الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / نقلة مع مولانا النفرى: كتاب المخاطبات مقتطف من: (المخاطبة رقم 7)

نقلة مع مولانا النفرى: كتاب المخاطبات مقتطف من: (المخاطبة رقم 7)

نشرة “الإنسان والتطور”

الثلاثاء: 23-5-2023

السنة السادسة عشر

العدد: 5743     

نقلة مع مولانا النفرى:

 من: كتاب المخاطبات

مقتطف من: (المخاطبة رقم 7):

وخاطب مولانا النفرى قائلا :

يا عبد : المتقلب يصلح على كل شيء

مالا يتقلب لا يصلح على شيء

فقلت لمولانا:         

   الحركة يا مولانا هي الحياة، ولا يمكن أن نأمل في تغيير أو تغيّر إلا ونحن نتحرك ، وكم هاجمت صنم “يحيا الثبات على المبدأ”.

لكن: هل التغيير هدف فى ذاته؟ أم أنه نتيجة طبيعية لحياة إيجابية تفرح بالاختلاف، وتقبل صراع البقاء ليفوز فى مرحلة ما، بفضل الله: من هو أصلح وأنفع؟ وهكذا؟.

وما هى الشروط الواجب توافرها فى عملية التغيير لتكون النتيجة إيجابية إذا ما كان الاجتهاد سليما؟

وهل يمكن التفرقة بين التغيير الحقيقى، والتغيير الزائف، والتغيير المناور؟

 التغيير طبيعة بيولوجية 

حين ينام أى منا ويصحو، فى الأحوال العادية، يتم تغيير ما، بإعادة ترتيب المعلومات التى تجمعت بيولوجيا فى الدماغ والجسم أثناء الصحو، (وعبر النمو والتاريخ)، وذلك أثناء نوم حركة العين السريعة (النوم الحالم)،

نحن نسلم أرواحنا له ونضع جنوبنا إليه، وهو الذى يميتنا في كل ليلة وهو الذى يحيينا بعدها: وإليه النشور،

فهل هناك تغيير أعمق من ذلك أو أعرق من ذلك أو أضمن من ذلك؟

فإذا لم يتم هذا التشكيل في النوم أكثر من الصحو، فإن الواحد منا قد يشكو من أنه لم ينم أصلا (برغم احتمال شخيره طول الليل)، وهو يتصور فعلا أنه لم ينم.

مع أنه طمأنك يا مولانا فطمأنتنا حين قال لك “النوم لى، لا للصلاة ولا للقيام ..لخ”،

عمليات التغيير المستمرة هذه، برغم رهافة نتائجها حتى لا نكاد نشعر بها أولا بأول وعياً كاملاً، بسبب ضآلتها ورهافتها، هى أصل النمو، وسر التطور، وهى تتم من خلال ظاهرة “الإيقاع الحيوى”، وهى ظاهرة تعلن فى عمقها، أن الإنسان يولد (يبعث) من جديد بانتظام وباستمرار كل يوم وليلة.

 حين ينام المسلم – وكل من أسلم نفسه إليه، – يسلم نفسه لربه (باسمك ربى وضعت جنبى، وبك أرفعه ، اللهم إن قبضت نفسى فاغفر لها، وإن أرسلتها فاحفظها..) وحين يستيقظ يُبعث من جديد، (الحمد لله الذى أحيانى بعد ما أماتنى وإليه النشور)، طبعا هذه الظاهرة تعلن أننا – كبشر– نموت ونحيا كل أربع وعشرين ساعة باستمرار.

تغير الفصول هو أيضا نوع من “الإيقاع الحيوى” الذى يذكرنا بحتم تقليب الإيقاع وليس بالضرورة بالتغيير، فإذا تناغمنا مع الطبيعة فى نفس اتجاه عقارب “الإيقاعحيوى” ، رقص مزاجنا سعيا طربا، وانطلقت حيويتنا انبعاثا وإبداعا كما يعلمنا صلاح جاهين:

“مرحب ربيع مرحب ربيع مرحبا،

يا طفل ياللى فْ دمى ناغى وحبا،

عشان عيونك يا صغنن هويت،

حتى ديدان الأرض، والـِّلغربا”

 أما إذا لم يتناغم إيقاعنا الحيوى مع إيقاع الطبيعة، ولم تتفتح الأزهار داخلنا وتتفتح روحنا مع ازدهار الطبيعة وتقلبها ، فإن صلاح أيضا ينتبه إلى ذلك حين يقول :

