نقلة مع مولانا النفرى: من: كتاب المخاطبات مقتطف من: (المخاطبة رقم 7)
نشرة “الإنسان والتطور”
الثلاثاء: 29-12-2020
السنة الرابعة عشر
العدد: 4868
نقلة مع مولانا النفرى:
من: كتاب المخاطبات
مقتطف من: (المخاطبة رقم 7):
وخـَاطـَبَ مولانا النفرى قائلا:
يا عبد الحزن علىّ حقيقة الحزن
يا عبد أنا عند الحزين علىّ وإن أعرض عنى
يا عبد كيف يحزن علىّ من لم يرنى
أم كيف لا يحزن علىّ من رآنى
فقلت لمولانا:
لا..لا..لا..يا مولانا
كله إلا هذا!!
علاقتى يا مولانا بالحزن وضعـَـتـْـه على قمة الوجدانات النبيلة الخلاقة، هذه العلاقة يلومنى عليها كل أهل مهنتى الذين اعتادوا أن يقرنوا الحزن بما يسمونه “اكتئاب” أو حتى “انهباط”
الحزن عندى صحوة ومسئولية ومشاركة.
الحزن هو إعلان لألمٍ شريف يصاحب الكدح إلى الحقيقة
الحزن يقربنا إليه: إلى أنفسنا
الحزن وقودٌ لإبداع،
وتعميقٌ لعلاقة،
ونبلٌ في موقف
من خلال ذلك حين أحزن يحضرنى برحمته فأفرح أن يكون “عندى” حتى لو كنت لم استحضره بدرجة كافية.
أما أن يكون الحزن “عليه” فهذا ما أدهشنى حتى بدأت حوارى معك اليوم بهذا الـَّنفـْى الفزع: لا .. لا .. لا ..
نحن نحزن على ما نفقده
ونحزن على من نفتقده
ونحزن على ما لم نحققه وكنا نرجو أن يتحقق
ونحزن على ما فاتنا
ونحزن على ما أصابنا
أما أن نحزن “عليه” فلم تصلنى الحالة الموصوفة لأول وهله، ولا بدرجة كافية
ثم عدت فراجعت نفسى وأنا أعود للسطر السابق، فاطمأننت أنه لم يـَدَعـْنـِى لحيرتى، وأنه عند الحزين حتى مع غفلته أو إعراضه عنه أو نسيه إياه ولو لحظات!!
فأطمأنت أن هذا الحزن: هو حزن آخر
هو حزن لم يمنع أن يكون هو عندى حتى دون أن أطلبه
هو حزن يجدد وجودى في رحابة
هو حزن يقربنى إليه
لكن يا مولانا لماذا حرف الجر “على” (علىّ)
هل يرجعنا هذا إلى عظمة هذه اللغة حين تسمح لحروف الجر أن تحل محل بعضها
هل الحزن عليه هو الحزن معه؟
هو الحزن في رحابه؟
هو الحزن إليه ونحن نتحرك في كـَبـَدٍ نحوه؟
هل هو الحزن لإدراك المسافة التى لابد أن نقطعها حتى نرى وجهه؟
هل هو الحزن الإبداع الذى يتجدد به الوعى إليه؟
إن كان ذلك كذلك أو بعض ذلك فليكن:
ولتكن هذه هى “حقيقة الحزن” التى هى غير “الحزن”
لتكن حقيقة الحزن هذه: غير الحزن النعـّاب،
وغير الحزن الطفيلى،
وغير الحزن الساخط،
وغير الحزن المـُعجـّز
وغير الحزن المـُــِشلّ
وغير الحزن الخائب،
وغير الحزن اللزج.
ولكن متى يعرف طالب وجهه وسالك طريقه هذه التفرقة الجوهرية بين “الحزن”، وبين “حقيقة الحزن”.
وليرتفع حرف الجر “على” إلى المرتبة التي سمحتْ له أن يبلغنا هذه الرسالة فى هذا الموقع هكذا!!
2020-12-29