبلغ درجات التمزق وهو ممسك طول الوقت بكل أبعاد وعيه والا ما كان إبداعا، فلو أن عبد السلام المشد شخصيا كتب خبرته هذه لخرجت الينا مجموعة من الألفاظ المترامية بلا معنى ولات أبداع ولا هدف، وهذه هى محنة الأديب وشرفه معا.
* أسلوبك فى الرواية التى نلت بها الجائزة لا شك أنه غريب على الأساليت التقليدية وأقرب ما يكون إلى أساليب كتاب الرواية الغربية المعاصرة .. فهل تأثرت بأحد منهم؟
- لقد سألتنى هذا السؤال الدكتورة فاطمة موسى وخجلت تماما حين أجبتها أنى لم أقرأ احدا بذاته حتى ديستوفيسكي، وبعدها قرأت الجريمة والعقاب مترجمة وأحسست بضآلتى ومسئوليتى معا، ضآلتى لأن هذا العمل – وإخوته – رائد رائع، ومسئوليتى لانى شعرت أن فرصتى فى الإضافة من واقع علمى وامتلاكى ناصية الكلمة معا ليست قليلة .. ولا أدرى هل أستطيع أن أقوم بها بعد هذا التقدير أم لا.. أظن أنى سأتشجع أكثر لو أن القارئ الواعى هو الذى منحنى التشجيع الحقيقى الذى يسمح لى بالقيام بمسئوليتى هذه، أما أن هذه الكتابة غير الكتابة العربية فإنى أعتقد أن السراب والشحاذ و الطريق كأمثلة لأستاذنا الرائد تجيب محفوظ قد عرضت النفس الإنسانية بما ينبغى وزيادة.
* ألم يكن يسعدك أكثر أن تحصل على جائزة فى الطب النفسي؟
- بصراحة لا ..، فالطب النفسى الآن فى محنة، تكاد تأكل وجهه المشرق ولعلى فى قراره نفسى أعتبر أن هذه الجائزة هى ضمنا فى الطب النفسى كما ينبغى أن يكون
* هل سبق لأحد أطباء علم النفس أن نال جائزة فى الأدب؟
- أعلم أن جان ديلاى مخترع اللارجاكتيل كتب القصة ولكن باسم مستعار ولم ينل جوائز أدبيه ونانير البلجيكى مؤلف منهاج البحث (الفيو جنولوجيا) نال جائزة أدبية، وبنديك المجرى صاحب كتاب الإنسان و (القفص الذهبى) كان أديبا وكتب هذا الكتاب بأسلوب روائى رغم أنه فى الطب النفسى ولا أعلم أن كان نال جائزة أم لا.
* هل اقتصرت كتاباتك الأدبية على الشكل الروائى الذى نلت عنه الجائزة؟
– لقد كتبت الشعر بالعربية فى ديوان سر اللعبة الذى قدم علم السيكوباثولوجى بالشعر ثم ديوانا بالعامية هو أغوار النفس ثم حكما مركزة فى كتاب (حكمة المجانين) ثم ديوانا بالعربية لم ينشر بعد هو (الأنهار السبعة) كل هذا فى محاولة إبلاع مارأيت داخل الإنسان وداخلى بإسلوب أدبى وعلمى قادر.