“.. تسلم يا غصن الخوخ يا عود الحطب،

ييجى الربيع تطلع زهورك عجب،

وأنا ليه بيمضى ربيع وييجى ربيع،

ولسه برضك قلبى حتة خشب

نجيب محفوظ فى ملحمة الحرافيش ينبهنا إلى حتمية التغيير ويربط بينه وبين تغير الفصول أيضا:

……لو أن شيئا يمكن أن يدوم على حال فِلمَ تتعاقب الفصول؟  ملحمة الحرافيش، (ص 197)

وفى الملحمة أيضا، (ص 331)  يقول:  “… (الحياة: ..) …، باطنها يتغير ببطء ولكن بثبات وإصرار، يتمخض كل يوم عن حركة، كل أسبوع عن وثبة، كل شهر عن طفرة،….“.. الخ.

ثم يقول فى الملحمة أيضا: (ص 334) “كل دقيقة تمر بلا تغيير انتصارا  للذل والتعاسة”.

للأسف تحضرنى نكتة مصرية شديدة الدلالة، أذكرها –برغم قدمها (بتحوير طفيف): ” ذهب شخص يخطب فتاة من أسرة طيبة، ولم تجد الفتاة فيه عيباً إلا اسم عائلته، فتحرجت أمام أهلها وهى تقدر أن الاسم هو الذى قد يعرقل المشروع، فطلبت منه أن يغير اسمه، وكان اسمه إبراهيم “الــدُّهـُـلّ” (مثلا)، فوافق، وذهب وعاد فرحا وهو يبشرها أنه قد قام بتغيير اسمه، فسألته: غيّره إلى ماذا، فقال: إلى أحمد “الــدُّهـُـلّ””. (قديمة !!، أرجوك لا تربط بين النكتة وعنوان الفقرة. شكراً).على أن هناك أنواعا وتجليات كثيرة لما هو تغيير شكلى أو زائف،(غير التغيير الذى جاء فى النكتة) ، قد يلزم أن أعود إليها فى أكثر من حديث، مثل:

التغيير المشروط (= نعم…ولكن:  …)،

التغيير فى المحل (= محلك سر)

التغيير التآمرى (الإيهام بالتغيير لتأكيد الثبات)،

أما ما جاء هنا في مخاطبتك يا مولانا فهو التقليب وليس التغيير، وأعتقد أن المتقلب هو الباحث المندهش من كل ما هو جديد بديع ليبدأ أو يواصل مسيرة الكشف والإبداع إليه،

أما من يـُرعب من أي جديد حتى يتجمد في موقعه فهو الذي  لا يتقلب،فلا يصلح على شيء ، قديم أو جديد،

في حين أن من يطمئن إلى بعثه هنا فهناك ، فهو الذى يستأهل الاستجابة العظمى، فيصلح على كل شىء

 قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا

2 تعليقان

  1. كيف حالك يامولانا:
    المقتطف : وفى الملحمة أيضا، (ص 331) يقول: “… (الحياة: ..) …، باطنها يتغير ببطء ولكن بثبات وإصرار، يتمخض كل يوم عن حركة، كل أسبوع عن وثبة، كل شهر عن طفرة،….“.. الخ
    التعليق : قرأتها من قبل مرات عديدة ،لكن اقتباسك لها هنا ووضعها فى سياقها هذا ،” غيرها ” فى وعيي ،أو غير وعيى بها ،أو تغير بها وعيى …. بس خلاص ( بطريقتك الحلوة ،تعبيرات وشك وخبطة إيدك ع المكتب : بس خلاص )

  2. المقتطف :-

    يا عبد : المتقلب يصلح على كل شيء
    مالا يتقلب لا يصلح على شيء

    اجمل انواع التقليب هي ما يحدث عند اي حد باقل القليل من ميكانزمات الدفاع .
    فيلاقي نفسه عمال يتقلب .
    فيستقبل من الداخل ومن الخارج .

    المعجز في هذه الفقرة هي قوله “ما لا يتقلب لا يصلح علي شيء “”
    وهذا هو التكلس الوجودي وللاسف هو موجود عند من يدعون احتكار الحق من دون الناس من ادعياء الاديان . لا تعارض اطلاقا بين مناهج العقيدة — اذا صلحت — وبين حتم التقليب .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *