أخبار الأدب
نشرت بتاريخ: 17 فبراير 2013
نبض الناس
نقد النص البشرى!
هذا المصطلح “نقد النص البشرى” حضرنى أثناء بعض جلسات العلاج الجمعى بالذات، ذلك لأننى بمراجعتى المتأنية، وبتأملى فيما أعيشه مع أى نص أدبى وأنا أقوم بنقده، اكتشفت أنى أمارس نفس النوع من النشاط التشكيلى مع مرضاى،.. يا خبر!! المريض نص بشرى؟! وأنا أيضا نص بشرى؟! إذن ماذا؟
ولكن دعنى أبدأ بتعريف النقد الأدبى بالتأكيد على أنه إبداع ثان، أى أن الناقد يعيد إبداع النص الأصلى حين يقوم بتلقيه بوعى الناقد فيفككه من جديد ليعيد تشكيله، وقد يكتشف فيه ما غاب عن المؤلف الأصلى، وقد يعيد تنظيم وحداته من منظور نقدى يجدد النص ويثريه.
العملية العلاجية الحقيقية هى “نقد” بكل معانى “القراءة” و”الفحص”، و”القبول” و”الرفض” “فإعادة التشكيل” إبداعا على إبداع، لكن خالق النص البشرى هو رب العالمين، فكيف بالله عليكم نتكلم عن إعادة تشكيل ما خلق هكذا بهذه البساطة؟ لكن عندك، إن الله سبحانه خلقنا كيانات نامية تتطور وتتشكل باستمرار فى اتجاهه سبحانه، وفى هذه العملية نختلف عن بعضنا البعض اختلاف بصمات الأصابع، وقد تسير الاختلافات فى مسارها الطبيعى مع أن هذه ليست القاعدة، وقد تتعثر، أو تعرقل، أو تتوقف أو تشوه إذن فنقد النص البشرى فى العلاج لا يعيد تشكيل إبداع الرحمن لنا، وإنما هى محاولة لفهم ما آل إليه النص، ثم تعديل المسار الذى قام كل منا بمن حوله وما حوله بتحويله عن قوانينه الطبيعية الخلاقة، فوصل بعضنا إلى المرض: لا أكثر ولا أقل.
وجدت نفسى أقوم بمثل ذلك حين أقرأ إمراضية (سيكوباثولوجى) مرضاى ولا أكتفى برصد الأعراض أو تعليق لافتة التشخيص، ثم إنى أعيد تركيب وحدات الوعى كما أقوم بعملية النقد الأدبى تقريبا، لكننى رعبت من احتمال أننى أفرض على مريضى ما لم يختَرْه، فإذا بى أكتشف أنه من المستحيل أن أفعل ذلك إلا بمشاركة مريضى وهو يعيد تشكيل نفسه، فيصبح ناقدا مشاركا ، ليس هذا فحسب بل إنه يعيد تشكيلى أنا شخصيا معه فى نفس الوقت.
إن نقد النص البشرى ليس علما بديلا، فهو لا يقاس بمقاييس العلم الحسابى، أو المنطق الأرسطى، وإلا أصابته الكارثة التى أصابت النقد الأدبى حين حاولو أن يجعلوا منه علما واسموه “علم النقد الأدبى”، تماما كما حدث لعلم النفس حين انتزعوه من الفلسفة والإبداع انتزاعا. نقد النص البشرى هو قراءة نقدية إبداعية واقعية لنصَّين معا: المريض والمعالج حيث تقاس النتيجة بعدة مقاييس كيفية وليس بمجرد اختفاء الأعراض أوتحقيق الرفاهية، ومن بين هذه المقاييس: انطلاق مسيرة النمو وتحريك الإبداع ودعم برامج وقوانين البقاء، ومدى انتشار نفع النتيجه، وكل هذا هو ألف باء ما حفظ استمرار الواحد فى الألف من الأحياء التى استطاعت أن تقاوم الانقراض حتى الأن.
خلاصة القول:
إن التعامل مع الإنسان من منطلق أنه “نص بشرى” قد يكون إضافة لها مرجوعها منهجا ومحتوى، ثم إن استعمال التعبير النقدى”التناصّ” هو الأقرب لما يجرى فى العلاج الجمعى بصفة خاصة، كذلك فإن تطبيق فكرة التناصّ على تفاعل هذه النصوص معا، قد يتيح لنا أن نفهم ليس فقط تفاعل المرضى مع بعضهم البعض، بل – وفى نفس درجة الأهمية- تفاعل المعالج مع بقية المرضى والمعالجين، وأخيرا، فإن المعالج، برغم أنه القارئ والناقد الأول، إلا أنه “نص بشرى” بدوره ، وبهذا تسرى عليه القراءة النقدية المتضمنة فكرة “التناصّ” بنفس الدرجة التى يتفاعل بها المرضى مع بعضهم البعض ومعه لتشكيل وعى الجماعة معا، وربما أكثر.